مسألة: في وجوب الجهاد مع كل إمام برًّا كان أو فاجرًا

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : ابن جبرين | المصدر : www.ibn-jebreen.com

قوله:
( ونرى الحج والجهاد ماضيًا مع طاعة كل إمام برًّا كان أو فاجرًا، وصلاة الجمعة خلفهم جائزة , قال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم:
ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال: لا إله إلا الله، ولا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل, والجهاد ماضٍ منذ بعثني الله عز وجل حتى يقاتل آخر أمتي الدجال - لا يبطله جَوْر جائر ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار . )


شرح:
قوله: (ولا نكفر أحدًا بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل), ذكرنا أن الذنوب يُخاف على أصحابها، فنخاف على أصحاب هذه الذنوب ولكن خوفنا لا يصل إلى الجزم ، كذلك أيضًا؛ فإنه لا يخرج من الإسلام بذنب، لا نخرجه من الإسلام بهذا الذنب.
وإذا قيل: ما المراد بأهل القبلة؟ فنقول: هم كل من يستقبلون القبلة التي هي البيت الحرام سواءً يستقبلونها في صلاتهم أو في أدعيتهم أو يستقبلونها بقلوبهم كما في قوله تعالى:

فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ (إبراهيم:37) ؛ يسمون أهل القبلة لأنهم يهوون إليه، وكذلك سفرهم إليها لأداء المناسك، فهؤلاء أهل القبلة حيث أنهم يصلون صلاتنا، ويستقبلون قبلتنا، ويأكلون ذبائحنا، ويشهدون بشهادتنا.
لكن إذا حدث عندهم شيء من النقص وشيء من الخلل فلا نخرجهم بهذا النقص ولا بهذا الخلل عن دائرة الإسلام، ولا نشهد لهم بالإيمان بل نقول: هم مسلمون ، وإيمانهم الذي معهم قد يكون إيمانًا ظاهرًا، قد لا يكون محققًا في كل فرد منهم لقوله تعالى في الأعراب:

قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ (الحجرات:14) .
نشهد لهم بأنهم من جملة المسلمين ومن الأمة الإسلامية، ونمتنع عن التكفير أو التفسيق، وكذلك نحث على الأعمال الصالحة وعلى التوبة من الأعمال السيئة.
أما الجهاد والحج مع الأئمة؛ فإن هذا أيضًا من جملة عقيدة المسلمين، ويستدل على ذلك بهذا الحديث الذي رواه أبو داود وغيره، وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأن الجهاد ماضٍ مع كل برٍّ وفاجر حتى يقاتل آخرُ الأمة الدجال وأنه لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل.
يعني: أن الأمة عليهم أن يجاهدوا من كفر بالله ومن خرج عن الإسلام - ولو كان ذلك القائد أو الأمير أو الوالي عاصيًا أو فاسقًا أو مخلا بشيء من العبادات والطاعات، فإن الجهاد معه فيه نصرٌ للإسلام والمسلمين.
  وكذلك الحج؛ فكثيرًا ما يكون تحت ولاية بعض الأمراء والعصاة، فيصح الحج مع كل أمير برًّا كان أو فاجرًا، وسبب ذلك أنهم في القرون الماضية كانوا لا يحجون إلا مع أمير يكون على الحجاج ويجتمعون حوله ليأمنوا من قطاع الطريق، ففي الطريق أعراب يقطعون الطريق إذا كان الحجاج متفرقين ليس معهم من يجتمعون معه ، فيخرج الحجاج مثلا من العراق والبحرين والأحساء وما حولها كلهم يجتمعون ويصير عليهم أمير، ويتوجهون إلى الحجاز ففي أثناء الطريق إذا كانوا متفرقين تقوم عليهم الأعراب وتقاتلهم وتسلبهم رواحلهم وأمتعتهم، فإذا كان معهم أمير يجتمعون عليه هابه الأعراب ولم يقدروا على قتاله، فمن أجل ذلك نقول: إن الحج معه ولو كان عاصيًا فيه خير.
فقد يوجد من أمراء الجيوش وأمراء الحجاج من يشرب الخمر، أو يسمع الأغاني ونحوها، أو يؤخر الصلاة عن وقتها كصلاة العصر مثلاً، وما أشبهها، فيقول بعضهم: كيف نحج مع هذا الذي يشرب الخمر؟ نقول: ما دام أن فيه مصلحة وأن فيه نفعًا للمسلمين، حيث يأمنون معه على أنفسهم وعلى مناسكهم، وعبادتهم؛ فإن هذا خير، ووجوده خير من عدمه ، مع أن الغالب أن أمير الحاج يكون من المتمسكين والعابدين وأهل الخير والصلاح، أو من العلماء العباد.
وهكذا يقال في الجهاد: الأمير الذي يكون على المجاهدين غالبًا يكون من أهل الخير والصلاح، ولا شك أن فيه منفعة ومصلحة للمسلمين؛ وذلك لأن الجهاد فيه إعلاء لكلمة الله تعالى، وفيه رفع للإسلام وإعزاز له.
والغالب أنه إذا كان أميره حازما شديد البأس قوي التفكير؛ أنه يكون أحزم للجيش وأضبط له، فإنه يحيطهم برعايته ويراقبهم، ويعرف لهم الأماكن التي يسكنون فيها وينزلون فيها، ويدبرهم أحسن تدبير، فينتصرون على عدوهم ويظفرون على من قاتلهم، ويكون ذلك الحازم سببًا في انتصار الإسلام والمسلمين، فإذًا نقاتل معه، ولو حصل منه بعض الخلل ولو ارتكب بعض الذنوب، فإن وجوده خير من عدمه وخير من أن يتفلتوا ويتفرقوا فيظفر بهم الأعداء.
إذًا فالجهاد ماض خلف كل أمير ومع كل أمير، والحج ماض خلف كل أمير ومع كل أمير؛ برًّا كان أو فاجرًا للمصلحة العامة ، ويستثنى من ذلك إذا كان كافرًا لقوله صلى الله عليه وسلم:

إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان

فلا يجوز أن يمكن الكافر الذي أعلن كفره من الغزو مع المسلمين ، لأنه لا يؤمن كيده على المسلمين ، ولو كان قد يقاتل حمية مع المسلمين أو عصبية أو نحو ذلك ، لأن الكافر لا يجوز إقراره أو إقرار ولايته على المسلمين، أما إذا كان عاصيًا -مجرد معصية- فالمعاصي والكبائر ونحوها لا يخرج بها صاحبها من الإسلام، بل هو باق على دينه.