س 36: وسئل -وفقه الله- عندما يعلم المدرس بوصول الموجّه إلى المدرسة فإنه يجد ويجتهد، ويبذل قصارى جهده؛ استعدادًا لدخول الموجّه عليه في الفصل، فيحضر الوسيلة ويأتي بألوان من الأقلام للكتابة بها على السبورة، ويرفع صوته في الفصل ويتحرك فيه، ويكتب عناصر الدرس، ويسيطر على طلاب الفصل سيطرة تامة، وأما قبل مجيء الموجه وبعد خروجه من المدرسة فإن الوضع يتغير تمامًا، فيعود تقصيره وتساهله، فهل هذا من أخلاق المدرس المسلم؟ وهل يعتبر هذا من التقصير المحاسَب عليه أمام الله؛ لكونه لم يؤد الأمانة على الوجه المطلوب لخوفه من الموجه؟ فأجاب: على المدرس أن يخلص في عمله، وأن يقصد بأدائه وجه الله -تعالى- وخوفًا من الحساب الأخروي، وأن يعتقد أن هذا التدريس أمانة بينه وبين الله -تعالى- فيستشعر الخوف من الله أن يعاقبه على ما علم منه من التقصير والإخلال بالعمل الواجب عليه، ويعتقد أن هذا التدريس أمانة قد ائتمنه عليها ربه، وقد وكل هؤلاء الطلاب إليه أمرهم، وقد أسلمهم إليه أولياؤهم، وكذا أخذ هذه الأمانة من المدرسة، فالإدارة قد فوضوا إليه هذه الدروس، ووثقوا بأنه سيقوم بالواجب، وأعطوه على ذلك أجرًا محددًا، فعليه الحرص على أداء هذه الأمانة، وعليه أن يشعر بالمسئولية عاجلا وآجلا، فمتى علم بذلك كان عليه أن يخلص في عمله لوجه الله -تعالى- واستحلالا لما أخذه من الراتب، ونصحًا للمسلمين، ومحبة لحصول الخير لكل مسلم، فإن المسلم يحب للمسلمين ما يحب لنفسه وولده. فكما ينصح لأولاده ويتمنى لهم العلم النافع والمعرفة والفهم والتفوق، فكذلك يفعل مع أولاد إخوانه من المسلمين، وحيث إنه موكول إليه هذا التدريس فالواجب عليه أن يخلص في العمل، ولا يحمله على الإخلاص محبة الشهرة، أو مدح الموجه له، أو نجاحه عند الإدارة، أو الخوف من أن ينتقد عليه الموجه تقصيرًا أو خللًا، بل عليه أن يكون في عمله كله مجدًّا نشيطًا مخلصًا في كل الحالات وفي جميع الأوقات، فأما الذي يجتهد ويجد في درس واحد وهو الذي يحضره المفتش والموجه فإن هذا يخاف عليه أن يكون من الخائنين، أو من المرائين بأعمالهم، والله عليم بذات الصدور. -38-