ومما يدل على كمال الإسلام، واشتماله على كل مصلحة وخير ونفع للأفراد والجماعات؛ أن الشرع الشريف حث على الشيم والأخلاق النبيلة التي تعترف العقول بمعرفتها، وتشهد بحسنها وحسن آثارها، وما لها من الأثر الفعال في النفوس، مما يوافق مقصد الشريعة، كما أمر بالتواضع ولين الجانب، سيّما مع الضعفاء والخاملين والمساكين، ونهى عن ضد ذلك من التكبر والتجبر، واحتقار المسلمين وازدراءهم، ومن الإعجاب بالنفس والترفع على الخلق، وفسّر الكبر بأنه بطر الحق وغمط الناس، فإن الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، كما في قوله -تعالى- إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ وكما في الحديث: إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد بل أخبر بأن التواضع لعباد الله سبب للرفعة وعلو الرتبة عند الله وعند الناس، وقال: حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه فهذه إشارة إلى كمال الشريعة، وإلى ما اشتملت عليه من الخصال الحميدة، والأخلاق والآداب الرفيعة، التي تسمو بمن تخلَّق بها إلى أرفع المنازل، وما حذرت منه هذه الشريعة من الأخلاق الدنيئة الذميمة، التي تدنس الأعراض، وتوقع في العار والشنار، ولقد أكثر العلماء قديما وحديثا من الكتابة حول خصال الإيمان والدين التي تجب أو تستحب، وسموها آدابًا شرعية، وخصالا دينية، وأدخلوا في ذلك العادات القديمة التي أقرها الإسلام، أو أثنى على فعلها، كالجود والكرم، والصدق والوفاء، والبر والصلة، والسلام والتحية، والتراحم والتعاطف، والتزاور ونحوها، وقد توسع في ذلك ابن عقيل الحنبلي في كتابه المسمى بـالفنون، حيث جمع فيه ما أدركه من فنون العلم بجميع أنواعه، ولكنه لم يوجد كاملا، وقد ألف الكثير من الأئمة في الأخلاق والآداب، وشعب الإيمان، وهكذا كتبوا في الخصال المذمومة وكبائر الذنوب وأنواع المعاصي والمحرمات، وكل من ألف في ذلك فإنما كتب ما يناسبه، ولكل مجتهد نصيب. ولا شك أن شريعة الإسلام قد تضمنت كل ما تمس إليه الحاجة البشرية، وأن جميع الخصال التي تهدف إليها يعرف عند التأمل ملاءمتها ومناسبتها؛ ولذلك يحتاج إلى الاستقصاء في جمع أنواع العبادة، وما ورد الأمر به من القربات، وما نهى عنه مما يخالف أهداف تلك الخصال، وذكر أدلتها من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة، مع ذكر معانيها ونتائجها، مما يفيد المسلم وطالب الحق علمًا وسعة إطلاع.