لا أعرف لماذا غاب كبار المحامين فى مصر عن تشكيل هيئة الدفاع عن المدعين بالحق المدنى فى محاكمة مبارك، وعن تمثيل أسر الشهداء والمصابين فى هذه القضية التاريخية. لا أشكك فى صدق نوايا هؤلاء الشباب من المحامين الذين ظهروا خلال الجلسة على الهواء مباشرة، باعتبارهم ممثلين عن أسر الشهداء، ولا أنتقص من قدرهم القانونى، حاشا لله، ولكننى أعتقد أن محاكمة هى الأولى فى تاريخ مصر، وبهذا المستوى من المتهمين، من رئيس سابق، وأبنائه، ووزير داخليته، وطاقم إدارته الأمنية بالكامل، فى جرائم قتل مئات الشهداء، تستحق ما هو أكبر من الصراع على ميكروفون القاعة، أو التلويح الأبله للكاميرات، والحديث المفتعل فى التليفون، ليؤكد الأصدقاء والعائلة فى الخارج أن صور (الباشا) منوّرة على التليفزيون! شعرت بالخجل، وبالحيرة فى الوقت نفسه، وأنا أتابع هذا المشهد، كيف يمكن لهؤلاء الذين يمثلون مصر بكاملها داخل قاعة، لها مهابة وقداسة دماء الشهداء، أن ينشغلوا بهذه التفاهات، فى حين البلد بكامله ينتظر منهم رؤية قانونية راسخة، ومعركة قانونية مدروسة أمام عتاولة المحامين الذين يدافعون عن معسكر الشر داخل قفص الاتهام. المدّعون بالحق المدنى من المحامين يجب أن يعرفوا أنهم ليسوا طرفا فى قضية تعويضات فى محكمة عادية، ويجب أن يعرفوا أن مهمتهم ليست الفوز بلقطة على التليفزيون، لكن مهمتهم الأساسية مع النيابة العامة، هى جمع كل أدلة الإدانة للمتهمين، وتحويل الإدانة السياسية التى يؤمن بها ملايين الناس فى مصر إلى إدانة قانونية ترتاح إليها ضمائر هيئة المحكمة، وتؤكد الجريمة أمام أعين العالم أجمع. هذه المحاكمة، اختبار حقيقى لنا جميعا، فإما أن نهتف للعدل والقانون والحقيقة، أو نهتف لسعادة الباشا المحامى المنوّر على التليفزيون.