لى أصدقاء يفضلون الموت على مواجهة الجمهور، عن نفسى ما زلت أذكر كيف ارتعشت ركبى وأنا أعتلى المنبر لأول مرة، كنت حول الخامسة عشرة، ولأن الخطيب تغيب فجأة، كان على أحد ما أن ينقذ الموقف، وقد رأى البعض، لا أدرى لماذا، أننى هذا الشخص، هكذا تحولت إلى خطيب، والمضحك أن من بين المصلين أصحاباً سيلعبون معك بعد أن تنفضّ الصلاة، ستلعبون جميعاً وتسددون الكرة إلى حائط المسجد الذى كنت للتو تخطب فيه ! وأذكر صوتى عندما راح منى، وريقى حين جف وأنا أقول "هنا القاهرة"، وأذكر مواقف أخرى يكون فيها المتكلم أمام حشد، حقيقى أو متخيل، أشبه ما يكون بهدف نتعلم فيه التصويب، أما الطلقات فهى النظرة الثابتة والفم الفاغر الذى يحدق فيك مثل فوهة والعقل الذى ينتظر الإقناع والقلب الذى ينبغى أن تؤثر فيه ، الجمهور، بحد ذاته، قطعة سلاح، موجهة لصدرك والبلاغة هى التى تبطل عمل الزناد. الشاهد أن هناك اهتمامات مشتركة بينى وبين الشيخ مظهر شاهين، الرجل استمر خطيباً وأنا جربت، وهو ما زال يكلم الناس من وراء الشاشة، وأنا بدرت الكلمات فى الهواء ولا أعرف أين استقرت، لكننى لا أحاوره لهذه الأسباب، أنا أحاوره، لأضع يدى على تلك اللحظة التى ظهر فيها شاهين، وكأنه إجابة لدعاء أطلقه ميدان التحرير، وفيما كان طافياً على المنصة، كان لقب"خطيب الثورة " شاغراً يبحث عمن يشغله. ومظهر، بدوره، سعيد بهذا اللقب، سعادته بابنه " عمر"، وكلاهما.. اللقب والابن من مواليد الثورة. وقد بدأت فسألته : كيف تحب أن تنادى ؟ الشيخ أم الدكتور مظهر ؟ وهو بيد صغيرة مسح على بنطلونه الجنز، وقال : - الشيخ مظهر، ومظهر بس بين أصدقائى وحبايبى * يعنى كلمة الشيخ أعز بالنسبة لك من الدكتوراة ؟ - طبعاً، دخلت الأزهر لأكون شيخاً، أبى أدخلنى الأزهر لأجل هذا اللقب، لكننى اخترت أن أكمل الدراسات العليا تبحراً فى العلم، وحباً فى البلاغة * الماجستير كان عن البلاغة القرآنية ؟ - بالضبط، لأنى عندما أنهيت الثانوية كانت لدى مشكلة كبيرة، هى أن كل كليات الأزهر متخصصة، وأنا أكره التخصص جداً، أحب أن أعرف شيئاً عن كل شىء. * هل كان أحد، هناك فى محيط القرية بالغربية، تريد أن تتأسى به ؟ - لا، لم تكن هناك قدوة لى، أنا، طول عمرى، يدفعنى الفضول للاكتشاف، يعنى لو فى جرار زراعى أو مكنة مية جنب بيتنا كنت أقعد أحل وأربط فيها، كنت أحب ثمن المواشى مثلاً وفى نفس الوقت أحب أعرف فى السياسة.. وهكذا * كان الأزهر إذن هو اختيار الوالد ؟ - أخبرنى أبى أن أحد أصدقائه رأى له رؤية.. أنه سينجب ولداً يحفظ القرآن ويكون ذا شأن، ولم تكن أمى قد ولدت بعد، فلما وضعتنى أدخلنى أبى الأزهر تيمناً بهذه الرؤية، وأدخل كل إخوتى. * وكان أيه شعورك وأنت لابس لبس الأزهر ؟ - كنا نلبس اللبس العادى فى المعهد الأزهرى بالبلدة، زى المدرسة إللى جمبنا بالضبط ، وكان المعهد مختلطاً فى المرحلة الابتدائية .. "بنات وأولاد". * وما الذى كان يميزك عن بقية الأطفال ؟ - الهدوء. * هل كنت على وعى بالطريق الذى تسلكه، "طريق القرآن" ؟ - كنت أعرف أن طريقى، كأزهرى، سيرتبط بالمساجد، كان والدى، وأنا طالب فى ابتدائى، يأخذنى إلى مسجد الأربعين بجوار بيتنا، بقرية طوخ، نحو الساعة 11 بالليل وهناك أصعد المنبر وأخطب. * تخطب فى الفراغ ؟ - كان أبى هناك وصديق له. * كان والدك هو جمهورك الدائم ؟ - والدى وصديقه الحاج حمدان رحمه الله، المهم كنت على المنبر أقرأ القرآن وهما يستمعان لى فى تشجيع أبوى حميم. * كنت ترتجل ؟ كانت لديك القدرة على ذلك ؟ - كنت أحفظ خطب الجمعة، وأجربها فى أبى . * هل كنت ترى خطباء فى التليفزيون أو ما شابه ؟ ألم يكن حولك أى مثال ؟ - لم يكن لدينا تليفزيون فى هذا الوقت. * هو أنت مواليد كام يا مظهر ؟ - 1974م ، إحنا بنتكلم عن الثمانينيات، جبنا التليفزيون فى بيتنا سنة 1986م * كان عندكم راديو ؟ - الراديو كان عند "ستى"، أم أبويا الله يرحمها، وعلى فكرة الست دى هى صاحبة الفضل علىّ، كانت تنام فى غرفة لوحدها، وبعد أن فطمت أصبحت أنام معها، كان عمرها نحو 80 سنة وكانت باستمرار فاتحة الراديو. * على إذاعة القرآن الكريم ولا البرنامج العام ؟ - القرآن الكريم، فكنت أسمع دائماً برنامج " أنت تسأل والإسلام يجيب " وبرنامج الفتاوى بتاع الأستاذ عزت حرك، كان بيعجبنى آداءه.. ما زلت أذكر تقديمه للحلقة كان يقول: أيها الإخوة المؤمنون، أيتها الأخوات المؤمنات، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ورد إلينا سؤال من المستمع فلان الفلانى إلخ .. كنت أقعد أفكر: هو الراجل ده بيتكلم فين دلوقتي، هو قاعد جوه الراديو إزاى، لم اكن أعرف بالطبع أن هناك استديو وتسجيل..إلخ. كان نفسى أتكلم زيه فى الراديو. * ألم يعن لك سؤال ما ترسله، ليجيب عنه ؟ - لا، ولكن كان حلمى أن أكون مثل عزت حرك، ويسمع الناس صوتى عبر الراديو، هذه العلاقة بالإذاعة كانت صاحبة الفضل فيها "ستى أم السعد " رحمها الله. * هل كانت تحكى لك حواديت ؟ - كتير، وكانت تقعد ترقينى، لدرجة أننى، حالياً ، كثيراً ما أفتقد يدها التى كانت تربت على كل جزء من جسمى بدعاء، ما عندكش فكرة إيد "ستى" وحشانى أد أيه، الله يرحمها استمرت علاقتى بها حميمية إلى أن ماتت وأنا فى تانية جامعة، وكانت وصيتها ألا تدفن إلا إذا حضرت جنازتها. * نفذت الوصية ؟
- طبعاً، رغم أنى كنت بأمتحن. * ما الدعوة التى كانت تدعوها لك وتشعر أن السماء استجابت لها ؟ - كانت هناك دعوة ووصية، كانت تدعو لى دائماً بحب الناس، ربنا يحبب فيك خلقه، وكانت وصيتها أن اقرأ لها الفاتحة كل يوم، كانت تقول لى : أصل أنا سمعت يا مظهر يا ابنى إنه الملك بيجيبها ويديها للميت هدية كل يوم، من يومها وأنا اقرأ لها الفاتحة. * أنت طموح يا مظهر ؟ - (بثقة وحبور بفكرة الطموح نفسها) جداً، طموحى لا ينتهى وهذه مشكلة الطموح. * بتحب الشهرة ؟ - لا، على الإطلاق، الشهرة لا تعنى لى شيئاً. * يعنى أصبحت مشهوراً بالمصادفة ؟ - لا شىء يأتى بالمصادفة ، يمكن بالمجهود ، يمكن بالتضحية، بالمغامرة، بالكفاح ، أقول لك على حاجة.. أنا النهاردة بيجيلى كل يوم تقريباً عروض للتسجيل مع القنوات الفضائية، لكننى أرفض، عندما يكون لدى شىء أريد قوله، وقتها أقبل، أنا لا أحب الظهور المجانى على الشاشة، من أجل الظهور فقط، ثم أنا لدى قناعة منذ الصغر فى الحقيقة، ما كان لك سوف يأتيك، والشهرة رزق، والمقسوم لك منها لن يذهب لأحد غيرك. * لن يخطئك ؟ - بالضبط. * ما الفارق بين أن يكون الخطيب مشهوراً أو مجرد خطيب واحد من غمار الناس ؟ - مزيد من المسؤلية ومزيد من العبء. * أم مزيد من التأثير، بمعنى: لو أن أحداً، غير طه حسين، هو الذى قال.. التعليم كالماء والهواء.. لما سمع أو تأثر بها أحد، الشهرة تجعل لكلمتك تأثيراً ؟ - على فكرة أنا من صغرى، دايماً ألاقى نفسى فى موقع الشهرة، فى ابتدائى كنت فى الإذاعة المدرسية أقرأ القرآن فى طابور الصباح، ولذلك كان كل المعهد يعرفنى، فى الإعدادية كان لى برنامج فى الإذاعة وهكذا. * محط الأنظار منذ الطفولة ؟ - شىء كهذا. * هل هناك ضريبة دفعتها لكونك مشهوراً ؟ - كل يوم أسمع خبراً خاطئاً عنى، كل يوم تقريباً، وساعات أسمع من يهاجمنى بالاسم فى التليفزيون فى موضوع لا علاقة لى به، يعنى فى أحداث العباسية الأخيرة كتبت الجرائد تقول: مما اضطر الشيخ مظهر شاهين إمام مسجد النور إلى .. كذا كذا ، مع أنى لست إماماً لمسجد النور ولم أكن هناك أصلاً ؟! مثال آخر.. فى جمعة السلفيين عندما قلت إن المادة الثانية من الدستور مثل جبل المقطم، انبرى لى أحد الإخوة المسيحيين وأخذ الحكاية دى ونزل فى شتيمة، ناسياً أو متجاهلاً أننى قلت إن إسلامية مصر تعنى أن يعيش المسيحيون فى حمايتنا كشركاء فى الوطن . * على ذكر المسيحيين، كيف ترى مصر كدولة دينية ؟ - ليس هناك شىء فى الإسلام اسمه الدولة الدينية، الإسلام مجتمع مدنى تحكمه الشريعة، أنت كمسلم هل تتزوج أكثر من أربعة ؟ هذا تحكيم للشريعة. * لكن مواد الدستور المصرى ليست كلها إسلامية ؟ - ينقص فقط أن يرجم الزانى وتقطع يد السارق ، بعض الحدود. * كيف ترى مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل كامل ؟ - الآن من الخطأ تطبيقها. * أنا لا أتحدث عن هذه المرحلة الانتقالية ؟ - الموجود حالياً من مواد الشريعة فى الدستور المصرى يكفى هذه المرحلة، الإسلام فى تشريعاته، فى تحريم الخمر مثلاً سلك التدرج، مش من مرة واحدة أقول لك : الخمر حرام، المسائل فى القرآن بديهية ولسنا بصدد الحديث عنها، نحن مجتمع عاش سنين طويلة جداً على منهج معين فى التعامل، ويموج بتعدد هائل..ـ سلفيون وليبراليون وإخوان ويمين ويسار ووسط ..إلخ ـ لكى تجمع كل هؤلاء تحت مظلة واحدة تحتاج المسألة لوقت تهيئهم فيه. * ما رأيك فى الإخوان المسلمين ؟ - فصيل، ظلم كثيراً فى الفترة الماضية، عشنا 20 أو 30 سنة نسمع عن الإخوان من أعدائهم، وبالتالى تكونت لدينا صورة ذهنية أنهم إذا وصلوا إلى الحكم سيذبحوننا، لما عاشرت الإخوان فى الثورة وجدتهم مختلفين تماماً، نحن نتعامل مع فصيل مصبوغ بصبغة دينية، لكنه مثقف ومحترف سياسياً. وأنا النهاردة كمجتمع لو عايز يكون هناك تيار له ارتباط بالدين لا بد أن يكون هذا التيار مثقفاً سياسياً. * تعتقد أن الإخوان مثقفون عن السلفيين ؟ - كتير، هات تصريحات الإخوان والسلفيين هتلاقى تصريحات الإخوان أذكى ، ربما لأن السلفيين كانوا بعيدين عن الساحة وخرجوا إليها فجأة، ربما لذلك وقعوا فى أخطاء سياسية كبيرة. * هل لك أصدقاء من الماركسيين ؟
- ممكن ما يكونش اسمه ماركسى، إنما بينتمى مثلاً لحزب التجمع، لكن ما ليش صديق أقدر أقول عليه: ماركسى. * لك أصدقاء من الملحدين ؟ - لا. * عن عمد ؟ - ليس هناك تعمد، بالعكس لو قابلت أحدهم سأحاول إقناعه، سأصاحبه من أجل أن يعود إلى رشده. * أسئلة الشك التى تنتابنا كلنا، ألم تخطرعلى قلبك ؟ - لم يحدث لى ذلك على الإطلاق. * المسألة محسومة بالنسبة لك ؟ - تماماً. * بناء على أدلة علمية، أم هو الحدس والبصيرة ؟ - أنا تربيت فى الأزهر والعيش هناك لا يعطيك مساحة للشك، دائماً ما تكون محاطاً بخطوط حماية حصينة جداً، درست الفلسفة ودرست الشك واليقين وديكارت، كل ذلك درسته وعرفت ما الذى أودى بهم إلى هذه المسالك. * لو أردت أن تثبت وجود الله لشخص لا يعتقد فى الميتافيزيقا، ماذا تقول له ؟ - أنا فقط سأريه هذه الساعة أو هذا الموبايل، سأطلب منه أن يجيبنى : هل وجد ما بداخل هذه المخترعات صدفة ؟ لا بد أن أحداً ما أدخل نظاماً معيناً تعمل بمقتضاه هذه الأجهزة. * نظرية أن لكل موجود موجداً ؟ ـ (بيقين) طبعاً، لينظر هذا الشخص للشمس والقمر، هذا إذا أردنا أن نبسط الموضوع ، السير يدل على المسير. * دعنى أرجع مرة أخرى لطفولتك.. بم كنت تحلم وقتها ؟ - أنا لم أعرف معنى الطفولة، خلفنى والدى على أربعين سنة. * على كم ولد أو بنت ؟ - كنت أول ولد، وبعدين محمد وخليل ثم علية أختى الصغيرة . * يعنى إلهام شاهين ماهياش أختك ؟ - خالص، أختى فى الإسلام، أختى فى العروبة، أختى كمصرية، وعلى فكرة عندما أقول إنها ليست أختى فليس معنى ذلك أننى أتبرأ منها، أنا أقر حقيقة، أنا يشرفنى أن أكون أخًا لأى أحد محترم . * طفولتك ؟ - والدى، لأنه خلفنى على سن كبيرة كما قلت لك، تعامل معى على أنى صديق، فكنت طوال القوت أشعر أننى حد كبير. * لم تلعب ؟ - لعبت، لكن ليس كأولاد عمى مثلاً، كنت ملازماً لأبى فى الشغل وفى جلسات الكبار، ولا تنس أننى إمام منذ أن كنت فى ثانية ثانوى . * مع أول خطبة ألم ترتعش ركبك ؟ - لم يحدث لى ذلك، لأننى كنت معتاداً على مواجهة الجمهورمن ستة ابتدائى. * قل لى ما أدوات الخطيب للتأثير ؟ - القبول. * وهل للخطيب يد فى ذلك ؟ - القبول من ربنا، القبول قد يكون فى الصوت، يعنى ممكن يكون حد كفيف مش شايفك، لكن صوته يؤثر فيك . * بتعتبر نفسك خطيب مفوه ؟ - أنا خطيب أعطاه الله أكثر مما يستحق. * وهل الصدفة هى التى جعلتك خطيب الثورة ؟ - هو القدر، شوف: عمر مكرم فى نظر الناس هو مسجد الدولة، ومن ثم فخطيب المسجد لا بد أن يكون خطيب النظام ، والحقيقة، وأنا أقول هذا الكلام لأول مرة، أننى كنت فى مسجد فاطمة الزهراء بمدينة نصر، وكنت فى غاية الراحة هناك، إلى أن استدعانى الشيخ فؤاد عبدالعظيم، وكيل وزارة الأوقاف لشئون المساجد الآن، وإذا به يمسكنى من يدى ويدخل بى مكتب وزير الأوقاف. * حمدى زقزوق ؟ - آه، ولم يدر بخلدى على الإطلاق أن الشيخ فؤاد رشحنى للعمل خطيباً لمسجد عمر مكرم والوزير قد وافق، وفور معرفتى، بعد الانصراف من مكتب الوزير، رفضت، مما وضع الشيخ فؤاد فى موقف حرج، فقال لى أدخل للوزير واعتذر، وقد كان، لكن الوزير نظر لى بتفحص وقال: إنت حمار؟ ده بيدفعوا رشوة علشان يروحوا عمر مكرم، هو لا يقصد الرشوة بنفسها، لكنه يعنى أن مكاناً كهذا أملة بالنسبة لكثيرين، فكيف أرفض ! فقلت له : إلا أنا يا معالى الوزير. أنا مش عايز، أنا مستريح فى المكان إللى أنا فيه، لكن الوزير قال للشيخ فؤاد: الواد ده يا يروح عمر مكرم دلوقت أهو، يا تنقله أسيوط، وبالتالى رضخت، لم أكن أعرف ما تخبئه الأقدار لى. * قل لى:" الدكتور زقزوق كان كويس" ؟ - آه. * كان مفكرًا أم مجرد وزير؟ - كان هادئاً، لكن عيبه الوحيد أنه لم يكن سخياً مع الأئمة. * كيف كان يتعامل مع تعليمات النظام ؟ - أنا شخصياً، كإمام لم يحدث معى ذلك. * ألم تكن تأتيكم تعليمات من الوزارة ؟ - على الإطلاق، الرجل خارج الوزارة الآن، لكنى أقولها شهادة لله، لم يحدث أن تلقيت تعليمات خطيب تقول لى: قل هذا ولا تقل ذاك، باستثناء الأشياء الاجتماعية.. التطعيم وخلافه، الجمعة الجاية يوم الشهيد فنقول خطبة عن الشهيد وهكذا. * المهم كمل لى حكاية خطيب الثورة ؟ - جيت عمر مكرم، رغم أنفى. * سؤال على الهامش، جملة اعتراضية.. كم مرتبك كإمام لعمر مكرم ؟ - زى أى مرتب.. نحو 1200 جنيه. * فقط ؟ - آه ، أنا علي الدرجة الثانية. * أكمل لى ؟ - جيت هنا سنة 2005، يعنى دلوقتي بقالي 6 سنين، قدمت فيها 6 طلبات نقل، علشان أرجع مكانى الأول، لكن ذلك لم يحدث، حتى إن الشيخ سيد طنطاوى بنفسه تدخل، لكنى لم أنقل. * ربطتك علاقة بالشيخ سيد طنطاوى ؟ - خالص، لكن عندما كان يأتى للعزاء كنت أقابله . * ما رأيك فيه ؟ ماذا يبقى منه ؟ - تفسيره للقرآن. * هل أضاف جديداً فى التفسير ؟ - تفسيره مبسط، ولا تنس أنه كان رمزاً لأكبر مؤسسة إسلامية فى مصر، لكن مواقفه السياسية لم تكن على المستوى الذى ينبغى أن تكون عليه مواقف شيخ الأزهر. * أنت مع انتخاب شيخ الأزهر ؟ - وأن يستقل الأزهر مالياً وإدارياً. * أكمل ؟ - المهم رأيت فى عمر مكرم كثيرين من رموز النظام السابق، لكن لم تربطنى بأحد منهم علاقة . * من منهم شعرت ببساطته ؟ - الدكتور مفيد شهاب، إنسان بسيط ومتواضع، لم يكن يتعامل مع أحد على أنه وزير. * وبالتالى صدقت عندما برأه جهاز الكسب غير المشروع ؟ - القضاء المصرى، الذى يحاكم الآن رموز النظام، لا بد أن أصدقه لما يقول لى إنه فلان برىء، المهم لما قامت الثورة كنت مثل غيرى من الشباب المصرى أعانى، ولى أخ لم يعين ولو كنت قدمت طلباً لواحد من هؤلاء كان سيعينه، لكنى لم أفعل، غايته أن الثورة حين قامت يوم 25 كنت هنا فى المسجد، رأيت ما حدث من فوق السطوح . * هل روادك شعور بأن ما يحدث يمكن أن يتحول إلى ثورة ؟ - قبل الثورة بكام يوم كان هناك دعوة على النت للتجمع، لا تنس أن احتفال الشرطة تم قبل موعده المعتاد بيومين تلاتة، ربما لذلك شعرنا بأن هناك شيئاً ما قد يحدث، بالنسبة لى، لأن عمر مكرم فى التحرير، لم يكن هناك ما يفاجئنى لأن المنطقة كانت دائماً بتشغى بالغضب، فلما دعوا على "فيسبوك" ليوم أسود على الشرطة، تحسبت لأن معنى ذلك أن يوم القيامة سيكون بجوارى، لذلك جئت فى هذا اليوم مبكراً، جيت الصبح بدرى علشان لو حصل حاجة أكون فى المسجد، بدأ الانفعال الساعة 2 الظهر، وبالليل حصل الضرب، لكن أول وتانى يوم كانوا هاديين نسبياً ، يوم 28 قالوا هيكون يوم غضب فجيت علشان أبيّت فى الجامع، تحسباً إنى ما أعرفش أدخل وأنا عندى خطبة فى اليوم ده، بيت على هذه الكراسى..( وأشار مظهر إلى كراسى تشبه الأرابيسك.. ناشفة وغير مريحة، لكن بضم صفين إلى بعضهما يمكن النوم عليها )، طوال الثورة كان مبيتى هنا، عندما وصلت ليلة 27 كانت الاستعدادات الأمنية على أشدها، فشعرت أن القادم أسوأ، عربيات الأمن كانت فى كل مكان، والصبح لقيت واحد بيخبط على باب الجامع، بصيت لقيته ضابط بنجمة. * ملازم ؟ - سألنى فين الشيخ مظهر شاهين، قلت: أنا الشيخ مظهر، قال لى .. فى أوامر بقفل الجامع، قلت له من مين الأوامر دى. * قبل الصلاة بساعتين ؟ - بساعة ، المهم قال لى: دى أوامر الباشا، وذهبت للباشا بهدوم النوم.. كان واقف هناك العميد هانى جرجس مأمور قسم قصر النيل، وكانت بيننا معرفة سابقة، وعرفت أن الأوامر من مديرالأمن، لكنى قلت له: أنا مش ها أقدر أقفله، عايزين أنتوا تقفلوا الجامع اقفلوه ومشيت، دخلت فقفلوا الجامع علينا. * إزاى ؟ - قفلوا الأبواب وعملوا "كردون" على الجامع والمنطقة. * كم كانت أعداد الجنود تقريباً ؟ - حوالى 30 ألف جندى، ولما أذن الظهر بصيت لقيت حوالين منى 12 واحد هم عمال الجامع إللى بيشيل فى المعتاد 500، لدرجة أننى خطبت على الدرجة الأولى من المنبر. * ماذا قلت ؟ ـ( بضحك ) حمدت الله وأقمت الصلاة، لم تستغرق الخطبة أكثر من 3 دقائق . * ألم تدع إلى طاعة أولى الأمر ؟ - ولا حاجة، لم يكن هناك ميكروفون أصلاً ، أنا كنت بتكلم مع 12 واحد يا أستاذ بهاء. * ثم ..؟ - صليت وطلعت جرى على سطح الجامع، بعد ساعتين بدأنا نسمع أصوات. * أصوات أيه ؟ - صراخ وقنابل، لم يستطع أحد من المدنيين الوصول إلى الميدان، وظل حتى الخامسة والنصف أو السادسة على هذه الحالة، الناس فاهمة إنه الميدان فى جمعة الغضب كان مليان ناس، ده كلام غلط ، الحقيقة أن الشرطة أحكمت الحصار عليه لحد بالليل. * ألم تصور بالموبايل أى شىء من هذه الأحداث ؟ - صورت، كانت هناك حالة من الفزع والرعب على أطراف الميدان تشعر معها أن معركة قائمة مع اليهود، وبعدين كانت كل سارينة لها إشارة مختلفة ، يعنى : تى رى رى رى بتدى إشارة للشرطة تعمل حاجة معينة. * استنى استنى.. إيه إللى كنت بتشوفه بعد كل سارينة ؟ - كان فى سارينة معناها إنه العساكر يطلعوا لقدام ، أو العكس، وسارينة معناها ضرب قنابل مسيلة للدموع. * قدرت تفك شفرة كل سارينة ؟ - آه ، لما كان الصوت يستمر.. تييييييييييييييييييييييييييييييييييت ده معناه الهجوم، ده إللى أنا فاكره. * كنت حاسس بأيه وقتها ؟ - كنت حاسس إنى باسمع سيمفونية حربية. * اعتبرت نفسك محظوظاً أنك ترى هذه اللحظة ؟ - الأن أعتبر نفسى كذلك ، لكن وقتها كنت مرعوباً . * ومتى تفاعلت مع الأحداث ؟ - أنا جايلك أهو.. أنا بدأت أتفاعل مع أول شهيد يدخل الجامع.. كنت بعد احتراق الحزب الوطنى والدنيا كلها بدأت تولع، كنت لسه هنا لما دخلوا علىً بهذا الشهيد ، قعدت اتصل إنى حد ييجى ياخده ما فيش فايدة، لحد ما تانى يوم أمه جت، ما عرفتش أقول لها إيه.. توقعت إنها هاتعيط وتقلب الدنيا مناحة ، لكن من هذه المرأة تعلمت أعظم دروس حياتى، تخيل الست دى عملت إيه.. رفعت الملاية من على وش ابنها وقالت، بعد ما حضنته، يا شيخ مظهر إبنى مش خسارة فى مصر، أنا هابعت لك إبنى التانى يحارب فى الميدان. * الله ؟ - هذه الجملة جعلتنى لا أبالى بالموت، جعلتنى أترك خلفى مظهر القديم الخواف إللى بيمشى جنب الحيط، إلى مظهر آخر ولد على يد هذه السيدة الريفية البسيطة. * مظهر خطيب الثورة ؟
- بالضبط . * دعنا نختم به هذا الحوار.. كيف جاء اللقب ؟ - إللى حصل إنه الجمعة إللى بعد كده كانت موافقة 4 فبراير، وكان نفسى أخطب لأنى حسيت بعد المشهد ده بالنقمة ع إللى قتل الولد ده وإللى زيه، حسيت بتار، خلى بالك أنا اتحسبت على الثورة من يوم ما فتحت الجامع ، يعنى لو الثورة ما نجحتش ها اتعدم ها اتعدم، المهم يوم الخميس 3 فبراير اتصل بى الدكتور صفوت حجازى وقال لى: أستأذنك تقفل الجامع وتخطب بينا فى الميدان، قلت له بجد ؟ قال لى : أه ، قلت له: موافق، قال لى: بس خد بالك دى فيها رقاب ! قلت له : أنا مستنى اليوم ده ورقبتى قبل رقبتكم ، المهم جهزت نفسى، لكن تانى يوم عاود الاتصال بى وقال لى ها تقول إيه، أجبته: الناس عايزانا نتكلم عن هوية الثورة. (واستطرد مظهر) لأن كل الشيوخ والفنانين إللى كانوا بيتكلموا فى وسائل الإعلام من 28 يناير إلى 11 فبراير راحوا بتعليمات من أمن الدولة، حسبى الله ونعم الوكيل، المهم أردت أن تصل هوية الثورة إلى الناس أنها ثورة مصرية 100 % ، هذا ما قلته فى الميدان، بعد أن تنحى أحد المشايخ بناء على رغبة الناس. * الشيخ جمال قطب ؟ - مش عايز أذكر أسماء. * لكنها واقعة معروفة تعفيك من الحرج ؟ - نسيت أقول لك إنه فى شخصية دعوية كبيرة جداً قالوا له تعال اخطب، قال أنا مستعد لو شيخ الأزهر وافق . * من هو ؟ - لا داعى للأسماء. * قل حروفه الأولى ؟ - ما ينفعش ( بعد التسجيل ذكر لى مظهر اسم هذه الشخصية، لكنه استحلفنى ألا أشير من قريب أو بعيد لها )، وحدث أن وافق الأزهر على أن يخطب هذا الشيخ، فاتصلت به، لكنه رفض بحجة أن هناك خطراً على حياته ! ( بعد التسجيل أيضاً قال لى مظهر إن السبب الحقيقى وراء اعتذار الشيخ هو الأمن الذى اتصل به ومنعه من الخطابة فى التحرير )، بعد الخطبة لقيت الدكتور صفوت بيقول علىّ خطيب الثورة. * ألم تخف من هذه الحشود ؟ - على الإطلاق، لكنى خطبت باعتبار أنه الساعة دى هى آخر ساعة فى حياتى. * أغمضت عينيك ؟ هل كنت ترى أحداً ؟ - لم أكن أرى سوى الجنة والنار، ولم أكن أريد دخول التاريخ ، بل كنت أريد الجنة، كنت أريد أن ألقى الله وطلبات الثورة هى آخر ما أنطق به. * ما أول جملة خرجت لوحدها من فمك ؟ - أيها المصريون: ثورتنا هذه ثورة شرعية. * هل كانت اللحظة أكبر منك ؟ - أكبر من أى حد. * شعرت أن البلاغة واتتك ؟ - شعرت أن الله ينطقنى، لو أردت ان أقول الآن ما قلته وقتها لن أعرف * هذه اللحظة هى أهم حدث فى حياتك ؟ - طبعاً، أغلى لحظة فى حياتى، وأى حاجة ها تحصل لى بعد كده، أقل من هذه اللحظة. * هل يمكن أن تتكرر؟ - ما اعتقدش.