لعل السمة المشتركة بين العديد من المدن الكبرى في آسيا، مثل بانكوك وجاكرتا وشنغهاي وهانوي، أن هذه المدن الساحلية تواجه مخاطر التعرض للغرق أكثر من أي وقت مضى، بسبب الظواهر الجوية البالغة الشدة، الناتجة عن التغيرات المناخية. فهذه المدن، وغيرها من المناطق الحضرية بمختلف أنحاء العالم، تقع غالبيتها على السواحل، مما يجعلها تواجه خطر ارتفاع مستوى سطح البحر، وغير ذلك من التأثيرات المناخية الأخرى، كالأعاصير الفيضانات، وفي بعض الأحيان الجفاف، مما يهدد أرواح وممتلكات الملايين من سكان تلك المناطق.
وفيما تزايدت تحذيرات العلماء من أن الأضرار الناجمة عن تلك التهديدات، يمكن أن تقوض المكاسب الاقتصادية التي تحققت في العالم خلال العقود القليلة الماضية، فقد برزت مؤخراً "بارقة أمل" بأن هناك مخرجاً ربما تستطيع تلك المناطق اللجوء إليه لتجنب مثل تلك التأثيرات المدمرة. تمثلت هذه البارقة في الدليل الذي أصدره البنك الدولي، بعنوان "مدن تتسم بالمرونة تجاه المناخ" Climate Resilient Cities، بالاشتراك مع "أمانة الإستراتيجية الدولية للأمم المتحدة للحد من الكوارث" UN/ISDR، و"المرفق العالمي للحد من الكوارث والإنعاش" GFDRR، لدول منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ.
ويتركز هذا الدليل على تبادل الخبرات بين المدن التي اتخذت بالفعل إجراءات في هذا الصدد، ومدن أخرى ربما تكون معرضة لنفس المخاطر، وخاصة الواقعة في البلدان "الأكثر فقراً"، كما أن الدليل يساعد أيضاً في توفير مساعدات فنية ومالية للحكومات المحلية. ووفقاً لما ذكر البنك الدولي في بيان نشره الأحد ضمن موقعه على شبكة الانترنت، فإن هذا الدليل يستهدف "الحد من قابلية تأثر المدن بتغير المناخ"، بالإضافة إلى "تقوية إدارة أخطار الكوارث"، كما أنه من المتوقع أن يكون "أداة مفيدة" لإدارات المدن على مستوى العالم.
وجاء في البيان أن هناك ثمان مدن من بين المدن العشر الأكثر اكتظاظاً بالسكان على مستوى العالم، تقع في مناطق قريبة من الأنهار أو البحار، وهي معرضة بالفعل لمخاطر من قبيل: الفيضانات، والزلازل، والأعاصير، وسوء نوعية مرافق بنيتها الأساسية. وأضاف البيان قوله إنه "مع وجود اتجاه عام نحو زيادة وتيرة حدوث الظواهر الجوية البالغة الشدة، بات لزاماً على إدارات المدن أن تشرع في إعداد الخطط اللازمة لمواجهة تلك الآثار، عاجلاً وليس آجلاً."
ويستخدم هذا الدليل نهجاً ذا مسارين لتشجيع المدن على إعداد استراتيجيات للتكيف مع تغيّر المناخ، والتخطيط للتخفيف من آثار الكوارث الطبيعية في المستقبل، وكذلك إيجاد سبل للحد من انبعاثات الغازات المحدثة للاحتباس الحراري في المقام الأول. وبعض هذه التدابير المستخدمة هي تدابير بسيطة، كزيادة درجة وعي الجمهور بآثار تغيّر المناخ، وإتاحة المزيد من المساحات الخضراء، واستخدام الدراجات الهوائية أو السير على الأقدام بدرجة أكبر، وزيادة استخدام مركبات النقل العام المتسمة بكفاءة استخدام الطاقة.
بينما يستلزم البعض الآخر من تلك التدابير دعماً تشريعياً واستثمارات عامة، ومن ذلك إتاحة بدائل لأنواع الوقود الأحفوري، وتحسين نوعية البنية الأساسية والمباني العامة. كما يعرض الدليل ممارسات جيدة مستقاة من المدن التي تعاملت بجدية مع تحديات تغيّر المناخ، ومن بينها ميلان، وطوكيو، ونيويورك، ونونغ تان بالصين، وهانوي، وسنغافورة، وعدد قليل من المدن الواقعة في منطقة مانيلا الكبرى.
ويتيح ذلك للمدن التي مازالت بصدد تحديد معالم استراتيجياتها للتعامل مع تغير المناخ، مجموعة واسعة النطاق من الخيارات الخاصة بالتخفيف والتكيف. وفي هذا الشأن، قال كبير الأخصائيين البيئيين في البنك الدولي، لمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، نيراج براساد: "في نهاية المطاف، ستكون المدن التي ستتعرض لأكبر الأضرار من جراء تغير المناخ، تلك الأقل استعداداً. وأضاف قوله إن "المخاطر جد عالية"، موضحاً أن المدن تشكل مركز الاقتصاد في كثير من البلدان، وعلى ذلك فإن تأثير تغير المناخ على سكان المناطق الحضرية، سيلحق أيضاً أضراراً بالغة بالبلد المعني بأكمله.
وتشير التقديرات التي أوردها التقرير إلى أن من شأن ارتفاع منسوب سطح البحر بمقدار متر واحد أن يؤدي إلى خسارة بنسبة اثنين في المائة في إجمالي الناتج المحلي لهذا البلد. ومن الأسباب التي ستؤدي إلى تلك الخسائر، نقص المياه العذبة، والأضرار التي يلحقها ذلك بقطاع الزراعة والمصائد السمكية، وإرباك الحركة السياحية، وتقليل أمن الطاقة، وغير ذلك من الآثار الأخرى، كما سيؤدي تركّز السكان في المدن إلى زيادة قابلية تأثرها بتغير المناخ. وبحلول عام 2030، سيشكل سكان المناطق الحضرية في العالم حوالي أربعة مليارات نسمة، ونتيجة لذلك، فإنه يجب أن تحظى الجهود الرامية إلى جعل المدن أكثر مرونة تجاه تغير المناخ بأولوية كبيرة لدى جهات تخطيط وإدارة المدن بجميع أنحاء العالم، وفقاً للتقرير.