حينما اعتزمت إجراء حوار مع الدكتور محمد البرادعي المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، تصورت أن المسألة سهلة وأن الرجل في حاجة الآن للظهور الإعلامي من أجل حملته الانتخابية والتواصل مع الناس، فاتصلت بمكتبه الإعلامي وكان ذلك منذ أكثر من شهر. ومن يومها وأنا أتصل بشكل شبه يومي بمكتبه وكان الرد دائما أنه تم عرض الأمر على الدكتور ولم يحدد موعدا بعد، وأن هناك مئات الطلبات من صحفيين وإعلاميين من مصر ومن خارجها، لإجراء حوارات معه، إلا أن وقته مشحون جدا بمقابلاته السياسية مما يعوق الاستجابة لتلك الطلبات، حتى استطعت التواصل مع الدكتورالبرادعي بنفسه عبر أحد الوسطاء، وتحدد موعد لإجراء الحوار،إلا أنني حينما اتصلت بمكتبه الإعلامي قبل الموعد بيوم فوجئت بأنه للأسف وقته مشحون جدا وأنه تم فهم الأمر خطأ، حيث أخبروني بأن الدكتور وافق على الإجابة عن عدة أسئلة ترسل له عبر الإيميل بشكل مؤقت حتى يتم التنسيق للقاء موسع بينه ورؤساء تحرير إصدارات الأهرام بعد عيد الفطر ويمكنني حضوره وأوجه له ما أشاء من أسئلة. كما رفضت أن يكون الحوار عبر الإيميل، حيث لا يمكن الشد والجذب مع الضيف، وستخرج الإجابات باهتة والشكل العام لن يكون مرضيا للقارىء.
وظل سؤال وحيد يتردد في رأسي كثيرا طوال فترة تفاوضي مع مسئولي المكتب الإعلامي للرجل: ماذا سيكون الوضع لو أصبح البرادعي رئيسا إذا كان يفعل هذا الآن في الوقت الذي يحتاج فيه الإعلام من أجل التواصل مع الناس؟..المهم أنني توصلت لصيغة مع مكتبه الإعلامى وهى أن يتم إجراء الحوار عبر الهاتف تقديرا لانشغال الرجل. وبالفعل جاءت الساعة المتفق عليها واتصل بي الدكتور البرادعى بنفسه من منزله وكان منضبطا في موعده بالثانية. لا أخفى عليكم أنني كنت مازلت غاضبا ، لكن ما أن تحدث الرجل وجدته يقدم لي نفسه ببساطة شديدة ويوضح لي الصورة وأنه بالفعل منشغل جدا وفهم الأمر في البداية على أنه سيجيب عن سؤالين أو ثلاثة على الأكثر حتى يحدد لي لقاء موسعا. وأخيرا تم الحوار مع البرادعي الذي قيده في البداية بمدة 10 دقائق فقط، ولكن رغم هذا استمر لمدة 33 دقيقة حاولت خلالها أن أحصل على إجابات عن الأسئلة التي تشغلني وتشغل القراء حوله. وكانت هذه مقدمة لا بد منها وإلى نص الحوار مكتوبا ومسموعا فقط: * نبدأ من حيث انتهت الأحداث..وهو ظهور مبارك داخل قفص الاتهام بمحكمة جنايات شمال القاهرة..كيف استقبل الدكتور البرادعي هذا المشهد وهو جالس في بيته بين عائلته؟ - بالطبع هذا المشهد كان تتويجا لأحد أهداف الثورة فالنظام الجديد أو مصر الجديدة يجب أن تقوم على سيادة القانون ولا أحد فوق القانون،وهذا كان مشهدا بارزا للتدليل على ذلك، ونأمل أن تكون هذه مقدمة لتنفيذ أهداف الثورة التي هي أهم من ذلك فليس فقط القصاص هو الهدف المطلوب ولكن تحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية، وأساس تحقيق كل هذا هو سيادة القانون.
* لكن بعيدا عن سيادة القانون والقصاص حدثني عن المشاعر الإنسانية التي أثارها لديك هذا المشهد؟ - أنا حقيقة يا هشام شاهدت المحاكمة لمدة دقيقتين فقط،فهذه المحاكمات ستأخذ وقتا طويلا ولابد أن تستمر ونتأكد أن تكون محاكمات عادلة وناجزة، ولكن الأهم بالنسبة لي الآن أن ننظر للأمام ونركز على أهداف الثورة وهي كيفية توفير الحاجات الأساسية للشعب المصري الذي على الأقل 50 % منه يعيش تحت الحد الأدنى للإنسانية،ولكن مشهد مبارك في القفص لم يثير لدي أية مشاعر،فهو مثله مثل أي مصري يجب أن يحاكم طبقا للقانون وننتظر الحكم الذي ستصدره المحكمة،وكل ما نأمله أن تكون المحاكمة عادلة وناجزة. * هناك من قال إن إظهار مبارك في قفص الاتهام بمثابة قطعة حلوى قدمها المجلس العسكري للثوار كي يعودوا لبيوتهم وأن المحاكمة مجرد تمثيلية..ما رأيك؟ - لا طبعا هذا كلام غير صحيح،فالثوار الذين هم يمثلون مصر- لأن مصر كلها خرجت في ثورة 25 يناير- ومن ثم فالثوار أذكى من هذا،فأهداف الثورة لديهم تتعدى وأكبر بكثير من محاكمة مبارك ورموز نظامه. * معنى هذا أنك لا ترى أن المحاكمة مجرد تمثيلية؟ - كون مبارك قدم للمحاكمة فهي بالطبع خطوة جدية، ولكن يجب أن ننتظر لنرى سير المحاكمة والاستمرار فيها بشكل جدي حتى نصل إلى الحكم العادل، و"خلاص بقى غير السؤال". * هل تتفق مع فكرة إرجاء كافة محاكمات رموز النظام السابق وأن يتم التركيز حاليا في مرحلة إعادة بناء الوطن؟ - لا بالطبع،فلابد من السير بالتوازي بين محاكمات رموز النظام السابق وبناء الوطن. * البعض يأخذ عليك أنك تبدو مثيرا للجدل والانتقاد من قبل المعارضة والنظام الحاكم سواء قبل أو بعد الثورة؟ - قبل الثورة طبعا كانت هناك حملة ممنهجة لتشويهي من أول يوم رجوعي لمصر في 2009 لأنني بدأت في المطالبة بالتغيير،فما كان يكتب في الصحف الحكومية وأجهزة الإعلام كلها عني كشخص وقيمة مصرية وخلافه قبل أن أطالب التغيير، تحول بعد أن طالبت بالتغيير إلى العكس تماما، وطبعا هذه كانت حملة تشويه ممنهجة ومنظمة من جانب نظام مبارك،وللأسف فإن هذه الحملة لتشويهي مازالت مستمرة حتى الآن ولم تتوقف ولا بد أن هناك أجهزة تقف وراءها وأرجو أن تتوقف هذه الحملات لأن شكلها أصبح سيئا،لأنها تدل على أن النظام لم يتغير وبعض الوجوه فيه كذلك لم تتغير. * هل تعتقد أن من يقف وراء هذه الحملات هم أناس في سدة النظام الحاكم حاليا أم فلول النظام السابق؟ - "أنا مش عارف والله..إنما قطعا وراء هذه الحملات تنظيما يديرها". * هل تشعر أن المعارضة أيضا كانت متحاملة عليك وقت نظام مبارك وما زالت متحاملة الآن أيضا؟ - لا، لا يوجد تحامل من المعارضة ضدي. فالمعارضة لها وجهات نظر مختلفة،وأنا لي وجهة نظر ،فلابد أن نعرف كيف نختلف،فأنا سأستمر في أرائي نحو كيفية التعامل مع كافة الأمور وكذلك سأستمر على نفس موقفي طالما أنني مقتنع بوجهة نظري،وأن ما ينقصنا في مصر هو أن نعرف كيف نختلف وأن ننظر للهدف الأكبر أفضل من أن نشغل أنفسنا بأمور صغيرة . * هل تشعر أنك مخيف لأي خصم أو منافس سياسي؟ - صمت ثم قال بصوت ضاحك "والله ده سؤال ممكن توجهه إليهم يا هشام"، إنما أنا أعبر عن أرائي وتفكيري ووجهة نظري ورؤيتي وحلمي لمصر ولا أعتقد أن هذا يخيف أي شخص إذا كنا جميعا نتفق على أنه لابد أن نبني مصر من أول وجديد، وكل هذا لا يخيف أي شخص طبيعي وسوي يضع مصلحة مصر أمام عينيه.
* هل تعتقد أنك مقلق للمجلس العسكري وغير محبوب من قبل قياداته؟ - ضحك أيضا ثم قال والله هذا السؤال يجب أن توجهه للمجلس العسكري. * أنا أسألك عن ما تشعر به من خلال تعاملك ولقاءاتك مع قيادات المجلس العسكري؟ - أنا تقابلت مع قيادات المجلس العسكري مرتين في خلال أيام الثورة وكانت مقابلات ودية وطيبة وعبرت فيها عن أرائي المختلفة واتفقنا في أشياء واختلفنا في أشياء أخرى كثيرة و"هذا كذلك يعني أعتقد أنهم..سواء اختلفنا أو اتفقنا..يعرفوا إن أنا.. واعتقد..وأمل أنهم يعرفوا وأنا كذلك أقدر أننا جميعا نسعى لمصلحة مصر". * هل شعرت أنك أحد المقصودين من المرشحين المحتملين للرئاسة الذين قال عنهما أحد قيادات الجيش بأنهما عملاء لأمريكا ويتلقيان تمويلا من الخارج ويديران جمعيات شبابية لتخريب مصر؟ - لا لم أشعر بهذا،فبالقطع لا أعتقد أن هذا الكلام يوجه لي،فهناك الكثير من الهراء في مصر يجري حاليا،وأنا شخصيا أزعجني هذا الكلام وأزعجني أيضا الاتهامات لحركة 6 أبريل وكفاية ، فغير مقبول أن تكيل اتهامات لجماعات لها تاريخ وطني بارز دون دليل على تلك الاتهامات، فنحن نرى كل يوم أكاذيب وتدني خلقي،ففي هذا الشهر كانت هناك قضية مرفوعة ضدي لإسقاط الجنسية عني وبلاغ للنائب العام يتهمني بأنني أضريت بالصالح العام ومصالح مصر القومية، وهذا يدل على أنه بعد الثورة لا زال الجرح ينزف،وأعتقد أنه يجب تنظيف الجرح تماما وأن نفتح الشبابيك ليدخل الهواء الطلق لنتخلص من كل هذا ونبني مصر ،ونستعيد مرة أخرى قيمنا التي كانت موجودة في مصر قبل ذلك. *هل تؤيد أن هناك أيادي عربية وخارجية تعبث بأموالها في مصر بعد الثورة؟ - كذلك أن لا أعرف هذا،فإذا كانت هناك اتهامات فيجب أن تكون هناك أدلة على ذلك،وبالطبع مصر دولة لها دور محوري في المنطقة وأعتقد أن هناك مصالح متعارضة معها من كافة الأطراف الخارجية،فكيف تسير مصر إلى الأمام؟..هذا يقلق تلك الأطراف..ولكن ما يجب أن نركز عليه أنه يجب أن تكون لدينا ثقة في أنفسنا ويجب أن نبني مصر بسواعدنا فقط ولا أعتقد أن أحد يستطيع أن يلوي إرادة المصريين،فعندما قامت الثورة فهي قامت رغما عن إرادة أي جهة أجنبية إقليمية أو عالمية. * صورتك تبدو مشوهة لدى السواد الأعظم وهي الأغلبية غير المتعلمة والبسطاء من الشعب المصري ويرون أنك دائما تجلس في برج عاجي وتنتظر أن يفعل الشعب كل شيء...فكيف ستعمل على تصحيح تلك الصورة التي ؟ - كما ذكرت لك أنه كان هناك عامان من الكذب والتشويه والإنعدام الخلقي والآن تحول الأمر من عملية خوف وغضب من دعوتي للتغير إلى عملية انتقام بعد الثورة، وهناك أجهزة لا زالت منظمة تدير تلك الحملات، ولا أعلم من وراء تلك الأجهزة وإنما حينما تتوقف حملات التشويه والانتقام ضدي، فنتأكد وقتها أنه ليس فقط حدث تغيير في الفكر ولكن أيضا حدث تغيير في الأشخاص، وهذا لابد أن يتم وأراه قريبا، ولكن في الحقيقة أنا لا أجلس في برج عاجي ولا شيء من هذا القبيل فأنا نزلت إلى الناس في الشارع وفي كل مكان عندما كان لا ينزل أحد قبل الثورة ،وذهبت إلى الفيوم والمنصورة ومغاغة وكل مكان وسأنزل ولكن لكل حادث حديث، فالانتخابات الرئاسية أعتقد أنها ستتم بعد عام، ومن ثم فأنا في المرحلة الحالية أخصص وقتي لمحاولة إنقاذ مصر اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، وبعد ذلك سأبدا حينما يأتي الوقت حملتي الانتخابية وستجدني في كل شارع ومع كل مصري كما فعلت في الماضي يا هشام.
* لكن حينما نزلت في الماضي للناس البسطاء هل شعرت أنهم لا يقبلونك وأنك غير محبوب بينهم؟ - بالطبع لا، فهذا كلما غير صحيح إطلاقا، فهذا جزء من حملة تشويه النظام ضدي، فانت رأيتني من زمان من قبل الثورة في المنصورة وفي الفيوم وكنت في جامع الرفاعي قريبا ورأيت كيف احتفى بي الناس، فهذه حملة لتشويهي من قبل أشخاص وأجهزة وفلول النظام، لأنهم يخافون من محمد البرادعي لأنه يؤمن بمباديء لن يغيرها وهي ضرورة تحقيق الشفافية وإنشاء نظام ديمقراطي وتمتع الشعب المصري بالحرية والمحاسبة والعدالة الاجتماعية، فهناك كما نرى الآن الكثيرون في مصر لا يرون التغيير، أو يعتقدون أن التغيير مجرد استنساخ للنظام السابق، وبالطبع كل هؤلاء الذين كانوا جزء من نظام مبارك لا يزالون يوجهون الهجوم علي، فمن الأشياء الغريبة في مصر حاليا أن الهجوم لا يوجه لأحد غيري، مما يجعلك تتساءل لماذا؟..والإجابة: لأنهم لا يرغبون في تغيير حقيقي. * بعد أن طرح شباب الثورة لاسمك كرئيس للوزراء سارع المجلس العسكري وأصدر بيانه الشهير الذي أعلن فيه دعم عصام شرف...فهل ترى أنك كنت سببا في تمتع شرف ببعض صلاحياته كرئيس للحكومة؟ - لا أعرف،وإنما أنا كنت أنادي منذ أول الثورة بأنه لابد أن تكون للحكومة صلاحيات،لأن حكومة بدون صلاحيات هي مشكلة كبيرة،ولا تزال المشكلة قائمة إلى حد ما فالمجلس العسكري لديه سلطة وإنما لا يمارس مسئوليات،والحكومة التي عليها مسئوليات ليس لديها صلاحيات،والوضع تغير بعض الشيء خلال الشهرين الماضيين،وإنما ما زالت الحكومة في حاجة إلى مزيد من الصلاحيات، فإذا كنا نتحدث أنه لا يزال أمامنا عام كامل حتى الانتقال إلى دولة مدنية وأن يعود المجلس العسكري إلى ثكناته فلا يمكن أن نستمر طوال هذا العام على الوضع الحالي، فلابد أن تكون للحكومة كامل الصلاحيات، وأن تكون حكومة إنقاذ وطني تخطط وتجهز وتهيئ للحكومة التي ستأتي بعد الانتخابات إن شاء الله. * هل الدكتور البرادعي يخاف من التيارات الإسلامية على مستقبل مصر؟ - أنا أخاف من التطرف،وإنما لا أخاف من التيارات الإسلامية، فطالما أن أي تيار ديني إسلامي أو يساري يود أن يعمل في إطار دستوري يقوم على أن الشعب مصدر السلطات وعدم استخدام العنف فأنا لا أخاف منه،فأنا كنت من أول الداعين إلى ضرورة أن يكون الإخوان جزء من العمل السياسي لأنهم فصيل من مصر سواء اختلفت أو اتفقت معهم وينطبق هذا على كل شخص في مصر طالما أن يعمل في إطار الدستور الذي يتوافق عليه كل الشعب وهو دولة مدنية وأن يكون الدستور هو مصدر السلطات ولذلك كما تعرف يا هشام فأنا دائما كنت ولا زلت أطالب بأن أول خطوة كان يجب علينا أن نفعلها هي أن نضع دستورا جديدا بشكل توافقي يحدد القيم التي ستقوم عليها مصر في المستقبل وأي شخص يود أن يعمل في إطار هذا الدستور فبالطبع هو من حقه كمصري. * الإخوان لا يوافقون على الدستور أولا ويسارعون من أجل الانتخابات أولا...وأنت قمت بزيارتهم في مقر حزبهم في وقت تال لهجوم عنيف شنه رئيس حزب الإخوان ضد من ينادون بالدستور أولا وأنت منهم ووصفهم بأنهم أذناب الصهاينة وعملاء إسرائيل وأمريكا...ألم يغضبك هذا الكلام؟ - في الحقيقة أنا لم أقرأ هذا التصريح لمحمد مرسي، وأعتقد أنه نفى هذا التصريح على حد علمي،إنما لكل شخص الحرية الكاملة، لكن أرجع وأقول إنه لابد أن نعرف ثقافة الاختلاف،فأنا في رأيي أنه كان خطأ أننا لم نبدأ بالدستور أولا، ولكن كما ذكرت بعد ذلك أنه "خلاص" لا أود أن ندخل في متاهة، وللأسف حدثت عشوائية دستورية ولا زلنا نعيشها ونرى تراكماتها، ولذلك انتقلت إلى مرحلة أخرى لإصلاح ما بعد الاستفتاء وهو أن نقوم بوضع وثيقة تطمئن كل الشعب المصري وتحدد الحقوق الأصيلة للإنسان وتضع مباديء يجب أن تسترشد بها اللجنة التي ستضع الدستور، وتضع قواعد تحدد كيف تكون اللجنة التأسيسية لوضع الدستور تمثل كافة القوى الوطنية وليست معبرة فقط عن الأغلبية البرلمانية، وكما رأيت فأنا وضعت وثيقة مباديء،وحينما كنت في زيارة شيخ الأزهر مؤخرا قلت إن وثيقة الأزهر يمكن أن تكون أساس استرشادي، يعني الخلاصة أنني ما زلت على رأيي أننا أخطأنا بعدم البدء بالدستور أولا، وإنما لا يجب أن نتوقف عند هذه النقطة، وكما أسمع الآن فهناك فكرة أو نية لأن يكون هناك إعلان دستوري مكمل، وأعتقد أنه بالطبع هذا نحتاجه على الأقل لوضع مباديء استرشادية تحدد القواعد التي تقوم عليها اللجنة التأسيسية التي ستضع الدستور، ويمكن للمجلس العسكري إذا أراد أن يطرح هذا الإعلان مرة أخرى للاستفتاء،فالإرادة الشعبية ليس معناها استفتاء واحد ولكنها استفتاء واثنين وثلاثة طالما أننا نسير على خطة طريق واضحة نحو الاستقرار والديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية.
* ألا تقلق من التيار السلفي الإسلامي بعد ما أظهره من ممارسات مقلقة في الفترة الماضية؟ - لا ، فكما ذكرت لك أنا أخشى من التطرف فقط، فلا أود بالطبع أن أرى نداءات تؤيد بن لادن في مصر ولا بعض الشعارات والهتافات المتطرفة، ولكن أنا أعرف أن هناك كثير من السلفيين معتدلين في تفكيرهم وأرائهم، وهؤلاء يجب أن يكون هناك حوارا بينهم وبقية فصائل المجتمع، لأن عملية الإقصاء من الساحة لن تؤدي إلا إلى مزيد من الخلخلة في التوافق الاجتماعي الذي يجب أن يكون هدفنا جميعا، لأنه بدون توافق اجتماعي وبدون أن نعرف كيف يجب أن نعيش معا إلى أبد الأبدين سنخسر جميعا. * بمناسبة ذكرك لبن لادن هل استأت من الطريقة التي قتلته بها أمريكا أم ترى أنه إرهابي استحق ذلك؟ - يعني الحقيقة أنا لم أتوقف عندها طويلا، إنما كما تعلم كان هناك خلاف بين باكستان وأمريكا حول الطريقة التي تم التعامل بها في هذا الموضوع،إنما لا شك أن القاعدة تتحمل مسئولية كبيرة في العمليات الإرهابية التي وقعت الأعوام الماضية،ولكن كنت أفضل بالطبع أن يكون هناك تنسيق مع الحكومة الباكستانية لأنه كان يعيش على أراضيها،وفي الحقيقة هناك تعقيدات كبيرة في هذا الموضوع من ناحية العمليات الأمنية والتساؤل عما إذا كانت باكستان تعلم بوجوده أم لا،فما زال هذا الموضوع مجال حوار وجدل بين باكستان وأمريكا، بينما أنا كرجل قانون كنت أفضل أن يتم القبض على بن لادن ويقدم للمحاكمة لو كان هذا ممكنا ولكني لا أعلم التفاصيل. * الناس فسرت زيارتك لحزب الإخوان وزيارتك لشيخ الأزهر بأنك تخطب ود التيارات الدينية الإسلامية لدعمك في انتخابات الرئاسة..فما ردك؟ - أنا حاليا أعمل كمواطن مصري وقلق وحزين على ما وصلنا إليه من تشرذم وانقسام في مصر في الوقت الحالي بالمقارنة بأيام الثورة حينما كنا جميعا متحدين ونتكلم فقط كمصريين، ولذلك أنا أحاول الآن جمع الشمل وأنه لا مجال الآن لأن نختلف وننقسم، وإنما يجب أن نتوحد إذا كنا نريد أن تحقق الثورة نتائجها، وبالتالي فأنا أحاول أن أتواصل مع كل فصيل من فصائل الشعب المصري، وعملية الانتخابات الرئاسية ليست في ذهني على الإطلاق في هذه المرحلة، فأولياتي أن أرى مصر تتعافى اقتصاديا وأمنيا وسياسيا قبل أن نفكر في من سيحكم مصر لأن هذا موضوع غير مطروح الآن. * يعني هل ستفرح أن تتعافى مصر اقتصاديا وأمنيا وسياسيا حتى إذا قدر لك عدم خوض الانتخابات الرئاسية؟ - الأسبقية الأولى لي الآن هي مصر قوية فتية متعافية ويكون فيها كل مصري له الحق في الحرية والكرامة والمساواة، فهذا بالطبع أهم بكثير جدا من أن أكون رئيسا لدولة فاشلة تسير بالطريق المعاكس كما كنا نسير في الـ30 عاما الماضية، فهنا أنا أتكلم عن حقوق الانتماء لهذا البلد وهو يجب أن يعلوا فوق أي اعتبارات شخصية يا هشام.
* معنى هذا أنه إذا لم تتحقق التغييرات المطلوبة وتصبح قوية خلال الفترة الانتقالية قد يجعلك هذا تعزف عن الدخول في معركة الرئاسة؟ - أنا قلت هذا أكثر من مرة ومازلت أقول أنني سأخوض انتخابات الرئاسة فقط في حالة وجود نظام ديمقراطي وانتخابات حرة ونزيهة، فهذا موقفي لم يتغير ولن يتغير.
* قلت في زيارتك لحزب الإخوان إن السبيل للتحول الحقيقي في مصر بتفعيل القيم والأخلاق لدى الشعب المصري..فهل ترى أن الشعب المصري تنقصه حاليا الأخلاق؟ - نعم بالطبع، فنحن فقدنا تقريبا كل قيمنا وأخلاقنا، يعني نحن نتكلم كثيرا عن المادة الثانية من الدستور، وأضعنا وقتا كثيرا في الكلام عنها وهي مادة لا خلاف عليها، فأنا في رأيي أننا يجب أن نركز على تطبيق المادة الثانية من الدستور وليس عن إلغاءها أو إبقاءها، وتطبيقها يعني إرساء القيم الإسلامية من السماحة والعدالة والشهامة والصدق والأمانة وحب العمل، فهذه هي القيم الإسلامية، وعندما زرت شيخ الأزهر اتفق معي على أننا أو الكثيرين منا يتكلمون الآن عن الدين الإسلامي كطقوس وليس كجوهر، وفقدنا الكثير من قيمنا بالطبع، ولذلك فأهم شيء الآن في رأيي هو إعادة بناء العقل المصري الذي ضاع وتم تغييبه لعقود طويلة،وبالتوازي مع ذلك نركز على إعادة بناء القيم المصرية التي كنا نفتخر بها من قبل. * هل تتفق مع من يطالبون بإلغاء خانة الديانة من البطاقات الشخصية للمصريين؟ - في الحقيقة هذه ليست مسألة مهمة ولا جوهرية،وفي معظم دول العالم لا يتم ذكر الديانة في البطاقة،ولكن ما يهمني في الوقت الحالي أن نركز على أننا جميعا مصريين سواء كان الشخص قبطي أو مسلم أو أي كانت عقيدته، فالدين لله والوطن للجميع وكل شخص معروفة ديانته في شهادة الميلاد الخاصة به، ولكن نحن دائما ندخل أنفسنا في الحديث عن شعارات وليس جوهر، فأنا أقول لك إننا طوال العامين الماضيين ونحن نتجادل ونتحدث عن المادة الثانية من الدستور وهي موجودة من سنة 1960 ومشكلتنا ليس في الإبقاء عليها، ولكن مشكلتنا في عدم تطبيقها، وهذا بالطبع مثل الجدل حول هل نذكر خانة الديانة في البطاقة أم لا، فما أتمناه أن أرى الناس تشغل أنفسها بالحديث عن أن الـ 42 % من المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر وتحت خط الإنسانية، والـ34 % من المصريين الذين يعانون من الأمية، أرغب أن نتحدث عن الرعاية الصحية غير المتوافرة لـ50 % من الشعب المصري، فهذه هي الأسبقيات الحقيقية التي يجب أن نهتم بها ونبتعد عن خلافات غير موجودة وليس لها قيمة من الناحية العملية،فالتركيز يجب ان يكون على بناء مصر من الناحية الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية وخلافه. * العديد من القراء سألوا هذا السؤال لك أنت على وجه التحديد من بين كافة المرشحين المحتملين للرئاسة...وهو في حال فوزك بالرئاسة فكيف ستتعامل مع أمريكا وإسرائيل والدول التي لدى الشعب المصري حساسية منها؟ - سأتعامل معهم...صمت ثم قال: يجب أولا أن نبني مصر، وحينما نبني مصر وتصبح دولة قوية قادرة وفاعلة في محيطها العربي والإسلامي سنتعامل مع أمريكا وإسرائيل وكافة الدول بندية وكفاءة، يعني عندما نستعيد توازن القوى سنستطيع تلقائيا أن يكون تعاملنا مع هذه الدول على أساس الندية والكفاءة والمصالح المتبادلة، فنحن الآن لا يوجد توازن قوى وبالتالي فالميزان يتجه دائما في اتجاه واحد هو ليس في صالح مصر في أكثر الأحيان. * هل تشعر أن ثقلك العالمي يميزك عن كافة مرشحي الرئاسة الآخرين؟ - يعني أنا لا أود أن أقارن نفسي بباقي المرشحين، إنما طبعا أنا لي خبرة على المستوى الدولي من خلال تعاملي على مدى 15 عاما على الأقل مع كافة رؤساء الدول تقريبا، وكذلك لدي خبرة في مسائل الأمن الدولي ومسائل التنمية الدولية وخبرة في الإدارة الحديثة، وطبعا كل هذا في رأيي يعطيني المؤهلات التي إذا قدر الله أن أكون رئيسا لمصر تمكنني هذه المؤهلات من إدارتها بكفاءة، وإنما في النهاية الشعب المصري هو الذي سيختار، فكل مرشح يطرح نفسه ويقدم إمكاناته والشعب هو الذي يقرر، وإنما بالطبع حينما نتكلم عن بناء مصر فلابد أن نبدأ بناءها من أول وجديد، فالنظام القديم يجب أن يتم هدمه بالكامل ونبدأ البناء من جديد داخليا وخارجيا، فالمسألة ليست فقط وضع برامج وإنما يجب أن نعرف من هو القادر على التجديد والقادر على أن يجمع حوله أشخاص ذات مصداقية، والقادر على أن يتخذ قرارا في الوقت المناسب والذي لديه خبرة في الإدارة الحديثة ويفهم أبعاد السياسة الدولية وتحديات التنمية، وفي النهاية أن يكون شخص عنده ضمير ورؤية، ويلتزم بتحقيق كل هذا، فمصر بالفعل في حاجة الآن إلى وجوه جديدة ورؤية جديدة وأن يحدث انفصال تام أو طلاق تام بين النظام القديم نظام مبارك ومصر الجديدة التي نود أن نبنيها، لأن النظام القديم دمرها بالكامل. * معنى هذا أن مصر لم تطلق نظام مبارك حتى الآن؟ - نعم مصر لم تطلق النظام القديم، فنحن في حاجة إلى عملية هدم النظام القديم في أجهزة كثيرة جدا مثل القضاء والإعلام وغيرها من مؤسسات الدولة التي لا يزال التفكير القديم سائد فيها، ففي بداية الحديث ذكرت أنه لا يزال الكلام كما هو بمنطق التخوين والعمالة والتمويل الخارجي والمخططات الخارجية لتقسيم مصر دون تقديم أية أدلة على هذه الاتهامات، فكل هذا على سبيل المثال يجب أن نتخلص منه ونبدأ تفكيرا عقلانيا في إطار جديد بالكامل ورؤية جديدة ، فأنا كلما نظرت إلى مجال من المجالات في مصر أجدنا فشلنا فيه وما زال الفشل مستمرا حتى بعد الثورة لأن هناك في كل مؤسسة من لا يريد التغيير، ولكن ما يعطيني الأمل هو أن المشاكل معروفة والحلول موجودة وسيتم التغيير.
* إذا أصبحت أنت الرئيس وصدر حكم على مبارك بالإعدام فهل يمكن أن تصدر عفوا رئاسيا عنه؟ - يعني هو الواقع حاليا أنني لست رئيسا وهو لم يصدر الحكم عليه حتى الآن ومن ثم فلكل حادث حديث،ولكن إذا صدر حكم على مبارك وكان هناك عفو عنه فيجب أن يكون معبرا عن الإرادة الشعبية. * يعني لو أنك الرئيس والشعب رأى العفو عن مبارك فهل ستسير مع الإرادة الشعبية وتعفو عنه؟ - بالطبع، فتلك هي إرادة الشعب، ولكن قبل الإرادة الشعبية يجب احترام حكم القضاء. * قال عمرو موسى إنه لا يقبل العمل كنائب للبرادعي..فكيف ستتعامل مع مرشحي الرئاسة المطروحين حاليا في حال فوزك بالمنصب؟ - سأتعامل معهم كأشخاص لهم وطنية ولدى معظمهم خبرة، وسأطلب من كل مصري سواء كان مرشحا أو غير مرشح أن يبذل قصارى جهده في خدمة مصر، وأن نعمل جميعا كفريق، ففي النهاية لن ننجح إلا إذا عملنا كفريق واحد من أجل بناء مصر وأن نتناسى خلافاتنا الضيقة ومصالحنا الذاتية. * ما هو أول قرار سيتخذه الدكتور محمد البرادعي الرئيس؟ - أنا لا أعلم كيف ستكون الأسبقية في هذا الوقت، وإنما كما ذكرت لك منذ قليل إن هناك المئات من القرارت لأننا سنبني بيتا جديدا بالكامل بدء من أساساته حتى نفرشه ونجهزه ليكون بيتا يدخل فيه كل مصري وينعم بالحرية والكرامة،ومن ثم فلا أعلم الآن ماذا سيكون أول قرار ولكن بالتأكيد هناك مئات القرارات.