كتبت صفاء عاشور
إذا أردت المشاركة فى الاحتجاجات الأخيرة أمام السفارة الإسرائيلية، والتى تعلن الغضب الشعبى على استشهاد ستة من جنودنا على الحدود، برصاص جيش الكيان الصهيوني، فيمكنك أن تستقل أى وسيلة موصلات، اتقاءً لحرارة الشمس فى حالة قطع المسافة سيرا على الإقدام، ومن منتصف كوبرى الجامعة ستظهر لك العمارة التى تحوى سفارة الكيان الصهيوني، وقد علاها علم يبدو أبيض، كشعارات السلام المغلوطة، قبل دقائق من اتضاح نجمة داود الزرقاء عليه، وما يصاحبه من شعور بالانقباض، السائق الذى سيقلك إلى نهاية الكوبرى حيث تقع السفارة، حتما سيشكو من التباطؤ، والطريق "الواقف"، ليس بفعل الزحام، ولكن بفعل الحواجز الأمنية، التى تجبر العربات على المرور واحدة وراء الأخرى، لحين التأكد من هويتها، والمظاهرات الأخيرة التى أحاطت بمبنى السفارة، قللت من الإجراءات الأمنية قليلا، وإن أبقت على الزحام، بفعل التجمهر. نظرة واحدة للعمارة التى يعلوها العلم الكريه، تعيد للذاكرة الصورة الذهنية التى عكسها الإعلام للرجل الإسرائيلى، بحاجبيه الكثيفين، ودهائه المبتز، وفهمه لطبيعة الصراع المصرى الإسرائيلى، الأمر الذى لا تمحوه معاهدات السلام، واللقاءات الدبلوماسية، فاختيار مكان السفارة جاء بعناية فائقة، يصعب معها القيام بأى عملية فدائية، فالعمارة التى تحوى السفارة تتوسط عمارتين عن الشمال، ومثلهما على اليمين، ويحيطها النيل باتساعه، وتطل على ميدان الجيزة، وحديقة الحيوان، بما تفرضه من مساحة مفتوحة، يمكن معها كشف أى خطر أمنى على السفارة، أما المبانى المواجهة لها، فيتكفل نهاية كوبرى الجامعة بحجبها عن مدخل عمارة السفارة، ويتكفل رجال الأمن فى ضبط الوضع الأمنى. ويعلق السفير السابق محمد بسيونى، مؤكدا أن اختيار إسرائيل لمقر السفارة فى بداية الثمانينيات، قد تم بالتراضى بين صاحب العمارة والجانب الإسرائيلي، ودون تدخل من الجانب المصرى، وقد تعهدت مصر بحماية السفارة الإسرائيلية، أسوة بباقى السفارات الأجنبية الأخرى. المبانى فى المنطقة المحيطة بالسفارة، يستحيل الدخول إليها، بغير التعرض للتفتيش من قِبَل الأمن، وفى أوقات المظاهرات تغلق البوابات الحديدية تماما، وكذلك جميع النوافذ المؤدية، وينتشر أمن السفارة فى المنطقة من آن لآخر، بملابس مدنية لعدم إثارة الشكوك، وللتأكد من أمن المنطقة، وخاصة خلال المظاهرات، وقد لوحظ خلال الاحتجاجات الأخيرة أن أفراد الحراسة الخاصة بالسفارة يعلقون علم مصر على صدورهم، خوفا من الملاحقة من قبل المتظاهرين، كما أكد لنا أحد عمال أفراد الأمن بالعمارة المجاورة، والذى رفض ذكر اسمه، وأكد أن رجال الحراسة الخاصة بالسفارة، يتجولون أحيانا بملابس مدنية، ويرفضون البوح بمعلومات شخصية عنهم. علم مصر الذى علق من النوافذ المغلقة للعمارة الخاصة بالسفارة، كان الشاهد الوحيد على وجود سكان أخرين، وذلك فى حين لا يعلم أحد أى دور تشغله السفارة تحديدا، حتى إن المعتصمين أسفل السفارة أصابتهم الحيرة، وتجادلوا فيما بينهم، أثناء إلقائهم "البروشتات" بكثافة لإسقاط العلم عن العمارة، فبعضهم يرى أن السفارة فى الدور الأخير، وبعضهم يجزم أنها لا بد تحتل ثلاث أدوار فى موضع ما فى العمارة، ولم يستطع أحد أن يجزم فى أى دور تقع السفارة، ولم يظهر أحد السكان لتأكيد أو نفى ذلك، فأغلب سكان العمارات القريبة يشعرون بالخزى، بسبب مجاورتهم للسفارة، أو السكن فى نفس العمارة. سكان العمارات القريبة يتشاركون العديد من الحكايات، المرتبطة بقربهم من السفارة، فتذكر الحاجة أم زياد، التى تملك سوبر ماركت قريبا من السفارة، أنها كثيرا ما كانت تساعد فى إخفاء المتظاهرين، أثناء مطاردات أفراد الأمن المركزى لهم، كما تعرضت لحالات من الإغماء؛ بسبب القنابل المسيلة للدموع، التى كانت تستخدم فى تفريق الحشود الغاضبة حول السفارة، الحاجة أم زياد تكره إسرائيل، ولا تكره وجودها حول السفارة، فمحلها تملكه منذ الستينيات، وعلاقة ود وعشرة تربطها بالجيران المحيطين، ولم يسبق لأى من موظفى السفارة الإسرائيليين الشراء منها، ولا تعلم إن كانوا يرسلون عاملين مصريين لشراء أى شئ من محلها، وربما لا تريد أن تعلم كذلك. ولم ينكر عدد من الموجودين بمنطقة السفارة وجود ما أسموه عناصر مجهولة، تظهر فى المظاهرات وتتعمد دائما الاشتباك مع المتظاهرين، وإلقاء الشائعات حولهم، وهناك مالك لمحل كوافير قريب معروف بتدبيره لذلك، بسبب علاقته الوثيقة بالسفارة الإسرائيلية، ذاك المالك الذى تعمد سب الثورة أمام الجميع خلال الاحتجاجات الأخيرة، واتهم المعتصمين بعدم مراعاة الآداب العامة، وبأنهم لا ينتمون للثوار الحقيقيين الذين خرجوا فى جمعة الغضب، فى تناقض واضح لأقواله السابقة التى تدين الثورة، ويصف المتظاهرين بأنهم قلة يريدون تخريب البلد، وضياع فرص مصر من السلام، ولا يكاد ينتهى الرجل من قوله هذا، حتى يهمس أحدهم فى أذنك أن هذا الرجل كوافير خاص للعاملين بالسفارة الإسرائيلية، وأنه يتباهى بعلاقته تلك، ويؤكد أن أمريكا وإسرائيل قوى لا يمكن قهرها.