السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - ما قولكم في رجلين اشتركا في شراء قطعة من الأرض، ثم إن أحدهما باع حصته من الأرض في وقت الغلاء لحاجته دون إعلام صاحبه بذلك، ثم إن صاحبه علم بالأمر بعد مضي عدة شهور ورخص الأسعار، فما الذي ترونه في المسألة؟ ثم هل يكون لصاحب الشريك المتصرف أن يأخذ عنه عوضا لقاء الكتمان الذي حصل منه وتسببه في لحوق الضرر به؟ علما بأن المتصرف يبرر موقفه ببعض الأعذار، فمنها: أن هذا الآخر قد جعله وكيلا له لإجراء العقود، ثم إنه يقول: إني كنت أعلم أنه لم يكن لديه من المال ما يشتري به حصتي، ولذا احتجت إلى أن أبيع حصتي لغيره، والآخر يقول: إنك أضررت بي، وكنت قد اعتمدت عليك ثقة بك، وكنت السبب في لحوق الخسارة بي، حيث إن الحصة الواحدة كانت تباع بمائة ألف من الدنانير أو أزيد، أما الآن فقد تم بيع حصتي بخمسين ألفا، فما المخرج من هذا الإشكال؟ والمتصرف يقول له: إن ما تقوله حق، لكن الدنانير قد ارتفعت قيمتها الآن، نعم العدد أنقص لكن مع ذلك فليس لنا أن نغفل ما عرض للقيمة من تغير. الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد اتفق أهل العلم على أن حق الشفعة يثبت للشريك في العقارات كالأرض ونحوها قبل قسمتها، لما في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة وحائط لا يحل له أن يبيعه حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، وإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به. أما بعد القسمة فمذهب الجمهور أن الشفعة لا تجب للجار ولا للشريك، لقول جابر في الحديث المتقدم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم وفي رواية للبخاري : فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة. وذهب الحنفية إلى إثبات الشفعة للجار الملاصق والشريك في حق من حقوق المبيع، لما رواه البخاري عن عمرو بن الشريد قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي، إذ جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا سعد ابتع مني بيتي في دارك. فقال سعد: والله ما أبتاعهما. فقال المسور: والله لتبتاعنهما. فقال سعد: والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة. قال أبو رافع: لقد أعطيت بها خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الجار أحق بسقبه. ما أعطيتكها بأربعة آلاف، وأنا أعطى بها خمسمائة دينار فأعطاها إياه". فدل الحديث على أن الشفعة تستحق بسبب الجوار. واستدلوا أيضًا بما رواه مسلم وأحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها، وإن كان غائبًا إذا كان طريقهما واحدًا. وذهب بعض أهل العلم إلى ثبوت شفعة الجوار مع الشركة في حق من حقوق الملك من طريق أو ماء أو نحو ذلك، ونص على ذلك الإمام أحمد في رواية أبي طالب ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم، وعزاه ابن القيم إلى عمر بن عبد العزيز والبصريين من فقهاء الحديث، وهذا القول - والله أعلم - هو أرجح الأقوال، وقد أجاد ابن القيم في إيضاح هذا فقال رحمه الله: والصواب القول الوسط الجامع بين الأدلة الذي لا يحتمل سواه، وهو قول البصريين وغيرهم من فقهاء الحديث، أنه إن كان بين الجارين حق مشترك من حقوق الأملاك من طريق أو ماء أو نحو ذلك ثبتت الشفعة، وإن لم يكن بينهما حق مشترك البتة بل كان كل واحد منهما متميز ملكه وحقوق ملكه فلا شفعة، وهذا الذي نص عليه أحمد في رواية أبي طالب، فإنه سأله عن الشفعة لمن هي؟ قال: إذا كان طريقهما واحدًا، فإذا صرفت الطرق وعرفت الحدود فلا شفعة. وهو قول عمر بن عبد العزيز، وقول القاضيين سوار بن عبيد الله وعبيد الله بن الحسن العنبري، وحديث جابر صريح فيه، فإنه قال: الجار أحق بسقبه ينتظر به وإن كان غائبًا إذا كان طريقهما واحدًا. فأثبت الشفعة بالجوار مع اتحاد الطريق، ونفاها به مع اختلاف الطريق بقوله: فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة. فتوافقت السنن بحمد الله وائتلفت، وزال عنها ما يظن بها من التعارض. انتهى. من إعلام الموقعين (2147) بتصرف يسير. وإذا تقرر هذا علمت أن الأرض إذا كانت لم تقسم أو قسمت، ولكن هناك شركة بين الرجلين في حق من حقوقها كالشرب أو الطريق، ثبت فيها الشفعة، وكان الواجب على من باع حصته أن يُعلم شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فإن خالف وباع دون إعلامه أثم بذلك ووجب عليه أن يتوب إلى الله، وكان لشريكه أن يأخذ حصته بالثمن الذي بيعت له، وإذا كانت الأرض قد قسمت بحيث لم يبق بين نصيبيهما اشتراك في حق من حقوقها، فلا شفعة، وكان لكل منهما أن يتصرف في نصيبه دون إعلام صاحبه. أما اعتذار الذي باع دون إعلام شريكه بأن شريكه كان قد وكله فليس عذرًا، فمعلوم أنه قد وكله في أن يتصرف له وفق المصلحة، وليس ما فعله مصلحة لشريكه، بل هو ضرر عليه، ومثل هذا التصرف لا يصح بالوكالة؛ لأنه غير مأذون فيه. وكون الذي باع يعلم أن شريكه لا يملك المال اللازم للشراء ليس أيضًا عذرًا؛ لأنه كان بإمكان شريكه أن يعترض ويوفيه الثمن. وكون قيمة الدنانير قد ارتفعت أو انخفضت لا يغير شيئًا من هذه المسألة. والذي نراه أن الشريك الذي تضرر ببيع شريكه لنصيبه دون إعلامه، إن كان يستطيع توفير المال اللازم لشراء نصيب شريكه فعليه أن يرفع الأمر للمحكمة المختصة لتحسم النزاع وتقضي له بالشفعة، وإن كان لا يستطيع توفير المال فليس له أن يطالب بتعويض مقابل ما أصابه من ضرر الكتمان؛ لأن غاية ما جعله الشرع له هو أنه إما أن يأخذ وإما أن يترك، وقد مُكِّن من ذلك. وراجع للأهمية الفتاوى التالية أرقامها: 9039، 20964، 32827. والله أعلم.