حقا ان هؤلاء الطبيبات يستحقن لقب نساء من فولاذ وصلب وبلاتين فانهن لا يخفن منظر الدماء كسائر الناس لا يصبن بالرعب من رؤية فأر يتسلق الحائط او صرصار يهرب الى الشارع بل يتميز هؤلاء الطبيبات بشجاعة واقدام.. انهن طبيبات الطب الشرعي ووظيفتهن الأساسية - امسك اعصابك- هي تشريح جثث الادميين لمعرفة اسباب الوفاة ويقضين حوالي عشر ساعات قد تصل في ايام الطوارىء الى اربعة وعشرين ساعة في المشرحة بين الجثث والقتلى ويتعاملن مع اكثر من 14 جثة في الاسبوع، وقد تصل في ايام الطوارىء الى مائة جثة او اكثر اسبوعيا.. الستم معي في منحهم لقب نساء من فولاذ؟
تقول د. نادية: "لقد تخصصت في قسم الطب الشرعي وتم تعيني في وظيفة طبيبة شرعية منذ 15 عاما من باب التحدي لاشقائي الذكور الذين يعملون في ذات التخصص، واستطعت ان اؤكد لهم انني استطيع ان اثبت جدارتي في هذا المجال وقبلت التحدي حتى اصبحت أشهر طبيبة شرعية في مصر وما زلت اتذكر كيف كان يسخر زملائى من رغبتي في ممارسة الطب الشرعي وتشريح الجثث وكانوا يظنون باني سوف اولي فرار او رعبا عندما أقع فى أول اختبار حقيقى وخاصة لاني كنت مطالبة بتشريح جثة شاب قتيل وزنة يزيد عن 160 كيلو جرام ولكني قبلت التحدي وبرغم شعوري برهبة داخلي عندما دخلت المشرحة لاول مرة واحساسي باختناق وضيق، الا انني تماسكت نفسي وبدأت أعالج جثة القتيل وتشريحها بمساعدة عامل المشرحة والحمد لله وفقنى الله سبحانة وتعالى الى تشريح الجثة بدقة احسد عليها وعرفت سبب الوفاة وهو اسفكسيا الخنق إذ قتله شقيقه لخلافهم على الميراث وقدمت تقريري الذي حاز على إعجاب رؤسائي برغم ان تشريح الجثث لا يكون الا لطبيب مارس الطب الشرعى لمدة لا تقل عن 5 سنوات ولكنى ومن أول مرة اثبت جدارتي في تشريح الجثث وتبخرّ الخوف تماما من داخلي بل واصبح زملائي يستشيروني في اي مشكلة تواجههم عند تشريح اي جثة...
وتضيف د. نادية "وليس غريبا ان تعمل المرأة في مجال الطب الشرعي او تشريح الجثث بالذات بل استطيع ان اجزم بان هذه المهنة الدقيقة تحتاج إلى النساء اكثر من الرجال لانها مهنة تتطلب اعصابا قوية من فولاذ وصبر وقوة تحمل وهي صفات اساسية في النساء ولذلك نجحت في هذه المهمة الشاقة وليس معنى ذلك انني امراة قاسية القلب او بلا قلب ولكنى اعلم اني امارس مهنة تفيد الابرياء وتنقذ المظلوم وتعطى للجاني جزاؤه الفوري اي ان مهنتنا معلق فيها رقاب كثير من الناس ومع ذلك فانا أمارس حياتي العادية بشكل طبيعي وما ان اعود الى منزلي حتى القي بمشاهد المشرحة المرعبة خلف ظهري وادير شئون بيتي وأسرتي فانا طاهية ماهرة لوجبات الطعام الشرقية والهندية ايضا وعليك ان تجرب وجبة المحشي والقلقاس من يدى وسوف تاكل صوابعك خلفهم..
ايام بلا نوم
واذا كانت د. نادية تمارس حياتها بشكل طبيعي فان الوضع مختلف تماما عند د. وفاء التي تشعر بضغوط شديدة بسبب قيامها بتشريح جثث القتلى وخاص عند حادثة قطارالصعيد منذ اعوام وتقول وقتها قمت بتشريح ما يزيد عن 15 جثة يوميا ومعظمها من الجثث المشوهة البشعة التي اصابتني بالرعب برغم انني اعتدت على تشريح الجثث لكن طبيعتي الرقيقة دائما ما تصيبني بالرعب برغم انني ما زلت أصر ايضا على تشريح الجثث لمعرفة أسباب الوفاة والوصول للحقيقة الكاملة ولذلك قد يستغرق تشريح الجثة وقت أطول حتى يصل تقريرالمعمل الجنائي وليس التأخير بسببنا نحن.
وعن اغرب الحالات التي صادفتها عندما اعترف قاتل قبل اعدامه بلحظات انه قتل شابا منذ اكثر من خمسة عشر سنة وقام بدفنه اسفل شاشة عرض سينمائي بمنطقة مصر الجديدة وبالفعل قام رجال المباحث باستخراج الجثة التي كانت ملفوفة بملاءة بيضاء اسفل شاشة العرض وقمت بتشريح العظام وفحصها وتاكد لنا ما قاله القاتل وان الوفاة كانت نتيجة طعنة بسلاح ابيض.
جثة ذكرى
اما د.احلام فتقول منذ عملت في مجال تشريح الجثث وانا استطيع ان افصل تماما بين عملي وحياتي الخاصة حتى لا اتاثر سلبيا بذلك، وعن اغرب الجثث التى ساعدت في تشريحها جثة الفنانة ذكرى التي تؤكد ان تشريحها استغرق ما يزيد عن 5 ساعات متواصلة بسبب كثرة طلقات الرصاص التي اصابتها اما جثة زوجها فلقد استغرق تشريحها ساعة واحدة فقط بسبب اصابته بطلقة رصاص واحده فقط.
الجثة تطاردني
اما د .هدى فتحكي لنا حكاية الجثة التي ظلت تطاردها في منامها لمدة سبعة اشهر كاملة في بداية عملها في تشريح الجثث وكانت جثة لطفل صغير مات في حادث سيارة وكادت هذه الجثة تجعلها تستقيل من عملها لولا تماسكها واصرارها على الاستمرار في مهنة تفصل بين الحق والباطل ولولاها لما اخذ المظلوم حقه ابدا ابدا، "ولذلك ما زلت مصرة على تشريح الجثث لمعرفة اسباب وفاتها وهى مهنة شاقة وهامة جدا جدا، ويشار إلى ان د.هدى تحرص على قراءة القران الكريم كثيرا وبعد ذلك تعشق سماع اغاني ام كلثوم التي تهدا الاعصاب بعد يوم حافل وشاق في المشرحة.
استقالة
واخيرا تقول د.صباح في بداية عملي كطبيب شرعية وجدت ان الفتيات يبتعدن تماما عن تخصص التشريح ويلتحقن بقسم السموم أما أنا فقررت الالتحاق بقسم التشريح فعملت في مشرحة زينهم وعرفت سر خوف الفتيات من التشريح خاصة واني وجدت صعوبة كبيرة جدا في بداية عملي بالاضافة الى سخرية الجيران من مهنتي برغم انها هامة جدا جدا حتى ان احدى صديقاتي قررت الابتعاد عني ومقاطعتي تماما بعد ان رأتني فى المشرحة اشرح احد الحتت او الجثث ولذلك فكرت في الاستقالة الا ان زوجي رفض الفكرة واكد ان مهنة الطبيب الشرعي تحتاج الى المراة اكثر من الرجل ليس في التشريح فقط وخاصة اذا كانت جثة طفل او طفلة، وانما فى بعض الحالات التي تحتاج الى النساء اكثر من الرجال حتى ان بعض المتهمات في قضايا ترفض ان يقوم طبيب شرعي رجل بالكشف عليها وهنا يأتي دور الطبيبة الشرعية الذي لا يقتصر على تشريح الجثث فقط وانما يمتد الى مهام اخرى أخفها تشريح الجثث.