عندما يتعلق الأمر بصحة أعيننا لا يمكن أبداً أن نكون قصيري النظر. فالعين عضو حساس لا يمكن التلاعب بتوازنه. وأي إهمال أو إخفاق في اتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية قد يلحق أضراراً كبيرة بحدة بصرنا وقوته باستثناء الأشخاص الذين يستخدمون النظارات والذين يعانون مشاكل كبيرة في النظر، تشير الإحصاءات إلى أن زيارة طبيب العيون هي أمر نادر لدى أغلبية الناس. ففي الوقت الذي يجب على من يتمتع بصحة جيدة الخضوع لفحص نظر مرة كل سنتين تقريباً، ترانا نهمل زيارة طبيب العيون ما لم تتعرض حياتنا اليومية لتأثير سلبي مباشر ناتج عن اضطراب ما في قدرتنا على الرؤية. وتعلق المتخصصة البريطانية في طب العيون الدكتورة سوزان بلانكلي، فتقول إن الكثيرين منا يؤجلون الخضوع لاختبار للنظر حتى يواجهوا مشكلة خطيرة. ويمكن لسوء الحظ أن يكون الضرر قد لحق بأعينهم حينها لدرجة يصعب فيها معالجة الوضع. والحقيقة أن زيارة طبيب العيون لا تفيد في الكشف المبكر عن أي مرض أو اضطراب في العين نفسها (ومعالجته بسرعة عن طريق النظارات أو القطرات أو الجراحة)، بل تفيد أيضاً في الكشف عن أمراض أخرى. فالعين عضو مهم يعكس الحالة الصحية العامة للفرد، إذ يمكن أن يساعد فحص النظر على كشف اضطرابات صحية أخرى، مثل: ارتفاع ضغط الدم، السكري وحتى الأورام الدماغية. • المؤشرات والعوارض التي يجب مراقبتها: من الطبيعي أن تتراجع قدرتنا على الرؤية مع التقدم في السن، والأرجح أننا سنحتاج إلى نظارات في مرحلة ما من حياتنا. غير أن هناك عدداً من أمراض العين القادرة على سـلبنا نعمـــــة البصر. ويعتبر مرض الزرق (Glaucoma)أبرزها، وهو ينتشر في صفوف من تخطى الأربعين. وتقول بلانكلي: إن هذه الحالة الخطيرة تحدث عندما يتضرر العصب البصري في الجانب الخلفي من العين، وتتراجع تدريجياً قدرتنا على الرؤية الجانبية. وللأسف، لا يلاحظ الفرد هذا التراجع إلا بعد أن يفقد نهائياً بعضاً من قدرة بصره. لذلك، فإنه كلما كان التشخيص مبكراً، كان ذلك أفضل. وهناك مرض خطير آخر يصيب العينين وهو التنكس البقعي المرتبط بالتقدم في السن، وهو يحدث عندما تتضرر خلايا في المنطقة الوسطى الحساسة للضوء على الشبكية، فتأخذ القدرة على الرؤية المركزية في التراجع. ويكثر انتشار هذا المرض في صفوف النساء، وخاصة ذوات العيون الزرقاء. وتشير الإحصاءات إلى أن واحداً من كل 50 شخصاً تعدى سن الخمسين يصاب بالتنكس البقعي. أما مرض إعتام عدسة العين (Cataracts)، حيث يصيب العدسة ما يشبه الغشاوة التي تضعف الرؤية، فهو منتشر في صفوف الناس الأكبر سناً. وجاء في تقارير منظمة الصحة العالمية أن حوالي 20 في المئة من حالات إعتام عدسة العين تعود إلى التعرض الزائد لأشعة الشمس ما فوق البنفسجية. كذلك فإن الكثير من حالات فقدان البصر تنتج عن الأضرار التي تلحق بالشبكية نتيجة مضاعفات مرض السكري، حين تعاني الشبكية نقصاً كبيراً في العناصر المغذية. لكن لحسن الحظ, فإن العديد من هذه الحالات المرضية يمكن تفاديها عن طريق إدخال بعض التعديلات على نمط حياتنا. • المشاكل: كل شيء، بدءاً بالطعام الذي نتناوله والساعات التي نقضيها في مشاهدة البرامج التلفزيونية يمكن أن تؤثر في بصرنا، وربما كان التدخين هو أبرز العوامل المؤذية للعين. وتؤكد بلانكلي أن الأبحاث أظهرت ارتباطاً وثيقاً بين التدخين وأمراض العين، وأن خطر الإصابة بمرض التنكس البقعي المرتبط بالتقدم في السن، يتضاعف لدى المدخنين مقارنة بغير المدخنين. كذلك يجب على أصحاب الوزن الزائد أن يخففوا أوزانهم، لأن السمنة لا تزيد من خطر إصابتهم بالسكري ومضاعفاته الممكنة على العين فحسب، بل إنها تسهم أيضاً في رفع ضغط الدم لديهم، ما يزيد من إمكانية إصابتهم بمرض التنكس البقعي. وتعلق المتخصصة البريطانية في علوم التغذية سالي بير، فتقول إن زيادة الوزن تشير في معظم الأحيان، إلى أن أصحابها يكثرون من تناول الأطعمة المصنعة، الغنية بالدهون وبالوحدات الحرارية والسكر، إضافة إلى عدم تناولهم ما يكفي من العناصر المغذية الضرورية التي يحتاج إليها الجسم للحفاظ على قدرة بصر جيدة. من جهة ثانية فإن التحديق في شاشة الكمبيوتر أو التلفزيون لساعات طويلة هو أمر سيئ أيضاً. وتنصح بلانكلي بعدم العمل على الكمبيوتر لأكثر من ساعتين متواصلتين، لأن ذلك يؤدي إلى إجهاد العينين. وتعتبر الأشعة ما فوق البنفسجية مسؤولة هي الأخرى عن مشاكل العينين. فأشعة الشمس تلحق ضرراً بالعدسة، وتزيد من خطر الإصابة - على المدى البعيد - بحالات مثل إعتام عدسة العين، والتنكس البقعي. كذلك فإن السكري يعتبر سبباً رئيسياً للإصابة بالعمى، فإمكانية فقدان النظر ترتفع بنسبة 25 في المئة لدى المصابين بالسكري، مقارنة بالأصحاء. غير أن 90 في المئة من مشاكل العينين المرتبطة بالسكري يمكن تفاديها بمجرد الحفاظ على مستويات سكر الدم ضمن الحدود الصحية، والخضوع بانتظام لفحص طبي للشبكية. • النظام الغذائي المناسب لوقاية العينين من الأمراض: أهم ما يمكن القيام به لوقاية العينين إلى جانب التوقف عن التدخين، هو اتباع نظام غذائي صحي متوازن وغني بالفواكه والخضار الطازجة. فهذا الأخير لا يساعد فقط على تفادي زيادة الوزن، بل يسهم في تزويدنا بمضادات الأكسدة الضرورية. فقد أظهرت الأبحاث أن هذه الأخيرة، وخاصة مجموعة الكاروتينز، التي تضم اللوتين والزياكسانثين، تساعد على وقاية العينين من تأثيرات الشمس ومن الإصابة ببعض أمراض العينين. وأبرز الأطعمة التي توفر لنا اللوتين هي الخضار الورقية ذات اللون الأخضر الداكن، مثل السبانخ، البقلة، البروكولي. أما الزياكسانثين فموجود في الخضار والفواكه ذات اللون الأصفر والبرتقالي، مثل: الجزر، الدراق، اليقطين، المانغو،المشمش والبطيخ الأصفر، والأناناس الذي يحتوي أيضاً على البروميلان وهو أنزيم مضاد للالتهابات. ومن المفيد لصحة العين أيضاً تناول البصل، التفاح، الشاي الأخضر، الإجاص، العنب، الثوم، وثمار العليق الحمراء، مثل: التوت والفراولة وتوت الأرض. وينصح المتخصصون بالتركيز على تناول الأطعمة الكاملة، مثل: خبز القمح الكامل والأرز البني، وتفضيل الأسماك، وخاصة الدهني منها، مثل سمك السالمون، على اللحوم الحمراء. فالأسماك الدهنية غنية بأحماض «أوميغا/3» الدهنية، التي تلعب دوراً رئيسياً في الحفاظ على صحة العين، فهي تكافح الالتهابات، وتخفف أي احتقانات تعوق عملية انسياب الرطوبة المائية من وإلى العين. والمعروف أن تراكم هذه الرطوبة - بفعل الاحتقانات - يؤدي إلى الضغط على جزء من العصب البصري، أو كله، ما يقود إلى تراجع القدرة على الرؤية الجانبية. وينصح المتخصصون كل من لا يتناول الأسماك، بالتعويض عنها بتناول قرص يومي يحتوي على ما بين 1000 و1500 ملغ من زيت السمك. وقد أظهرت الأبحاث أن فيتامين E يلعب دوراً بارزاً في مكافحة التنكس البقعي، وهو متوافر في اللوز، البندق، زيت كبد الحوت، جنين القمح، الأفوكادو، وصلصة الطماطم. إضافة إلى ذلك ينصح المتخصصون بتناول بعض الأقراص المكملة، مثل: - قرص يومي من الفيتامينات والمعادن المتنوعة، يحتوي على 200 ميكروغرام من السيلينيوم و500 ملغ من الزنك. - قرص من خلاصة عنب الأحراج (Bilberry )، الذي يوصف بأنه نبات النظر لما لديه من تأثير قوي في جميع الاضطرابات التي تصيب العين. ويذكر أن طياري الطيران الملكي البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية كانوا يتناولون عنب الأحراج لتقوية نظرهم خلال الليل. ويقول العلماء إن هذه الفاكهة تسهم في تقوية بنية الأوعية الدموية الشعرية التي توصل الأكسجين والعناصر المغذية إلى العينين. يمكن تناول قرص يحتوي على ما بين 200 و300 ملغ يومياً. - هناك نوعان من البيوفلافونويدز هما: الكويرستين والروتين، وهما لا ينتميان إلى فئة الفيتامينات أو المعادن، بل هما مادتان نباتيتان ملونتان غنيتان بمضادات الأكسدة التي تحمي العينين من أضرار أشعة الشمس. يمكن تناول قرص يومي يحتوي على 1000 ملغ من البيوفلافونويدز المتنوعة. - فيتامين C ضروري جداً لصحة العين، فهو يساعد على تشكيل الكولاجين الذي يقوي الأوعية الدموية التي تغذي الشبكية، ويحمي من أشعة الشمس ما فوق البنفسجية. ويساعد هذا الفيتامين على انسياب الرطوبة المائية للعين، وعلى التخفيف من الضغط فيها. وتجدر الإشارة إلى أن العين تحتوي على ثاني أعلى نسبة من فيتامين C في الجسم بعد الغدة الكظرية. يمكن تناول قرص يومي يحتوي على غرام واحد من هذا الفيتامين، خاصة لدى الأشخاص الذين لا يكثرون من تناول الفواكه والخضار الغنية به. وفي المقابل يجب تفادي الأطعمة التالية التي تضر بصحة العينين: - الأطعمة المقلية والزيوت المهدرجة ودهون ترانس. - اللحوم الحمراء، مشتقات الحليب كاملة الدسم، الهمبرغر، المقانق، الجبن، الشوكولاتة. - السكر والحلويات عامة، فالسكر يزيد من إمكانية حدوث الالتهابات في الجسم. - الأطعمة كثيرة الملح. - القهوة والشاي والمشروبات الغازية الغنية بالكافيين نظراً إلى تأثيره في انسياب الدم إلى منطقة العينين. - المواد الحافظة والمضافة، وخاصة (monosodium glutamate MSG) الموجودة في عدد كبير من المنتجات الغذائية المصنعة والتي تعتبر بمثابة مادة سامة للشبكية. - الأطعمة والمشروبات التي تحتوي على مادة التحلية الصناعية اسبراتم. • التوتر عدو العينين: يقول المتخصص الأميركي في طب العيون جون هاف: إن الإجهاد النفسي والتوتر يسهمان في الإصابة بعدد من أمراض العين وخاصة الزرق، وإن الأطباء التقليدين يغفلون ذلك. وهو ينصح بممارسة التأمل للتخفيف من الضغط في العينين، ويوصي بالتمرين التالي: اجلس على كرسي مريح وأغلق عينيك. ركز انتباهك على عضلات بطنك واجعلها تسترخي. تنفس بعمق. ثم ركز انتباهك على حركة الهواء الداخل والخارج من منخريك. وإذا ما شوشت بعض الأفكار انتباهك، أعده بلطف وركز على حركة التنفس. قم بذلك لمدة تتراوح بين 5 و20 دقيقة مرتين يومياً، مرة صباحاً بعد الدوش، ولكن قبل تناول الإفطار، ومرة في المساء قبل العشاء. وإلى جانب التأمل ينصح المتخصصون بممارسة الرياضة بانتظام، فالرياضة تسهم بدورها في تفريغ التوتر وفي حث الجسم على إفراز الهورمونات التي تساعد على الإحساس بالارتياح. كذلك فإنها تنشط الدورة الدموية، وتعزز وصول الأكسجين والعناصر المغذية إلى العينين. ويقول المتخصصون في العلاجات الطبيعية إن جلسات الوخز بالإبر تسهم هي أيضاً في تعزيز انسياب الدم إلى منطقة العينين، مثلها مثل العلاج الارتكاسي (تدليك واستثارة نقاط محددة في أخمص القدمين). • تلافي الإجهاد وأشعة الشمس: من الضروري لكل من يتطلب عمله الجلوس لوقت طويل أمام شاشة الكمبيوتر، التوقف قليلاً كل ساعة تقريباً لإراحة عينيه. ويستحسن أن يتم إغلاق العينين في فترة الراحة هذه، أو النظر إلى مكان بعيد خارج النافذة. وللوقاية من أشعة الشمس لا بد من حماية العينين بالنظارات الشمسية كلما خرجنا من المنزل، حتى ولو لفترات قصيرة. وهذا ينطبق أيضاً على الصغار، فقد جاء في إحصاءات منظمة الصحة العالمية أن 80 في المئة من نسبة التعرض لأضرار الأشعة فوق البنفسجية تحصل قبل سن 18. ومن المهم اختيار أنواع جيدة من النظارات التي تحمي تماماً من الأشعة فوق البنفسجية بنوعيها «أ» و«ب». دمتــــــم بـ صحــــــه احبـــتـــي