إن من الصعب أن نعثر اليوم على أخبار جيدة عن الفيتامينات، فعناوين الأخبار تتوالى ـ حتى في إصدارات رسائل هارفارد ـ حول النتائج السلبية للفيتامينات.. فالفيتامين «إي» E، لا يفيد المصابين بمرض ألزهايمر، وفيتامينات «أيه» A و«سي» C و«إي» E، لا تقي من السرطان. نتائج سلبية
إلا أن فقدان الفائدة هو أمر واحد فقط. فالدراسات السلبية تحتوي أيضا على عدد قليل من النتائج التي تفترض أن الكميات الكبيرة من الفيتامينات ربما تتسبب في إحداث أضرار حقيقية. وجاءت أولى تلك الدراسات عام 1994 عندما ربطت النتائج المستحصلة من دراسة فنلندية راقية، بين البيتا كاروتين beta carotene ـ وهو أحد أشكال فيتامين «أيه» ـ وبين ازدياد خطر سرطان الرئة لدى المدخنين، وبعد بضع سنوات عثر على صلة بين تناول الريتينول retinol ـ وهو شكل آخر من فيتامين «أيه» ـ مع حدوث الكسور في عظم الحوض. وحديثا، بدأت بعض الشكوك تحيط بحمض الفوليك folic acid. وتوصلت دراسات إلى احتمال وجود صلة بين تناول هذا النوع من فيتامين «بي» بكميات كبيرة، وبين ازدياد خطر السرطان، وخصوصا سرطان القولون. ولأن الطحين، ومنتجات الحبوب الأخرى يتم تدعيمها عادة بحمض الفوليك، فإننا نتناول كميات كبيرة من هذا الحمض أكثر مما نعتقد. وفي بعض الأوقات اعتبر تناول كميات هائلة من فيتامينات معينة مقترحا سيئا جدا (إلا أن أحدا لم يستطع تعريف الكميات الهائلة بالضبط). ومع ذلك، فإن هناك على الأقل حالتين استثنائيتين: الأولى تخص النساء الحوامل اللواتي ينبغي عليهن تناول حمض فوليك أكثر 400 ميكروغرام يوميا للوقاية من العيوب الخلقية في الجنين. والثانية، أن هناك دلائل متزايدة بأن الأميركيين ـ وخصوصا في المناطق الشمالية التي تمثل ثلثي البلاد ـ سيستفيدون من الحصول على ما بين 800 و1000 وحدة دولية (و.د.) من فيتامين «دي» D يوميا، وهي كمية تزيد مرتين على الكميات الموصى بها رسميا. والجديد الآن، أن الفيتامينات المتعددة أصبحت أقل جذبا هذه الأيام. ولسنوات، كان أغلب الأطباء يوصون بتناولها وهم مرتاحو البال، ولم تكن أسعارها عالية، كما أن من السهل توظيفها لسد الثغرات في التغذية غير الجيدة. أما هناك، حيث لا توجد ثغرات، فإن الفيتامينات كانت توفر زيادة معتدلة ـ وكأنها سور للتحوط، باعتقاد أن بعضا منها (أو من الأملاح المعدنية) قد يكون مفيدا للصحة. ولكن، ومع تراكم النتائج السلبية لدراسات الفيتامينات، فإن الكثير من الأطباء بدأوا يتراجعون عن توصياتهم، ففي عام 2006 توصل مؤتمر للخبراء نظمته مراكز الصحة الوطنية إلى نتيجة مفادها أن الدلائل غير كافية للتوصية بتناول الفيتامينات. وفي عام 2009 أظهرت النتائج المنشورة لدراسة موسعة عن النساء في أعمار تجاوزت سن اليأس من المحيض، إن استخدام الفيتامينات المتعددة له تأثير قليل أو معدوم على أخطار السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية. إلا أن الأفكار المضادة تأتي من الدكتور والتر ويليت رئيس قسم التغذية في كلية هارفارد للصحة العامة وعضو هيئة تحرير رسالة هارفارد الصحية. ويقول الدكتور ويليت إن المشكلة ليست في الفيتامينات، بل في الطريقة التي درست فبها، ووفقا لما يقوله فإن التجارب الإكلينيكية العشوائية، التي تمثل المقياس أو المعيار الذهبي للأبحاث الطبية، تتسم ببعض المحدودية عندما بتم البحث في جهود الوقاية لفترة طويلة مثل تناول الفيتامينات، كما يرى الدكتور ويليت الكثير من الأمور التافهة، والخلط، في عناوين الأخبار. وهو لا يزال يرتأي بأن يوصى الناس بتناول الفيتامينات المتعددة يوميا ـ والبحث عن أنواعها التي تحتوي على الكثير من فيتامين «دي». الصعود والازدهار الفيتامينات هي مركبات عضوية (تحتوي على الكربون)، علينا أن نتناولها بكميات قليلة لكي تقوم أجسامنا بوظائفها بشكل مناسب، وهذا ما يجعلها مختلفة عن الكربوهيدرات، الدهون، والبروتينات، التي نحتاجها بكميات كبيرة نسبيا، وكذلك عن المعادن وهي مواد لا تتكون من جزيئات عضوية. وقد تم عزل وتحديد 13 فيتامينا: 8 أنواع مختلفة لفيتامينات «بي» B، فيتامينات «أيه»، «سي»، «دي»، و«كيه» K. وتاريخيا فإن مشكلة الفيتامينات كانت تكمن في نقصها لدى الناس، وتضم قائمة أمراض نقص الفيتامينات أسماء صارخة مثل «بري بري» beriberi (فقدان فيتامين «بي 1»)، الكساح (فقدان فيتامين «دي»)، والاسقربوط (فقدان فيتامين «سي»). ولكن، وبعد أن أصبح الغذاء متوفرا وتحسنت وجباته، فقد تحول الاهتمام نحو من النقص إلى الإضافة، وإلى دراسة ما إذا كان بمقدور وفرة الفيتامينات أن تعزز الجسم لمقاومة الأمراض أو حتى إطالة العمر. وقد أظهرت التجارب المختبرية، وعلى الحيوانات، أن فيتامينات «أيه» (في شكل بيتا كاروتين)، و«سي» و«إي» كانت من المواد القوية المضادة للأكسدة التي كان بمقدورها امتصاص الجزيئات غير المستقرة القادرة على إحداث تغيرات على الدهون والبروتينات وإلحاق الضرر بالحمض النووي «دي إن ايه» ـ وهو ضرر يقود بالنتيجة إلى ظهور أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان. وفي عدة حالات كانت النتائج العلمية حول المواد المضادة للأكسدة تتعزز مع نتائج دراسات طويلة المدى مثل «دراسة صحة الممرضات» لجامعة هارفارد. كما أضاف لينوس باولنغ الفائز مرتين بجائزة نوبل بعدا «نجوميا» قويا لهذا الدعم بعد ترويجه لفيتامين «سي» كمادة علاجية لكل مرض. وفي عام 1994 صنف قانون «المكملات الغذائية والتعليم الصحي» DSHEA الفيتامينات (والأدوية الطبية العشبية) بوصفها مكملات غذائية، ولذلك فإنها لا تحتاج إلى مقاييس السلامة والكفاءة المطلوبة من الأدوية والعقاقير. وربما جاء ذلك نتيجة الطلب، إلا أن هذا القانون رفع أي حدود ملزمة عن الفيتامينات والمكملات العشبية، التي تحولت إلى قطاع كبير من الأعمال.