عصفور من الشرق كان أحياناً يلمح فوق غلاف بعض الكتب فقرة أو عبارة أو بيتاً من الشعر وضع على سبيل الاستشهاد ، فيجعل منه ( نغمة ) يظل فكره يرتب عليها .. ( تقاسيم ) طول النهار ، وكان يجد في هذا شيء من السلوى غير أن بصره وقع ذات يوم على كتاب ، جعل في رأسه هذا القول لشاعر ياباني : إنما يبني الشاعر سعادته على الرمال ويسطر أشعاره فوق جدول الماء نعم ... هنا كل البلاء الآدمي ! ألا يمكن للنفس الشاعرة أن تقيم هنائها على دعائم أثبت قليلاً من هذه الرمال ، التي تغرق فيها الإبل ... وتكتب أغانيها على صفحات أبقى من صفحات هذا الماء ، التي تطويها في شبه طرفة العين أنامل الهواء !... نعم هناك سبيل واحد : لا ينبغي أن نبني شيئاً جميلاً فوق هذه الأرض !.. هذه الأرض المتغيرة المتحركة برمالها وماؤها وهوائها !! *** استيقظت ( سوزي ) في الصباح ، واتجهت إلى نافذتها مترنمة كعادتها ، وما كادت تفتحها حتى رأت نفسها أمام ببغاء في قفص فدهشت ! ... ثم أبصرت الحبل المدلى ، فأدركت من أين هبط فرفعت عينيها إلى الطابق العلوي ، وإذا الفتى في نافذته يبتسم لها كأنما كان في الانتظار ، وحياها تحية الصباح فردت عليه التحية باسمة ، ثم أشارت إلى القفص قائلة : - لمن هذا ؟.. - لك ! .. - لي أنا ؟ ... شكراً لك سيدي ... لكن لماذا ... - هذا ما استطعت أن أقدمه إليك ، اعترافاً بجميلك ، فأرجو أن تقبليه مني ! .. - ما أجمل هذا الببغاء ! .. ما اسمه ؟! - اسمه " محسن " ! ... - " محسن " ؟ ....... - أتسمحين أن أقدم إليك نفسي .. ولو أن التقدم من هذه النافذة العالية لا يسمى تقدماً ... فالأصح أن أقول :أن ألقي إليك بنفسي ! ... فضحكت الفتاة وقالت : - يسرني بالطبع ذلك ، غير أني لا أضمن لك الوصول سالماً إلى نافذتي ، فألقي بأسمك وحده الآن فهو يكفي ... فقال الفتى : - اسمي " محسن " فنظرت إليه باستغراب وقالت : - كالببغاء ؟! - نعم ! ... ولي الشرف أن يكون اسمي كاسم ببغاءك ! ...