الكركم ومرض ألزهايمر وضمن عدد 16 يوليو من العام الماضي لمجلة أحداث الأكاديمية القومية للعلوم Proceedings of the National Academy of Sciences ، عرض الباحثون من مؤسسة أبحاث الجزيئات الحيوية البشرية بسان دييغو ومن كلة ديفيد غيفن للطب بسان فرانسيسكو نتائج بحوثهم حول تأثير مادة باي- سيدميثوكسي-كركمين bisdemethoxycurcumin ، الموجودة في الكركم، على تنشيط عمل جهاز مناعة الجسم في تنظيف الدماغ من مادة أمايلويد- بيتا amyloid beta. وكما هو معلوم ففي مرض ألزهايمر العصبي Alzheimer"s disease ، تتراكم مادة أمايلويد البروتينية في مناطق الدماغ. وتُشير بعض المصادر الطبية، أن في الهند تذكر الإحصائيات قلة الإصابات بمرض ألزهايمر. ويعزون ذلك إلى تأثير إكثارهم من تناول الكاري. ووجد الباحثون في دراستهم أن لهذه المادة الموجودة في الكركم تأثير برفع نشاط خلايا مناعة الجسم في تخليص الجسم من تراكم تلك المادة البروتينية. وبلغ التفاؤل بالباحثين درجة توقع أن يكون في المستقبل "دواء" لتطهير الجسم من تلك المادة البروتينية، المتسببة بمرض ألزهايمر بدلاً من “لقاح” vaccine أمايلويد- بيتا. وعلى حد قولهم، ذكر الباحثون أنهم تلقوا بالفعل دعماً مادياً من رابطة مرض ألزهايمر Alzheimer"s Disease Association لاستكمال البحث في هذا الجانب العلاجي. والواقع أن هذه الدراسة الأميركية الأخيرة ليست الوحيدة، بل ثمة دراستان لباحثين من إيطاليا نُشرت في المجلة الإيطالية للكيمياء الحيوية Italian Journal of Biochemistry في عدد ديسمبر 2003. ودراسة أخرى لباحثين من إيطاليا والولايات المتحدة تم عرضها في واشنطن العاصمة خلال مؤتمر عام 2004 للمجمع الأميركي للفسيولوجي American Physiological Society. وكلاهما عرضتا نتائج إيجابية لتأثير مادة “كركمين” الصفراء على بعض آليات مرض ألزهايمر في جانبي المناعة وعمليات الأكسدة. وفي جانب التأثير الإيجابي للكركم على مادة أمايلويد - بيتا بالذات، نُشرت دراستان أخريان للباحثين من كاليفورنيا. ونُشرت دراسات باحثي جامعة كاليفورنيا بلوس أنجليس في عدد ديسمبر من عام 2004 لمجلة الكيمياء البيولوجية Journal of Biological Chemistry ، وعدد إبريل 2006 لمجلة كيمياء الغذاء والزراعة Journal of Agricultural and Food Chemistry. ومعلوم أن مرض ألزهايمر ينتج عن تراكم قطع بروتينية، تُدعى أمايلويد، في الخلايا الدماغية. ووجود هذه المواد البروتينية يتسبب في تحفيز عمليات إجهاد الأكسدة oxidative stress والالتهابات inflammation، كما يتسبب في تكويت لويحات plaques فيما بين الخلايا العصبية، ما يُعيق عملها والتواصل فيما بينها. ومن الطبيعي في الجسم تكوين هذه النوعية من البروتينات ووصولها إلى الدماغ، إلا أن لخلايا مناعة الجسم قدرة على تفتيتها والتخلص منها. وفي مرض ألزهايمر تضطرب هذه الآلية للتخلص من بروتينات أمالويد، وبالتالي تتراكم في الدماغ. وكانت دراسات على حيوانات التجارب قد لاحظت تأثيراً إيجابياً للكرم في إبطاء تسارع مرض التصلب المتعدد multiple sclerosis ، وهو أحد الأمراض العصبية. وأحد التعليلات التي يذكرها الباحثون هو تأثير الكركم على خفض نشاط جهاز مناعة الجسم في إنتاج مادة أنترليوكين-2 IL-2 العاملة على تحطيم مادة مايلين myelin المُغلفة للأعصاب. ومعلوم أن مرض التصلب المتعدد تنشأ مناطق عصبية مجردة من هذه الأغلفة لمادة مايلين، ما يُؤدي إلى ضعف عملها. الكركم وأمراض السرطان ضمن فعاليات مؤتمر تطبيقات علاج السرطان، الذي عقدته الرابطة الأميركية لأبحاث السرطان في 5 نوفمبر من عام 2007، قال الباحثون اليابانيون لطالما تمت ملاحظة مادة "كركمين"، المُكون الأصفر للون ونكهة جذور الكركم، كعامل ذي قدرات واعدة في محاربة الأورام السرطانية. وما قام به باحثو جامعة توهوكيو في اليابان هو اختبار فاعلية مركبين كيمائيين مُستخلصين من مادة “كركمين”. وتبين للباحثين بالتجارب الحية على نماذج من الإصابات السرطانية لدى الفئران، أنهما أكثر عنفاً في القضاء على الخلايا السرطانية. وما دفع الباحثين لاختبار تلك المركبات الكيمائية المستمدة من مادة "كركمين" هو تدني الوجود الحيوي “low bioavailability” لمادة "كركمين" الطبيعية بعد ابتلاعها، ومرورها بالمعدة والأمعاء الدقيقة، ووصولها إلى القولون. وبعد اختبار 90 نوعاً من المركبات الكيميائية "الكركمية"، تبين أن مُركب GO-Y030 ومُركب GO-Y031 أكثر فاعلية من مادة "الكركمين" الطبيعية. وتحديداً كانت فاعليتهما في كبت نمو الخلايا السرطانية في سرطان القولون أكبر بمقدار 30 ضعف، مقارنة بالكركم الطبيعي حال تناوله بالفم. وكان قد سبق للباحثين اليابانيين، في عام 2006، نشر نتائج دراستهم لاكتشاف تركيب و مدى أمان تناول هاذين المُركبين. ويأمل الباحثون، وفق ما صرحوا به، أن يستكملوا دراستهم حول كيفية توفير هاذين المُركبين كوسيلة من وسائل الوقاية أو المعالجة الكيميائية للسرطان. ومنْ يقرأ كلامهم في دراستهم يستشف مدى الثقة التي يُولونها للخطوات البحثية التي توصلوا إلى نتائج منها حول الكركم. وكان الباحثون من جامعة تكساس قد نشروا في عدد 15 أغسطس من عام 2005 لمجلة السرطان CANCER ، الصادرة عن مجمع السرطان الأميركي American Cancer Society ، نتائج اختباراتهم الإيجابية لاستخدام مادة “كركمين” في وقف نمو الخلايا السرطانية وتحفيز انتحارها. واستخدموا سرطان ميلانوما melanoma الجلد. وكانت المنتجات المُحتوية على كل من مادة “كركمين” ومادة “فينيثايل أزوثيوسيانات” phenethyl isothiocyanate (PEITC) محل دراسة للباحثين في ستيت يونيفرسيتي بنيوجيرسي. وشمل البحث في تأثير تناول الكاري، المُحتوي على الكركم وخاصة مادة “الكركمين” فيه، وتشكيلة من الخضار المحتوية على مادة”فينيثايل أزوثيوسيانات”، تشمل كل من القرنبيط cauliflower ، والبروكلي broccoli ، واللفت turnips ، والملفوف cabbage ، ومجموعة أخرى من الخضار. وبالنتيجة، ووفق ما تم نشره في عدد 15 يناير من مجلة أبحاث السرطان journal Cancer Research ، أعلن الباحثون اكتشافهم فاعلية تناول المادتين الكيميائيتين الطبيعيتين في مكافحة تطور نمو خلايا سرطان البروستاتة. وأمّل الباحثون آنذاك أن يستكملوا تجاربهم على حيوانات المختبرات، بتطبيق ذلك على مرضى سرطان البروستاتة لمعرفة مدى تأثيرهما عليه. وكانت دراسة للباحثين من جامعة تكساس، تم نشرها في عدد سبتمبر عام 2005 لمجلة بايوكيميكل فارماكولوجي Biochemical Pharmacology ، قد قارنت تأثير الكركم بتأثير عقار “تاكسول” Taxol في محاولات وقف انتشار سرطان الثدي بعد إجراء عملية استئصال الثدي، وتبين أن الكركم كان أقوى من “تاكسول”. وهناك أكثر من عشر دراسات أخرى، بحسب ما توفر لي من استقصاء في البحث، تتحدث عن مقارنات لفاعلية وتأثيرات الكركم على أنواع أخرى من السرطان، لا مجال للاستطراد في إعطاء نبذة عن كل منها. الكركم .. تاريخ طويل من الاستخدامات الطبية وفق ما تُشير إليه نشرات المؤسسة القومية للصحة بالولايات المتحدة، فإن قائمة الاستخدامات التقليدية أو ذات النظريات العلمية الداعمة، تشمل كثيراً مما لم تتم تجربته على البشر، ما يجعل من الفاعلية عنصراً غير ثابت في الغالب. والموطن الأصلي للكركم هو المناطق الواقعة فيما بين اندونيسيا وجنوبي الهند. وينتمي إلى فصيلة الزنجبيليات، واستخداماته تنوعت فيما بين الإضافات إلى الأطعمة كأحد البهارات، وبين الاستخدامات الطبية والتجميلية كأحد العلاجات الطبيعية. وتاريخ حصاد الإنسان لسيقان جذور rhizomes الكركم يتجاوز أكثر من 5000 عام، ويتم غلي الجذور بعد حصادها، ثم تجفيفها، وتُطحن بعد ذلك لتُعطي مسحوقا بلون مزيج البرتقالي والأصفر. وبالتحليل لكمية ملعقتي شاي من مطحون الكركم، والتي تزن حوالي 4 غرامات ونصف، نجد أنها تحتوي على 16 كالورى (سعر حراري)، وتُمد الجسم بحاجته اليومية من المنغنيز بنسبة 18%، ومن الحديد بنسبة 11%، ومن فيتامين بي-6 والألياف والبوتاسيوم بنسبة تُقارب 4%. وعليه فإن القيمة الغذائية للكركم محدودة، إذا ما نظرنا إلى محتواه من البروتينات أو الكربوهيدرات أو الدهون أو غيرها من العناصر الغذائية. ولذا فإن الفائدة الصحية لإضافة الكركم إلى الأطعمة لها علاقة بتوفر مواد كيميائية ذات تراكيب فريدة وغير متكررة في البهارات الأخرى أو بقية المنتجات الغذائية، وتحديداً مادة “كركمين” الصفراء التي تُشكل نسبة 3% من مكونات الكركم. نواع متعدد من البهارات والكركم في خلطة الكاري مسحوق الكاري عبارة عن مزيج مسحوق لعدد من أنواع البهار، ولا تُوجد تركيبة واحدة لخلطة الكاري، بل ثمة عدة تركيبات وخلطات، كلها يُمكن إطلاق لفظ كاري عليها. ويُقال أن أصل كلمة كاري مستمدة من تعبير لغة مناطق في الهند عن “تتبيلة من الصلصة” أو “الصوص” من أي نوع كانت، ولذا يُقال بأن ثمة مئات من الخلطات التي تُسمى “مسحوق كاري”. ولكن يُقال بأن الإنجليز، إبان عصر المستعمرات في الهند وغيرها، أحبوا تشكيلة معينة من البهارات الهندية المُستخدمة في إعداد أنواع متميزة من أطباق الطعام في “أكل المطبخ الهندي”. ومع انتشار المطاعم الهندية في العالم، ونشوء جاليات من شبه القارة الهندية في كل مكان من العالم تقريباً، انتشرت وصفة “كاري” كإضافة من البهارات لتطييب طعم المأكولات المطبوخة بأشكال ووسائل مختلفة. ومع ذلك التنويع الواسع في تشكيلة مكونات مسحوق الكاري، إلا أن غالبية ما هو متوفر في الأسواق العالمية من مسحوق الكاري يشمل مزيجا لكل من الكركم turmeric والكزبرة coriander والكمون cumin والحلبة fenugreek. ثم تتنوع الإضافات بحسب الأذواق ونوعية الأطباق المُراد طهيها، لتشمل إما الزنجبيل ginger أو الثوم garlic أو القرفة cinnamon أو القرنفل (المسمار) clove أو بذور الخردل mustard seed أو بذور الشمر fennel seed أو جوزة الطيب nutmeg أو الهيل الأخضر العادي cardamom green أو أو الهيل الهندي الأسود black cardamom أو الفلفل الأحمر red pepper أو الفلفل الأسود black pepper. ولذا فإن ثمة كاري أصفر وكاري أحمر وكاري بني، باختلاف اللون الغالب لمكوناته