لا أمن إلا بالإيمان
إنَّ الأمّة اليومَ تنشُد الأمنَ بشتّى صُوَرِه وكافّة أشكاله في شتّى مناحيحياتها، ولن تجِدَ الأمّة إلى ذلك سبيلًا، ولن يتحقَّق لها أمنٌ لا خوفَ فيهواستقرارٌ لا زَعزعةَ معه إلاّ بأن تحقِّق الإيمان بالله وحدَه اعتقادًا وعملًا،إيمانٌ يدفعها إلى رضوانِ الله جل وعلا والاقتِداء برسول الله، إيمانٌ يحدوهالِتطبيقِ القرآن وسنّةِ سيِّد ولدِ عدنان في كلِّ شأن، فربُّنا -جلَّ وعلا- يقول: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَآمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُوَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:81، 82]، والظلم هنا هوَ الشّرك بمختلف أنواعه، ويقولربُّنا جلّ وعلا: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْجُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:3، 4]. يقول المفسِّرون: من استجاب لهذاالأمر،ِ فأفردَ الله بالعبادةِ وحدَه لا شريكَ له، وحقَّق الطواعيةَ الكامِلة لهسبحانه؛ جمع الله له بين أمنِ الدنيا والآخرة، ومن عصاه؛ سلَبَهما مِنه، كما قال -جلّوعلا-: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَارِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَااللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112].
معاشرَ المسلمين، إنَّالأمّةَ الإسلاميّة اليومَ تعيش في أحلَكِ الظّروف وتمرُّ بأقسى الأحوال، تعانِيالمكارِهَ وتحيط بها الشدائدُ؛ ولهذا فقد وجَب على الحكّامِ والمحكومين علَىالأفرادِ والمجتمعات أن يدرِكوا أنّه لا ملجَأَ لهم مِنَ الله إِلَّا إليه، وأنتدرِكَ الأمّةُ جميعًا حقَّ الإدراكِ أنَّ ما تعانيهِ إنما هو بسَبَبِ ما فرَّطَتفي جنبِ الله، فربُّها -جلّ وعلا- يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَاكَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]، وخالِقُها -جلّ وعلا- يقول: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْأَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍقَدِيرٌ} [آل عمران:165]، وبارِئُها -جلّ وعلا- يقول: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَيُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌأَلِيمٌ} [النور:63].
ومِن هنا فلا بدَّ أن يتيقَّن المسلِمون أنّه لا حفظَ مِن أسبابالشّرّ ولا وقايةَ مِنَ الوقوع في المصائب وشرِّ الأشرار وكيدِ الفجّار إِلَّابالرجوع إلى الله -جلّ وعلا- والعمَل الصحيح بالإسلامِ النقيِّ والسَّير على منهجالنبيّ -عليه أفضل الصلاةِ وأتمّ التسليم-، فربُّنا -جلّ وعلا- يقول: {إِنَّ اللَّهَيُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:38]، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِفَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3]، {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر:36]،ورسولنا يقول في الوصيّة الجامِعَة: (احفَظِ الله يحفَظك، احفَظِ الله تجِدهتجاهك).
معاشِرَالمؤمنين، وعدٌ مِنَ الله لا يُخلَف، وقد تحقَّق هذا الوعدُ للأمّة في صدرِهاالأوّل وعهودها الماضية، إنّه وعدٌ مِنَ الله مشروط وعهدٌ مَربوط بعهود، إنه بِشارةللأمّة في كلِّ زمان ومكانٍ، متى وفَّتِ الأمّة بشروطه؛ نَعِمت وفازت، وهذا العَهدُهو ما تضَمَّنه قولُ ربِّنا -جل وعلا-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْوَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَىلَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لايُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْالْفَاسِقُونَ} [النور:55].
فإلى تحقيقِ شروطِ هذا العَهدِ بادروا، وفي واقِعِكم وجميع مناحيحياتِكم التزموا؛ يتحقَّق لكم هذا الوعدُ، ويحصُل لكم هذا العهد، فتفلِحوا أبدًا،وتَسعَدوا سَرمدًا، ولا يهلكُ على اللهِ إِلَّا هالك.
خطبة للشيخ: حسين آل الشيخ -حفظه الله-