بسم الله الرحمن الرحيم الصلاة و السلام على أشرف المرسلين، أما بعد.... السلام عليكم و رحمة الله و بركاته هذه سلسلة طيبة نعرف فيها ببعض البدع التي إنتشرت في الأمة الإسلامة اليوم، وأصبحت من الأمور المؤلوفات وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) بدعة العدد:بدعة التعريف وبدعة غدير خم-
بدعة التعريف
المراد بالتعريف :
هو اجتماع غير الحاج في المساجد عشية يوم عرفة ، في غير عرفة ،
يفعلون ما يفعله الحاج يوم عرفة من الدعاء والثناء (1) .
حكم التعرف في المساجد يوم عرفة :
قال ابن وهب: ( سألت مالكاً عن الجلوس يوم عرفة ، يجلس أهل البلد في مسجدهم ، ويدعو الإمام رجالاً يدعون الله تعالى للناس إلى الشمس فقال : ما نعرف هذا ، وإن الناس عندنا اليوم ليفعلونه )ا.هـ (2)
قال ابن وهب - أيضاً - : ( وسمعت مالكاً يسأل عن جلوس الناس في المسجد عشية عرفة بعد العصر ، واجتماعهم للدعاء، فقال : ليس هذا من أمر الناس ، وإنَّما مفاتيح هذه الأشياء من البدع )ا.هـ (3) .
وقال مالك : ( وأكره أن يجلس أهل الآفاق يوم عرفة في المساجد للدعاء، ومن اجتمع إليه الناس للدعاء فلينصرف، ومقامه في منزل أحب إليَّ ، فإذا حضرت الصلاة رجع فصلى في المسجد)ا.هـ (4) .
وروى ابن وضاح عن أبي حفص المدني قال:
اجتمع الناس يوم عرفة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، يدعون بعد العصر،
فخرج نافع مولى ابن عمر من دار آل عمر ، فقال :
أيها الناس إن الذي إن الذي أنتم عليه بدعة ، وليست بسنة ،
إنا أدركنا الناس ولا يصنعون مثل هذا ، ثم رجع فلم يجلس ، ثم خرج الثانية ففعل مثلها ثم رجع )ا.هـ (5) .
وروى أيضاً عن ابن عون قال:
(شهدت إبراهيم النخعي سُئلَ عن اجتماع الناس عشية عرفة، فكرهه، وقال: محدث) ا.هـ (6) .
وروى أيضاً عن سفيان قال :
(ليست عرفة إلا بمكة ، ليس في هذه الأمصار عرفة ) ا.هـ (7) .
وقال الحارث بن مسكين :
(كنت أرى الليث بن سعد ينصرف بعد العصر يوم عرفة ، فلا يرجع إلى قرب المغرب )ا.هـ (8) .
قال الطرطوشي : فاعلموا- رحمكم الله -
أن هؤلاء الأئمة علموا فضل الدعاء يوم عرفة، ولكن علموا أن ذلك بموطن عرفة، لا في غيرها
ولا منعوا من خلا بنفسه فحضرته نية صادقة أن يدعو الله تعالى ،
وإنما كرهوا الحوادث في الدين ، وأن يظن العوام أن من سنَّة يوم عرفة بسائر الآفاق الاجتماع والدعاء ،
فيتداعى الأمر إلى أن يدخل في الدين ما ليس منه .
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -
أن المداومة في الجماعات على غير السنن المشروعة بدعة : كالأذان في العيدين، والقنوت في الصلوات الخمس أو البردين منها ، والتعريف المداوم عليه في الأمصار ....
فإن مضاهاة غير المسنون بالمسنون بدعة مكروهة ، كما دلَّ عليه الكتاب والسنَّة والآثار والقياس ) (9) .
وقال -أيضاً-:
( فصل: وقد يحدث في اليوم الفاضل مع العيد العلمي المحدث ، العيد المكاني، فيغلظ قبح هذا ، ويصير خروجاً عن الشريعة ، فمن ذلك :
ما يفعل يوم عرفة مما لا أعلم بين المسلمين خلافاً في النهي عنه، وهو قصد قبر بعض من يحسن به الظن يوم عرفة ، والاجتماع العظيم عند قبره ، كما يفعل في بعض أرض المشرق والمغرب ،
والتعريف هناك كما يفعل في عرفات،
فإن هذا النوع من الحج المبتدع الذي لم يشرعه الله ،ومضاهاة للحج الذي شرعه الله ، واتخاذ القبور أعياداً .
وكذلك السفر إلى بيت المقدس للتعريف فيه ، فإن هذا أيضاً ضلال بيِّن ،
فإن زيادة بيت المقدس مستحبة مشروعة للصلاة فيه والاعتكاف ،وهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال،
لكن قصد إتيانه في أيام الحج هو المكروه،
فإن ذلك تخصيص وقت معين بزيارة بيت المقدس ، ولا خصوص لزيارته في هذا الوقت على غيره .
ثم فيه أيضاً مضاهاة للحج إلى المسجد الحرام، وتشبيه له بالكعبة، ولهذا أفضى إلى ما لا يشك مسلم في إنه شريعة أخرى، غير شريعة الإسلام ، وهو ما قد يفعله بعض الضلاَّل من الطواف بالصخرة ، أو من حلق الرأس هناك أو من قصد النسك هناك ، وكذلك ما يفعله بعض الضلال من الطواف بالقبة التي بجبل الرحمة بعرفة (10) ، كما يُطاف بالكعبة .
فأما الاجتماع في هذا الموسم لإنشاد الغناء، أو الضرب بالدف بالمسجد الأقصى ونحوه، فمن أقبح المنكرات
وأيضاً ، فإنَّ شد الرحال إلى مكان للتعريف فيه ، بدعة
ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( لا تُشدًّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا )) (11) .
هذا مما لا أعلم فيه خلافاً .
فقد نهى النبي صلى اله عليه وسلم عن السفر إلى غير المساجد الثلاثة ،
ومعلوم أن إتيان الرجل مسجد مصره إما واجب كالجمعة ، وإما مستحب كالاعتكاف فيه .
وأيضاً ، فإن التعريف عند القبر اتخاذ له عيداً ، وهذا بنفسه محرم ،
سواء كان فيه شد للرحل أو لم يكن ،
وسواء كان في يوم عرفة أو في غيره ، وهو من الأعياد المكانية مع الزمانية )ا.هـ (12) .
__________
(1) - يُراجع : الباعث لأبي شامة ص(29) .
(2) - يُراجع : الحوادث والبدع للطرطوشي ص (115) .
(3) - يُراجع : الحوادث والبدع للطرطوشي ص (115) .
(4) - يُراجع : الحوادث والبدع للطرطوشي ص (115) .
(5) - يراجع : البدع لابن وضاح ص (46) .
(6) - يراجع : البدع لابن وضاح ص (47) .
(7) - يراجع : البدع لابن وضاح ص (47) .
(8) - يُراجع : الحوادث والبدع للطرطوشي ص (116) .
(9) - يُراجع : مجموع الفتاوى (20 /197) .
(10) - لم تعد هذه القبة موجودة ، وذلك بفضل الله ثم بفضل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - حيث قضى على الأمور الشركية والوسئل المؤدية إليها في هذه البلاد ، ولله الحمد والمنَّة .
(11) - رواه البخارى في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (3/63) كتاب التهجد ، حديث رقم (1189)، ولفظه : (( لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى )) . ورواه مسلم في صحيحه (2/1014) كتاب الحج ، حديث رقم (1397) .
(12) - يراجع : اقتضاء الصراط المستقيم (2/637- 640) .