15
إن ما تناولته الصحافة الغربية حول "سينودس الأساقفة للتبشير الجديد لنشر العقيدة المسيحية"، الذي بدأ يوم 7 أكتوبر 2012 ويستمر حتى 28-10-2012م، يستوجب شيئًا من المتابعة حتى قبل أن ينتهي من أعماله ويتم الإعلان عن قراراته التي ستكون تنفيذية على كافة الكنائس وفرقها المختلفة، بل وعلى كافة الأتباع، وفقًا لما حدده مجمع الفاتيكان الثاني (1962- 1965م).
وبعد مرور أسبوعين على انعقاد السينودس تمت الإشارة إلى أنها المرة الأولى التي يتم فيها تناول موضوع تنصير المسلمين علنًا في أحد الاجتماعات الكنسية العامة، إذ كان موضوع الإسلام من الموضوعات التي تناقش سرًّا وليس في العلن. والقضية الأساسية هي مناقشة كيف أن الإسلام يقف عقبة أمام عملية تنصير العالم، وبالتالي فإن الإسلام يقف عقبة أساسية في تنفيذ النظام العالمي الجديد، القائم على أن يكون النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني واحدًا، يتم تطبيقه على العالم أجمع.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن القائمين على النظام العالمي الجديد يهود صهاينة، وفي برنامجهم أن تسود اليهودية الصهيونية، إلا أن بابا الفاتيكان يتبارى في نفس الوقت لتنصير العالم كي تكون الكاثوليكية هي الدين الوحيد في نظام العولمة، متناسيًا أن اليهود يمتلكون من وثائق مخطوطات قمران (البحر الميت) ما يهدم المسيحية في لحظة نشر هذه الوثائق على العالم!!
ومن هنا نلاحظ أن عملية شيطنة الإسلام والمسلمين التي زادت بتوحش منذ أحداث 11 سبتمبر، التي تم تدبيرها محليًّا للتلفُّع بشرعية دولية لإدانة الإسلام والمسلمين بالإرهاب.. عملية متعمدة، إلاّ أن الفاتيكان برئاسة بنديكت السادس عشر يستغلها لصالحه في محاولته تنصير العالم، اعتمادًا على كل ما رتّبه من قوانين دولية ومحلية ومراصد مراقبة المسلمين وتنفيذ قانون حرية العقيدة، أي حرية تغيير الدين رسميًّا وإدراجه في قوانين الدول الإسلامية، دون أن تتعرض حياة الذي تم تنصيره للخطر..!
ولو تأملنا ما تم نشره من مختارات مأخوذة من بعض مداخلات الأساقفة المجتمعين، نلاحظ ما يلي:
أن عددًا من الأساقفة تناول موضوع تنصير المسلمين بكل صراحة، على عكس ما كان سائدًا فيما مضى، بمعنى أن هذا الموضوع من الموضوعات التي كانت تتم مناقشتها سرًّا ولا يُسمح بنشر تفاصيلها في الصحافة العامة. أما أن يتم طرح كيفية التغلب على الإسلام والمسلمين، فذلك يوضح من ناحية أنه من البنود الرئيسية أو الأساسية في هذا الاجتماع، ومن ناحية أخرى أنه بمنزلة جس نبض لهذه القضية.
وقد قام الأسقف بيتر توركصن من غينيا، وهو أيضًا رئيس المجلس البابوي للعدل والسلام، بعرض فيلمًا يوم 13 أكتوبر على الأساقفة المجتمعين. والغريب أن الفيلم موجود على اليوتيوب منذ ثلاثة سنوات، ولا يعرف أحد مُخرج أو مُنتج هذا الفيلم الذي يتحدث بالأرقام عن توقعات انتشار الإسلام ليسود العالم بعد عدة عقود! وإنْ كشف هذا الفيلم عن شيء فهو أن هناك من الأساقفة وغيرهم من يعنيهم أمر تأجيج الفتنة الطائفية؛ لتسهيل عملية زحزحة الإسلام، وغرس تعاليم المسيحية..
ويبدو ذلك واضحًا من أن نفس هذا الأسقف قد اعتذر عن تقديمه للفيلم، أو لعلهم أجبروه على الاعتذار؛ للتقليل من شأنه بزعم عدم إشعال حرب دينية بين المسحيين والمسلمين. والفيلم يستغرق سبع دقائق ويعتمد على الأرقام لتوضيح أخطار هجرة المسلمين إلى الغرب عامة وإلى أوربا خاصة؛ مما سينعكس على أمن المسيحية، وأن أوربا بوضعها الحالي سوف تختفي بعد بضع سنوات.. وقد أدى هذا الفيلم إلى اختلاف وجهات النظر بين الأساقفة، خاصة بين الذين يتمنون أن تتم عملية التنصير بلا مواجهة دموية!
كما أثار خبر إرسال بعثة من أساقفة السينودس في مهمة سرية إلى سوريا بقيادة أمين دولة الفاتيكان "ترتشيزيو برتوني" بتوجيه من البابا، قلقَ المجتمعين وإن كان موعدها لم يتحدد بعدُ.
أما الموضوع الجديد في تناوله صراحة فهو تحويل المسلمين إلى المسيحية، وكيف أن العديد من المسلمين يتمنون تغيير ديانتهم إلا أنهم يخشون على حياتهم من ذلك! وأول من تحدث عن هذا الموضوع هو أسقف تركيا لويس بيلاتر الفرنسي الأصل، قائلاً: "حقيقي أنه في بعض الأحيان يكون من المحال التحدث عن يسوع مع المسلمين، إلا أنه قد تمت ترجمة كتاب التعليم الديني الجديد إلى التركية، إضافة إلى مطبوعات أخرى. كما أن الجيل الجديد يصل إلى المسيحية عبر الإنترنت. وبما أنه لا يمكننا الوصول إليهم عبر قنوات الإذاعة والتليفزيون الرسمية، فإنه يمكننا الوصول عبر القنوات الخاصة التي يكثر استخدامها الإنجيليون؛ مما يوضح حاجتنا إلى مبشرين متخصصين لجني الحصاد الذي ينتظرنا، إذ لا يمكننا الاكتفاء بالنيات الحسنة أو بالارتجال".
أما الأسقف پول ديفارج وهو فرنسي الأصل أيضًا لكنه يعمل في قسطنطينة بالجزائر، فقد أوضح أن الحوار بين المسلمين والمسيحيين حاليًّا يمر بصعوبات جمّة في الجزائر؛ بسبب بعض التيارات الإسلامية الأصولية... "ففي بعض الأحيان يمنحنا الرب استقبال بعض المسلمين لتنصيرهم، وعادة ما يكونون أناس قد عاشوا طويلاً التساؤل حول جدوى عقيدتهم، إلا أن عائلاتهم كثيرًا ما ترفضهم بعد تنصيرهم، ويعانون من تفرقة كبيرة في المجتمع".
وتناول البطريرك بشارة بطرس راعي المسئول عن إدارة الجماعة الكاثوليكية في لبنان والشرق الأوسط موضحًا: "أن التبشير في البلدان العربية يتم بطريق غير مباشر في المدارس الكاثوليكية وفي الجامعات الخاصة والمستشفيات والمؤسسات الاجتماعية التابعة للكنيسة والمفتوحة للمسلمين والمسيحيين. والتبشير غير المباشر يُمارس عبر وسائل الاتصال الاجتماعية وخاصة الكاثوليكية، التي تذيع المراسم المسيحية ومختلف البرامج الدينية.. وقد لاحظنا أنه يوجد لدى العديد من المسلمين تحولات سريّة إلى المسيحية".
بينما قام كبير الأساقفة جوزيف عَبْسي المسئول عن سوريا بتوضيح مدى انفتاح بعض المسلمين وتحولهم إلى المسيحية بفضل مساعدة الوسائل الحالية للإعلام، "إلا أن المسلمين لا يمكنهم التفرقة بين المسيحيين والغرب، بما أنهم لا يُدركون الفرق بين ما هو ديني وما هو سياسي واجتماعي. فقد يحدث أحيانًا أن يقوم الغربيون بجرح مشاعر المسلمين دون قصد منهم ويجرّحون القيم الدينية والثقافية والأخلاقية للمسلمين، وذلك يمثل عقبة أمام التبشير وأمام انفتاحهم على المسيحية. كما أن أغلبية المسلمين مقتنعون تمامًا بأن تسيُّب الأخلاق واستغلال الشعوب الفقيرة واحتقار الإسلام الذي يلاحظونه في الغرب ناجم عن المسيحية والمسيحيين. من هنا نطرح هذا التساؤل المهم: ما الذي يمكننا عمله لنتفادى قيام المسلمين بالخلط بين المسيحية والغرب، بين المسيحيين والغربيين، وعدم شعورهم بالإهانة؟".
ثم تقدم كبير الأساقفة هذا بطلب إلى المجتمعين في السينودس، "أن يحاولوا بقدر الإمكان تفادي التوترات والخلافات، والعمل على أن يصبح المسلمون أكثر تقبلاً للكنيسة وللإنجيل"!!
بينما أوضح الأسقف الإيطالي كريستوفرو بالمييري المسئول عن ألبانيا، مطالبًا بضرورة وسرعة العمل على تنصير المسلمين الذين كانت لديهم ولا تزال بعض الجذور المسيحية، والذين يبدون بعض الانفتاح للتبشير".
أما الأسقف چون آيا من نيجيريا، فقد أكد على أن العديد من المسلمين يحلمون بالتحول إلى المسيحية لكنهم يخشون ذلك؛ خوفًا على حياتهم!
وقد أعلن الكاردينال چان لوي توران، رئيس المجلس البابوي لحوار الأديان، في حديث له إلى راديو الفاتيكان في 16 أكتوبر 2012م قائلاً: "إن المشكلة الكبرى حاليًّا هي البلدان التي يمثل فيها الشرع الإسلامي دين الأغلبية، فحتى الآن ما من مسلم يقبل أن يتم إدراج حرية تغيير الدين في نص القانون"، ثم أضاف قائلاً: "في كل حواراتي مع المسلمين الذين يميلون إلينا ومستعدون للتعاون معنا، فإن ذلك يمثل موضوعًا ممنوع التحدث فيه".
وفي حديث مع مجدي كرستيانو علام، الذي قام بنديكت السادس عشر بتعميده شخصيًّا وعلنًا في 25 ديسمبر 2007م، والذي تمت مكافأته بتعيينه عضوًا بالبرلمان الأوربي، فقد أوضح "أن البابا بتعميده رسميًّا وأمام عدسات الإذاعة والتليفزيون الدولية، يمثل رسالة شديدة الوضوح ورسمية في نفس الوقت إلى الكنيسة التي كانت حتى ذلك الوقت شديدة الحرص وهي تمارس عمليات تنصير المسلمين"، ثم أوضح "أن المشكلة التي يجب التعرض لها لا تكمن في الإسلاميين والإرهابيين، وإنما في الإسلام نفسه الذي يحمل بذور الشر في نصوصه؛ لذلك علينا أن نحب المسلمين وليس الإسلام الذي يحث على الكراهية، ويعاقب بالموت كل من يخرج عنه".
وإذا ما تأملنا في عجالة أهم النقاط التي تمت مناقشتها والمطالب التي سيحاولون إدراجها في القرارات النهائية لهذا السينودس، خاصة وإن تسريب مثل هذه الأخبار من المحال أن يكون عفويًّا من جانب الكنيسة، من جانب أناس يجيدون الكذب والتمويه والمغالطة على مدى تاريخهم وحربهم ضد الإسلام... فما نتوقعه أن تتم محاولة اتخاذ قرارات للحد من هجرة المسلمين إلى الغرب المسيحي المتعصب، والحد من نسبة إنجاب المسلمين الموجودين في الغرب، ومحاولة إدخال حق تغيير الديانة في النصوص القانونية للبلدان المسلمة، وإلغاء حد الردة الذي لا يُعمل به أساسًا، والتوسع رسميًّا في مختلف وسائل الإعلام التبشيرية..
ألم يحن الوقت ليفيق المسلمون وينتبهون لما يحاك للإسلام في الكنائس واجتماعاتها؟!
ليت الذين يقول عنهم أحد الأساقفة: "أن هناك من المسلمين من هم يتعاونون ومستعدون للتعاون".. وهو لا يتحدث قطعًا عن أي مسلم في قارعة الطريق، وإنما عن بعض الذين في يدهم أمر التنازل والتغيير والتبديل في الدين.. ليت هؤلاء المحسوبين على الإسلام خطأً أن يتقوا الله ويخشوه قبل أن تقع القارعة.