بتـــــاريخ : 7/14/2013 6:23:16 AM
الفــــــــئة
  • الاقتصـــــــــاد
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 2586 0


    مفهوم المالية العامة

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : mehena | المصدر : www.startimes.com

    كلمات مفتاحية  :
    المالية العامة اقتصاد

    http://www.hkjtoday.com/uploads/thumbs_518/6/4/64b49760d516ee6b2740ad3cc2bface55c790c8f.jpg

    الفهــــرس
    مقدمة عامة
    فصل تمهيدي: بعض المفاهيم الأساسية
    1/-نشأة وتطور المالية العامة 2/-تعريف المالية العامة
    3/-الحاجـــات العامــة 4/-السياســـة المالية
    5/-المالية العامة والمالية الخاصة 6/-علاقة المالية العامة بالعلوم الأخرى

    الفصل الأول: النفقات العامة
    المبحث الأول: مضمون النفقات العامة
    1/-ماهية النفقات العامة
    2/-تقسيمات النفقات العامة
    المبحث الثاني: حجم النفقات العامة
    1/-ضوابط الإنفاق العامة
    2/-حدود النفقات العامة
    3/-ظاهرة تزايد النفقات العامة
    المبحث الثالث: الآثار الاقتصادية للنفقات العامة
    1/-أهم الآثار الاقتصادية للنفقات العامة
    2/-دور النفقات العامة في تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية

    الفصل الثاني: الإيرادات العامة
    المبحث الأول: الإيرادات الاقتصادية
    1/-إيرادات أملاك الدولة
    2/-الثمــــن العـام
    المبحث الثاني: الإيرادات السيادية
    1/-الرســــــوم
    2/-الضرائـــــب
    3/-الآثار الاقتصادية للضرائب
    المبحث الثالث: إيرادات الدولة الائتمانية (القروض العامة)
    1/-ماهية القرض العام وخصائصه
    2/-التنظيم الفني للقروض العامة
    3/-الآثار الاقتصادية للقروض العامة

    الفصل الثالث: الميزانية العامة (الموازنة العامة)
    المبحث الأول: ماهية الميزانية العامة
    1/-الطبيعة القانونية والمالية للميزانية العامة
    2/-دور الميزانية العامة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية
    3/-القواعد الفنية للميزانية العامة
    المبحث الثاني: دورة الميزانية العامة للدولة
    1/-إعداد وتحضير الميزانية
    2/-اعتماد الميزانية
    3/-تنفيذ الميزانية
    4/-الرقابة على تنفيذ الميزانية
    المبحث الثالث: الإدماج المالي والاقتصادي والاجتماعي للميزانية العامة
    1/-التقسيمات العلمية والاقتصادية للميزانية العامة
    2/-تطور تقسيمات الميزانية العامة
    3/-الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للميزانية العامة في الاقتصاد القومي

     
    مقدمــــة


    يعمل الإنسان دائما على إشباع حاجاته المتعددة، المتجددة والمتزايدة، وتنقسم هذه الحاجات من حيث إشباعها إلى: حاجات فردية وحاجات جماعية، ويتم إشباع الحاجات الفردية عن طريق النشاط الخاص ومن أمثلة ذلك الغذاء، الكساء، الدواء، والمسكن …الخ، أما الحاجات الجماعية فتتولى الهيئات العامة أمر إشباعها.
    تعرف الحاجات التي تقوم الهيئات العامة بإشباعها بالحاجات العامة أو الجماعية، سواء تعلق الأمر بتلك التي لا يمكن أن يقوم بأدائها وقضائها غير الهيئات العامة، أو تلك التي يمكن ترك أمر إشباعها إلى الأفراد، غير أن الهيئات العامة تتدخل لإشباعها وذلك لسبب أو لآخر، والحاجات العامة بهذا المعنى، تختلف من دولة إلى أخرى، وفي آن واحد قد تختلف في الدولة الواحدة من عصر إلى آخر بناء على اختلاف فلسفتها وسياستها الاقتصادية والاجتماعية.
    ويمثل مجموعة الحاجات العامة التي يتطلب من الدولة إشباعها محور النشاط المالي والاقتصادي للدولة، ويتمثل هذا النشاط في قيام الدولة بالنفقات العامة، ويستدعي ذلك حصول الدولة على إيرادات عامة بالقدر الكافي لتغطية هذه النفقات.
    ويقتضي مقابلة النفقات العامة بالإيرادات العامة من الدولة أن تضع خطة (برنامج) محددة تتضمنها وثيقة، اصطلح على تسميتها بالميزانية العامة أو الموازنة العامة، تتضمن تقدير تفصيلي لإيرادات ونفقات الدولة لفترة مقبلة، وهي عادة سنة.
    وتشكل النفقات العامة، الإيرادات العامة، الميزانية العامة الموضوعات الأساسية لعلم المالية العامة.
    غير أن لنشاط الدولة من حيث كونها وحدة اقتصادية تمارس وظائفها باستخدام لجزء من الموارد الإنتاجية المتاحة، وإنفاق وتحصيل مبالغ من الدخل القومي، آثار هامة على حجم وتكوين الناتج القومي، وعلى الطريقة التي يوزع بها هذا الناتج على مختلف الأفراد والفئات الاجتماعية في الدولة، ويستوجب معرفة هذه الآثار ودراستها وتحليلها، وبالفعل فقد خصص جانب كبير من علم المالية العامة لدراسة هذه الوجوه.
    ولما كانت النفقات العامة والإيرادات العامة والميزانية العامة تكون العناصر الثلاثة الرئيسية لمحور النشاط الاقتصادي والمالي للدولة، وتمثل في آن واحد الأدوات الرئيسية لرسم وتنفيذ السياسة المالية للدولة فسوف نقسم هذه الدروس إلى ثلاثة فصول تكون مسبوقة بفصل تمهيدي وهي:
    الفصل التمهيدي: بعض المفاهيم الأساسية
    الفصل الأول: النفقـات العامة.
    الفصل الثاني: الإيرادات العامة.
    الفصل الثالث: الميزانية العامة أو الموازنة العامة.


     
    الفصل التمهيدي
    بعض المفاهيم الأساسية


    من الضروري قبل البدء في دراسة العناصر المؤلفة لمالية الدولة (النفقات العامة، الإيرادات العامة، والميزانية العامة) أن نوضح عددا من النقاط الجوهرية التي تساعدنا كثيرا على حسن تفهم الموضوعات التي سنقوم بدراستها في الفصول القادمة، نوجزها فيمايلي:
    أولا- نشأة وتطور المالية العامة:
    من البديهي أنه لا وجود لمالية الدولة قبل وجود الدولة ذاتها، وقبل هذا الوجود فقد كانت هناك تجمعات عامة اتخذت شكلا ما من أشكال التجمع وكان لها ماليتها التي نظمتها كل جماعة بحسب ظروفها الخاصة الخاضعة للأعراف والقواعد المنظمة للجماعة.
    -وفي العصور القديمة: كانت دولة الفراعنة بمصر والإمبراطورية الرومانية تلجأ إلى فرض الجزية على الشعوب المغلوبة، وإلى عمل الأرقاء للحصول على موارد تنفق منها على مرافقها العامة، وقد عرفت مصر الفرعونية الضرائب المباشرة والغير مباشرة على المعاملات التجارية وعلى نقل ملكية الأراضي، كما عرفت الإمبراطورية الرومانية أيضا أنواعا معينة من الضرائب كالضريبة على عقود البيع والضريبة على التركات.
    -وفي العصور الوسطى: اندمجت المالية العامة مع مالية الحاكم الخاصة أي عدم الفصل بين الماليتين، إذ لم يكن هناك تمييز بين النفقات العامة اللازمة لتسيير المرافق العامة وبين النفقات الخاصة اللازمة للحاكم ولأسرته وحاشيته، أما بالنسبة للإيرادات العامة فقد كانت الدولة تستولي على ما تحتاجه من أموال بالاستيلاء والمصادرة، بالإضافة إلى استخدام الأفراد في القيام ببعض الأعمال العامة مجانا.
    ولم يكن للضريبة في تلك العصور شأن يذكر، وكانت الدولة تستمد إيراداتها من أملاك الحاكم التي ينفق من ريعها على نفسه وأسرته ورعيته على السواء.
    -وفي مرحلة الاقتصاد الحر: التي كانت نتاج ثورتين هما الثورة الصناعية في إنجلترا والثورة الفرنسية وكانت نتيجتهما ميلاد النظام الرأسمالي في شكله التقليدي القائم على مبدأ "دعه يعمل، دعه يمر" حيث يرى هذا النظام أنه على الدولة عدم التدخل في النشاط الاقتصادي وترك الأفراد أحرارا في معاملاتهم الاقتصادية والاجتماعية باعتبار أن كل فرد يسعى لتحقيق منفعته الخاصة يؤدي ذلك في آن واحد وبيد خفية لتحقيق منفعة الجماعة (حسب مفهوم اليد الخفية لآدم سميث)، والتي هي عبارة عن المجموع الجبري لمصالح أفراد المجتمع، أي لا يوجد تعارض بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة.
    وعليه يتعين على دور الدولة أن يكون عند أدنى مستوى ممكن بحيث يقتصر فقط على إشباع الحاجات العامة من أمن ودفاع وعدالة ومرافق عامة، شريطة أن يكون تدخلها حياديا لا تأثير له على سلوك الأفراد، بالإضافة إلى الإشراف على بعض المرافق العامة التي لا يقوى النشاط الخاص على القيام بها لضخامة تكاليفها، أو لضآلة ما تدره من أرباح، كالتعليم والطرق والمواصلات والمياه، والكهرباء والغاز …الخ، وحتى تتوفر الحرية الاقتصادية والسياسية يستلزم الأمر عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي للأفراد إلا في حدود ضيقة، لأن ترك المبادرة الفردية للأفراد كفيلة بتحقيق أقصى إنتاج ممكن، وتحقيق التوزيع العادل للدخل والثروة دون الحاجة إلى تدخل الدولة.
    ومما سبق يتضح أن دور الدولة في النشاط الاقتصادي، والقيود الموضوعة على نشاطها، مقيدا بتحقيق قاعدتي توازن الميزانية (التعادل التام بين إيرادات الدولة ونفقاتها) والحياد المالي لنشاط الدولة، مما جعل مفهوم المالية العامة مجرد مفهوم حسابي لنفقات الدولة وإيراداتها وخال من أي بعد اقتصادي أو اجتماعي وساد هذا المفهوم التقليدي للمالية العامة عدة قرون إلى غاية أوائل القرن العشرين.
    -أما في العصر الحديث: وابتداءا من الحرب العالمية الأولى، اضطرت الدولة ولأسباب مختلفة التدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وزادت أبعاد هذا التدخل بوقوع الكساد الكبير في سنة 1929، ومن بين أسباب هذا التدخل مايلي:
    -رغبة الدولة في إشباع الحاجات العامة.
    -معالجة بعض المشاكل الاقتصادية من بطالة وتضخم.
    -التقليل من التفاوت في توزيع الدخول والثروات بين أفراد المجتمع.
    -تفعيل دور القطاع الخاص في النمو ودفع عجلة التنمية.
    -الحد من نشاط التكتلات الرأسمالية الاحتكارية وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
    ويطلق على الدولة في هذه الحالة بالدولة المتدخلة لكونها تتدخل في النشاط الاقتصادي لتحقيق أهداف المجتمع الاقتصادية والاجتماعية بالرغم من أن الفكر الاقتصادي السائد في هذه الفترة والذي يتزعمه جون ماينرد كينز الذي يؤمن بدوره بالحرية الاقتصادية والمبادرة الفردية، إلا أنه يعطي للدولة دورا جديدا متميزا في النشاط الاقتصادي، وبذلك أصبح علم المالية العامة أكثر تعبيرا عن فكرة المالية الوظيفية، فاتسعت دائرة الإنفاق العام وتعددت ميادينه، كما تغيرت النظرة اتجاه الضرائب فلم تعد أداة لجمع المال فقط بل تعددت وتنوعت أهدافها، واتخذت ميزانية الدولة طابع وظيفي فلم يعد هدفها مجرد إيجاد توازن حسابي بين الإيرادات العامة للدولة ونفقاتها، وإنما يهدف إلى تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي ورفع مستوى معيشة الملايين من المواطنين.
    ثانيا- تعريف المالية العامة:
    ارتبط مفهوم ومضمون المالية العامة في تطوره ارتباطا وثيقا بتطور دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وبعد أن كان علم المالية العامة في المفهوم التقليدي مقتصرا على البعد المالي الحسابي فقط، أصبح هذا المفهوم في العصر الحديث له أبعاد متعددة بعضها اقتصادية وأخرى اجتماعية ومالية.
    وعرفت المالية العامة قديما بأنها العلم الذي يتناول بالبحث نفقات الدولة وإيراداتها أو بمعنى آخر هي العلم الذي يتناول تحليل حاجات الدولة والوسائل التي تشبع بها هذه الحاجات.
    والمالية العامة في معناها الحديث: هي دراسة لاقتصاديات القطاع العام، كما عرفها آخرون بمايلي: المالية العامة هي ذلك العلم الذي يبحث في نشاط الدولة عندما تستخدم الوسائل والأساليب المالية بشقيها الايرادي والانفاقي لتحقيق أهداف المجتمع بمختلف اتجاهاتها الاقتصادية والاجتماعية والمالية.
    ومن التعريف السابق نستنج عدة عناصر أساسية تكون في مجموعها مضمون دراسة المالية العامة:
    1-تحديد حجم الحاجات العامة الواجبة الإشباع.
    2-تحديد الوسائل والأدوات التي بموجبها يتم توفير الموارد لإشباع حاجت المجتمع.
    3-تحديد تأثير نشاط الدولة على الاقتصاد القومي ككل.
    ثالثا- الحاجات العامة:
    تعرف الحاجة العامة بأنها الحاجة الجماعية التي يقوم النشاط العام بإشباعها ويترتب على إشباعها منفعة جماعية.
    وتقسم الحاجات من حيث إشباعها إلى قسمين: قسم يقوم بإشباعه النشاط الخاص وهو ما يعرف بالحاجات الخاصة أو الفردية كالحاجة إلى الغذاء والكساء والمأوى …الخ، وقسم يقوم بإشباعه النشاط العام وهو ما يعرف بالحاجات العامة أو الجماعية كالحاجة إلى العدالة والأمن والدفاع …الخ ويشعر بها الناس مجتمعين، ويمكن ملاحظة أنه لا توجد فروق جوهرية بين الحاجات الخاصة والعامة، باستثناء بعض الحاجات الجماعية الأساسية التي لا يمكن بطبيعتها أن يقوم بأدائها غير الهيئات العامة، فإن جميع الحاجات الأخرى، وتشكل الغالبية العظمى، ليست لها مميزات خاصة تجعل إشباع بعضها متوقفا على الهيئات العامة وإشباع البعض الآخر قاصرا على جهود الأفراد.
    وبما أنه لا توجد فوارق موضوعية ولا حدود ثابتة بين الحاجات العامة والخاصة، فإن ما يعتبر حاجة عامة في دولة ما قد يسمح القيام به من طرف الأفراد في دولة أخرى، وفي نفس الدولة ما يعتبر اليوم حاجة عامة، كان في عصر مضى حاجة خاصة، فحدود الحاجات العامة في مجتمع معين وفي لحظة معينة يتوقف على طبيعة دور الدولة السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
    ويمكن تقسيم الحاجات العامة بحسب خصائصها وطبيعتها إلى عدة أنواع:
    1-الحاجات العامة غير القابلة للتجزئة:
    وهي الحاجات التي لا يمكن تجزئة إشباعها وتجزئة المنفعة المتولدة عنها بالنسبة لفرد أو مجموعة من الأفراد دون البعض الآخر، فإشباع الحاجة إلى الأمن الداخلي والدفاع الخارجي وإقامة العدالة لابد أن يتم بالنسبة إلى جميع الأفراد ككل لا يتجزأ، ويتميز هذا النوع من الحاجات العامة بالسمات الآتية:
    أ-إن الكمية المستهلكة من هذه الخدمات تكاد تكون متساوية بين جميع الأفراد.
    ب-لا يمكن تطبيق مبدأ الاستبعاد في مثل هذه الحاجات العامة.
    ج-هذه الحاجات غير قابلة للتجزئة ويستحيل استبعاد أي فرد من التمتع بمنافع هذه الخدمات.
    2-الحاجات المستحقة:
    هناك نوع آخر من الحاجات يمكن تجزئتها، أي تجزئة إشباعها ويعني هذا إمكانية فصل حاجة الأفراد عن حاجة البعض الآخر، ويتوقف حدود هذه الخدمات أو الحاجات على الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لدور الدولة في المجتمع، وهي حاجات يمكن أن يترك أمر القيام بها لنشاط الخاص غير أن الهيئات العامة تقوم بها إذا كانت هناك منفعة عامة تستدعيها، ويرجع ذلك إلى عوامل عدة منها:
    -إن المنفعة الاجتماعية التي تعود من إشباع هذه الحاجات أكبر من المنفعة الفردية.
    -الأولوليات الاجتماعية السائدة تحتم الإشباع الجماعي لهذه الحاجات.
    -الاعتبارات السياسية والاستراتيجية …الخ، ومن أمثلة هذه الحاجات المستحقة، الحاجة إلى التعليم العام والصحة والنقل والمواصلات والمياه والكهرباء والغاز …الخ.
    3-السلع الفردية التي يقوم النشاط العام بإشباعها:
    وهذه السلع بإمكان النشاط الخاص أو جهاز السوق أن يقوم بتوجيه الموارد الضرورية لإشباعها، إلا أنه ولاعتبارات مختلفة استراتيجية وسياسية واجتماعية واقتصادية يقوم النشاط العام بإنتاج هذه السلع والخدمات، مثل صناعة الأسلحة، صناعة الحديد والصلب، وكافة الصناعات الأخرى التي يقوم النشاط العام من خلال المشروعات العامة بإنتاجها، ويتسع نطاق هذا النوع من السلع كلما زاد تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية أو في ظل ما يسمى بالدولة المنتجة أو المتدخلة.
    رابعا-السياسة المالية:
    تعرف المالية العامة بأنها مجموعة القرارات التي يترتب عليها تحديد طريقة ونمط استخدام مختلف العناصر المالية وتوجيهها والتنسيق بينها لتحقيق أهداف السياسة الاقتصادية وذلك في نفس الوقت الذي تقوم فيه هذه العناصر بوظائفها الأساسية.
    وتتجدد عادة السياسة المالية بالأهداف التي تسعى إلى تحقيقها السياسة الاقتصادية، فالسياسة المالية يجب أن تكون متكاملة مع عناصر السياسة الاقتصادية الأخرى، وتتضمن السياسة المالية تكييفا كميا لحجم الإنفاق العام والإيرادات العامة، بالإضافة إلى التكييف النوعي لأوجه هذا الإنفاق ومصادر هذه الإيرادات بغرض تحقيق أهداف معينة وفي مقدمتها النهوض بالاقتصاد القومي، وتحقيق التشغيل الكامل، الاستقرار الاقتصادي، تحقيق العدالة الاجتماعية، إتاحة الفرص المتكافئة لجهود المواطنين بالتقريب بين فئات المجتمع والتقليل من التفاوت بين الأفراد في توزيع الدخول والثروات …الخ، وتستخدم الدولة في سعيها لتحقيق هذه الأهداف كافة الوسائل والأدوات المتاحة بدءا من استخدام سلطتها السيادية في سن القوانين واللوائح والتشريعات المختلفة، كما تستخدم أسلحة السياسة المالية: ( الضرائب، النفاقات، والقروض العامة).
    خامسا-المالية العامة والمالية الخاصة:
    يقصد بالمالية العامة مالية السلطات العامة أي مالية القطاع الحكومي، أما المالية الخاصة يقصد بها مالية الأفراد والمشروعات الفردية والشركات بأنواعها، ويمكن القول أنه في الوقت الذي يحدد فيه دخل الفرد مقدار ما يستطيع إنفاقه، فإن السلطات العامة هي التي تحدد مقدار ما يجب أن تحصل عليه من دخل أو إيراد، فالدولة لها القدرة على تكييف إيراداتها وفقا لنفقاتها العامة، ويرجع ذلك إلى أن دخل الفرد محدود، بينما الدولة فلا حد لسلطانها في فرض الضرائب وإصدار القروض وزيادة مواردها بشتى الوسائل.
    ويمكن تمييز المالية العامة على المالية الخاصة في مايلي:
    1-من حيث الهدف: يسعى الفرد إلى تحقيق منفعته الخاصة أما بالنسبة للدولة فهي تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة.
    2-من حيث الأساس: فالفرد يسعى إلى تحقيق منفعته الخاصة في إطار من الحرية، أما الدولة فإن نفقاتها واجبة لضمان سير المرافق العامة.
    3-من حيث التنظيم: تقوم بالنسبة للفرد على أساس المالكية الفردية، أما بالنسبة للدولة فهي تقوم على أساس ملكية عامة كلية كانت أم جزئية.
    سادسا-علاقة المالية العامة بالعلوم الأخرى:
    تمثل المالية العامة مظهرا من مظاهر الحياة الاجتماعية في الدول المعاصرة، ومن الطبيعي والمنطقي أن توجد علاقة بين هذا المظهر وغيره من مظاهر الحياة الاجتماعية من اقتصاد وسياسة وقانون وأخلاق وعلم النفس والمحاسبة والإحصاء وغير ذلك.
    -فالعلوم السياسية تهتم بدراسة نظم الحكم وعلاقة السلطات العامة ببعضها البعض وعلاقتها بالأفراد، والمالية العامة تبحث في الإيرادات والنفقات لنفس هذه الهيئات، بالإضافة إلى ذلك فإن الأوضاع الدستورية والإدارية في بلد معين أثرها في ماليتها العامة، فالنفقات والإيرادات العامة تختلف بحسب ما إذا كانت الدولة استبدادية أو ديمقراطية، ذات نظام إداري مركزي أو لا مركزي، كما أن الظروف المالية لها بدورها أثر هام في أوضاع الدولة السياسية فكم من دولة فقدت استقلالها السياسي وتعرضت لنشوب الثورات والقلاقل فيها بسبب اضطراب ماليتها العامة وعدم استقرارها.
    هذا ويعتبر وضع ميزانية الدولة عملا سياسيا، لأن الحكومة تترجم سياستها عن طريق الاعتمادات التي تدرجها في ميزانيتها فيتضح منها نطاق واتجاه الدور الذي تزمع السير عليه في التطبيق.
    -أما عن علاقة المالية العامة بعلم القانون: فإن مضمونها يتبلور في أن القانون هو الأداة التنظيمية التي يلجأ إليها المشرع لوضع القواعد العامة الملزمة في مختلف الميادين ومنها الميدان المالي، فتأخذ مختلف عناصر المالية العامة من نفقات وإيرادات وميزانية، شكل قواعد قانونية، دستور، قانون لائحة وأمر إداري مما يستوجب الإلمام بالفن القانوني لفهم هذه القواعد وتفسيرها.
    ومجموع هذه القواعد القانونية تدعى بالتشريع المالي وهو عبارة عن مجموعة القواعد القانونية التي تنظم شؤون الدولة المالية وعلى وجه الخصوص دراسة ظواهر المالية العامة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية وتحديد ما بين تلك الظواهر من صلات.
    والصلة بين كل من المالية العامة والتشريع المالي وبين فروع القانون الأخرى واضحة وقوية، فالدستور يتضمن القواعد الأساسية المنظمة لمختلف جوانب المالية العامة والتي يتعين أن توضع القوانين المالية في حدودها، فهو ينظم النفقات العامة والشروط الأساسية لفرض الضرائب وعقد القروض وقواعد إقرار الميزانية أو اعتمادها بواسطة السلطة التشريعية وكيفية مراقبة تنفيذها، والقانون الإداري ينظم طريقة سير المرافق العامة وهذا يحتاج إلى نفقات عامة يبحثها علم المالية العامة.
    -أما علاقة المالية بالاقتصاد فهي أهم تلك العلاقات جميعا، فالاقتصاد يتناول بالبحث كيفية استغلال الموارد المحدودة لإشباع الحاجات الإنسانية وعليه فمن وظائف الدولة إشباع حاجات أفراد المجتمع، وإن ما تتضمنه الضرائب من مسائل وما تنطوي عليه من أمور يعتبر أصلا جزءا من المشكلة الاقتصادية، هذا ويستند الباحث في علم المالية العامة إلى كثير من النظريات الاقتصادية، من ذلك أن مبدأ الضريبة التصاعدية يستند إلى نظرية المنفعة الحديثة، فالإلمام بمبادئ الاقتصاد يعد شرط أساسي لتفهم موضوعات المالية العامة، وتزداد أهمية الأمر المتقدم وضوحا إذا علم أن معظم البحوث المتعلقة بالسياسة المالية يقع في ميدان المشكلات الاقتصادية، فالضرائب والإنفاق الحكومي والقروض العامة على سبيل المثال تعتبر كلها أدوات للتوجيه الاقتصادي الحديث يمكن للدولة أن تستخدمها للتأثير على مستوى الدخل القومي ومجرى النشاط الاقتصادي بصفة عامة.
    -أما عن العلاقة بين المالية العامة وعلم الأخلاق فإن كثيرا من الأمور التي تشملها السياسة العامة للدولة تتضمن أحكاما قيمية تمتد جذورها في ميادين الفلسفة والأخلاق، وواضح أن العديد من مشكلات المالية العامة، كفرع من فروع الدراسة الاقتصادية والاجتماعية، تتعلق بالسلوك الإنساني الذي يقع في دائرة بحث علم النفس، فالضرائب مثلا بمالها من تأثير على مجموعة الحوافز لا شك أنها تستلزم دراسة وافية للدوافع الإنسانية.
    -أما عن صلة المالية العامة بالمحاسبة فهي وثيقة أيضا، إذ يستلزم البحث في كثير من موضوعات المالية العامة وخاصة الضرائب الإلمام بأصول المحاسبة والمراجعة وفنونها، من استهلاكات وجرد واحتياطات ومخصصات وعمل الحسابات الختامية والميزانية العمومية للمنشآت التجارية والصناعية وغيرها، ومن ناحية أخرى فإن أعداد ميزانية الدولة وتنفيذها والرقابة عليها يتضمن استخدام النظم المحاسبية الفنية.
    -علاقة المالية العامة بالإحصاء:
    يعتبر علم الإحصاء من العلوم المساعدة لعلم المالية العامة والتي لا غنى عنها في دراسة ورسم السياسة المالية للدولة، إذ يتطلب رسم السياسة المالية توافر البيانات والمعلومات الإحصائية الخاصة بالدخل القومي وتوزيع الثروة والدخول بين طبقات المجتمع وعدد السكان وتوزيعهم من حيث السن والمناطق الجغرافية وحالة ميزان المدفوعات وغير ذلك من الإحصاءات التي لا غنى للباحثين في المالية العامة عنها لأهميتها البالغة عند دراسة ورسم السياسة المالية للدولة.
    لمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع إلى المراجع التالية:
    1-د.رياض الشيخ، ود.عمرو محي الدين : "المالية العامة دراسة الاقتصاد العام والتخطيط المالي"، دار النهضة العربية، 1974.
    2-د.عادل أحمد حشيش ود.مصطفى رشدي شيحة: "مقدمة في الاقتصاد العام، المالية العامة"، دار الجامعات الجديدة للنشر، مصر 1998.
    3-د.حامد عبد المجيد دراز: "مبادئ الاقتصاد العام"، الدار الجامعية، مصر 1998.
    4-د.عادل أحمد حشيش: "مدخل لدراسة أصول الفن المالي للاقتصاد العام أساسيات المالية العامة"، دار النهضة العربية، بيروت 1998.
    5-د.صالح الرويلي: "اقتصاديات المالية العامة"، د.م. الجامعية، الجزائر 1992.


     
    الفصل الأول
    النفقات العامة


    تمثل دراسة النفقات العامة جزءا هاما في الدراسات المالية، ويتطور البحث فيها مع تطور الفكر المالي والسياسة المالية، وترجع أهمية النفقات العامة إلى كونها الأداة التي تستخدمها الدولة في تحقيق الدور الذي تقوم به في مختلف المجالات، فهي تعكس كافة جوانب الأنشطة العامة، وتبين البرامج الحكومية في شتى الميادين في صورة أرقام واعتمادات تخصص لكل جانب منها، تلبية للحاجات العامة للأفراد، وسعيا وراء تحقيق أقصى نفع جماعي ممكن لهم.
    ومع تطور دور الدولة في التدخل لإشباع الحاجات العامة، تتطور نظرية النفقات العامة بصفة دائمة ومستمرة من حيث مفهومها، وتعدد أنواعها وتقسيماتها المختلفة، والقواعد التي تحكمها، كما تبين بوضوح الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليها.
    ولقد حرص التقليديون على دراسة النفقات العامة في ظل المنطق الكلاسيكي الذي كان يحدد النفقات اللازمة للوفاء بالحاجات العامة التي كانت الدولة تقوم بإشباعها طبقا لمقتضيات المذهب الاقتصادي الحر، ولهذا لم يكن هناك مبرر حينذاك لتحصيل الإيرادات العامة، سوى التمكن من تغطية حجم النفقة اللازم للعدد الضئيل من المرافق التي كانت الدولة تتدخل فيها في حياة الأفراد، وبالتالي فالدولة في ظل النظرية التقليدية، تقدس مبدأ توازن الميزانية ولا تسمح بتحصيل إيرادات أو بتكيف الأفراد بأعباء مالية إلا في حدود ما يلزمها من نفقات لسير المرافق العامة، ولذلك لم يتعرض التقليديون لبحث التحليل الاقتصادي للنفقة، والدور الذي يمكن أن تلعبه في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للأفراد، أو في تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي، وكان هذا طبيعيا حسب المنطق التقليدي الذي كان يعتبر نفقات الدولة مجرد نفقات للاستهلاك العام الذي كانت تقوم به الدولة وهي بصدد تحقيق دورها الضيق في حياة الأفراد (الدولة الحارسة)، وعليه فقد كان الإنفاق العام يتسم بطابع حيادي.
    ومع تطور الحديث لم تصبح الدولة مجرد حارسة للأفراد كما كانت، وإنما أخذت تتدخل بشكل متزايد في النشاط الاقتصادي القومي وفي الحياة الاجتماعية، فزادت أهمية الإنفاق العام لمواجهة أوجه التدخل المتعددة التي صار لزاما على الدولة إشباع حاجات الأفراد شأنها، كما أصبحت النفقات العامة أداة فعالة في التأثير على الهيكل الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق التوازن المطلوب بين الأفراد، ولقد أدت هذه التطورات إلى خروج الميزانية العامة على منطق التوازن الذي كان سائدا في الفكر التقليدي، وأمكن زيادة الإنفاق العام لتحقيق كافة الأغراض المتقدمة على الرغم من احتمال وجود عجز في الميزانية، ولقد أظهرت التجارب والتطبيقات المالية الحديثة فكرة إحداث عجز منظم في الميزانية لتحقيق التوازن الاقتصادي ومحاربة الآثار الضارة للدورات الاقتصادية.
    وانطلاقا من المفاهيم الحديثة للنفقات العامة نحاول دراستها من خلال المباحث التالية:
    المبحث الأول: مضمون النفقات العامة.
    المبحث الثاني: حجــم النفقات العامة.
    المبحث الثالث: الآثار الاقتصادية للنفقات العامة.

     
    المبحث الأول: مضمون النفقات العامة


    تتعدد أنواع النفقات العامة، وتتزايد مع اتساع نطاق تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وبما أن النفقات العامة لا تكون كلا متجانسا، بل يختلف بعضها عن البعض الآخر سواء من حيث الطبيعة أو من حيث الآثار الاقتصادية والاجتماعية فإن الأمر يستوجب التمييز بين الأنواع المختلفة للنفقات العامة، وعلى ذلك سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين:
    المطلب الأول: في ماهية النفقات العامة
    المطلب الثاني: في تقسيمات النفقات العامة


     
    المطلب الأول: ماهية النفقات العامة


    النفقة العامة هي مبلغ نقدي يقوم بإنفاقه شخص عام بقصد تحقيق نفع عام، ويتبين من هذا التعريف أن النفقة العامة تشتمل على عناصر ثلاثة وهي:
    1-النفقة العامة مبلغ نقدي.
    2-النفقة العامة يقوم بها شخص عام.
    3-النفقة العامة يقصد بها تحقيق نفع عام.
    1/-النفقة العامة مبلغ نقدي: تقوم الدولة وغيرها من الأشخاص العامة بإنفاق مبالغ نقدية ثمنا لما تحتاجه من سلع وخدمات لازمة لتسيير المرافق العامة، وثمنا لرؤوس الأموال الإنتاجية التي تحتاجها للقيام بالمشروعات الاستثمارية التي تتولاها، وأخيرا لمنح المساعدات والإعانات المختلفة من اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها، واستخدام النقود في النفقة العامة أمر طبيعي ما دامت كل المعاملات والمبادلات الاقتصادية تتم في الوقت الراهن باستخدام النقود في ظل اقتصاد نقدي، وبالتالي فالنقود هي وسيلة الدولة في الإنفاق، شأنها في ذلك شأن الأفراد، وعليه فالنفقات العامة تتم دائما بشكل نقدي، أما أعمال السخرة التي كانت تلجأ إليها الدولة قديما للحصول على أنواع معينة من الخدمات فهي لا تعتبر نفقات عامة، وبالمثل فإن ما تقدمه الدولة من مزايا عينية كالسكن المجاني، ونقدية كالإعفاء من الضرائب، وشرفية كمنح الأوسمة والألقاب لبعض الأفراد، لا تعتبر من قبيل النفقات العامة، وقد أدى انتشار روح الديمقراطية ومبادئها في العصر الحديث، وتطبيقات مبدأ المساواة بين الأفراد إلى اختفاء تلك الظواهر تدريجيا.
    وقد ترتب على التجاء الدولة إلى الإنفاق النقدي دون غيرها من الوسائل الأخرى، أن ازداد حجم النفقات العامة، وبالتالي حجم الضرائب وغيرها من التكاليف العامة، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة زيادة عبء هذه التكاليف على الأفراد، بل لقد نشأ في الغالب تخفيف لهذا العبء وتوزيع أعدل فيه وسنعود للموضوع عند دراسة ظاهرة تزايد النفقات العامة.
    2/-النفقة العامة يقوم بها شخص عام (أي صدور النفقة عن هيئة عامة): ويدخل في عداد النفقات العامة تلك النفقات التي يقوم بها الأشخاص المعنوية العامة (وهم أشخاص القانون العام) وتتمثل في الدولة على اختلاف أنظمتها: جمهورية أو ملكية أو رئاسية ومن استبدادية إلى ديمقراطية والحكومات المركزية والمحلية بما في ذلك الهيئات والمؤسسات العامة الداخلة في الاقتصاد العام ذات الشخصية المعنوية، وعلى هذا فإن المبالغ التي ينفقها الأشخاص الخاصة الطبيعية والاعتبارية لا تعتبر نفقة عامة حتى ولو كانت تهدف إلى تحقيق خدمات عامة، كتبرع أحد هؤلاء الأشخاص بالمبالغ اللازمة لبناء مدرسة أو مستشفى أو مسجد مثلا، ويدخل ذلك في إطار الإنفاق الخاص.
    وتعتبر المبالغ التي تنفقها الدولة وهي بصدد ممارستها لنشاطها العام المعتمد على سلطتها الآمرة باعتبارها ذات سيادة والتي لا يشاركها فيها الأفراد نفقات عامة بالمعنى الفني للكلمة، وهذا متفق عليه، أما النفقات التي تنفقها الدولة وهي بصدد ممارسة نشاط اقتصادي شبيه للنشاط الذي يباشره الأفراد كالمشروعات الإنتاجية التي تتولاها الدولة، فقد اعتبرها بعض المفكرين وبصفة خاصة في فرنسا نفقات خاصة وليست نفقات عامة، اعتمادا على التفرقة بين نوعي النفقات العامة والخاصة إنما تستهدف تأثير التدخل الحكومية في الحياة الاجتماعية بصفة عامة والاقتصادية بصفة خاصة، وواضح أن النفقات من النوع الأول هي فقط التي تؤثر في هذه الحياة الاجتماعية والاقتصادية دون النوع الثاني، غير أن هذا الرأي لم يسلم من النقد لأكثر من سبب، لأنه عندما تنفق الدولة وهي شخص عام مبالغ معينة في أي وجه كان فإن المبالغ هذه تأخذ صفة العمومية وتصطبغ بها، كالنفقات الخاصة التي تأخذ صفة الخصوصية باعتبار أن تلك النفقات ينفقها أشخاص القانون الخاص من أفراد طبيعيين وأشخاص اعتباريين، بالإضافة إلى أنه لا يمكن المقارنة بين نشاط الدولة في العصر الحديث ونشاطها فيما مضى فإذا استبعدنا نفقاتها على المشروعات الإنتاجية الماثلة لمشروعات الأفراد من النفقات العامة، وعلى وجه التحديد فإن هذا النوع من النفقات هو الذي يمثل الجديد الذي طرأ على نشاط الدولة في العصر الحديث، وإلا لما اختلفت الصورة كثيرا في العصرين، كما يلاحظ أيضا بأن المشروعات الإنتاجية المشار إليها تحقق دخولا لا خلاف في وصفها بالإيرادات العامة، ومن غير المنطقي أن تؤدي النفقات الخاصة إلى الحصول على إيرادات عامة، وبصفة عامة يمكن تحديد النفقات العامة بكافة النفقات التي تقوم بها الدولة أو مشروعاتها العامة القومية والمحلية دون النظر إلى الصفة السيادية أو السلطة الآمرة أو طبيعة الوظيفة التي صدر عنها الإنفاق.
    3/-النفقة العامة يقصد بها تحقيق نفع عام:
    ينبغي أن تصدر النفقات العامة مستهدفة بالأساس إشباع الحاجات العامة، وتحقيق الصالح العام، فالنفقات التي لا تشبع حاجة عامة ولا تعود بالنفع العام على الأفراد لا يمكن اعتبارها نفقات عامة، ويستند هذا العنصر على سندين: أولهما يتلخص في أن المبرر الوحيد للنفقات العامة هو وجود حاجة عامة تقوم الدولة أو غيرها من الأشخاص العامة بإشباعها نيابة عن الأفراد ومن ثم يلزم أن يكون الهدف من النفقة العامة هو تحقيق نفع عام يتمثل في إشباع حاجة عامة، أما السند الثاني يتمثل في مبدأ المساواة بين المواطنين في تحمل الأعباء العامة، ذلك أن المساواة بين الأفراد في تحمل عبء الضرائب لا تكفي لتحقيق هذه المساواة إذا أنفقت حصيلة الضرائب في تحقيق مصالح خاصة لبعض الأفراد أو الفئات الاجتماعية دون غيرهم، إلا أن هناك صعوبة في كثير من الأحيان في معرفة ما إذا كانت حاجة ما هي من الحاجات العامة أم لا، ويرجع ذلك إلى صعوبة تحديد الحاجة العامة تحديدا موضوعيا، وأمام هذه الصعوبة فإن أمر تقدير الحاجات العامة وبالتالي المنفعة العامة متروك للسلطات السياسية، فهي التي تتولى عادة تقدير ما إذا كانت حاجة ما تعتبر حاجة عامة أم لا وذلك بموافقتها أو رفضها اعتماد المبالغ اللازمة لإشباع هذه الحاجة ضمن النفقات العامة.
    إلا أن السلطة السياسية قد تسيء استعمال حقها في تقدير الحاجات العامة وبالتالي النفقات العامة مما يستدعي وجود رقابة فعالة تضمن عدم إساءة استعمال هذا الحق عن طريق السلطة التشريعية التي تقوم عادة برقابة استخدام الإنفاق العام في تحقيق المنفعة العامة أولا من خلال اعتماد بنود النفقات العامة في الميزانية وثانيا من خلال مساءلة الحكومة أو السلطة التنفيذية عن تنفيذ الإنفاق العام في جملته وتفصيلاته، وتعمل الرقابة الإدارية ذاتها على أداء نفس الدور، ومما تقدم نخلص إلى أن النفقة العامة عبارة عن مبلغ من النقود تستخدمه الدولة أو أي شخص من أشخاص القانون العام في سبيل تحقيق المنافع العامة.

     
     
     
    المطلب الثاني: تقسيمات النفقات العامة


    تتخذ النفقات العامة صورا متعددة ومتنوعة، ويزداد هذا التنوع بتزايد وظائف الدولة وتزايد مظاهر تدخلها في الحياة العامة للمجتمع، وبما أن الأنواع المتعددة للنفقات العامة تختلف فيما بينها، سواء من ناحية مضمونها أو من ناحية أثارها الاقتصادية ونتائجها المالية، فقد وضع علماء المالية العامة تقسيمات متعددة للنفقات العامة يرتكز كل منها على وجهة نظر معينة في تحبيذ تقسيم دون آخر، وبالرغم من أن هذه لتقسيمات قد يتداخل بعضها في البعض الآخر إلا أن لها أهمية كبيرة في استظهار طبيعة الإنفاق العام وأثاره وأغراضه، مما يساعد كثيرا على إدارة الأموال العامة، ومعرفة المحللين الماليين مقدار ما يكلفه كل نوع من أنواع نشاط الدولة على حدة، ومن ثم تتبع تطور هذه النفقات من فترة إلى أخرى بالإضافة إلى تمكين السلطة التشريعية والرأي العام من إجراء رقابة فعالة على الجانب المالي لنشاط الدولة ويمكن تقسيم النفقات العامة من حيث طبيعتها الاقتصادية وهي ما تعرف بالتقسيمات الاقتصادية أو بالتقسيمات العلمية، كما يمكن أن تقسم إلى تلك الأقسام التي تعتمد عليها الميزانيات وهي ما تعرف بالتقسيمات الوضعية.
    العنصر الأول: التقسيمات الاقتصادية أو العلمية للنفقات العامة
    يقصد بالتقسيمات الاقتصادية للنفقات العامة تلك التقسيمات التي تقوم على معايير اقتصادية، وذلك بهدف معرفة آثار النفقات العامة على الحياة الاقتصادية للجماعة، وكذلك الآثار التي تتركز على بعض القطاعات أو الأنشطة الاقتصادية.
    ولقد جرت الكتابات المالية والاقتصادية على إجراء عدة تقسيمات اقتصادية للنفقات العامة أهمها:
    أولا: تقسيم النفقات العامة حسب الوظائف الأساسية التي تقوم بها الدولة
    يقوم هذا التقسيم في جوهره على فكرة مبسطة مؤداها تجميع كل مجموعة من الخدمات ذات الطبيعة الواحدة تبعا للوظائف الأساسية التي تؤديها الدولة، ووفقا لهذا التقسيم يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع مختلفة للنفقات العامة تبعا للوظائف الأساسية للدولة وهي: الوظيفة الإدارية، والوظيفة الاجتماعية، والوظيفة الاقتصادية.
    1-النفقات الإدارية: وهي النفقات المتعلقة بسير المرافق العامة واللازمة لقيام الدولة وهي تشتمل على نفقات الإدارة العامة والدفاع والأمن والعدالة والتمثيل السياسي، وأهم بنود هذا النوع من النفقات هي نفقات الدفاع الوطني.
    2-النفقات الاجتماعية: وهي التي تـنصرف إلى تحقيق آثار اجتماعية معينة بين الأفراد وذلك عن طريق تحقيق قدر من الثقافة والتعليم والرعاية الصحية للأفراد، بالإضافة إلى تحقيق قدر من التضامن الاجتماعي عن طريق مساعدة بعض الفئات التي توجد في ظروف اجتماعية تستدعي المساندة (تقديم المساعدات والإعانات لذوي الدخل المحدود، والعاطلين عن العمل …الخ) وأهم بنود هذه النفقات تلك المتعلقة بمرافق التعليم، الصحة، والثقافة العامة، والإسكان.
    3-النفقات الاقتصادية: وهي النفقات التي تتعلق بقيام الدولة بخدمات عامة تحقيقا لأهداف اقتصادية كالاستثمارات الهادفة إلى خدمة إلى تزويد الاقتصاد القومي بخدمات أساسية كالنقل والمواصلات، ومحطات توليد القوى الكهربائية، والري والصرف، إلى جانب تقديم الإعانات الاقتصادية للمشروعات العمة والخاصة.
    والتقسيمات السابقة للنفقات العامة فهي على سبيل المثال لا الحصر، لأنه يمكن الإمعان في كل تقسيم من بينها والوصول إلى تعدد أنواع النفقات العامة وتفضيلها على نحو أكبر، وذلك بتقسيم كل نوع من الأنواع المتقدمة إلى عدة أنواع تبعا لتعدد الأغراض التي تدخل في كل تقسيم منها.
    ثانيا: النفقات الحقيقية والنفقات التحويلية
    1-النفقات الحقيقية أو الفعلية: ويقصد بها تلك النفقات التي تصرفها الدولة في مقابل الحصول على سلع وخدمات أو رؤوس أموال إنتاجية كالمرتبات وأثمان التوريدات والمهمات اللازمة لسير المرافق العامة، سواء التقليدية أو الحديثة التي اقتضاها تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والنفقات الاستثمارية أو الرأسمالية.
    فالنفقات العامة هنا تؤدي إلى حصول الدولة على مقابل للإنفاق (عمل، خدمة أو سلعة)، كما تؤدي إلى خلق دخول جديدة يجب إضافتها إلى باقي الدخول المكونة للدخل القومي.
    2-النفقات التحويلية أو الناقلة: فيقصد بها تلك النفقات التي لا يترتب عليها حصول الدولة على سلع وخدمات ورؤوس أموال، إنما تمثل تحويل لجزء من الدخل القومي عن طريق الدولة من بعض الفئات الاجتماعية كبيرة الدخل إلى بعض الفئات الأخرى محدودة الدخل، والمثال على ذلك الإعانات والمساعدات الاجتماعية المختلفة: كالضمان الاجتماعي والإعانات ضد البطالة والشيخوخة وإعانات غلاء المعيشة، والإعانات الاقتصادية التي تمنحها الدولة لبعض المشروعات الخاصة بقصد حملها على تخفيض أسعار منتجاتها، وتستهدف الدولة من هذه النفقات إعادة توزيع الدخل ولو بصورة جزئية لمصلحة الطبقة الفقيرة، ومن الواضح أن النفقات التحويلية لا تؤدي إلى زيادة الدخل القومي بشكل مباشر دون أن تضيف إليه شيئا، فهي بمثابة إجراءات لتحويل الدخول من فئات اجتماعية معينة إلى فئات أخرى.
    ثالثا: النفقات العادية والنفقات غير العادية
    فالنفقات العادية يقصد بها تلك النفقات التي تتكرر كل سنة بصفة منتظمة في ميزانية الدولة كمرتبات الموظفين، وتكاليف صيانة المباني والأجهزة العامة ونفقات التعليم والصحة العامة ونفقات تحصيل الضرائب وغيرها من النفقات التي تظهر بصفة دورية منتظمة في الميزانية، ولا يعني هذا أن كمية أو حجم هذه النفقات يجب ألا يتغير من ميزانية إلى أخرى حتى توصف بالعادية، بل يكفي أن تتكرر بنوعها في كل ميزانية حتى ولو اختلف مقدارها من وقت لآخر حتى تعتبر نفقات عادية.
    أما النفقات غير العادية فهي تلك النفقات التي لا تتكرر كل سنة بصفة منتظمة في الميزانية، بل تدعو إلى الحاجة إليها في فترات متباعدة تزيد عن السنة أي تأتي بصفة استثنائية لمواجهة ظروف اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية معينة في وقت محدد وكمثال على ذلك النفقات الحربية، ونفقات إصلاح الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات ونفقات إنشاء السدود والخزانات ومد خطوط السكك الحديدية وتعبيد الطرق وتأسيس الأساطيل التجارية وغيرها.
    ولهذا التقسيم فائدته وخطره، وتتمثل فائدته في التكرار الدوري للنفقات العادية مما يمكن الحكومة من تقديرها تقديرا يكون قريبا من الصحة، وتدبير الأموال اللازمة لسدادها من الإيرادات العادية وأهمها الضرائب، أما النفقات غير العادية وباعتبارها تحدث بصفة عرضية واستثنائية فإن سدادها يكون عادة من إيرادات غير عادية كالقروض العامة والإصدار النقدي الجديد، أما خطره فيكمن في لجوء الحكومة كلما تحقق عجز في الميزانية إلى عقد قروض عامة بدعوى إجراء نفقات غير عادية عندما لا تكفي لتغطيتها مواردها العادية وتخصيص ميزانية غير عادية لذلك.
    وأمام الملاحظات والانتقادات الموجهة لتقسيم النفقات إلى عادية وغير عادية، فقد اتجه الفكر المالي الحديث إلى التمييز بين نوعين من النفقات العامة: النفقات التسييرية وهي تلك النفقات اللازمة لتسيير المرافق العامة كالمرتبات ونفقات الصيانة وغيرها، والنفقات الرأسمالية أو الاستثمارية ويقصد بها تلك النفقات التي تخصص لتكوين رؤوس الأموال العينية في المجتمع كنفقات إنشاء المشروعـات الجديدة من طرق وغيرها.
    رابعا: النفقات القومية والنفقات المحلية
    إن تقسيم النفقات العامة إلى نفقات قومية ونفقات محلية يعتمد على معيار نطاق سريان النفقة العامة ومدى استفادة أفراد المجتمع كافة أو سكان إقليم معين داخل الدولة من النفقة العامة، وتكون النفقة قومية أو مركزية إذا وردت في ميزانية الدولة وتتولى الحكومة المركزية القيام بها مثل نفقة الدفاع والعدالة والأمن.
    أما النفقات المحلية أو الإقليمية وهي النفقات التي تقوم بها الولايات أو ما يسمى بمجالس الحكم المحلي كمجالس الولايات والمدن والقرى والتي ترد في ميزانيات هذه الهيئات، وتخدم بالأساس احتياجات هيئة محلية معينة مثل الانفاق على توصيل مياه الشرب والكهرباء للإقليم.
    وتختلف اتجاهات الدول اختلافا بينا فيما يتعلق بتوزيع المرافق المختلفة، وبالتالي النفقات العامة بين الدولة والهيئات المحلية كما تختلف هذه الاتجاهات في الدولة نفسها من زمن إلى آخر، ويرجع هذا الاختلاف إلى الظروف التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بكل دولة في كل زمن معين.
    العنصر الثاني: التقسيمات الوضعية للنفقات العامة
    تعتمد التقسيمات العلمية للنفقات العامة على معايير اقتصادية ونظرية، مع تبيان أنواع النفقات العامة من الناحية العلمية، طبقا لتلك المعايير المتخذة (المعتمدة) كأساس للتقسيم.
    أما التقسيمات الوضعية للنفقات العامة، فهي تلك التي تتبناها الميزانيات العامة للدول المختلفة استنادا إلى الاعتبارات الواقعية أو العملية، وخاصة الاعتبارات الإدارية والوظيفية التي تدعو في الغالب إلى عدم الالتزام بالتقسيم العلمي للنفقة.
    ويهتم التقسيم الإداري للنفقات العامة بتوزيع النفقات العامة تبعا للهيئات الإدارية التي تقوم بها، وبغض النظر عن أوجه النشاط والوظائف التي تقوم بها هذه الهيئات، وقد أخذ على التقسيم الإداري صفته الإدارية البحتة وعدم اهتمامه بتجميع النفقات حسب موضوعها.
    أما التقسيم الوظيفي فهو يهتم بتقسيم النفقات العامة حسب الوظائف التي تقوم بها الدولة دون الاهتمام بطبيعة النفقة، وهذه الطريقة تسمح بجمع كافة النفقات التي تهدف إلى تحقيق نفس الغرض في قسم واحد حتى ولو كانت موزعة على عدة وزارات او مصالح، ويتميز هذا التقسيم في كونه لا ينظر إلى مشتريات الدولة في حد ذاتها وإنما ينظر إليها في نطاق الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه من ورائها.
    ويلاحظ بأن التقسيم الوظيفي هو الصورة الغالبة في الوقت الحاضر في ميزانيات الدولة المختلفة.
    وعادة ما يتداخل التقسيم الإداري مع التقسيم الوظيفي، فبعد أن توزع النفقات ب




    ويقوم التقسيم الاقتصادي على توزيع النفقات العامة حسب العملية وحسب القطاع الذي يقوم بها، فالعمليات تقسم إلى عمليات رأسمالية وعمليات جارية، وفي داخل هاتين المجموعتين يمكن توزيع النفقات إلى مجموعات فرعية، أما التقسيم حسب القطاع فيتم على أساس تقسيم الاقتصاد القومي إلى قطاعات يضم كل قطاع منها أقساما فرعية.
    تتعرض التقسيمات الوضعية للنفقة العامة داخل الميزانية للأسس التي تعرضها التقسيمات العلمية في بيان أنواع النفقات، وعليه فالتقسيمات الوضعية لا تكون بعيدة تماما عن التقسيمات العلمية وإنما قد تتخذها كأساس، وإن اختلفت طريقة التقسيم نتيجة للضرورات العملية.

     
    المبحث الثاني: حجم النفقات العامة


    إن دراسة حجم النفقات لعامة تلقي اهتماما بالغا من طرف علماء المالية العامة سواء ناحية تبيان: أولا: الضوابط التي تحكم سلوك الدولة أو الهيئات العامة وهي بصدد إجراء نفقاتها العامة، وثانيا: حدود النفقات العامة والعوامل المؤثرة على حجمها بالزيادة أو النقصان، وثالثا دراسة الأسباب المفسرة لظاهرة تزايد النفقات العامة، وسندرس هذه الموضوعات في ثلاث مطالب مترابطة.

     
    المطلب الأول: ضوابط الإنفاق العام


    إن سلامة مالية الدولة تقتضي التزام مختلف الوحدات المكونة للاقتصاد العام عند قيامها بالإنفاق العام باحترام بعض المبادئ أو الضوابط، وحتى يحقق هذا الإنفاق آثاره المنشودة من إشباع الحاجات العامة، يجب أن تستهدف النفقات العامة تحقيق أكبر قدر من المنفعة القصوى للمجتمع من ناحية، وأن يتم هذا عن طريق الاقتصاد في النفقات العامة من ناحية أخرى، ويتم التحقق من توافر الضابطين السابقين بواسطة أساليب الرقابة المختلفة.
    1/-ضابط المنفعة (أي تحقيق أكبر قدر من المنفعة للمجتمع):
    إن تحقيق أكبر قدر من المنفعة يعني بالدرجة الأولى ألا توجه النفقة العامة لتحقيق المصالح الخاصة لبعض الأفراد أو لبعض فئات المجتمع دون البعض الآخر نظرا لما يتمتعون به من نفوذ سياسي أو اجتماعي، ويمارس هذا النفوذ عادة في هيئة ما يسمى بجماعات الضغط وما تحدثه هذه الجماعات من آثار ضارة بسبب الأساليب والضغوط المختلفة التي تمارسها في المجتمع.
    كما يعني أيضا أن ينظر إلى المرافق والمشروعات العامة نظرة إجمالية شاملة لتقدير احتياجات كل مرفق وكل وجه من أوجه الإنفاق في ضوء احتياجات المرافق والمشروعات وأوجه الإنفاق الأخرى.
    ويستوجب تحقيق أكبر قدر من المنفعة أن توزع مبالغ النفقات العامة بحيث تكون المنفعة المترتبة على النفقة الحدية في كل وجه من وجوه الإنفاق مساوية للمنفعة المترتبة على النفقة الحدية في كل الوجوه الأخرى من جهة، وأن تكون المنفعة المترتبة على النفقة الحدية في كافة وجوه الإنفاق مجتمعة مساوية للمنفعة المترتبة على النفقة الحدية للدخل المتبقي في يد الأفراد بعد دفع التكاليف العامة كالضرائب من جهة أخرى، وهذا تطبيق لقاعدة توازن المستهلك.
    وفي حقيقة الأمر أنه من الصعوبة بمكان إخضاع المنفعة التي تعود على المجتمع من الإنفاق العام لمقياس واضح منضبط، حيث أن للنفقات العامة آثار متعددة: ظاهرة وغير ظاهرة، اقتصادية وغير اقتصادية، مباشرة وغير مباشرة، حاضرة ومستقبلية، مما يتعذر معه قياس هذه المنفعة أو تقديرها على وجه الدقة فالنفقات الحربية ونفقات التعليم والجزء الأكبر من النفقات التحويلية، إذا لا يمكن قياس المنفعة التي تترتب عليها بالتدقيق كما هو ظاهر.
    وفي الواقع أن تقرير ما إذا كان وجه معين من وجوه الإنفاق يترتب عليه تحقيق نفع عام أم لا إنما يعود للسلطة السياسية في الدولة، وبهذا يعتبر القرار المتضمن للإنفاق العام في وجه معين دون غيره بمثابة تفضيل للنفع المتحقق منه دون النفع الذي يتحقق من غيره، وهذا تفصيل سياسي بطبيعة الحال.
    ولا شك أنم معرفة مبلغ الإنفاق العام الذي ينفق على وجه معين له فائدته، حتى لو استحال قياس المنفعة التي تعود على المجتمع منه، وتتمثل هذه الفائدة في إفساح المجال أمام الرأي العام والسلطة التشريعية لمراقبة الحكومة وهي بصدد توزيع مبالغ النفقات العامة بين وجوه الإنفاق المختلفة.
    2/-ضابط الاقتصاد في الإنفاق (ضغط النفقات العامة):
    يعتبر الاقتصاد في الإنفاق شرطا ضروريا لأعمال ضابط المنفعة السابق ذكره، فمن البديهي أن المنفعة الجماعية القصوى الناجمة على النفقة لا تتصور إلا إذا كان تحققها ناتجا من استخدام أقل نفقة ممكنة، وعليه يتعين على سائر الهيئات والمشروعات العامة في الدولة مراعاة الاقتصاد في إنفاقها، والاقتصاد في الإنفاق لا يقصد به الحد من الإنفاق والتقليل منه إذا كانت هناك أسباب ضرورية تبرره، ولكن يقصد به حسن التدبير ومحاربة الإسراف والتبذير والعمل على تحقيق أكبر عائد بأقل تكلفة ممكنة، وفي الواقع أن التبذير أو الإسراف وهو ما يطلق عليه "التسبيب المالي" يؤدي إلى ضياع مبالغ مالية في وجوه غير مجدية كان من الممكن توجيهها إلى غيرها من الوجوه المفيدة، أو تركها في يد الأفراد لاستغلالها في مجالات أكثر فائدة.
    ومن جهة أخرى فإن التبذير يضعف الثقة في الإدارة المالية للدولة ويبرر التهرب من دفع الضرائب في نظر المكلفين بدفعها، ومظاهر التبذير الحكومي متعددة ويمكن أن تحدث في شتى مجالات الإنفاق العام، وعلى الأخص في الدول النامية ومن أمثلتها مايلي:
    -استخدام عدد كبير من الموظفين أو العمال في الوزارات والمصالح الحكومية يزيد عن الحد اللازم تماما لحسن سير تلك المرافق.
    -الاهتمام بتشييد المباني الضخمة والتأثيث الفاخر لدور الحكومة والمرافق العامة.
    -استئجار المباني والسيارات بدلا من شرائها.
    -إسراف وتبذير في الاستهلاك العام مثل: مصروفات الإضاءة والمياه والتليفونات التي تدفعها الدولة دون استخدامها أو لزومها بالفعل لأداء النشاط العام وتحقيق النفع العام.
    -كميات الأوراق والملفات المكلفة للدولة نفقات باهظة دون استخدامها كلها في الأعمال العامة.
    -استغلال الوظيفة العامة في أخذ ماهو حق الجماعة بأسرها للانتفاع به نفعا خاصا بدون وجه حق.
    ولهذا فإن الحاجة تدعو إلى ضبط النفقات العامة للدولة في مختلف قطاعات الاقتصاد القومي على أساس مراعاة الحاجات الحقيقية الفعلية، بحيث لا تتحمل الدولة نفقات عامة إلا إذا كانت أساسية وضرورية تماما، بالقدر اللازم فقط لتحقيق المنافع الجماعية العامة.
    3/-تقنين النشاط المالي والإنفاق للدولة وأحكام الرقابة على النفقات العامة:
    ففيما يتعلق بتقنين القواعد الإجرائية للإنفاق العام، فإن القوانين المالية في الدولة تنظم كل ما يتعلق بصرف النفقات العامة أو إجراءها فتحدد السلطة التي تأذن بالإنفاق وتوضح خطوات الصرف والإجراءات اللازمة بالنسبة لكل منها حتى تؤدي النفقة العامة في موضعها وينجم عنها فعلا النفع العام الذي تستهدفه، وعليه فإن تقنين النشاط المالي والإنفاقي للدولة يقتضي أن تكون نفقاتها العامة مستوفية لإجراءات تحقيقها وصياغتها وتنفيذها على النحو المبين في الميزانية والقوانين واللوائح والقرارات المالية الأخرى.
    أما الرقابة على الإنفاق العام فهي تأخذ أشكالا ثلاثة:
    1-رقابة إدارية:
    وهي رقابة تقوم بها في العادة وزارة المالية (أو الخزانة) عن طريق موظفيها العاملين في مختلف الوزارات والهيئات العامة ومهمتهم الأساسية هي عدم السماح بصرف أي مبلغ إلا إذا كان في وجه وارد في الميزانية وفي حدود الاعتماد المقرر له، وهذه رقابة سابقة على الإنفاق.
    2-رقابة محاسبية مستقلة:
    ومهمتها التأكد من أن جميع عمليات الإنفاق قد تمت على الوجه القانوني وفي حدود قانون الميزانية والقواعد المالية السارية، وهذا النوع من الرقابة قد تكون سابقة للصرف أو لاحقة عليه.
    3-رقابة برلمانية:
    وتتولاها السلطة التشريعية بمالها من حق السؤال والاستجواب والتحقيق البرلماني وسحب الثقة من الوزير أو من الوزارة كلها، وتظهر هذه الرقابة بصورة واضحة عند اعتماد الميزانية، وعند اعتماد الحساب الختامي أمام البرلمان.

     
    المطلب الثاني: حدود النفقات العامة


    فالنفقات العامة عبارة عن مبالغ نقدية تقتطعها الدولة من الدخل القومي لتقوم هي بإنفاقها قصد إشباع الحاجات العامة، والسؤال المطروح هنا يدور حول ما إذا كانت هناك نسبة معينة من الدخل القومي لا يحق للدولة تجاوزها وهي بصدد تحديد النفقات العامة أو بمعنى آخر: هل للنفقات العامة حدود لا يصح للدولة تعديها أو حجما لا يجوز أن تزيد عليه، وقد حدد بعض الاقتصاديين والماليين التقليديين نسبا معينة من الدخل القومي تتراوح ما بين 10% و 15% وأنه لا يصح للدولة تجاوز هذه النسب، إلا أن ما يؤخذ على هذا المنطق جمود النسبة التي يحددها وتجاهله للظروف الاقتصادية والمالية التي تميز الاقتصاد القومي عن غيره من الاقتصاديات القومية والتي تختلف من فترة لأخرى في نفس الدولة.
    وفي الواقع أن تحديد حجم الإنفاق العام أو حدوده في مكان وزمان معينين إنما يتوقف على مجموعة من العوامل أهمها: العوامل المذهبية والاقتصادية والمالية.
    1-العوامل المذهبية:
    إن تحديد ما يعتبر حاجة عامة، وقيام الدولة بإشباعها عن طريق الإنفاق العام، يخضع للفلسفة المذهبية أو الإيديولوجية السائدة في الدولة: فردية أو تدخلية أو جماعية.
    أ-ففي ظل الإيديولوجية الفردية: فالفلسفة السائدة هي ترك الأفراد أحرار في إقامة وتنظيم علاقات الإنتاج والتوزيع فيما بينهم وهي الوسيلة المثلى لتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي حيث يقتصر دور الدولة على القيام بمهام الدولة الحارسة أي الوظائف التقليدية بالإضافة إلى القيام ببعض الأنشطة الاقتصادية التي لا يقدم عليها النشاط الخاص، إما لضخامة نفقاتها كالسدود والخزانات، أو لعدم ربحيتها كالطرق والخدمات التعليمية …الخ، ويتحدد حجم النفقات العامة بالنسبة إلى الدخل القومي في ظل هذه الأيديولوجية بالقدر الضروري للقيام بتلك الوظائف مما يترتب عليه أن يقل حجم النفقات العامة ونسبتها إلى الدخل القومي من جهة، وأن تقل أنواعها من جهة أخرى.
    ب-أما في ظل الأيديولوجية التدخلية: فالفلسفة السائدة هي ضرورة تدخل الدولة في بعض ميادين النشاط الاقتصادي والاجتماعي تاركة الأفراد أحرارا في ممارسة البعض الآخر، فإن دور النفقات العامة يزداد أهمية عن ذي قبل، فبالإضافة إلى وظائف الدولة التقليدية فهي تقوم بوظائف اقتصادية تتمثل في استغلالها لبعض المشروعات الإنتاجية، ومحاربة الآثار الضارة للدورات الاقتصادية، والعمل على ثبات قيمة النقود وتنمية الاقتصاد القومي وتقديم الخدمات المجانية أو ذات الأثمان الزهيدة للطبقات ذات الدخول المحدودة وغيرها من الإجراءات الهادفة إلى تقليص الفوارق بين الطبقات.
    ج-وفي ظل الأيديولوجية الجماعية أو الدولة المنتجة حيث تمتلك الجماعة كل أو معظم أدوات الإنتاج، وتقوم الدولة نيابة عنها القيام بكافة وجوه النشاط الإنتاجي إلى جانب قيامها بالوظائف التقليدية، فإن دور النفقات العامة تزداد أهمية إلى أقصى حد، فالاقتصاد هنا ليس حرا وإنما تسيطر عليه الدولة وهي التي تقوم بعمليات الإنتاج والتوزيع كلها أو معظمها، وتعتبر كافة النفقات الاقتصادية على اختلاف أنواعها والخاصة بالوحدات الإنتاجية نفقات عامة، زيادة على النفقات الاجتماعية التي تهدف الدولة من ورائها توفير بعض الحاجات الأساسية لكافة المواطنين بأسعار تقل كثيرا عن تكلفتها الحقيقية، ويؤدي هذا الوضع بطبيعة الحال إلى زيادة حجم النفقات العامة وارتفاع نسبتها إلى الدخل القومي إلى اكبر حد مع تعدد وتنوع هذه النفقات بحسب حاجات الأفراد وحاجات الدولة ذاتها.
    بالإضافة إلى العوامل المذهبية السابقة والتي يبدو من خلالها مدى تأثر الإنفاق العام من خلال ما تؤديه الدولة من أدوار اقتصادية واجتماعية في ظل نظام اقتصادي وسياسي معين، فإن حجم النفقات العامة يتأثر أيضا بطبيعة البنيان الاقتصادي، أي تبعا لدرجة التقدم والتخلف، فعادة ما يزداد هذا الحجم في الدول المتقدمة مقارنة بالدول المتخلفة.
    2-العوامل الاقتصادية:
    يتأثر حجم النفقات العامة وحدودها بالظروف الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد القومي وخاصة في فترات الرخاء والكساد التي تتعاقب على الاقتصاديات الرأسمالية، وتحت تأثير الأفكار الكينزية تلجأ الدول إلى زيادة نفقاتها العامة في أوقات الكساد لإحداث زيادة في الطلب الكلي الفعلي والوصول بالاقتصاد القومي إلى مستوى التشغيل الكامل، ويحدث العكس في أوقات الرخاء لتفادي الارتفاع التضخمي وتدهور قيمة النقود نظرا لوصول الاقتصاد القومي إلى حالة التشغيل الكامل.
    أما في الاقتصاديات النامية التي تتميز بعدم مرونة جهازها الإنتاجي أو بمعنى آخر عدم استجابة بعض عوامل الإنتاج للزيادة في الطلب وذلك بسبب عدم وجود الموارد لاقتصادية اللازمة، أو عدم كفايتها، ولوجود نقص عنصر العمل الفني ورؤوس الأموال مما يجعل عرضها غير مرن ويحيل بعض قطاعات الاقتصاد القومي الحيوية إلى أوضاع تمثل نقط اختناق تشبه عنق الزجاجة تحد من نمو الإنتاج، وعليه يتحتم ألا تزيد النفقات العامة عن حد معين، لأنه بعد هذا الحد سوف ترتفع الأسعار وتتدهور قيمة النقود.
    3-العوامل المالية:
    يتحدد حجم النفقات العامة في الدولة بناء على مدى قدرتها المالية في الحصول على الإيرادات التي تضمن تغطية هذه النفقات، وعادة ما تتمتع الدولة في تدبير موارد ماليتها العامة بمقدرة أوسع مما يتمتع بها الأفراد في تدبير ما يلزم لتمويل ماليتهم الخاصة، إذ لا يمكن في المدى الطويل تجاوز النفقات لحد معين بزيادة النفقات العامة عن الإيرادات العامة، أي أنه على الرغم من مرونة موارد الدولة وقابليتها للزيادة، فإن لهذه الزيادة حدودا، وهو ما يعرف بالمقدرة المالية القومية.
    ويقصد بالمقدرة المالية القومية: قدرة الاقتصاد القومي (أي الدخل القومي) على تحمل الأعباء العامة بمختلف أشكالها وصورها من: الضرائب، والقروض، والإصدار النقدي الجديد دون الإضرار بمستوى معيشة الأفراد أو بالمقدرة الإنتاجية القومية.
    وتتمثل الطاقة الضريبية أهم عناصر المقدرة المالية القومية، ويقصد بالطاقة الضريبية القومية أو ما يعرف بالمقدرة التكليفية القومية أي قدرة الدخل القومي على تحمل الأعباء الضريبية أو بمعنى آخر تمويل تيارات الإيرادات العامة عن طريق الضرائب.

     
    المطلب الثالث: ظاهرة تزايد النفقات العامة


    إن ظاهرة اتجاه النفقات العامة إلى الزيادة والتنوع عاما بعد عام أصبحت من الظواهر المعروفة بالنسبة لمالية الدولة وبمختلف الدول وذلك نتيجة تطور دور الدولة وازدياد درجة تدخلها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وقد خلص الاقتصاديون اعتمادا على استقراء الإحصاءات في مختلف الدول إلى أن جعلوا هذه الظاهرة قانونا عاما من قوانين التطور الاقتصادي والاجتماعي.
    ويعتبر العالم الألماني قاجنر wagner أول من لفت الأنظار إلى قانون زيادة النفقات العامة، بعد أن درس حجم النفقات العامة للعديد من الدول الأوروبية في القرن التاسع عشر، ويفسر قاجنر تلك الزيادة بسنة التطور، فالدولة تنمو وتتطور وتزداد التزاماتها مع اتساع دائرة تدخلها لخدمة الأفراد ومن ثم فإن نفقاتها تزداد تبعا لذلك.
    وبالرجوع إلى البيانات الإحصائية الخاصة بتطور الإنفاق العام في العديد من الدول بعد الحرب العالمية الثانية تظهر بوضوح اتجاه النفقات العامة إلى التزايد بإطراد بغض النظر عن درجة النمو الاقتصادي والفلسفة المذهبية السائدة فيها.
    وتجدر الإشارة إلى أن حجم الدخل القومي هو الآخر قد زاد في مختلف الدول إلا أن نسبة الزيادة في الإنفاق العام تجاوزت بكثير نسبة الزيادة في الدخل القومي.
    وقبل بحث أسباب التزايد الحقيقي أو الظاهري للنفقات العامة يجب الإشارة إلى أنه لا يترتب على زيادة النفقات العامة أن يثقل عبء التكاليف العامة كالضرائب على الأفراد بنفس معدل زيادة النفقات، وذلك حتى مع ازدياد أنواع الضرائب المختلفة ورفع أسعارها لمواجهة الزيادة في النفقات العامة بمعدل أكبر من زيادة الدخل القومي، ويرجع هذا إلى إحساس الفرد بعبء التكاليف العامة يخف بسبب ارتفاع الدخل من ناحية واتجاه الدول الديمقراطية إلى زيادة أعباء الضرائب بوسائل مختلفة على الطبقات ذات الدخل المرتفع والتي تنقص المنفعة الحدية لدخولها كثيرا عن المنفعة الحدية للطبقات الأخرى ذات الدخل المحدود من ناحية أخرى، ويؤدي هذا إلى عدم زيادة عبء التكاليف العامة حتى مع زيادة نسبة النفقات العامة إلى الدخل القومي.
    ونتناول فيمايلي أسباب تزايد النفقات العامة والمتمثلة في:
    أولا: أسباب التزايد الحقيقي للنفقات العامة:
    يقصد بالزيادة الحقيقية للنفقات العامة زيادة المنفعة الحقيقية المترتبة على هذه النفقات وزيادة عبء التكاليف العامة بنسبة ما، كما تشير إلى ازدياد تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.
    إن الزيادة الحقيقية للنفقات العامة في شتى الدول في السنوات الماضية يشير إلى الزيادة المطردة في حجم النفقات والتي ترجع إلى أسباب متعددة تختلف باختلاف مستوى التطور في كل دولة من الدول وهي: أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية وإدارية ومالية بالإضافة إلى أسباب حربية.
    1-الأسباب الاقتصادية:
    إن من أهم الأسباب الاقتصادية المفسرة لظاهرة التزايد في النفقات العامة زيادة الدخل القومي والتوسع في المشروعات العامة وعلاج التقلبات التي تطرأ على النشاط الاقتصادي (خاصة في حالة الكساد)، فزيادة الدخل القومي تسمح للدولة في العصر الحديث من الزيادة في مقدار ما تقتطعه منه في صورة تكاليف أو أعباء عامة من ضرائب ورسوم وغيرها، حتى ولو لم تزاد أنواع الضرائب المقررة أو يرتفع سعرها وعادة ما تحفز هذه الموارد المتاحة الدولة على زيادة إنفاقها على مختلف الوجوه.
    كما يؤدي التوسع في إقامة المشروعات العامة الاقتصادية إلى زيادة النفقات العامة، وتسعى الدولة من قيامها بهذه المشروعات:
    أ-الحصول على موارد لخزانة الدولة.
    ب-التعجيل بالتنمية الاقتصادية.
    ج-محاربة الاحتكار.
    وبصفة عامة توجيه النشاط الاقتصادي وجهة معينة بحسب الأيديولوجية السائدة في الدولة.
    ومن جهة أخرى فإن محاربة الكساد وأثاره الضارة يحتم على الدولة القيام بالمزيد من الإنفاق بهدف زيادة مستوى الطلب الكلي الفعلي إلى المستوى الذي يسمح بتحقيق التشغيل الكامل وذلك في حدود الطاقة الإنتاجية للاقتصاد القومي، وهذه السياسة وإن كانت تصلح في البلدان المتقدمة، فإنها تكون غير صالحة في حالة البلدان النامية.
    وأخيرا فالتنافس الاقتصادي الدولي مهما كانت أسبابه فهو يؤدي إلى زيادة النفقات العامة، سواء في صورة إعانات اقتصادية للمشروعات الوطنية لتشجيعها على التصدير ومنافسة المشروعات الأجنبية في الأسواق الدولية، أو في صورة إعانات للإنتاج لتمكين المشروعات الوطنية من الصمود والوقوف في وجه المنافسة الأجنبية في الأسواق الوطنية.
    2-الأسباب الاجتماعية:
    فقد أدى ميل السكان في العصر الحديث إلى التركز في المدن والمراكز الصناعية إلى زيادة النفقات العامة المخصصة للخدمات التعليمية والصحية والثقافية والخاصة بالنقل والمواصلات والمياه والغاز والكهرباء …الخ، ويرجع ذلك إلى أن متطلبات وحاجات سكان المدن أكبر وأعقد من حاجات سكان الريف كما هو معلوم، كما أدى انتشار التعليم إلى تعزيز فكرة الوعي الاجتماعي فأصبح الأفراد يتطلبون من الدولة القيام بوظائف لم تعرفها في العصور السابقة، كتأمين الأفراد ضد البطالة والفقر والمرض والعجز والشيخوخة وغيرها من أسباب عدم القدرة على الكسب، وقد نتج عن منح الدولة لهذه الإعانات وتقديم للعديد من الخدمات الاجتماعية إلى زيادة النفقات العامة وبصفة خاصة النفقات التحويلية.
    3-الأسباب السياسية:
    إن انتشار المبادئ الديمقراطية ترتب عنها اهتمام الدولة بحالة الطبقات محدودة الدخل، والقيام بالكثير من الخدمات الضرورية لها، وكثيرا ما يدفع النظام الحزبي الحزب الحاكم إلى الإكثار من المشروعات الاجتماعية قصد إرضاء الناخبين وإلى الإفراط في تعيين الموظفين مكافأة لأنصاره وينجم عن هذا كله بطبيعة الحال تزايد في النفقات العامة.
    كما يؤدي تقرير مبدأ مسؤولية الدولة أمام القضاء إلى زيادة الإنفاق الحكومي لمواجهة ما قد يحكم به على الدولة من تعويضات وغيرها.
    ومن جهة أخرى إن اتساع نطاق التمثيل الدبلوماسي لكثرة عدد الدول المستقلة وزيادة أهميته في العصر الحديث، إلى جانب ظهور منظمات دولية متخصصة وغير متخصصة ومنظمات إقليمية متعددة قد أدى إلى زيادة الإنفاق العام على هذا المرفق الحيوي.
    4-الأسباب الإدارية:
    مما لا شك فيه أن سوء التنظيم الإداري وعدم مواكبته لتطور المجتمع الاقتصادي والاجتماعي والعلمي، والإسراف في عدد الموظفين وزيادتهم عن حاجة العمل والإسراف في ملحقات الوظائف العامة من سعاة وأثاث وسيارات …الخ يؤدي إلى زيادة الإنفاق الحكومي، وهذه الزيادة في النفقات العامة حقيقية لأنها تؤدي إلى زيادة عبء التكاليف العامة على المواطنين، وإن كانت تمثل زيادة غير منتجة إنتاجا مباشرا لأنه لا يترتب عليها زيادة في القيمة الحقيقية للنفع العام، وهي في حقيقتها أقرب ما تكون إلى النفقات التحويلية منها إلى النفقات الفعلية (الحقيقية).
    5-الأسباب المالية:
    إن سهولة الافتراض في الوقت الحاضر أدى بالدولة إلى كثرة الالتجاء إلى عقد قروض عامة للحصول على موارد للخزانة العامة مما يسمح للحكومة بزيادة الإنفاق وخاصة على الشؤون الحربية، وهذا فضلا عما يترتب على خدمة الدين من دفع لأقساطه وفوائده من الزيادة في النفقات العامة.
    وفي حالة وجود فائض في الإيرادات أو مال احتياطي غير مخصص لهدف معين فإن ذلك يؤدي إلى إغراء الحكومة بإنفاقه في أوجه غير ضرورية، وبذلك تزداد النفقات العامة، وتبدو خطورة هذه السياسة في الأوقات التي تحتم فيها السياسة السليمة على الحكومة العمل على خفض نفقاتها، وذلك لما هو معروف من صعوبة خفض كثير من بنود الإنفاق العام.
    الأسباب الحربية:
    وهي لا تقل أهمية عن الأسباب السابقة الذكر، إن لم تكن أهمها جميعا في وقتنا الحاضر بالنظر إلى اتساع نطاق الحروب والاستعداد لها وما يترتب عن ذلك من تزايد الإنفاق العسكري في الدولة، ولا يقتصر الأمر في أوقات الحروب فقط، بل يزداد هذا الإنفاق حتى في فترات السلم، وهو ما تؤكده الظروف الراهنة الناجمة عن التوتر العالمي في كافة دول العالم، وتتفاوت الزيادة في النفقات العامة اللازمة للحرب بين مختلف الدول حسب ظروف كل دولة ومركزها السياسي والاقتصادي وسط جوانب الصراع الدولي، ويمكن التأكد من ظاهرة التزايد المستمر في النفقات الحربية إلى حجم الإنفاق العام، وذلك بالرجوع إلى تطور هذه النفقات في الميزانيات العامة لبعض الدول الكبرى، ومن الوقوف على نسب النفقات العامة إلى حجم الدخل القومي في نفس الدول.
    وتتسم فترات الحروب عامة بالتبذير الحكومي وصعوبة تحقيق الرقابة على نفقات الدولة أثناء الحرب بسبب كل من: الطبيعة السرية للإنفاق العسكري وسرعة اتخاذ القرارات الانفاقية، وانتهاء الحرب لا يعني انتهاء النفقات الحربية، إذ أنها تنخفض فقط إلى حد معين نظرا إلى أن استمرار التوتر الدولي يحتم على الدول المختلفة الاحتفاظ بقوة ضارية في حالة استعداد مستمر لمواجهة أي تهديد لسلامتها وبالتالي الدخول فيما يسمى بسباق التسلح.
    ومن جهة أخرى تزداد النفقات العامة على وجوه معينة بعد انتهاء الحرب كدفع تعويضات وإعانات ومعاشات لضحايا الحرب من قدماء المحاربين وأسر الشهداء بالإضافة إلى نفقات إعادة البناء وتعمير ما دمرته الحرب في الجهاز الإنتاجي للاقتصاد القومي إلى جانب دفع أقساط وفوائد الديون التي عقدتها الدولة أثناء الحرب لتمويل نفقاتها الحربية.
    ثانيا: أسباب التزايد الظاهري للنفقات العامة:
    ترجع الأسباب المؤدية إلى زيادة النفقات العامة بهذا المعنى إلى تدهور قيمة النقود وطريقة إعداد الميزانية والحسابات العامة وتغير مساحة إقليم الدولة وزيادة عدد سكانها في بعض الأحيان.
    1-تدهور قيمة النقود:
    إن تدهور قيمة النقود أي انخفاض قدرتها الشرائية يؤدي إلى نقص كمية السلع والخدمات التي يمكن الحصول عليها بواسطة عدد معين من الوحدات النقدية مقارنة بالكمية التي كان يمكن الحصول عليها قبل هذا التدهور، ويترجم تدهور قيمة النقود في ارتفاع المستوى العام للأسعار، وفي الواقع أن مختلف العملات النقدية قد تعرضت إلى تدهور في قيمتها خلال تطورها التاريخي، وإن كانت نسبة هذا التدهور تختلف من عملة إلى أخرى.
    ويعني تدهور قيمة النقود أن الزيادة في النفقات العامة تكون ظاهرية في جزء منها، أي لا ينتج عنها زيادة في القيمة الحقيقية للنفع المتحقق من هذه النفقات أو بمعنى آخر إن الزيادة في النفقات العامة قد تعود إلى ارتفاع الأسعار لا إلى الزيادة في كمية السلع والخدمات التي اشترتها أو أنتجتها النفقات العامة.ويعد تدهور قيمة النقود هو السبب الرئيسي في الزيادة الظاهرية في النفقات العامة في العصر الحديث.
    2-اختلاف الفن المالي:
    وهو يتعلق بإعداد الميزانية والحسابات العامة، فقد ترجع الزيادة في النفقات العامة إلى الاختلاف في الفن المالي وإلى اختلاف طرق قيد الحسابات المالية، فمن المبادئ الفنية المعروفة في إعداد الميزانية العامة للدولة، الأخذ بفكرة الميزانية الصافية أو الإجمالية، وتقوم فكرة الميزانية الصافية على ظاهرة تخصيص الإيرادات العامة، ومؤدى ذلك أن يسمح لبعض الهيئات والمؤسسات العامة مثلا أن تجري مقاصة بين إيراداتها ونفقاتها؛ بحيث تكون لها سلطة طرح نفقاتها من الإيرادات التي تقوم بتحصيلها، وبالتالي فإنه لا يظهر في الميزانية العامة للدولة إلا فائض الإيرادات على النفقات، وفكرة الميزانية الصافية كانت تتبع في الماضي، أما فكرة الميزانية الإجمالية فهي تقوم على أن كل النفقات العامة التي تنفقها المرافق والهيئات العامة تظهر في ميزانية الدولة التي تضم كافة النفقات والإيرادات العامة، وعليه فإن الأخذ بمبدأ الميزانية الإجمالية في سنة معينة، حيث تظهر كافة النفقات العامة للدولة إلى وجود قدر من الزيادة في حجم الإنفاق العام في هذه السنة مقارنة بالنسبة السابقة وتعتبر هذه الزيادة بالطبع زيادة ظاهرية بسبب تغيير القواعد المحاسبية للميزانية لا زيادة حقيقية في النفقات العامة.
    3-زيادة مساحة الدولة:
    إذا كان الإنفاق العام يتزايد لمجرد مواجهة التوسع في مساحة الدولة أو بزيادة عدد سكانها دون أن يمس الإقليم الأصلي أو السكان الأصليين فإن الزيادة في الإنفاق تكون مجرد زيادة ظاهرية، واتجاه النفقات العامة إلى التزايد في هذه الحالات يكون راجعا إلى التوسع في الخدمات العامة التي كانت تحققها الدولة من قبل، وإنما بسبب اتساع نطاق الحاجة إلى نفس أنواع الخدمات في المساحات الجديدة التي أضيفت لإقليم الدولة، أو لمواجهة حاجات السكان المتزايدون من تلك الخدمات والمنافع العامة، مما يؤدي إلى زيادة الإنفاق العام.

     
     
     
    المبحث الثالث: الآثار الاقتصادية للنفقات العامة


    لقد أدى التطور في جميع الدول إلى التوسع في الإنفاق العام بصفة مستمرة وإلى تنوعه وتغير هيكله، واستخدامه بهدف التأثير في الاقتصاد القومي وعلى كافة جوانب المجتمع سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو مالية.
    وتتوقف الآثار الاقتصادية للنفقات العامة على عدة عوامل منها: طبيعة هذه النفقات، والهدف الذي ترمي إلى تحقيقه، وطبيعة الإيرادات اللازمة لتمويلها، والوضع الاقتصادي السائد.
    لا يمكن الخوض في تفاصيل مختلف الآثار الاقتصادية لسائر أنواع النفقات العامة على الاقتصاد القومي وتحليلها تحليلا مستفيضا، إنما سنتعرض وبإيجاز لأهم الآثار بالنسبة لحجم الناتج القومي وطريقة توزيعه، وعلى حجم بعض الكميات الاقتصادية الكلية، كالاستهلاك والادخار والاستثمار، وذلك لكون أن هذه الآثار هي التي تعتمد عليها السياسة المالية الحديثة لمختلف الدول لإحداث آثار كمية وكيفية في اقتصادياتها، وينقسم هذا المبحث إلى مطلبين:

     
     
     
    المطلب الأول: أهم الآثار الاقتصادية للنفقات العامة


    تنقسم النفقات العامة تبعا لأغراضها إلى عدة أنواع مختلفة ويترتب عنها آثارا متعددة في شتى المجالات فهي تهدف إلى إشباع الحاجات الجماعية والتأثير في مختلف الكميات الاقتصادية، والتأثير في المستوى العام للأسعار، وفي توزيع الدخل القومي، وبالتالي التأثير في التوازن الاقتصادي العام، والآثار الاقتصادية للنفقات العامة قسمان: مباشر وغير مباشر.
    I-الآثار المباشرة للنفقات العامة على الإنتاج والاستهلاك القوميين:
    تقوم الدولة في العصر الحديث بنوعين رئيسيين من الوظائف في المجتمع، وظيفتها كدولة تقدم خدمات عامة للمواطنين، ووظيفتها كمنظم وتأخذ على عاتقها بعض أوجه النشاط الاقتصادي (أي الإنفاق الاستثماري) التي كانت من اختصاص الأفراد (الاقتصاد الخاص)، وعليه فالاقتصاد العام يمكن أن ينظر إليه بنظرتين: قطاع عام بالمعنى الضيق وهو ذو طابع تنظيمي وسيادي، وقطاع عام بالمعنى الواسع وهو ذو طابع إنتاجي واقتصادي، ولا شك أن لكل نوع من أنواع الإنفاق العام في هذين المجالين آثاره الاقتصادية المباشرة التي يتعين على المسؤولين عن السياسة المالية أخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ قراراتهم بشأنها.
    أ-الآثار المباشرة للنفقات العامة في الإنتاج القومي:
    لا شك أن النفقات العامة تؤثر على الإنتاج والعمالة من خلال تأثيرها في حجم الطلب الكلي الفعلي، إذ تشكل هذه النفقات جزءا هاما من هذا الطلب تزداد أهميته بزيادة تدخل الدولة في حياة الأفراد، وعلاقة النفقات العامة بحجم الطلب وأثرها عليه يتوقف على حجم النفقة ونوعها، فالنفقات الحقيقية تمثل طلبا على السلع والخدمات، أما النفقات التحويلية فأثرها يتوقف على طريقة تصرف المستفيدين بهذه النفقات.
    ومن جهة أخرى يرتبط أثر النفقة العامة في الإنتاج بمدى أثر الطلب الكلي الفعلي في حجم الإنتاج والعمالة، وهو ما يتوقف على مدى مرونة الجهاز الإنتاجي أو مستوى العمالة والتشغيل في الدول المتقدمة، وعلى درجة التنمية الاقتصادية بالبلدان النامية، وتأثير النفقات العامة على الإنتاج القومي يدعو إلى التأمل في الأنواع الرئيسية لتلك النفقات (بغض النظر عن تقسيماتها) لبيان مدى الأثر الذي تحدثه في حجم الإنتاج.
    وأول هذه الأنواع:
    1-النفقات الإنتاجية: وهذه النفقات سواء تولتها الدولة مباشرة عن طريق قيامها بالإنتاج (الدولة المنتجة) أو عملت على مد بعض المشروعات الخاصة أو العامة بها في شكل إعانات اقتصادية لتحقيق هدف اقتصادي معين، فهي تساعد بشكل عام على إنتاج السلع المادية والخدمات العامة اللازمة لإشباع الحاجات الاستهلاكية للأفراد، كما تنتج رؤوس الأموال العينية المعدة للاستثمار (أموال الاستثمار)، ويعتبر هذا الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري من النفقات المنتجة التي تؤدي إلى زيادة حجم الدخل القومي ورفع الكفاءة الإنتاجية للاقتصاد القومي.
    وقد تمنح الدولة بعض المشروعات الخاصة أو العامة وإعانات اقتصادية لتحقيق أغراض مختلفة منها التدخل في سياسة الأثمان ومحاربة التضخم في بادئ الأمر ثم تطورت وظيفة هذه الإعانات تطورا كبيرا، فالبنسبة للإعانات الاقتصادية للمشروعات الخاصة يمكن أن نميز بين نوعين أساسيين هما:
    1/-إعانات تعطي بهدف سد العجز الناتج عن نشاط المشروع قصد تشجيع نوع معين من النشاط الاقتصادي مما يحفز المنظمين على الاستمرار في هذا النشاط.
    2/-وإعانات تمنح لمساعدة المشروع على تجهيز نفسه بالمعدات والوسائل اللازمة لنشاطه الإنتاجي.
    ومن أبرز الآثار المرجوة من وراء هذه الإعانات: هو توجيه الاستثمارات الوجهة التي تراها الدولة كفيلة بتحقيق أهدافها: سواء المتعلق منها بالتنمية الاقتصادية أو توازن ميزان المدفوعات، والعمل على زيادة معدل تكوين رأس المال، وبالتالي المحافظة على معدل نمو الناتج القومي.
    أما عن الإعانات الاقتصادية التي تقدمها الدولة للمشروعات العامة فمبررها هو كون أن بعض هذه المشروعات لا يسعى من وراء قيامه بنشاطه إلى تحقيق الربح، بل وقد يعرض إنتاجه بسعر يقل عن سعر التكلفة إشباعا للحاجات العامة الضرورية التي تجد الدولة نفسها مضطرة لأخذ أمر إشباعها على عاتقها مثل إنتاج مياه الشرب والكهرباء، كما وأن البعض الآخر يقوم بنشاط إنتاجي هو في الأصل من مجالات النشاط الخاص ولكن الدولة ترى أن القيام بها يحقق فلسفتها الاقتصادية والاجتماعية.
    وتهدف الدولة من وراء ما تقدمه من إعانات للمشروعات العامة التي تعمل في مجال إشباع الحاجات الضرورية إلى إعادة التوازن المالي لهذه المشروعات وسد عجزها والحفاظ على استمرار نشاطها لما له من نفع عام.
    أما الإعانات الممنوحة للنوع الثاني من المشروعات العامة فتستمد أسبابها من واقع التطور الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع أو لاعتبارات فلسفية تتمثل في الالتزام بتطبيق إيديولوجية معينة.
    2-آثار النفقات الاجتماعية: هذه النفقات سواء اتخذت شكل تحويلات نقدية في صورة تحويلات نقدية معينة أو شكل تحويلات عينية في صورة سلع وخدمات فهي تؤثر على الإنتاج القومي، وتهدف التحويلات النقدية إلى تحويل جزء من القوة الشرائية لصالح الفئات الفقيرة أو لذوي الدخل المحدود كإعانات البطالة ومختلف مساعدات التضامن الاجتماعي، وإنفاق هذه الفئات المستفيدة من التحويلات النقدية على السلع والخدمات الاستهلاكية الضرورية سيؤدي إلى زيادة الطلب الفعلي وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الإنتاج.
    أما التحويلات العينية فمن آثارها المباشرة تشجيع استهلاك بعض الفئات الضعيفة اقتصاديا لسلع وخدمات معينة تعطيها الدولة الأولوية وترى فيها تحقيقا لأهدافها الاقتصادية والاجتماعية.
    أما النفقات الاجتماعية التي تتخذ صورة الإعانات أو التحويلات المباشرة فإنها تؤدي إلى زيادة الإنتاج بشكل ملموس، فهي تعمل على زيادة إنتاج السلع والخدمات الاستهلاكية كنفقات الصحة والتعليم والثقافة والإسكان والمياه الصالحة للشرب …الخ وهي تؤدي إلى رفع المستوى الاجتماعي للأفراد وتمكينهم من أداء نشاطهم بكفاءة أكبر.
    3-أثر النفقات العسكرية أو الحربية:
    تمثل النفقات العسكرية عبئا كبيرا في ميزانيات معظم الدول الحديثة والبحث عن آثارها يثير العديد من الصعوبات الناتجة عن خروج هذه النفقات في كثير من الأحيان عن النطاق الاقتصادي إلى المجال السياسي والاستراتيجي البحت.
    وقد كان الفكر التقليدي يعتبر النفقات العسكرية من بين النفقات التي تذهب للاستهلاك غير المنتج، بينما يميل الفكر الحديث إلى التمييز بين نوعين من الآثار التي تطرأ على الإنتاج القومي من جراء هذا الإنفاق وهما الآثار الانكماشية والآثار التوسعية.
    قد تحدث النفقات العسكرية أثرا انكماشيا في حجم الإنتاج القومي وذلك في الحالات التي يترتب عليها تحويل جزء من الموارد المادية والبشرية المتاحة من الاستعمال المدني إلى الاستعمال العسكري، مما يؤدي إلى انخفاض حجم الإنتاج القومي، وإلى ارتفاع أثمان عناصر الإنتاج، وبالتالي ارتفاع أثمان المنتجات وانخفاض الطلب الاستهلاكي.
    ومع ذلك فمن المتصور أن يترتب عن النفقات العسكرية أثرا توسعيا على حجم الإنتاج القومي وذلك في حالات متعددة، منها الأحوال التي تستخدم فيها هذه النفقات في إنشاء صناعات معينة أو إنشاء المطارات والموانئ والطرق والسدود يفيد منها الاقتصاد القومي في الإنتاج المدني فيما بعد الحرب، وحتى قبل انتهائها إذا زادت عن حاجة الإنتاج الحربي، كذلك فكثيرا ما يتولد عن الإنفاق العسكري تقدم علمي في فنون الإنتاج، إذ تخصص نسبة هامة منه للبحوث العلمية وعلى الأخص في الدول المتقدمة، بما يفيد في نهاية المجالين الحربي والمدني على السواء.
    وبشكل عام فإن النفقات العسكرية تؤثر في الأوضاع الاقتصادية السائدة في الدولة وتتأثر بها، فمن جهة تعوق التوسع في الإنتاج وتستخدمه في شراء الأسلحة والمعدات الحربية من الخارج مما يسجل عجزا في ميزان المدفوعات أما إذا كانت النفقات العسكرية تصرف في سبيل إنشاء صناعات في الداخل فإنها تعمل على زيادة حجم الدخل القومي.
    ب-الآثار المباشرة للنفقات العامة في الاستهلاك القومي:
    تؤثر النفقات العامة في الاستهلاك القومي بطريق مباشر، وذلك عن طريق الزيادة الأولية في الطلب على أموال الاستهلاك نتيجة للإنفاق العام ويمكن تتبع هذا النوع من الآثار من خلال نفقات الاستهلاك الحكومي أو العام ومن خلال النفقات التي توزعها الدولة على الأفراد في شكل مرتبات أو أجور تخصص نسبة منها لإشباع الحاجات الاستهلاكية من السلع والخدمات.
    1-فالبنسبة لنفقات الاستهلاك الحكومي أو العام: يبدو أثرها على زيادة الاستهلاك من خلال ما تقوم به الدولة في سبيل إشباع الحاجات العامة من إنفاق، وقد يتخذ الاستهلاك الحكومي صورة شراء سلع أو مهمات تتعلق بأداء الوظيفة العامة أو تلزم الموظفين العموميين أو لأعمال المرافق والمشروعات العامة.
    2-نفقات الاستهلاك الخاصة بالدخول الموزعة على الأفراد: تبدأ آثار هذه النفقات عندما تقوم الدولة بتخصيص جزء من النفقات العامة لدفع مرتبات وأجور ومعاشات لموظفيها وعمالها الحاليين والسابقين، ويخصص الجزء الكبر من هذه الدخول الموزعة على الأفراد لإشباع الحاجات الاستهلاكية الخاصة من السلع والخدمات، وتعتبر نفقات الدولة في هذه الحالة مقابل ما يؤديه عمالها من أعمال أو خدمات، ولذلك فهي تعتبر من قبيل النفقات العامة المنتجة، حيث تؤدي مباشرة إلى زيادة الإنتاج الكلي.
    II-الآثار غير المباشرة للنفقات العامة على الإنتاج والاستهلاك
    بحث أثر المضاعف والمعجل:
    عادة ما تحدث النفقات العامة آثارا غير مباشرة على الاستهلاك وعلى الإنتاج من خلال الأثر الخاص يعاملي المضاعف والمعجل، فالنفقات لا تؤثر فقط على الاستهلاك بتأثير عامل المضاعف، ولكنها تعود فتؤثر على الإنتاج كنتيجة غير مباشرة لعمل المضاعف نفسه، وكذلك القول بالنسبة لأثر عامل المعجل أنه لا يؤثر على الإنتاج فقط ولكنه يعود فينتج أثره غير المباشر على الاستهلاك أيضا.
    دروس في المالية العامة

     
    المطلب الثاني: دور النفقات العامة في تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية

    تعتمد الدول بشكل كبير على الإنفاق العام في تحقيق العديد من أهداف السياسة الاقتصادية، وفيمايلي نتناول دور النفقات العامة في تحقيق أهم أهداف هذه السياسة.
    1/-النفقات العامة والنمو الاقتصادي:
    كثيرا ما تساهم النفقات العامة إلى جانب الأدوات المالية الأخرى (الضرائب، القروض العامة، الائتمان الحكومي …الخ) في تحقيق معدل مرتفع من النمو الاقتصادي ويتم ذلك من خلال:
    -تخصيص جزء معتبر من النفقات العامة لتحقيق معدل مرتفع من التراكم الرأسمالي، ويتم ذلك عن طريق زيادة الاستثمار العام، أو عن طريق زيادة الإعانات الاقتصادية للمشروعات الخاصة بهدف زيادة استثماراتها.
    -تخصيص جزء من الإنفاق العام لتكوين رأس المال الإنساني ورفع كفاءته.
    -تخصيص جزء من الإنفاق العام لأغراض البحوث الهادفة إلى تحقيق التقدم التكنولوجي في مجالي الإنتاج والتوزيع.
    2/-النفقات العامة والاستقرار الاقتصادي:
    على خلاف اعتقاد النظرية التقليدية بوجود قوى تلقائية في السوق تضمن التوازن التلقائي، غير أن تجربة البلدان الرأسمالية أثبتت خطأ تلك النظرية، ودعى كينز الذي ظهرت أفكاره بعد أزمة الكساد الكبير بتدخل الدولة من أجل ضمان التوازن الاقتصادي العام، ويرجع إلى كل من كينز وهانسن ولرنر الفضل في تبيان أهمية استخدام المالية العامة كأداة لتحقيق أهداف السياسة المالية، وتتلخص نظرية المالية الوظيفية في اعتبار أن الإيرادات العامة والنفقات العامة والدين العام على أنها أدوات الدولة في الإشراف على مستوى الإنفاق القومي وذلك بهدف تحقيق التشغيل الكامل واستقرار الأسعار، إذ تستخدم الضرائب للتأثير على الإنفاق الكلي بالزيادة أو بالنقص، كما تستخدم التغيرات في الإنفاق كأداة لزيادة الإنفاق الكلي أو خفضه، وبالمثل يمكن استخدام الدين العام كأداة لسحب وامتصاص الأموال المكتنزة لدى الأفراد، وللحد من السيولة في حالة التضخم، وزيادتها في أوقات الكساد.
    3-النفقات العامة وإعادة توزيع الدخل القومي:
    تؤثر الدولة في توزيع الدخل القومي على مرحلتين: فهي تتدخل أولا في توزيع الدخل القومي بين الذين شاركوا في إنتاجه أي بين المنتخبين، وهو ما يعرف بالتوزيع الأولي، ثم تتدخل ثانيا بإدخال ما تراه مناسبا من التعديلات من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية على التوزيع الأولى وهو ما يعرف بإعادة توزيع الدخل القومي.
    3-1- دور الدولة في التوزيع الأولي للدخل: تؤثر الدولة في التوزيع الأولي للدخل من خلال: دفع دخول جديدة للأفراد الذين يقدمون إليها سلعا أو خدمات معينة تؤدي إلى زيادة الإنتاج القومي، فالدولة تحدد مكافآت عوامل الإنتاج المتمثلة في الأجور أو المرتبات أو الفوائد أو الريع أو الأرباح، كما تحدد أيضا أثمان المنتجات ويعني ذلك التأثير على الأرباح وبالتالي في توزيع الدخل القومي على العوامل التي شاركت في إنتاجه.
    3-2-دور الدولة في إعادة توزيع الدخل القومي: تستطيع الدولة أن تتدخل لإعادة توزيع الدخل القومي بين الأفراد وذلك عن طريق إدخال تعديلات على حالة التوزيع الأولى باستخدام النفقات العامة ويتسنى للدولة القيام بالمهمة من خلال نفقاتها الحقيقية أو نفاقتها التحويلية والسبب في لك أن النفقات التحويلية تهدف أساسا إلى إعادة توزيع الدخل لصالح بعض الأفراد للحد من التفاوت بين الطبقات أو لصالح بعض فروع الإنتاج وحتى يحقق الإنفاق العام آثاره المرجوة في إعادة توزيع الدخل القومي بين فئات المجتمع فإنه يشترط أن تكون معظم الإيرادات التي يعتمد عليها الإنفاق العام مستمدة من الضرائب المباشرة وبصفة تصاعدية لأن نصيب الطبقات الغنية من الدخل أكبر بكثير من نصيب الطبقات الفقيرة.
    ولمزيد من التفاصيل حول الموضوع يمكن الرجوع إلى المراجع التالية:
    1-د.رفعت المحجوب "المالية العامة"، ج1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1971.
    2-د.أحمد جامع "علم المالية"، ج1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1975.
    3-د.زين العابدين ناصر "علم المالية العامة"، القاهرة، 1975.
    4-د.عادل أحمد حشيش "أساسيات المالية العامة"، مرجع سابق.
    5-mourice duverger : « Finances Publiques », pp 27-40
    6-د.المرسي السيد حجازي "مبادئ الاقتصاد العام، النفقات والقروض العامة"، الدار الجامعية، 2000.

     
    الفصل الثاني
    الإيرادات العامة


    تعرضنا في الفصل السابق إلى تحديد حجم النفقات العامة، وتطور هذه النفقات وآثارها، وتتطلب النفقات العامة إلى إيرادات عامة لتغطيتها حتى تتمكن الدولة من القيام بوظيفتها في إشباع الحاجات العامة، وتعمل الدولة على تدبير الموارد اللازمة لتغطية نفقاتها العامة، بإتباع سياسة مالية معينة تأخذ بعين الاعتبار حقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تسودها في فترة معينة من مراحل تطورها، وبالتالي تصبح الإيرادات العامة هي وسيلة الدولة في أداء دورها في التدخل لتحقيق الإشباع العام.
    ولقد أدى تطور الدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة، وازدياد نفقاتها العامة إلى تطور نظرية الإيرادات العامة؛ الأمر الذي تجلت أثاره في تطوير حجم هذه الإيرادات وإلى تعدد أنواعها وأغراضها، ولقد تعددت في العصر الحديث مصادر الإيرادات العامة واختلفت طبيعتها تبعا لنوع الخدمة العامة التي تقوم بها الدولة والهدف منها، ويعرض الفكر المالي العديد من المحاولات لتقسيم الإيرادات العامة على أساس التمييز بين أنواعها المختلفة إلى أقسام مختلفة يضم كل منها الموارد المتحدة في الطبيعة أو المتشابهة في الخصائص.
    وقد حاول بعض الكتاب وعلى الأخص الألمان تقسيم الإيرادات العامة إلى إيرادات شبيهة بإيرادات النشاط الخاص، ومثالها إيرادات ممتلكات الدولة الخاصة كالدومين التجاري والمالي والزراعي، وإلى إيرادات متعلقة بالنشاط العام تحصل عليها الدولة باعتبارها صاحبة سلطة ونفوذ ومثال ذلك الضرائب والرسوم والغرامات القضائية والاستيلاء على الأموال التي لا وارث لها.
    كما اقترح البعض الآخر التمييز بين نوعين من الإيرادات العامة: إيرادات اختيارية يدفعها الأفراد دون إجبار من الدولة كإيرادات ممتلكات الدولة الخاصة –الدومين الصناعي والتجاري- والقروض الاختيارية، وإيرادات إجبارية يدفعها الأفراد جبرا إلى الدولة وهي الأكثر أهمية كالرسوم والضرائب والقروض الإجبارية، إلى جانب الإيرادات التي تحصل عليها الدولة بدون مقابل من جهتها كالإعانات والمنح التي تتلقاها.
    وقسم البعض الآخر الإيرادات العامة إلى إيرادات عادية والتي تحصل عليها الدولة سنويا بصفة منتظمة أو دورية كإيرادات ممتلكاتها الخاصة والضرائب والرسوم، والإيرادات غير العادية أو الاستثنائية التي لا تتكرر سنويا وإنما تلجأ إليها الدولة من وقت لآخر حسب الحاجة كالقروض والإصدار النقدي وبيع جزء من ممتلكات الدولة.
    وفي الواقع أن التقسيمات السابقة وغيرها لا تسلم جميعا من النقد نظرا لعدم دقة المعايير المتخذة كأساس للتفرقة فيما بينها، وعملية الاختيار بين أوجه الإيرادات العامة المختلفة تشكل جزءا من السياسة المالية التي يجب أن تكون منسقة وغير متعارضة مع الهيكل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمجتمع.
    وتوصف تقسيمات الإيرادات العامة بأوصاف عدة بحسب نشاط الدولة المالي، وهي لا تخرج في الغالب من أن تكون هذه الأوصاف إما "اقتصادية" أو "سياسية" أو "ائتمانية"، ويمكن الحديث تحت كل وصف من هذه الأوصاف عن إيراد أو أكثر من الإيرادات العامة، فمن خلال وصف "الإيرادات الاقتصادية" يظهر لنا فائض الاقتصاد العام المشتمل أساسا على دخل الدومين والرسوم، وفي نطاق "الإيرادات السيادية" تتجلى الضرائب بأنواعها المختلفة لكونها تمثل أهم الموارد المالية للدول في الوقت الحاضر، وفي إطار "الإيرادات الائتمانية" تحتل القروض العامة بشتى صورها وأشكالها حجر الزاوية عند نقل الإيرادات الاقتصادية والسيادية عن الوفاء بكل ما تحتاجه الدولة من إيرادات لازمة لتغطية نفقاتها العامة.
    وسنتناول دراسة هذا الفصل من خلال المباحث التالية:
    المبحث الأول: الإيرادات الاقتصادية
    المبحث الثاني: الإيرادات السيادية
    المبحث الثالث: الإيرادات الائتمانية


     
    المبحث الأول: الإيرادات الاقتصادية


    إن زيادة النفقات العامة وتنوعها كان العامل الأساسي الذي أدى إلى زيادة الإيرادات العامة وتنوعها وتطورها حجما ونوعا، ونتناول في هذا المبحث إيرادات الدولة من ممتلكاتها من خلال العنصرين التاليين: أولا-إيرادات أملاك الدولة (الدومين). ثانيا-الثمن العام.

     
    أولا-إيرادات أملاك الدولة (الدومين):


    يطلق لفظ الدومين Domaine على ممتلكات الدولة أيا كانت طبيعتها، عقارية أو منقولة، ومهما كان نوع ملكية الدولة لها عامة أم خاصة، وتنقسم ممتلكات الدولة إلى قسمين: ممتلكات أو دومين عام، وممتلكات أو دومين خاص.
    1-الدومين العام: ويقصد به ما تملكه الدولة ويكون معد للاستعمال العام، ولخدمة المرافق العامة كالطرق والمطارات والموانئ وأبنية الوزارات والمصالح العامة والمتاحف والحدائق العامة والملاعب والأنهار، ويتميز الدومين العام بمميزات عدة منها أن ملكية الدولة له هي ملكية عامة تخضع لأحكام القانون الإداري، وبالتالي فهو لا يجوز بيعه أو التصرف فيه بما أنه مخصص للمنفعة العامة، كما لا يجوز تملكه بالتقادم، والغاية منه هو تقديم الخدمات العامة وليس الحصول على أموال للخزانة العامة، ولا يمنع هذا من إمكانية تحقيق بعض الإيرادات من الدومين العام، كما لو فرضت بعض الرسوم على دخول الحدائق العامة أو على دخول المطار أو الميناء، أو المتاحف العامة، وأن هذا المقابل لا يقصد به في الغالب سوى تنظيم استعمال هذه المرافق العامة، فضلا عن ضآلته في معظم الحالات، وقد يكون سببها في حالات استثنائية هو الرغبة في تغطية نفقات إنشاء هذه المرافق، ومع ذلك تظل القاعدة العامة هي مجانية الانتفاع بأموال الدومين العام.
    2-الدومين الخاص: ويقصد به الأموال التي تمتلكها الدولة ملكية خاصة، والتي تخضع بوجه عام لقواعد القانون الخاص، فيمكن التصرف فيه بالبيع وغيره، كما يجوز للأفراد تملكه بالتقادم طويل الأجل، ويدر الدومين الخاص على عكس الدومين العام إيرادات للخزانة العامة، وهو وحده الذي يعنيه علماء المالية العامة عند الكلام على دخل الدولة من أملاكها، أي الدومين الخاص كمصدر من مصادر الإيرادات العامة.
    ويشير البحث في إيرادات الدومين الخاص التعرض لمختلف أنواع الإيرادات الناتجة من ملكية الدولة التي تتخذ إحدى صور ثلاث: الدومين العقاري، الدومين الصناعي والتجاري والدومين المالي.
    2-1-الدومين العقاري: ويشمل ممتلكات الدولة من الأراضي الزراعية والغابات والمناجم والمحاجر وأضيفت إليه في العصر الحديث الأبنية السكنية.
    ولقد كان النشاط الزراعي المتعلق باستغلال الأراضي من أهم أنواع الدومين الخاص في العصور الوسطى، ويأتي دخل هذا النوع من الدومين من ثمن بيع المنتجات الزراعية، ومن الأجرة التي يدفعها المستأجرون.
    وقد بدأ الدومين الزراعي يفقد أهميته ابتداءا من نهاية القرن الثامن عشر مع زوال العهد الإقطاعي وبزوغ النظام الرأسمالي، وقيام حكومات الدول الأوروبية بالتصرف في الأراضي وبيعها للأفراد لأسباب سياسية واقتصادية، لكن بقي للدول استغلال الغابات نظرا لما تتطلبه من نفقات ضخمة لغرس الأشجار وصيانتها، ولا تكون منتجة إلا في المدة الطويلة، ويرجع اهتمام الدول بالغابات إلى الفوائد الكبرى التي تحققها، فهي تعمل على إعاقة السيول ومنع انتشار الأتربة، وتؤثر على الأحوال المناخية فتهدئ من الرياح وتعمل على تثبيت التربة.
    كما تمتلك الدولة الأراضي البور بهدف إصلاحها، وبصفة عامة فإن الإيرادات الناتجة عن الأراضي الزراعية ليست عزيرة ولا مرنة، ولذلك لم يعد من الممكن أن تؤدي دورا هاما كمصدر من مصادر الإيرادات العامة في العصر الحديث.
    أما عن المناجم والمحاجر (الدومين الإستخراجي) فهو يتصل بالثروات الطبيعية التي يمكن استخراجها من المناجم والمحاجر الموجودة في الدولة، وتختلف الدول فيما بينها بالنسبة إلى استغلال هذه الموارد تبعا لاختلاف الإيديولوجية السائدة فيها، فالبعض يحتفظ للدولة بالاستغلال المباشر للثروة المعدنية لما لها من دور حيوي في مختلف أوجه النشاط الصناعي، والبعض الآخر يترك أمر استغلالها للأفراد إيمانا بأفضلية الاستغلال الاقتصادي الفردي عن الحكومي، خاصة في مثل هذا المجال الذي يتطلب استخدام أحدث طرق الإنتاج الفنية، وأخيرا تفضل بعض الدول الاحتفاظ بملكية المناجم والمحاجر وترك أمر استغلالها إلى الأفراد مع الإشراف على هذا الاستغلال بهدف حماية الثروة المعدنية من النضوب المبكر، ويأخذ هذا الإشراف في الغالب صورة اشتراك الدولة مع الأفراد في استغلال المناجم والمحاجر.
    كما تعتمد الدولة على أبنية سكنية تملكها لتحقيق جزء من إيراداتها العامة ولا شك أن تدخل الدولة في العصر الحديث تدخلا مباشرا للعمل على تقديم الخدمات الإسكانية قد ساهم في حل أزمة السكن الناشئة عن الميل إلى التركز في المدن والمراكز الصناعية من جهة وإلى زيادة عدد السكان من جهة أخرى.
    2-2-إيرادات الدولة من الدومين الصناعي والتجاري:
    ويضم هذا الدومين مختلف المشروعات الصناعية والتجارية التي تقوم بها الدولة مثلها في ذلك مثل الأفراد، وتدر أغلبية هذه المشروعات إيرادات مالية تعتبر مصدرا من مصادر الإيرادات العامة.
    وقد ازدادت أهمية الدومين الصناعي والتجاري في الدول الرأسمالية تحت تأثير المذهب التدخلي، الذي انتشر بعد الحرب العالمية الأولى (وخاصة بعد أزمة النشاط الرأسمالي في الثلاثينات من القرن الماضي)، والذي اقتضى تدخل الدولة في حياة المجتمع الاقتصادية والاجتماعية بعد أن كانت تحجم عن ذلك من قبل تحت تأثير المذهب الحر، ويرجع اتساع تدخل الدولة أساسا إلى الأيديولوجية السائدة فيها ومدى تحبيذها للنشاط الاقتصادي الفردي، كما يرجع إلى المقارنة بين مزايا الاستغلال الفردي مع فرض الضرائب على أرباحه وبين مزايا الاستغلال الحكومي والحصول على كل أرباحه، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الأخرى بطبيعة الحال.
    إن إقامة الدولة للمشروعات الصناعية والتجارية قد يكون بهدف تحقيق أغراض مالية، تتمثل في الحصول على إيرادات للخزانة العامة، أو قد تستهدف الدولة من وراء ذلك تحقيق أغراض اجتماعية تتمثل في توفير خدمة عامة للمواطنين، كالخدمات الصحية والتعليمية وخاصة لفئات معينة بالإضافة إلى خدمة توريد المياه الكهرباء، وأخيرا قد تستهدف الدولة من بعض المشروعات الصناعية تحقيق أهداف لها علاقة بالأمن القومي، تتمثل في خدمة المجهود الحربي وضمان إنتاج أنواع معينة من الأسلحة والمعدات الحربية.
    إن نجاح المشروعات العامة لا يقاس بمدى تحقيقها للأرباح، لأن الهدف من إقامة هذه المشروعات هو إنتاج وتوفير سلع وخدمات معينة بغض النظر عن حساب استغلال هذه المشروعات من حيث الربح والخسارة.
    2-3-إيرادات الدولة من الدومين المالي: وهو أحدث أنواع الدومين الخاص ظهورا، ويقصد بالدومين المالي محفظة الدولة من الأوراق المالية كالأسهم والسندات المملوكة لها والتي تحصل منها على أرباح وفوائد تمثل إيرادا ماليا يدخل ضمن دخل أملاك الدولة، ولقد ازدادت أهمية الدومين المالي في الوقت الحاضر بالإضافة إلى حدوث تطور في مضمونه، فلم يعد قاصرا على الإيرادات الناتجة عن حق الدولة في إصدار النقود، بل أصبح يتضمن أساسا الأسهم التي تمثل مساهمة الدولة في المشروعات ذات الاقتصاد المختلط (التي تجمع بين الملكية العامة والملكية الخاصة)، كما تسيطر الدولة على بعض المشروعات ذات النفع العام حتى تتمكن من توجيهها إلى ما يحقق الصالح العام، وقد يوجه النقد إلى توجه الدولة لاستثمار أموالها في شراء الأسهم والسندات نظرا للتقلبات الاقتصادية الكبيرة التي تتعرض لها سوق الأوراق المالية في بعض الأحيان، مما يؤثر على إيراد الدولة ويصبح غير ثابت أو مضمون، إلا أن الدولة قد تجد نفسها مدفوعة إلى ممارسة مثل هذا النشاط المالي لتحقيق هدف سياسي أو مصلحة اقتصادية يكون من شأنه اطمئنان الأفراد إلى شراء الأسهم والسندات الخاصة بالمشروعات التي تشارك فيها مما ينتج عليه إنجاح حركة التنمية الاقتصادية التي تحتاج إليها البلاد، هذا فضلا عن فوائد القروض التي تمنحها الدولة للهيئات العامة المحلية وللمؤسسات والمشروعات العامة.

     
    ثانيا-الثمن العام:


    يطلق مصطلح الثمن العام على ثمن السلع والخدمات التي تنتجها وتبيعها المشروعات العامة الصناعية والتجارية، وبذلك يمثل الثمن العام المقابل الذي تحصل عليه الدولة نتيجة قيامها بنشاط صناعي أو تجاري ويعد أحد الوسائل التي تمكنها من تحقيق إيراد عام يتمثل في مقدار الأرباح التي تحققها من ممارسة بيع السلع أو الخدمات للأفراد، سواء في ظل قوانين المنافسة الكاملة أو في ظل الاحتكار الذي تمارسه الدولة بالنسبة لبعض أنواع السلع قصد الاستقلال في تحديد ثمنها بما يمكنها من الحصول على أكبر قدر من الإيرادات للخزانة العامة.
    ويثير الفكر المالي سؤالا يتعلق بكيفية تحديد الثمن العام، أي بالمستوى الذي يتحقق عنده الثمن العام، والإجابة تدعو إلى ضرورة التفرقة بين الحالات التي تمارس فيها الدولة نشاطها التجاري والصناعي على سبيل المنافسة بين مشروعاتها ومشروعات الأفراد، وبين الحالات التي تتمتع الدولة فيها بمركز احتكاري بالنسبة لبيع أنواع معينة من السلع.
    ففي حالة المنافسة الكاملة بين مشروعات الدولة الصناعية والتجارية، ومشروعات الأفراد العاديين، فالدولة لا تحتكر بيع السلع والخدمات، وإنما تنزل إلى مستوى الأفراد وتمارس النشاط رغبة في تحقيق الربح، ويتحدد هنا ثمن السلعة أو الخدمة التي تبيعها الدولة حسب قوى العرض والطلب، ويسمى ثمن السلع بالثمن العام، تمييزا له عن الثمن الخاص الذي تحصل عليه المشروعات الخاصة عند بيع منتجاتها، أما في حالة عدم سماح الدولة بقيام مشروعات خاصة مماثلة للمشروعات العامة، وتستهدف الدولة التمتع بمركز احتكاري بالنسبة إلى إنتاج سلع معينة، والاستقلال في تحديد ثمن السلع أو الخدمات التي تحتكرها، والغرض من احتكار الدولة قد يكون لأحد أمرين:
    الأول: يتمثل في رغبة الدولة تقديم أنواع معينة من السلع للأفراد على سبيل الاحتكار، باعتبارها ضرورية للاستهلاك، خشية من تلجأ المشروعات الخاصة إلى رفع أثمانها واستغلال مدى ضروريتها لاستهلاك الأفراد، وفي هذه الحالة فإن الدولة لا تهدف من نشاطها إلى تحقيق الإيراد المالي بقدر ما تهدف إلى ضمان توفير سلع وخدمات معينة تعتبر أساسية مثل المياه، الكهرباء، الخبز، خدمات الهاتف، ويتحدد الثمن العام لهذه السلع والخدمات على أساس نفقات الإنتاج أو بأقل من هذه النفقات، على أن يغطي الفرق بين الثمن والتكلفة من الخزانة العامة، وأحيانا أخرى قد يفوق ثمن هذه السلع بنسبة ضئيلة جدا نفقات الإنتاج.
    الثاني: قد تهدف الدولة من احتكار النشاط الصناعي أو التجاري إلى تحقيق الإيراد المالي، ويطلق على هذه الحالة اصطلاح الاحتكار المالي، إذ عادة ما تختار الدولة لاحتكارها المالي سلعا واسعة الانتشار ويكون الطلب عليها غير مرن، حتى لا يترتب على ارتفاع ثمنها بنسبة معينة نقص في طلبها الكلي بنسبة أكبر ومن ثم نقص في الإيرادات الكلية وفي الأرباح المحققة، ومن أهم أمثلة الاحتكار المالي هو احتكار الدولة لمنتجات التبغ (الدخان) وتحديد أثمانه بما يحقق لها إيراد مالي ضخم.
    ويرى بعض الكتاب أن تحديد الثمن في حالة الاحتكار المالي لا يختلف عن الثمن الذي يحدده المحتكر في المشروع الخاص، ففي الحالتين يسعى المحتكر إلى الوصول إلى حالة التوازن التي تتيح له الحصول على أكبر قدر ممكن من الأرباح وفقا لظروف إنتاج السلعة والطلب عليها، في حين يرى آخرون أن الثمن في حالة الاحتكار المالي يتحدد عند مستوى أعلى من المستوى الذي يتحدد عنده الثمن في حالة الاحتكار الخاص، وأن الفرق بين الثمنين ما هو إلا ضريبة مستتره غير مباشرة.
    وهناك رأي ثالث يرى أن الدولة لا تلجأ إلى الاحتكار المالي إلا للحصول على مصدر للإيرادات، ومن ثم فإن الزيادة في الثمن المحدد في هذه الحالة ينفقه إنتاج وحدة من وحدات السلعة المحتكرة متضمنة ما يمكن اعتباره ربحا عاديا للمشروع، وهذه الزيادة في الواقع هي ضريبة غير مباشرة على استهلاك السلعة، إذ تعذر على الدولة فرضها عند قيام الأفراد بإنتاج السلعة أو تداولها أو بيعها فآثرت أن تقوم هي باحتكار إنتاجها وتحصيل هذه الضريبة بتضمينها ثمن السلعة المحتكرة، ويذهب أنصار هذا الرأي الأخير في تحليلهم على اعتبار إيرادات الاحتكار المالي من بين إيرادات الضرائب غير المباشرة وليس من بين إيرادات الدومين الخاص (المشروعات الصناعية والتجارية).
    فالاحتكار المالي لا يؤدي إلى تغيير النظرة إلى الثمن العام مهما كان نفعا، واعتباره بمثابة ضريبة مستتره أو غير مباشرة، إذ يظل ثمنا عاما ويفسر ارتفاعه برغبة الدولة في استغلال الاحتكار من أجل تحقيق ربح كبير يسمح لها بإيراد مالي ضخم.
     
    المبحث الثاني: الإيرادات السيادية


    الإيرادات السيادية هي تلك الإيرادات التي تحصل عليها الدولة جبرا من الأفراد بمالها من حق السيادة وتشمل الضرائب، والرسوم ومقابل التحسين (الإتاوة) والغرامات المالية، والتعويضات، والقرض الإجباري وسوف نقتصر على دراسة النوعين الأول والثاني وبالتالي يقسم هذا المبحث إلى:
    أولا: الرســـــوم.
    ثانيا: الضرائــــب.
    ثالثا: الآثار الاقتصادية للضرائب.

    أولا-الرســــوم:
    تعتبر الرسوم من الإيرادات العامة التي تدخل خزانة الدولة بصفة تكاد تكون دورية ومنتظمة، والتي تستخدم حصيلتها في تمويل النشاط المالي وتحقيق المنافع العامة، وتحصل الدولة على إيراداتها من الرسوم كمقابل للخدمات التي تؤديها مرافقها العامة للأفراد من خلال النشاط العام الذي خلق المرفق العام أصلا من أجل القيام به.
    I-تعريف الرسم:
    الرسم هو عبارة عن مبلغ من النقود يدفعه الفرد جبرا إلى الدولة مقابل انتفاعه بخدمة معينة تؤديها له يترتب عليها نفع خاص له إلى جانب نفع عام.
    يتضح من هذا التعريف أن الرسم يتميز بأربع خصائص هامة وهي:
    1-الرسم مبلغ نقدي يدفعه الفرد مقابل الحصول على خدمة خاصة من نشاط إحدى إدارات أو مرافق الدولة، واشتراط الصورة النقدية للرسم جاء ليساير التطور الحديث في مالية الدولة من حيث اتخاذ نفقاتها وإيراداتها الصورة النقدية.
    2-الرسم يدفع جبرا من الأفراد للدولة: فالرسم يدفع جبرا بواسطة الفرد مقابل الحصول على الخدمة الخاصة التي يتلقاها من جانب إحدى الإدارات والمرافق العامة، وتفرض الرسوم بقواعد قانونية لها صفة الإلزام تجبر الفرد على دفعها إذا ما تقدم بطلب لإحدى الإدارات أو الهيئات العامة، وتحدد قيمة الرسوم بمقتضى هذه القواعد القانونية، معبرا عن إرادة الدولة، ولا سبيل أمام الفرد إلا الخضوع لمضمون تلك الإرادة.
    ويمكن التفرقة فيما يتعلق بعنصر الجبر أو الإكراه، بين الإكراه القانوني والإكراه المعنوي، ويقصد بالأول حالة ما إذا كان الفرد مجبرا قانونا على تلقي خدمة معينة ودفع الرسم المفروض على أدائها كما في حالة رسوم التعليم الإجباري بالنسبة للمرحلة الأولى من مراحل التعليم ورسوم التطعيم الإجباري، لكن الغالب أن يكون الإكراه معنويا أي أن الفرد يطلب من تلقاء ذاته خدمة معينة تقدمها الدولة دون أن يلزمه القانون بهذا، ومن الأمثلة على ذلك حالة دفع الرسم المقرر على استخراج رخصة القيادة أو الحصول على جواز السفر أو تأشيرة دخول إحدى الدول، فالجبر أو الإكراه المقصود هنا إنما يعني إلزام الفرد بدفع الرسم المقرر لخدمة معينة في حالة الاستفادة منها أي الانتفاع بها.
    3-عنصر المقابل في دفع الرسم: فالرسم يدفعه الفرد مقابل خدمة خاصة يحصل عليها من جانب الدولة، وقد تكون هذه الخدمة عمل تتولاه إحدى الهيئات العامة لصالح الفرد كالفصل في المنازعات (الرسوم القضائية) أو توثيق العقود وشهرها (رسوم التوثيق)، أو استعمال الفرد لبعض المرافق العامة استعمالا يترتب عليه في الغالب تيسير مباشرة مهنته كاستعمال الموانئ والمطارات (رسوم الموانئ) وبعض الطرق العامة البرية والنهرية (رسوم الطرق).
    4-تحقيق النفع الخاص إلى جانب النفع العام: ويعني ذلك أن الفرد الذي يدفع الرسم إنما يحصل على نفع خاص به لا يشاركه فيه غيره من الأفراد يتمثل في الخدمة المعينة التي تؤديها له الهيئات العامة في الدولة، كما أنه يعني أن هذه الخدمة تمثل إلى جانب النفع الخاص نفعا عاما يعود على المجتمع ككل أو على الاقتصاد القومي في مجموعة، فالرسوم القضائية التي يدفعها المتقاضون مقابل الحصول على خدمة مرفق القضاء يترتب عليها تحقيق نفع خاص يتمثل في حصول كل منهم على حقه وضمان عدم منازعة أحد فيه بعد ذلك، وفي آن واحد يستفيد المجتمع من نشاط القضاء الذي يعطي الحقوق لأصحابها ويضمن لهم الطمأنينة والأمن والاستقرار وهذا نفع عام كماهو واضح.
    II-تقدير الرسم:
    تستقل الدولة بتحديد قيمة الرسم الواجب دفعه على بعض أوجه النشاط العام، والواقع يشير إلى أنه ليس من السهل تحديد قاعدة عامة تلتزمها الدولة وهي بصدد تقدير الرسم، بل هناك أكثر من قاعدة تدخل في الاعتبار عند إجراء هذا التقدير، حيث يعتبر الرسم المفروض نتيجة تفاعل هذه القواعد كلها، ويمكن إجمال القواعد الرئيسية في ثلاثة قواعد أساسية:
    -القاعدة الأولى: تأخذ بعين الاعتبار التناسب بين نفقة الخدمة المؤداة وبين الرسم المقابل لها، ولا يستلزم أن يتحقق هذا التناسب بالنسبة إلى كل فرد يستفيد من الخدمة على حدة، بل يكفي أن تتناسب تكاليف المرفق القائم بالخدمة مع حصيلة الرسوم المفروضة على الانتفاع بها، وتستند هذه القاعدة إلى أن الغرض الأساسي من إنشاء المرافق العامة ليس تحقيق الربح ومن ثم فانه لا يتحتم أن يترتب علي مباشرة هده المرافق لنشا طها أن تزيد إيراداتها عن نفقاتها.
    والقاعدة الثانية هي جعل مبلغ الرسم اقل من نفقة إنتاج الخدمة المقابلة له وذلك بالنسبة إلى خدمات معينة كالتعليم العام والجامعي والخدمات الصحية وتستند هذه القاعدة أما إلى أن مثل هذه الخدمات يترتب عليها نفع عام يعود علي المجتمع إلى جانب المجتمع إلى جانب النفع الخاص الذي يعود علي دافع الرسم ومن ثم فان قواعد العدالة نقضي بتوزيع نفقات المرافق القائمة بأداء هده الخدمات بين الأفراد المنتفعين بها عن طريق دفع الرسوم وبين المجتمع ككل عن طريق فرض الضرائب بأنواعها المختلفة، أما الرغبة في تشجيع الأفراد على طلب مثل هذه الخدمات لضرورتها أو لنفعها و ذلك عن طريق عدم تحصيل مبالغ كبيرة في صورة رسوم قد تقف عقبة في سبيل طلب الأفراد لها كما هو الحال بالنسبة إلى بعض الخدمات الصحية، و في بعض الحالات تقرر السلطة العامة عدم تحصيل الرسوم إطلاقا عن الخدمات المؤداة كما هو الحال بالنسبة إلى التطعيم ضد بعض الأمراض.
    والقاعدة الثالثة: وهي التي يكون مبلغ الرسم أكبر من نفقة الخدمة المقابلة له وذلك بالنسبة إلى خدمات محددة (بعينها)، وتستند هذه القاعدة إما إلى الرغبة في التقليل من إقبال الأفراد على طلب الخدمة موضوع الرسم كما هو الحال بالنسبة إلى رسوم الاستحمام في بعض الشواطي المعينة ، وإما إلى الرغبة في الحصول على إيرادات للخزانة العامة كرسوم التوثيق و الإشهار إذا زادت عن نفقة المرفق القائم بأداء هذه الخدمة زيادة ملموسة.
    إلا أن هذه القواعد كلها لا تمنع من أنه يمكن القول بصفة عامة، أن الغرض الأساسي من اقتضاء الرسوم مقابل خدمات بعض المرافق العامة هو غرض مالي، فهدف الدولة من فرض الرسم هو الحصول على إيرادات للخزانة العامة، و يتفق أغلب علماء المالية العامة على أنه في حالة زيادة مبلغ الرسم عن نفقة الخدمة المقابلة له ، فإن هذا الجزء الزائد يعتبر في الواقع ضريبة مستترة أو مقنعة .
    III-أساس فرض الرسم:
    يترتب على الطابع الإجباري للرسوم ضرورة وضع أساس تستمد منه سلطتها في تقرير الرسوم ضمانا لسلامة مالية الدولة والمواطنين، وقد استتبع هذا في الدول ذات الدساتير الديمقراطية وجوب موافقة السلطة التشريعية (البرلمان أو غيره من المجالس النيابية) على فرض الرسوم، و نظرا لتعدد أنواع الرسوم وتنوع القواعد التي تتبع في تقديرها ، فإن السلطة التنفيذية تكون هي الأقدر على إجراء هذا التقدير، ومن ثم تكفي القرارات الإدارية في فرض الرسوم، لكن يتعين دائما أن تستند هذه القرارات إلى قوانين تخول لها هذا الفرض، و ذلك ضمانا لعدم إساءة استعمال الحق والحيلولة دون مغالاة الإدارة، و ألا كانت القرارات باطلة من الناحية الدستورية.
    وغالبا ما يتضمن القانون الصادر بفرض الرسوم أو بإجازة فرضها بواسطة السلطة التنفيذية إعفاء طوائف معينة من المواطنين، من ذوي الدخول المنخفضة، من دفع هذه الرسوم أو تخفيضها بالنسبة إليهم، و في هذه الحالة يحدد القانون الشروط الواجب توافرها في الشخص حتى يتمتع بهذه الميزة.
    IV-التفرقة بين الرسم وبعض الإيرادات العامة الأخرى:
    1/-الرسم والثمن العام:
    يتشابه الرسم مع الثمن العام في أن كلا منهما يدفع في سبيل حصول الفرد على نفع خاص له يتمثل في الخدمة التي يقدمها المرفق العام في حالة الرسم وفي الحصول على سلعة أو خدمة معينة من منتجات المشروعات العامة الصناعية والتجارية، كما يتشابهان في أن كلا منهما قد يكون مساويا لتكاليف الخدمة المستهلكة أو أكبر أو أقل منها، وأن الاعتبارات التي تدعو الدولة إلى جعل الرسم أكبر أو أقل من نفقة الخدمة المؤداة هي ذاتها التي تدفعها إلى جعل ثمن منتجات الدومين الصناعي والتجاري أكبر أو أقل من نفقة إنتاجها، ويتشابه الرسم مع الثمن العام أخيرا في أن كلا منهما يتضمن ضريبة مستترة أو مقنعة في حالة زيادة كبيرة عن تكلفة الخدمة أو السلعة المقابلة.
    -أما أوجه الاختلاف بين الثمن العام والرسم: هناك أوجه متعددة نذكر منها:
    * طبيعة المقابل: فالثمن العام يدفع مقابل النفع الخاص الذي يحصل عليه الفرد من السلعة التي تبيعها له المشروعات العامة الصناعية والتجارية، بينما يدفع الرسم مقابل نفع خاص مقترن بالنفع العام الذي يؤديه المرفق للمجتمع ككل.
    يتحدد الرسم بناء على القانون أو القرار الإداري، وبالتالي فإن السلطة العامة هي التي تستقل بتحديد قيمته دون تدخل من جانب الأفراد، أما الثمن العام فإنه يتحدد وفقا لقوانين العرض والطلب في ظل قيام المنافسة الكاملة بين مشروعات الدولة ومشروعات الأفراد الصناعية والتجارية، أو طبقا لقوانين الاحتكارات وقواعدها إذا ما تعلق الأمر بوجود حالة من حالات الاحتكار المالي للدولة.
    * يدفع الرسم جبرا عن الأفراد، بينما يدفع الثمن العام اختبارا بواسطة مشترى السلعة التي ينتجها المشروع الصناعي أو يتجر فيها المشروع التجاري ولا تتمتع الدولة في سبيل اقتضائه بحق امتياز على أموال المشتري.
    * تناقض أهمية الرسوم كمصدر للإيرادات العامة، والعكس بالنسبة للثمن العام الذي تتزايد أهميته نظرا للاتجاه الحديث في الدول المختلفة إلى التدخل في الحياة الاقتصادية وإنشاء الكثير من المشروعات الصناعية والتجارية التي كانت من قبل وقفا على النشاط الخاص.
    2/-الرسم ومقابل التحسين أو الإتاوة:

     


    تعرف الإتاوة بأنها عبارة عن مبلغ من المال تفرضه الدولة جبرا على ملاك العقارات بنسبة المنفعة العامة التي عادت عليهم من وراء قيامها ببعض الأشغال العامة، ومن أمثلة هذه الأعمال: شق الطرق وتعبيدها، وتوصيل الكهرباء، أو حفر القنوات والمصارف المسهلة لري الأراضي الزراعية …الخ، تتشابه الإتاوة إلى حد كبير مع الرسم مما أدى بالبعض إلى النظر إليها على أنها نوع من الرسوم، ومع ذلك فإن الأوجه التي يختلفان فيها كثيرة وعلى جانب كبير من الأهمية: فدرجة الإجبار تختلف في الإتاوة عنها في الرسم، ففي حالة الإتاوة نجد أنه لا مفر للمالك العقاري من دفعها طالما أن عقاره قد استفاد من أشغال عامة، أما في الرسم فإنه يمكن عدم دفع المقابل النقدي فيه بالامتناع عن الاستفادة من الخدمة التي قرر هذا الرسم في مقابلها في الحالات التي لا يتحقق فيها الإكراه القانوني.
    -ومن جهة أخرى فإن الإتاوة تقوم بدفعها فئة معينة من الأشخاص، وهم الملاك العقاريون لعقارات زادت قيمتها نتيجة لأعمال عامة، أما الرسم يدفع مقابله أي شخص أراد الانتفاع من خدمات معينة، ويقصد بالإتاوة عادة تغطية بعض نفقات المشروعات المترتبة على الأعمال العامة أو ما يتبقى من هذه النفقات، أما صيانة تلك المشروعات وما تحتاجه من نفقات دورية فإنها تغطى من حصيلة الضرائب، ويرجع هذا إلى أن الملاك العقاريين ليسوا المنتفعين بهذه المشروعات السابقة وحدهم.
    -والإتاوة لا تدفع إلا مرة واحدة، أما الرسم فيدفعه المستفيد في كل مرة يحصل فيها على الخدمة.
     

     
     
     
    فبعد أن توزع النفقات بالميزانية حسب الأهداف التي ترمي الدولة إلى تحقيقها من الإنفاق العام، يعاد تقسيم هذه النفقات تقسيما إداريا أي تبعا للوزارات والمصالح.
    V-دور الرسوم في المالية العامة الحديثة:
    كان للرسوم فيما مضى وخاصة في القرون الوسطى والعصور التي تلتها دور كبير في المالية العامة جعلها أكثر موارد الدولة بعد الدومين الناتج أساسا من ريع أملاك الدولة الخاصة وذلك لكون الرسوم وبأنواعها لم تكن تتطلب موافقة النواب المكلفين بها (ممثلي الشعب) كما في الضرائب مما جعل الدول تفضل اللجوء إليها، غير أن التطور أدى إلى تغير مفهوم قيام الدولة بالتدخل لتحقيق الصالح العام، فأصبحت تؤدي دورها بناء على مسؤوليتها عن إشباع الحاجات العامة في مختلف المجالات دون أن يقترن هذا الدور بفرض الرسوم على خدمات الدولة وتمول هذه الخدمات العامة من الميزانية العامة.
    وكنتيجة لما سبق، فقد تضاءلت أهمية الرسوم كمورد مالي في مالية الدول الحديثة، مما أدى إلى اتجاه معظم البلدان إلى الحد منها بإلغائها أو تحويلها إلى ضرائب برفع سعرها ويرجع ذلك إلى انتشار فكرة مجانية الخدمات التي تقوم بها الدولة وهو ما أدى إلى اللجوء لسد تكاليفها إلى الاستعانة بالضرائب التي احتلت المقام الأول بين موارد الدولة.
    بالإضافة إلى أن المبدأ الحديث الذي يقضي بضرورة موافقة البرلمان على فرض الرسوم قد سلب من الرسم ما كان له من ميزة في سهولة الالتجاء إليه عن الضريبة.
    ثانيا-الضرائـــب:
    تمثل الضرائب في العصر الحديث أهم أنواع الإيرادات العامة التي تعتمد عليها الدولة لتغطية نفقاتها العامة، وتجبر الدولة الأفراد بالمساهمة في أعبائها العامة عن طريق فرض الضرائب عليهم وفقا لنظام فني معين يقوم على مجموعة من القواعد والمبادئ التي تحكم سلوك الدولة والتزام الأفراد بأداء الضريبة، وترجع أهمية الضرائب إلى الدور الذي تلعبه في تحقيق أهداف السياسة المالية، ولما تثيره من مشكلات فنية واقتصادية وما ينتج عنها من آثار اقتصادية واجتماعية، لذلك فإن دراسة الضرائب تتناول جوانب متعددة ومتشعبة ينبغي الإلمام بها جميعا لاكتمال الإحاطة بهذا الفرع من المعرفة، غير أن ذلك يجاوز آفاق هذه الدروس المحدودة والمقتصرة على بعض الموضوعات الجوهرية دون غيرها.
    (1)-ماهية الضريبة وخصائصها:
    -تعريف الضريبة: هي عبارة عن فريضة نقدية يدفعها الفرد جبرا إلى الدولة أولا لإحدى الهيئات العامة المحلية بصفة نهائية منه في تحمل التكاليف والأعباء العامة دون إن يعود عليه نفع خاص مقابل دفع الضريبة.
    خصائص الضريبة: ومن التعريف أعلاه يتضح أن الضريبة تتميز بالخصائص التالية:
    1-الضريبة فريضة نقدية: تدفع الضريبة في العصر الحديث في صورة نقود تمشيا مع مقتضيات النظام الاقتصادي ككل لكون أن المعاملات كلها أصبحت تقوم على استخدام النقود سواء في القطاعات العامة أو الخاصة وبما أن النفقات العامة تتم في صورة نقدية فان الإيرادات بما في ذلك الضرائب لابد وان تحصل كذلك بالنقود.
    2-الضريبة تدفع جبرا: ويعنى دلك أن الفرد ليس حرا في دفع الضريبة بل هو مجبر على دفعها إلى الدولة والجبر هنا قانوني لا معنوي بالنظر إلي قانون الضريبة هو تعبير عن القوة الإلزامية للقاعدة القانونية التي تفرض على الممول النزول أو الخضوع لها من كافة زواياها، ويبدو عنصر الإكراه في الضريبة واضحا من استقلال الدولة بوضع نظامها القانوني من حيث تحديد وعائها وسعرها وكيفية تحصيلها، دون أن ترجع في ذلك الأفراد المكلفين بدفعها.
    3-الضريبة تدفع بصفة نهائية: ويقصد بهذه الخاصية أن الفرد الذي يلتزم بدفع الضريبة، إنما يدفعها الدولة بصفة نهائية، فلا تلتزم الدولة برد قيمتها إليه بعد ذلك.
    4-الضريبة تدفع بدون مقابل: وتعني هذه الخصيصة أن الممول دافع هذه الضريبة لا يتمتع بمقابل مباشر أو بمنفعة خاصة من جانب الدولة حين دفعه لها، وإن كان هذا لا ينفي أن الفرد قد يستفيد من الخدمات التي تقدمها الدولة بواسطة المرافق العامة المختلفة باعتباره فردا في الجماعة، وليس باعتباره ممولا للضرائب.
    5-الضريبة تمكن الدولة من تحقيق نفع عام: إن الدولة لا تلتزم بتقديم خدمة معينة أو نفع خاص إلى المكلف بدفع الضريبة، بل أنها تحصل على حصيلة الضرائب لتمويل نفقاتها العامة في مختلف القطاعات: كالصحة، التعليم، الأمن، القضاء، السياسة، الاقتصاد، الاجتماع …الخ محققة بذلك منافع عامة للمجتمع، بالإضافة إلى ذلك فقد أصبحت الضريبة تستخدم لتحقيق أغراض اقتصادية واجتماعية، مثل استخدام الضريبة التصاعدية كوسيلة لإعادة توزيع الدخل والحد من التفاوت بين الطبقات، كما تفرض الضريبة الجمركية على الواردات لحماية الصناعة الوطنية، وقد تفرض الضرائب للحد من الاستهلاك وتشجيع الادخار لتعبئة الفائض لأغراض التنمية الاقتصادية.
    (2)-مقارنة بين الضريبة والرسم:
    -أوجه الشبه: يتشابه الرسم والضريبة في أن كلا منهما:
    1-مبلغ من النقود يدفعه الفرد جبرا.
    2-كلا منهما يدفع للدولة بصفة نهائية، وتستعين بحصيلتهما لتغطية النفقات العامة.
    3-تتمتع الدولة في سبيل اقتضائهما بامتياز على أموال المدين، ولا بد من صدور أداة تشريعية بفرض كل منهما.
    -ورغم وجوه التشابه هذه فإنه توجد اختلافات كبيرة بين الرسم والضريبة نذكر منها:
    1/-تدفع الضريبة دون مقابل خدمة معينة خاصة يدافعها، بينما الرسم يدفع في مقابل حصول الفرد على خدمة معينة.
    2/-تفرض الضريبة لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية شتى إلى جانب الغرض المالي، أما الرسم فهدفه الأساسي حصول الدولة على إيراد مالي للخزانة العامة.
    3/-تفرض الضريبة ويحدد سعرها بقانون خاص، لكن الرسم يفرض بقانون ويترك للسلطة التنفيذية تحديد سعره.
    4/-تفرض الضريبة على أساس الطاقة المالية للفرد ومدى قدرته على تحمل الأعباء العامة، أما الرسم يفرض على أساس تغطية نفقات المرفق الذي يقدم النفع الخاص إلى دافع الرسم.
    5/-تزايد أهمية الضرائب كورد للإيرادات العامة في العصر الحديث وتضاؤل أهمية الرسم كمورد مالي.
    (3)-أساس الضريبة: (المصدر الذي تستمد منه الدولة سلطتها في فرض وجباية الضرائب)
    ماهو الأساس القانوني الذي تستند إليه الدولة في فرض الضريبة ؟
    إن معرفة الأساس القانوني لفرض الضريبة يعتبر من الأهمية بمكان لكونه يترتب عنه نتائج بالغة الأهمية فيما يتعلق بنظرتنا للضريبة كأداة مالية، ولقد سادت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مجموعة من النظريات في تأسيس حق الدولة في فرض الضرائب تختلف عن تلك السائدة في العصر الحديث.
    وتنظر المجموعة الأولى من النظريات –المعروفة بنظريات المنفعة والعقد- إلى الضريبة بوصفها عقد مالي بين الفرد والدولة وتستند في ذلك على نظرية العقد الاجتماعي، ونظرية أخرى تنظر إلى الضريبة كأداة من أدوات ممارسة الدولة لسيادتها وتستند إلى فكرة التضامن الاجتماعي (أو القومي).
    1/-نظريات المنفعة والعقد: يعتمد أنصار هذه النظريات أن الفرد يدفع الضريبة إلى الدولة في مقابل المنفعة التي تعود عليه من خدمات المرافق العامة المختلفة، وأنه لولا انتفاعه بهذه الخدمات لما أصبح هناك سند لدفع الضريبة، ويؤيد هؤلاء المفكرون وجهة نظرهم بالقول أن الفرد يرتبط مع الدولة بعقد ضمني ذي طبيعة مالية مؤداه التزامه يدفع الضريبة نظير قيام الدولة بخدمات يترتب عليها نفع خاص له.
    -وقد اختلف أنصار هذا الاتجاه في طبيعة العقد، فاعتبره البعض كآدم سميث عقد بيع خدمات، فالدولة تبيع خدماتها للأفراد مقابل التزامهم كمشترين بدفع ثمن هذه الخدمات في صورة ضرائب.
    -وصور البعض الآخر مثل تيير thiers العقد الضمني على أنه عقد شركة، فالدولة شركة إنتاج كبرى تتكون من شركاء، لكل منهم عمل معين يقوم به، ويتحمل في سبيل هذا نفقات خاصة، وإلى جانب هذه النفقات الخاصة نفقات عامة يقوم بها مجلس إدارة هذه الشركة، أي الحكومة تعود منفعتها على جميع الشركاء، كالدفاع وإنشاء الطرق، وإقامة المستشفيات، …الخ، ومن ثم يتعين على الشركاء المساهمة في تمويلها، وتتمثل هذه المساهمة في الضرائب التي تفرضها الدولة عليهم.
    -وأخيرا فقد تصور آخرون مثل مونتسكيو وجود عقد تأمين تقوم الدولة بمقتضاه بتأمين المواطنين عن مختلف الأخطار التي يتعرضون لها، مقابل سداداهم للضريبة باعتبارها قسط تأمين.
    -ولقد تعرضت هذه الآراء القائمة على فكرة وجود عقد بين الدولة ومواطنيها للعديد من أوجه النقد: مثل صعوبة تقدير المنفعة التي تعود كل دافع ضرائب من خدمات الدولة خاصة الخدمات غير القابلة للتجزئة كالأمن الخارجي والأمن الداخلي والتمثيل السياسي …الخ، إلى جانب كون الدولة لا تمثل مجموعة مشتركة من المصالح المادية بل تمثل المصالح المعنوية أيضا، ثم إن وظيفة الدولة لا تقتصر على حفظ الأمن فقط فهذا غير صحيح خاصة في العصر الحديث حيث تدخلت الدولة في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ومنه فإن التزام الدولة بتقديم خدماتها للأفراد ليس من طبيعة الالتزامات المبنية على العقد.
    ومن جهة أخرى فإن الواقع أن نظريات المنفعة والعقد المستندة على فكرة العقد الاجتماعي لجان جاك روسو، لم يثبت تاريخيا وجود مثل هذا العقد، فضلا عن كون الفرد يلتزم بدفع الضريبة حتى لو لم يقم بأي دور في الموافقة على فرضها.
    2/-نظرية التضامن الاجتماعي (أو القومي):
    اتجه الفكر الحديث إلى تأسيس حق الدولة في فرض وجباية الضرائب على فكرة التضامن الاجتماعي الموجود بين كافة المواطنين في الدولة والتي تقضي بوجوب تضافر الأفراد جميعهم كل بحسب طاقته في مواجهة أعباء التكاليف العامة حتى تتمكن الدولة، باعتبارها ضرورة اجتماعية من القيام بوظائفها الكبرى في حماية المجتمع ككل، وفي توفير أنواع من الخدمات العامة لكافة المواطنين بدون استثناء وبغض النظر عن مدى مساهمتهم الفردية في تحمل هذه الأعباء العامة، وبما أنه من غير الممكن ترك الأمر إلى الأفراد لتقرير مقدار مساهمتهم في تحمل التكاليف العامة فإن الدولة بمالها من سيادة قانونية على المواطنين تقوم بإلزام أو إجبار كل منهم بدفع نصيبه بحسب درجة مقدرته المالية.
    ويترتب على هذه النظرية عدة نتائج أساسية منها:
    -إن الضريبة فكرة سيادية وأداة من أدوات ممارسة الدولة لسيادتها.
    -تفرض الضريبة على كافة المواطنين ويتحقق بذلك مبدأ عمومية الضريبة.
    -تفرض الضريبة على الأفراد بغض النظر عن النفع الذي يعود عليهم وإنما تبعا لمقدرة الفرد المالية.
    -التضامن بين الأجيال المتعاقبة كأن تتحمل أجيال معينة بأعباء قروض عامة أنفقت لتحقيق منافع لأجيال سابقة عليها.
    (4)-قواعد الضريبة:
    يقصد بقواعد الضريبة: المبادئ التي يتعين على المشرع المالي أن يسترشد بها وهو بصدد تقرير النظام الضريبي في الدولة، وتهدف هذه القواعد إلى التوفيق بين مصلحة الممول ومصلحة الخزانة العامة، ويعتبر الاقتصادي آدم سميث أول من صاغ مجموعة متماسكة من القواعد الضريبية وهي: العدالة، اليقين، الملاءمة والاقتصاد في النفقات، ولا تزال إلى الآن كمبادئ عامة صحيحة يحسن الاسترشاد بها في هذا المجال.
    1/-قاعدة العدالة (أو المساواة): وتعني هذه القاعدة أنه يجب عند فرض الضرائب على المواطنين مراعاة تحقيق العدالة في توزيع الأعباء العامة بين الأفراد.
    وقد خضع مضمون هذه القاعدة في الواقع إلى تطور كبير تبعا للتطور الاقتصادي والاجتماعي الذي حدث منذ أواخر القرن الثامن عشر.
    وذهب علماء المالية العامة أول الأمر إلى تصور العدالة على أنها وجوب الأخذ بنسبية الضريبة، أي أن تكون النسبة المقتطعة من المادة الخاضعة للضريبة (دخلا أو ثروة) واحدة وذلك مهما بلغ مقدار هذه المادة.
    أما في العصر الحديث فقد اتجه علماء المالية العامة إلى فكرة أخرى وهي: تصاعدية الضريبة رغبة في تحقيق عدالة أكثر بالتمييز بين الأفراد بحسب مقدرتهم التكليفية.
    2/-قاعدة اليقين: ويقصد بها أن تكون الضريبة معلومة وواضحة بالنسبة للممول بشكل يقيني لا غموض فيه ولا تحكم، وذلك في كل ما يتعلق بها من أحكام كالسعر وطريقة تحديد الوعاء، وميعاد الوفاء وطريقة الدفع، وتؤدي مراعاة هذه القاعدة إلى علم الممول بالضبط بالتزاماته قبل الدولة، ومن ثم يستطيع الدفاع عن حقوقه ضد أي تعسف أو سوء استعمال للسلطة من جانبها، وتستمد قاعدة اليقين أهميتها من قاعدة العدالة.
    3/-قاعدة الملاءمة في الدفع: وتعني هذه القاعدة أن تكون مواعيد جباية الضريبة وطريقة تحصيلها ملائمة لظروف الممول تفاديا لثقل عبء الضريبة عليه.
    4/-قاعدة الاقتصاد في التحصيل: تقضي هذه القاعدة بأنه يجب على الدولة أن تختار طريقة الجباية التي تكلفها أقل النفقات، حتى يكون الفرق بين ما يدفعه الممول وبين ما يدخل خزانة الدولة أقل ما يمكن، أي أن مراعاة مبدأ الاقتصاد في نفقات التحصيل هو الذي يضمن للضرائب فعاليتها كمورد هام تعتمد عليه الدولة دون أن تضيع جزءا كبيرا منه في سبيل الحصول عليه.
    (5)-أهداف الضريبة: ففي ظل الدولة الحارسة (التقليدية) اقتصر هدف الضريبة في الحصول على الأموال اللازمة لتمويل النفقات العامة، دون أن يكون لهذه الأموال غرض معين كتوجيه الاقتصاد أو الاستثمار مثلا بمعنى أن المالية العامة حيادية، ولتحقيق الغرض المالي يجب توافر عدة شروط تتلخص في: الإنتاجية- الثبات- المرونة والحياد.
    -الإنتاجية: هي أن تأتي الضريبة بأكبر حصيلة صافية (أي بعد خصم نفقات التحصيل من الإيرادات).
    -الضريبة الثابتة: هي تلك التي لا تتأثر حصيلتها بالتغيرات التي تحدث في مستوى النشاط الاقتصادي، خاصة في فترات الكساد.
    -الضريبة المرنة: هي التي لا يؤدي زيادة سعرها.
    -الحيـــــاد: هو أن يكون غرض الضريبة مقتصرا على الغرض المالي البحت دون أن تؤثر على الأفراد أو الممولين ودون التدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
    -عند المحدثيـن: الضريبة الوظيفية: أصبحت الدولة في العصر الحديث تتدخل في الحياة الاقتصادية وبالتالي أصبح للضريبة إلى جانب الغرض المالي، أغراضا اجتماعية واقتصادية وسياسية.
    * ومن الأغراض الاجتماعية للضريبة مايلي:
    -تشجيع النسل أو الحد منه، إعادة توزيع الدخل والثروة بهدف تقليل الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، تشجيع استهلاك السلع المرغوب فيها اجتماعيا، أو محاربة استهلاك بعض السلع الضارة …الخ.
    * أما الأغراض الاقتصادية التي يمكن للدولة تحقيقها باستخدام الضرائب منها:
    -تشجيع أو محاربة بعض أشكال المشروعات عن طريق التمييز في المعاملة الضريبية، تشجيع الادخار والتكوين الرأسمالي عن طريق تقرير بعض الإعفاءات تبعا لنوع السلعة، حماية الإنتاج الوطني ومعالجة العجز في ميزان المدفوعات، التخفيف من حدة التقلبات الاقتصادية عن طريق السياسة الضريبية …الخ.
    أما أغراض الضريبة في البلدان النامية فتـتحدد، بشكل رئيسي في تعبئة الموارد الاقتصادية وتوجيهها لخدمة أهداف التنمية الاقتصادية.
    كما تستخدم الضرائب لتحقيق أهداف سياسية لحساب طبقة على حساب طبقة أخرى، أو لتسهيل التجارة مع بعض البلدان أو للحد منها بواسطة رفع أو خفض الضرائب الجمركية على الواردات.
    (6)-التنظيم الفني للضرائب:
    يقصد بالتنظيم الفني للضرائب الإجراءات الفنية المتعلقة بفرض الضرائب وتحصيلها، وبالتالي فهو ينصرف إلى تحديد العناصر الخاضعة للضريبة والتي تشكل وعاءها، وتقدير قيمة هذه العناصر أي تحديد الوعاء إلى ربط الضريبة وتحصيلها.
    6-1-وعاء الضريبة:
    ويقصد بوعاء الضريبة المادة الخاضعة للضريبة أو الموضوع الذي تفرض عليه الضريبة، وعند تحديد الوعاء يجب التمييز بين:
    أ/-الضرائب على الأشخاص والضرائب على الأموال.
    ب/-الضريبة الواحدة والضرائب المتعددة.
    ج/-الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة.
    أ-الضرائب على الأشخاص والضرائب على الأموال:
    ويقصد بالضرائب على الأشخاص، تلك الضرائب التي تـتخذ من الوجود الآدمي أو الإنساني للفرد داخل الدولة محلا لفرض الضريبة، وقد عرض التاريخ المالي للعديد من المجتمعات أنواعا كثيرة من هذه الضرائب، ومن الأمثلة على ذلك ضرائب الفردة أو ضريبة الرؤوس وهي تنقسم إلى نوعين أساسيين:
    الأولى: ضرائب الفردة البسيطة أو الموحدة وهي التي كانت تفرض بسعر واحد (مبلغ معين) على جميع الأشخاص دون النظر إلى الثروات التي يمتلكونها أو الدخول التي يحققونها، والثانية ضرائب الفردة المدرجة وهي تفرض بأسعار متعددة تبعا لتعدد الطبقات.
    ولقد انتشر استخدام ضريبة الرؤوس منذ العصور القديمة عند العرب والرومان وحتى أواخر القرن التاسع عشر وذلك لسهولة إدارتها وتحصيلها، إلا أنها كانت تتميز بعدم عدالتها لكونها تفرض دون اعتداد بالمقدرة التكليفية للأفراد، بالإضافة إلى أنها تتنافى مع اعتبارات الكرامة الإنسانية، وهذا ما يفسر اختفاءها من النظم المالية للمجتمعات الحديثة، لتحل محلها الضرائب على الأموال باعتبار الأموال أكثر ترجمة للمقدرة التكليفية للمكلفين.
    -أما الضريبة على الأموال، فيكون المال ذاته، سواء ثروة أو دخلا أو مظهرا من مظاهر الغنى هو المادة الخاضعة للضريبة أو وعاؤها، وبذلك أصبحت الأموال في المجتمعات المعاصرة هي أساس فرض الضريبة.
    ب-الضريبة الواحدة والضرائب المتعددة:
    يقصد بنظام الضريبة الواحدة أن تعتمد الدولة في إيراداتها على ضريبة واحدة، إذ تقوم الدولة بفرض ضريبة رئيسية تمثل الأهمية النسبية الكبرى لحصيلة إيراداتها بالضريبة المفروضة على ناتج الأرض أو الثروة، وقديما نادى الطبيعيون (الفيزيوقراط) خلال القرن الثامن عشر بفرض ضريبة واحدة على الناتج الصافي من الزراعة، باعتبار الأرض هي المصدر الوحيد للثروات.
    وفي مرحلة لاحقة خلال القرن التاسع عشر، كتب الاقتصادي الأمريكي هنري جورج كتابه عن الفقر والتقدم عام 1879 نادى فيه بفكرة الضريبة الواحدة وحبذ أن يكون الريع العقاري وعاء لها.
    أما نظام الضرائب المتعددة وهو ما تأخذ به النظم الضريبية الحديثـة فهـو يقـوم علـى تـنوع الضريبة وتعدد الأوعية الضريبية بحيث يضم الوعاء الضريبي كل أوجه النشاط الاقـتصادي مثل خلـق الدخول وتوزيعها واستخدامها وتكوين الثـروات وتداولهـا، ومـن أمثلـة الضرائب التي يتكون منها النظام الضريبي الحديث: الضرائب على كـل مـن: دخول الأفـراد، دخـول الأعمال، الإنفاق، الإنتـاج، المبـيعات، الرسوم الجمركية، والضرائب على خدمات بعض السلع الرأسمالية …الخ.
    ويعتبر نظام الضرائب المتعددة أكثر عدالة من نظام الضريبة الواحدة، وبالتالي فهو النظام الأقدر على تحقيق الأهداف المتعددة للسياسة المالية.
    ج-الضرائب المباشرة والضرائب الغير مباشرة:
    يمكن رد كافة الضرائب الموجودة في النظم الضريبية المقارنة إلى قسمين رئيسيين هما: الضرائب المباشرة، والضرائب غير المباشرة، ويكاد الشراح في هذا المجال يجمعون على اعتبار الضرائب على الدخول ورأس المال من الضرائب المباشرة، والضرائب على الإنفاق (أو الاستهلاك) والتداول من الضرائب غير المباشرة، ورغم هذه التفرقة الشائعة بين علماء المالية العامة، فإنه لا يوجد حتى الآن معيار دقيق ومنضبط يكفي وحده للتمييز بين هذين النوعين من الضرائب، ومع ذلك يقترح الفكر المالي مجموعة من المعايير تساعد على التمييز بين الضرائب المباشرة وغير المباشرة.
    -المعيــار الإداري: ويعتمـد هذا المعيار في التفرقة بين نوعي الضرائب على طريقـة التحصيـل وأسلـوب الاتصال بين الممول والإدارة المالية عند دفع الضريبة، أي يمكـن اعتـبار الضريـبة مباشـرة إذا كانـت تحصل بمقتضى جداول اسمية يـدون فيـها اسـم المـمول ومقـدار المـادة الخاضعـة للضريـبة والمبلـغ الواجـب تحصيلـه، وتعـتبر الضريـبة غيـر مباشرة إذا لم تحصل الضريبة مباشرة من الممول.
    -معيار نقل عبء الضريبة أو معيار الراجعية:
    وحسب هذا المعيار فإن الضريبة تعتبر مباشرة إذا تحمل بعبئها من يقوم بدفعها إلى الخزانة العامة وتعتبر غير مباشرة إذا ما كان المكلف بدفعها يستطيع نقل عبئها إلى شخص آخر (كالمستورد الذي ينقل عبء الضرائب الجمركية لمشتري السلعة).
    -معيار ثبات المادة الخاضعة للضريبة:
    تعتبر الضريبة مباشرة حسب هذا المعيار إذا كانت مفروضة على مادة تتميز بالثبات والاستمرار النسبيين كالضريبة العقارية المفروضة على الملكية والضريبة العامة المفروضة على الإيراد والمفروضة على الدخل، وتعتبر الضريبة غير مباشرة إذا كانت مفروضة على وقائع أو تصرفات عرضية تتميز بالتقطع وعدم الثبات كعمليات تصدير السلع أو استيرادها، وعمليات التداول أو نقل الملكية …الخ وهي مجرد وقائع عرضية تفرض الضريبة غير المباشرة لمجرد حدوثها.
    6-2-مقارنة بين الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة:
    لكل من الضرائب المباشرة وغير المباشرة مزايا وعيوب نذكر أهمها فيمايلي:
    1/-تتميز الضرائب المباشرة بثبات حصيلتها نسبيا لكونها تفرض على الثروات والدخول وهي تتصف باستقرار نسبي وذلك بعكس الضرائب غير المباشرة التي تفرض على أفعال وتصرفات متقطعة قد يقوم بها الأفراد وقد لا يقومون بها.
    2/-تعتبر الضرائب المباشرة أكثر تحقيقا للعدالة من الضرائب غير المباشرة لأنها تفرض على رأس المال والدخل وهي عناصر واضحة الدلالة على مقدرة الممول التكليفية، وتدريج سعرها حسب هذه المقدرة، بينما لا يمكن ذلك في الضرائب غير المباشرة لأن الممول فيها غير معروف للإدارة المالية.
    3/-تتميز الضرائب المباشرة بإمكانية تطبيق قاعدة الملاءمة عليها نظرا لمعرفة الإدارة المالية للمكلفين بدفعها شخصيا، بينما الممول في الضرائب غير المباشرة مجهول عن الإدارة المالية وبالتالي لا يمكن تحقيق مبدأ الملاءمة.
    4/-الوعي الضريبي إذ يشعر الممولون بدفع الضرائب المباشرة بمدى التضحية التي يقومون بها نحو الدولة، في حين تتميز الضرائب غير المباشرة بعدم شعور الأفراد بعبئها لأنها تدفع بواسطة المنتجين والمستوردين ثم يتحملها المستهلك.
    5/-تتميز الضرائب غير المباشرة نظرا لمرونتها بازدياد حصيلتها تلقائيا في أوقات الرخاء نظرا لازدياد النشاط الإنتاجي والاستهلاكي وتداول الأموال بين الأفراد دون الحاجة إلى رفع سعرها، أما الضرائب المباشرة فهي أقل مرونة من الضرائب غير المباشرة.
    6/-تستخدم الضرائب المباشرة أحيانا لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية متعددة كتشجيع النسل أو تقييده، وتخفيف حدة التفاوت في مستويات الدخول وتشجيع بعض فروع الإنتاج الصناعي …الخ، كما تستخدم الضرائب غير المباشرة لتحقيق أغراض اجتماعية متنوعة أهمها مكافحة استهلاك بعض السلع الضارة كالمواد الكحولية.
    وبشكل عام يمكن القول أن كلا النوعين يكملان بعضهما ويحققان بوجودهما معا نظاما للضرائب أفضل منت نظام يعتمد على أحدهما فقط وهذا هو ما تسير عليه فعلا كافة التشريعات الضريبية، بحيث أن مزايا الضرائب المباشرة تصحح عيوب الضرائب غير المباشرة والعكس صحيح.
    6-3-طرق تقدير الوعاء الضريبي:
    إن تحديد مقدار الضريبة يتطلب الوصول إلى تقدير حقيقي للمادة الخاضعة للضريبة، ويميز في هذا المجال طريقتين أساسيتين لتقدير وعاء الضريبة: الطريقة غير المباشرة والطريقة المباشرة.
    أ-الطريقة غير المباشرة: وهذه تعتمد إما على طريقة المظاهر الخارجية أو طريقة التقدير الجزافي.
    1-طريقة المظاهر الخارجية: وطبقا لها يتم تقدير قيمة المادة الخاضعة للضريبة بالاعتماد على بعض العلامات والمظاهر الخارجية المعبرة عن ثروة الممول مثل عدد الخدم، إيجار المنزل، عدد السيارات …الخ، بالرغم من وضوح وبساطة هذه الطريقة إلا أنها قد لا تعبر عن القدرة التكليفية للأشخاص.
    2-طريقة التقدير الجزافي: تقدر قيمة المادة الخاضعة للضريبة تقديرا جزافيا على أساس الاعتماد على بعض الدلائل أو القرائن التي يحددها المشرع الضريبي المعبرة على مقدار دخل المكلف كقيمة إيجار المصنع وعدد العمال، وهذه الطريقة لا تعبر عن المقدرة الحقيقية للممول.
    ب-الطريقة المباشرة: وهي تعتمد على طريقة الإقرار أو على طريقة التحديد الإداري.
    1-أسلوب الإقرار: يجبر المكلف بأداء الضريبة بتقديم إقرار يبين فيه مقدار وعاء الضريبة بصورة مفصلة، وتقوم الإدارة المالية بالتأكد من صحة ما يحتويه الإقرار من المعلومات بالإطلاع على سجلات المكلف، ودفاتره التجارية أو أية أوراق أخرى تمكن من الوصول إلى الحقيقة وتفاديا لأي غش.
    2-أسلوب التحديد الإداري المباشر: تتبع الإدارة المالية هذه الطريقة لتحديد وعاء الضريبة في حالة امتناع الممول تقديم الإقرار المطلوب منه في الوقت المحدد وبذلك يصبح للإدارة المالية الحرية الواسعة في التقدير وهي لا تلجأ إلى هذه الطريقة إلا في الحالات الاستثنائية (في حالة عدم تقديم الإقرار).
    6-4-سعر الضريبة:
    يقصد بسعر الضريبة النسبية بين مقدار مبلغ الضريبة ومقدار المادة الخاضعة لها، وقد يترك المشرع سعر الضريبة دون تحديد مكتفيا بتحديد المبلغ الإجمالي الواجب تحصيله كضريبة، وإن كان في الغالب يحدد سعر الضريبة في بادئ الأمر، وتكون الضريبة في الحالة الأولى توزيعية، وفي الحالة الثانية تكون الضريبة قياسية أو تحديدية وبالنسبة للضريبة القياسية قد يكون السعر نسبيا لا يتغير مهما تغير مقدار المادة الخاضعة للضريبة، وقد يكون هذا السعر تصاعديا يتغير بالزيادة كلما ازدادت قيمة المادة الخاضعة للضريبة، وتكون الضريبة نسبية في الحالة الأولى وتكون الضريبة تصاعدية في الحالة الثانية.
    أ-الضريبة التوزيعية: ففي ظل نظام الضرائب التوزيعية يقوم المشرع بتحديد مبلغ الحصيلة الإجمالية الواجب الحصول عليها من الممولين، ثم يقوم بتوزيع هذه الحصيلة على الأفراد بمختلف المناطق أو الجهات من البلد (الولايات، الدوائر، البلديات).
    وتمتاز الضريبة التوزيعية بـ:
    -معرفة الخزانة العامة لمبلغ حصيلة الضريبة الذي ستحصل عليه بشكل يقيني.
    -ضمان تحصيل المبلغ المحدد كضريبة.
    -لكل ممول مصلحة شخصية ومباشرة في عدم تهرب أحد الممولين من دفع الضريبة ورغم هذه المزايا فإن الضريبة التوزيعية تتصف ببعض العيوب مما جعل الدول تتخلى عنها في العصر الحديث فهي: غير عادلة، وغير مرنة إذ أنها لا تتابع التطور المستمر في الحياة الاقتصادية وزيادة قيمة المادة الخاضعة للضريبة.
    -عدم معرفة كل ممول مقدما للمبلغ الذي يتعين عليه دفعه.
    ب-الضريبة القياسية أو التحديدية: ويقصد بالضريبة التحديدية تلك التي يحدد المشرع سعرها مقدما دون أن يحدد حصيلتها تاركا أمر هذه الحصيلة للسعر الذي حدده وللظروف الاقتصادية، ويمتاز هذا النوع من الضرائب بـ:
    -تحقيق العدالة بكفالتها للمساواة بين كافة الممولين في تحمل عبء الضريبة.
    -معرفة الممول سلفا لمقدار الضريبة التي يتعين عليه دفعها.
    -تتميز بالمرونة وبمتابعة تطور الحياة الاقتصادية.
    ومن عيوب هذا النوع من الضرائب: عدم معرفة الخزانة العامة مقدما وعلى وجه اليقين المبلغ الذي ستحصل عليه.
    -الضريبة النسبية والضريبة التصاعدية:
    1/-تكون الضريبة نسبية إذا ما تحدد سعرها بنسبة مئوية ثابتة لا تتغير بتغير قيمة المادة الخاضعة للضريبة.
    2/-أما الضريبة التصاعدية فهي تلك التي تفرض بأسعار مختلفة تبعا لاختلاف قيمة المادة الخاضعة للضريبة.
    ويمكن تحقيق التصاعد في الضريبة بطرق متعددة أهمها.
    أ-التصاعد الإجمالي (أو بالطبقات): وتتلخص هذه الطريقة في تقسيم الدخول إلى عدة طبقات تبدأ كل منها من صفر وتنتهي عند حد معين يزداد كلما انتقلنا من طبقة إلى أخرى ويفرض على كل طبقة سعر خاص بها.
    ب-التصاعد بالشرائح: وبحسب هذه الطريقة تقسم المادة الخاضعة للضريبة إلى شرائح يخضع كل منها لسعر معين يرتفع كلما انتقلنا إلى شريحة أعلى.

    ج-التصاعد عن طريق التنازل (أو الضريبة التنازلية):
    حسب هذه الطريقة تفرض الضريبة بسعر نسبي عام ينطبق على كافة الدخول أصلا مع تحديد سعر آخر أقل منه ينطبق على الدخول الصغيرة التي لا تزيد عن حد معين.


    كلمات مفتاحية  :
    المالية العامة اقتصاد

    تعليقات الزوار ()