مستسلماً كالأحرفِ العطشى
|
إلى ياءِ النداءِ
|
ومنصتاً بالروحِ للصوتِ الحدائيِّ
|
الذي ينأى ولا يدنو
|
كأجراس الرَّحيلْ..
|
مستسلماً مثل الحمامِ إلى سماوات
|
معلقةٍ على أجراسها الكسلى
|
يموّجني هبوبُ الريحِ
|
كالقمصانِ في حبلِ الغسيلْ.
|
لا أسمعُ الناياتِ إلاَّ وهي تصفرُ
|
في أديمِ الليلِ باللاءاتِ..
|
والمزمارُ يخبطُ أعرجاً في الأرضِ
|
تتبعهُ نواقيسُ الدموعِ العاليهْ
|
ببكائها المعتلِّ، والصوت القتيلْ.
|
دنياهُ يا دنيا!
|
يغنّيها الغريبُ برجعهِ الموجوعِ
|
في أرجاءِ من رحلوا
|
ومن حزنٍ إلى حزنٍ
|
يأوّههُ بكاءٌ أعزلٌ في الروحِ
|
مجروح الهديلْ.
|
دنيا..
|
تقسّمها (مزاميرٌ) من الرّستِ الحنونِ
|
على مسامع عاشقينَ
|
مجمّدينَ على أديمِ فراقهم،
|
وعلى سكارى نائمينَ على ذراعِ الموت
|
كالمتصوفينْ.
|
ممحوّةٌ كالقمحِ في ماء الحنينِ حروفُهَا البحّاءُ
|
يرفعها النحيبُ على أنامل صوتهِ المبحوحِ
|
ثم يصبّها في الناي أغنيةً مقفّاةً
|
بأسماءِ الذين تغيبوا عن حانةِ الدنيا
|
وظلَّ خيالهم
|
أبداً على أبوابنا مطراً حزينْ.
|
لكأنما هي آخرُ الكلماتِ قبل الموت
|
والمُتَحَسَّرُ الأبديُّ للجمعاتِ
|
في تنويحها المفؤودِ
|
تُصْدِيِهَا كمنجاتُ الفراقِ
|
بقوسها المغروس مثل الرمحِ
|
في جسدِ المغني:
|
نمْ قريرَ العينِ يا ولدي الحسينْ!
|
وكأنها تكرارُ صوتِ سكينةَ
|
المذروِّ كالورقِ العتيق
|
على بلاد الرَّافدينْ.
|
لا هذه الصحراءُ مبكاي القديم
|
لكي أيممَ قلبي المهجورَ
|
شطرَ رِمالها العطشى،
|
وأنصابَ الكأبةِ
|
أو أسرحَ في براريها
|
ضفائرَ شعريَ السوداءَ
|
ليلاً إثر ليلٍ
|
كلما هبّتْ على الصحراءِ ريحْ.
|
لا شمسها شمسي
|
لتهدلَ نخلةٌ في الروحِ ذياكَ الهديلَ..
|
ولا استدارَ بأُفقها القمرُ الأشفُّ
|
لليلةِ العشّاقِ
|
كي أبكي على قلبي الجريحْ.
|
مستسلماً لليلِ كالفزاعةِ الثكلى
|
لأحزانِ الأمومةِ في السوّادِ
|
أهزُّ رأسي بالنياحةِ
|
بين مريمَ والمسيحْ.
|
لا شيءَ إلا دمعة الحسراتِ
|
تذرفها عيونُ اللَّيل في كفيْ،
|
وتلعقها شفاهُ اليأس أوقات السآمهْ.
|
ويدورُ ناعورُ الفراق على خريفٍ
|
يائس الأوقاتِ
|
كي يجترَّ ما أبقتْ ليَ
|
الأيامُ من ساعاتها الصفراء
|
وهي تهرُّ كالأكفان من شجر الندامهْ.
|
لا لم يعدْ إلاَّ السواد محدّقاً
|
في وحشتي
|
وأنا أحدّقُ في أناجيلِ المغيبِ
|
كناسكٍ أعمى
|
فيبصرني وأبصرهُ
|
ونمعنُ كالثكالى بالرحيلْ!
|
سقطتْ على تغريبةِ الروحِ الحزينة
|
آخرُ الناياتِ
|
والأحزانُ يُصديها تضرّعُهَا الحزينُ
|
على حديدِ الوقت
|
ثم يعيدها محواً على الأسماع
|
حزنٌ مستحيلْ!
|
لا شيءَ غير ربابةٍ
|
تبكي على صدرِ الغريب تصرّمَ الأيام
|
في سأمٍ
|
فيلقي رأسه السكرانَ
|
من وجعِ الحياةِ على مخدّةِ ركبتيهِ
|
مكفّناً ببكائه، وفراقهِ
|
ويغطّ في حزن طويلْ!
|
فكأنما لا بدّ من تغريبةٍ للروح
|
حين تحينُ ساعتها الأخيرةُ
|
كي تنوحَ على ضريحِ العزلةِ النائي
|
وتسقطَ مثل ليلٍ شاغرٍ
|
في حفرةِ الموت القتيلْ.
|