وكَنْتُ سأعرفُ أنّ الذي بينهُ
|
وَبَيْنَ أقلّ الشجيراتِ مسّاً
|
لضلعِ الهَواءِ
|
بُكاءُ مناديلَ أرخَصُ
|
مِنْ وَجَعِ النْايِ في الكلماتِ،
|
وهَمْسُ حَفيفٍ أرَقُّ على زَهْرَةٍ
|
"يتركُ الرُّوحَ عريانةً في العَرَاءْ."
|
كأنّ التّرابَ أخْوهُ الذي مِنْ هديلٍ،
|
وتوأمهُ في النحيبِ الغناءُ الذي
|
ذرفوه
|
على آخر الصيفِ
|
إنْ الخريفَ معابدُ لكنْهَا للبكَاءْ!.
|
ومَا كُنتَ أعرفُهُ:
|
(رَجُلٌ شاهقُ الحزنِ)
|
يَشْعرُ بالريحِ أقربَ من راحتيهِ
|
إلى النومِ،
|
يشعرُ بالسنديانةِ تنفخُ كالبحر في الليلِ
|
والبحرِ بئراً عميقاً لأسرارِ زرقتهِ
|
في السماءَ! .
|
ولكَنْ سأعرفُ كَيْفَ أُسَمّي الزهورَ
|
كؤوساً من الثلج فوقَ يَديهِ
|
وأقتلها كي أنامْ .
|
كأنّي به آخر الشّعراءِ،
|
وأجمل أحفادهمْ فوقَ سفحِ الأناجيلِ
|
بِيْضُ الحساسين ترعى على روحِهِ
|
أوّل الصبحِ
|
فيمَا البلابلُ تَقْضِمُ حزنَ البراعمِ
|
عَنْ جانبيهِ
|
ويبقى الحمامْ.
|
أليفاً، أقلّ من الليلِ حزناً
|
وأجْمَل مِنْ لحظاتِ الغُروبِ
|
على نخلتينِ تعانَقَتَا
|
والسَمَاواتِ بيضاءُ مطعُونة بالغيومِ
|
كأنّي بهِ آخرُ الشّعراءِ على الأرضِ!
|
يرتكبُ الإثمَ فوقَ بياضِ القصيدةِ
|
ثمّ يدلّ القوافي على امرأةٍ
|
لمْ تسرّحْ نوارسَهَا للكسوفِ
|
ليرجعَ طيرُ الكلامْ.
|
وما زلتَ مثلَ اليمام
|
أفتشُ عَنْ نبعةٍ خبّأتْ نَفْسها
|
عن أيائل أحزانهِ البيضِ
|
حتّى إذا قامَ كي يتوضّأ في آخر اللّيلِ
|
حلّتْ ضفائرها كحقولٍ من القمحِ
|
وانسابَ لؤلؤها الليلكيّ الحرامْ.
|
***
|
وكانَ مع الوقت أن قالَ
|
للسنديانةِ
|
كونيْ ملاذاً أفيءُ إليهِ
|
فكانتْ
|
وحطّ على جذعها رأسَهُ لينامْ.
|
وقالَ لسِرْب العصافير:
|
كنْ حارسي من غيومِ الشتاءِ! ،
|
ستأتي نساءٌ مكفّنةٌ بالمواويلِ
|
لا قبرَ تُرخي عليهِ جدائلَ أحزانها
|
السودَ
|
لا قمرٌ لتنوحَ على كتفيه سماءُ الأنوثةِ
|
كلُّ الأغاني انتهتْ
|
واضمحلّ رنينُ الكلامْ.
|
ونادى على الماءِ:
|
يا طفلُ كنْ آخرَ الأنبياءِ!
|
وعلّقْ قميصكَ فوقَ الفراتِ! ،
|
فإنّي سئمْتُ الحياةَ
|
وأشرعتُ حزنيْ على الأرضِ كيما أموتَ
|
فقالَ له الماءُ:
|
لا لاتمتْ يا أبيْ!
|
ما أحنَّ يداكَ على كوكب الحزن
|
ما أعذب الثلجَ وهْوَ يرافقُ أنثاكَ نحوَ عرائسها
|
البِيْضِ!
|
لا لاتَمَتْ يا أبي!
|
قبلَ أنْ تتأمّلَ هذا الغروبَ طويلاً
|
وتُمضي على الأرض سبعين عاماً وعامْ.
|
فطلَّ المساءُ كذئبٍ جريحٍ.
|
يبادلُ أشجانه بالعواءِ
|
ويضربُ ريحَ الهديل
|
لتبقى بعيداً عن الدّمعِ
|
إنّ التماثيلَ ترثيهِ
|
والقِطَعُ البيضُ
|
تبكي على روحِهِ في الأعالي
|
ويَنْتَحرُ النايُ
|
لكنَّ غصناً من البيلسانِ المؤطَّر بالدَّمعِ
|
مالَ على الصُّبحِ مثلَ الأباريقِ
|
وانداحَ سِرْبُ يماماتِ زرقتهِ
|
كالبلابلِ فوق بياضِ الرُّخامْ.
|