أجلس على حافة الشرفة في الدور الارضى لبيتنا أراقب البنت حسنه وهى تلعب في التراب وفخذها العاري منحط على التراب في رخاوة لا أعرف لما أحب النظر إليه. أمي لا تسمح لي بالعب في التراب خاصة أنها قد أعطتنى دشا مبكرا على غير العادة ومشطت شعري وفرقته من الجنب .لم أتخلص من فرق الجنب إلا في السابعة عشر من عمري.أعدت شعري إلى الخلف إيذانا بأني رجل ولى مكينة حلاقه خاصة بدلا من سرقة ماكينة أبى ألمقدسه.
أجلس على حافة الشرفة . ظهري. لأمي بجسدها الضخم الذي أراه بدون أن ألتفت إليها. صوتها يملئ أذني فأشعر البهجة والثقة تملؤني .أسمع صوت عمى بسنينه التسعة عشر باهتا مترددا يقول كلمة واحدة يكررها لا يقول غيرها .حاضر ..حاضر ...حاضر بينما تقول أمي: أوعى يفلت من إيدك العربيات مليه الشارع ..تروح على مركز التطعيم تطعمه وتيجى على طول أوعى تخده وتعدى على أمك .أحسن حفضل قلقانه و مش حطمن إلا لما تيجو . خد ربع جنيه اهوه تجيبلك علبه كيلوبترا أنا عارفه انك بتشرب سجاير ومش حقول لأخوك متخفش .بس وحياة عنيك تحافظ على سان. يالا ياسان علشان تروح مع عمك.
كان لابد أن ألتفت ,لعمى و على سور الشرفة ولد مؤدب يسمع الكلام ولا يمارس شقاوته إلا في الخفاء.نزلت وسلمت أمي يدي لعمى و دست في يدي الأخرى شمسيتي الصغيرة الملونة بالأزرق واللبني وعليها مراكب صغيره تبحر في البحر.كنت سعيدا بالشمسية التي لا يسمح لي باللعب بها ولتلمسها يدي حينما نذهب لنستقبل خالي في المطار وهو عائد من الكويت والشمسية لم يشتريها لي أبى بل خالي محمود لذا تحرص أمي عليها كما تحرص على كل ما يأتي به خالي محمود من الكويت .
ضغط عمى على يدي بقوة حاولت الرد عليها بقوة مضادة لم تفلح أمام كفه الكبيرة. صرخت بيدوس على إيدى وبيوجعنى يا ماما . تغير صوت أمي ليحمل تهديدا واضحا مستمد من سلطان أبى على أخوته الصغار قالت كلمة واحده فاروق عند حرف الواو ارتخت يد عمى تماما .كنت فرحا بإنتصارى وكان عمى يثأثئ محاولا التبرير .
الشمس تستطع بجنون والوجوه لزجة بعرق يوليو السخيف و أنا أرفع شمسيتي الصغيرة والتي صنعت ضوء أزرق أراه على قميصي الأبيض النظيف والذي تخرج منه رائحة معطره تشعرني بسعادة العزلة عن العالم الساخن من حولي.
انعطف الطريق وغبنا عن عيون أمي المتابعة من الشرفة .هوى كف عمى على قفاي أرتج جسدي كله واختل توازني وكدت أسقط نظرت إلى عمى بعيون دامعة أرسل سؤالا واضحا على وجهي المر تعب (لماذا) أجابتني نظرة البغض وملامح وجه عمى المنقبضة و صوته الجاف الخشن اعدل الشمسية يا ابن الكلب الشمس دخلالك. لم تكن هناك أي شمس تلمسني لكن إنه عمى ولابد أنني أخطأت لهذا ضربني . غيرت وضع الشمسية . لسعة قويه هوت مرة أخرى على قفاي أعدل الشمسية يا أبن الكلب يا حمار. كانت الدموع تصنع بقعا للبلل على قميصي الأبيض وكنت أبكى بصمت أعرف أن لا سلطان لإحد عليه في هذا الشارع الغريب والذي لو تركنى فيه فسأضيع ولن أعود إلى أمي وأبى وبيتا البارد في هذه الحرارة الخانقة .مرتعبا كنت أن يتركني في الشارع الغريب المشمس والوجوه الغريبة الغارقة في العرق والمخيفة . عدلت وضع الشمسية ألاف المرات. ورفسني عمى مرة فسقطت على الأرض وأتسخ قميصى بالتراب وأصبح به بقع طينية من اختلاط الدموع بالتراب . لم أبك حينما أعطتني الممرضة الحقنة خوفا من أن يضربني عمى. ولم يخدعني أن صوته كان رقيقا لينا وهو يكلم الممرضة ذات العيون السوداء والتي يعلو جفونها كحل أسود جميل. فأنا أعرف أن صوته سترتد خشونته بمجرد أن نترك الممرضة. لم أستجب لمداعبات الممرضة خوفا أن يغار منى لأنها تكلمني بلطف ولا تبتسم لاستظرافه اللزج الخجول.
في طريق العودة قال لي عمى أوعى تتوه منى أحسن الناس يخدوك ويعملوا فيك حاجات وحشه زى اللي ظبطوا الواد عجوه صبى الميكانيكي بيعملها لشريف إبن طنط إعتدال .الرعب مضاعفا تخايلني الصور المخيفة لحالي لو تهت. اشترى عمى علبة سجائر وأخذ الشمسية منى ورفعها فوق رأسه . يد فيها الشمسية ويده الأخرى فيها السيجارة وأنا أكافح لأبقى قريبا منه خوفا من الضياع . بدأ عمى يسرع الخطى وأنا أكافح للحاق بساقيه الطويلتين .أسرع فيزيد من سرعته حتى أنه بدأ يجرى وأنا أجرى خلفه مذعورا مرتعبا .
عندما أصبحت الشوارع مألوفة عرفت أنني اقتربت من البيت. توقف عمى و التفت لي أعطاني الشمسية وأصر على أن يشترى كوز ذره مشوي الذي أحبه فى مقابل أن لا أخبر أمي وأبى أنه ضربني . لم أكن مهتما بكوز ألذره كل ما يهمنى العودة إلى البيت إلى أمي وأبى .لهذا لم أبالى عندما غير رأيه وأسترد منى كوز الذرة وأعطاني قطعة صغيره تظاهرت بأكلها بشرهة حتى يعرف أن اتفاقنا ساري المفعول.
حينما لمحت بيتنا من بعيد جريت نحوه. حتى قبل أن أتيقن من وجود أمي في الشرفة. حاول عمى اللحاق بى ولكن انطلقت بكل قوتي . حينما وصلت لأمي قذفت بقطعة الذرة في وجه عمى وقذفته بشمسية خالي وقلت له (إنت اللي ابن كلب وستين أبن كلب كمان وحقول لبابا إنك ضربتني وإنك بتشرب سجاير كمان .
الآن أصبحت في الثانية والأربعين. سبع وثلاثون عاما مرت ولا زلت أكره عمى والذرة المشوية وكل أنواع الشماسي