مفهوم السلوك الاجتماعي:
يقصد بالسلوك تلك الحوادث الجارية في حياة الفرد اليومية، والأنشطة التي يقوم بها الفرد ويتفاعل مع مجموعة من الإفراد، ويتفاعلون معه والسلوك يتضمن:
أ- السلوك الظاهري: ونستطيع ملاحظته موضوعياً ويظهر على شكل تعبيرات لفظية أو غير لفظية وهناك اختلافات ببعض التعبيرات غير اللفظية وخاصة الإشارات حسب ما هو سائد في ثقافة الشعوب، ومثال على ذلك طريقة السلام والتحية التي تختلف من مجتمع لآخر.
ب- السلوك الداخلي: هي أي عملية عقلية يتبعها الفرد كالتفكير والتذكر والإدراك والتخيل وغيرها ولا نستطيع ان نلاحظها مباشرة و إنما نستدل على حدوثها عن طريق ملاحظة نتائجها.
ووفق تصرفات الفرد إذا كان سلوكا ظاهرياً أو نتائج العمليات العقلية إذا كان سلوكاً داخلياً و الذي يصدر عن الفرد متى نقول انه سلوك اجتماعي؟ للإجابة على هذا التساؤل ينبغي ان نتفق على ان لكل مجتمع له تقاليده واعرفه بل حتى ديانته ويمكن ان نقول هذا سلوك اجتماعي وذاك سلوك لا اجتماعي وفق ما هو سائد ومتعارف عليه، فالسلوك الاجتماعي في مجتمعنا يتطلب احترام الأنظمة والقوانين و الالتزام بالدين والأخلاق والقيم الاجتماعية المستمدة من التراث العربي الإسلامي ويمكن تحديد من يسلك سلوك اجتماعي إذا امتاز بنظرة إيجابية متفائلة تتسم بالتفكير العلمي ويتصف بشخصية قوية متعاونة مع تفضيل مصلحة المجموع على مصلحته الشخصية يعمل الخير يحافظ على الممتلكات العامة وممتلكات الآخرين وذا شرف ونخوة يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر وكل الصفات التي يتصف بها المؤمن.
عناصر السلوك الاجتماعي:
يتضمن السلوك الاجتماعي مجموعة من العناصر يمكن تحديها بما يأتي:
أولاً: الشخصية:
ان استجابات الأفراد للمواقف المختلفة ليست مجرد أفعال انعكاسية شرطية منعزلة كما هو متصور من قبل، بل ان معرفة خصائص الفرد الشخصية وطبيعة الموقف الذي يواجهه تؤدي إلى اختلاف السلوك نتيجة لما يفرضه الموقف فان أحد الأفراد قد يستجيب بطريقة متسقة من الذكاء أو الخمول أو التوتر العصبي ولكن شخصية الفرد تتحدد نتيجة للتفاعل الاجتماعي مع الآخرين والعلاقات الإنسانية القائمة تكون بنمط محدد، فان تلك العلاقات تلقي بضلالها على الشخصية الإنسانية.
ولما كانت شخصية الفرد توصف إشارةً لطبيعة الفرد المزاجية وسلوكه ونوع التنظيم الاجتماعي الذي يعيش فيه.
ومما تقدم يبدو ان التساؤل المتكرر والذي يقول إلى أي مدى تؤثر العوامل البيولوجية والثقافية في شخصية الفرد؟ فربما ستكون الإجابة ان إدراكنا ومشاعرنا وسلوكنا يتأثر تأثراً واضحا بالتعليم والظروف المعيشية إلى حد ان بعض الكتاب تشككوا ان للوراثة تأثيرا على نمو شخصية الفرد بل ذهب بعضهم إلى حد نفي وجود هذا التأثير على الإطلاق بل هناك من اخذ الأمر مأخذ الجد، واخذ يعد ان وجود فروق في الصفات النفسية يمكن ان يورث أمر لا يتفق مع المثل الديمقراطية.
ان شخصية الفرد هي نتاج ثقافي تنجم عن تفاعل العوامل البيولوجية له مع بيئته الاجتماعية ومكوناتها الثقافية، فالثقافة المتكاملة تنتج شخصية متكاملة، وشخصية الفرد السوي هي الشخصية التي تستطيع التكيف مع الثقافة التي تعيش فيها، وعلى هذا فالشخصية السوية إذاً هي درجة من درجات الاتساق مع أنماط الجماعة ومعاييرها.
ورغم اختلاف وجهات النظر في كون الشخصية هي وليدة البيئة أم الوراثة يبقى الاحتمال الأقوى ان لكل من البيئة والوراثة إسهاماتهما واضحة في بناء الشخصية وعليه يمكن ان نستدل على ان شخصية الفرد ما هي إلا نتاج الوراثة والبيئة معاً.
فالشخصية السوية تختلف من ثقافة إلى ثقافة أخرى نظراً لاختلاف الأنماط السلوكية والمراكز والأدوار التي تقدمها كل ثقافة إلى الأفراد الذين يعيشون فيها وبذلك يتحدد المستوى السوي والمستوى المنحرف للسلوك ما بين ثقافة وأخرى أو حتى داخل الثقافة الواحدة فانه يختلف من وقت لآخر والفرد الاجتماعي هو الذي يحتفظ بعلاقة وثيقة دائمة مع الآخرين مستخدما وسائل الاتصال بالتعبيرات اللفظية وغير اللفظية ومما يسهل هذا الاتصال ويعمقه استعمال الرموز ذوات المعنى أي لغة الثقافة التي يعيش فيها والتي لا يكون لها معنى ألا بالنسبة للجماعة التي تستخدمها.
ثانياً: الدوافع والحاجات:
يعد موضوع الدوافع أو القوى الدافعة للسلوك الاجتماعي من الموضوعات العامة، لان واقع السلوك بطبيعة الحال تحدده مساراته، فالسلوك هو نتاج عملية تتفاعل فيها العوامل الحيوية والمؤثرات الاجتماعية فالعوامل الحيوية تصدر من داخل الفرد في حين المؤثرات الاجتماعية هي ما تواجه الفرد من تصرفات يقوم بها الأفراد الذين يتعامل معهم الفرد مما تنشط الدافعية لديه لكون لا سلوك بدون دافع حقيقة لا يمكن تجاهلها.
فالدوافع تعبير عن حاجات الفرد وهذه الدوافع شخصية وداخلية بالنسبة للفرد فهو يدركها في بيئته كعوامل مساعدة على تحقيق أهداف معينة، والسلوك الاجتماعي يتأثر بالحاجات الإنسانية قد تجعل الفرد في حالة توتر التي عن طريق ثقافته وخبراته تتحول الحاجات إلى رغبات في إطار المفاهيم الثقافية والاجتماعية وتفسر هذه الرغبات من حيث كونها مثيرات تؤدي إلى أنواع معينة من الاستجابة أو الفعل ان دور الحاجات الفسيولوجية أو الأولية في السلوك الاجتماعي يكمن من خلال تعويد الفرد على العادات المرغوبة في المجتمع أما الحاجات الثانوية فتتطور وفق النضج العقلي للفرد ومن أمثلة هذه الحاجات الثانوية المنافسة وتحقيق الذات والانتماء والحب والتقدير.
أن الحاجات توجه سلوك الفرد لإشباعها وتتوقف كثيرا من خصائص الشخصية عليها وتنبع من حاجات الفرد وطرائق إشباعها يضيف قدرة الفرد على مساعدته للوصول إلى افضل مستوى يسلكه.
ويمكن إشباع الحاجات الثانوية في الاتجاه المطلوب فالحاجة للانتماء مثلاً يمكن ان تتحقق من خلال التفاعل في جماعة متماسكة وهكذا من ناحية أخرى يسود الناس لدى ميل إلى صياغة أهداف جديدة لا نفسهم حينما يمكنهم تحقيق هدف معين.
فالفرد يعيش في حالة عدم اتزان بينه وبين بيئته وهذا يدفعه إلى محاولة إعادة الاتزان بكل الوسائل المتاحة فإذا خلت البيئة من الإمكانيات والمقومات التي تساعده على إعادة الاتزان فانه يعاني من الإحباط ويسمى بانحراف السلوك و هذا لا يعني ان الأفراد الأسوياء يكون بينهم وبين البيئة التي يتفاعلون معها اتزان دائم هذا لاوجود له و إنما هي حالات من الاتزان وعدم الاتزان ثم الاتزان ثانية وهكذا تستمر حياته.
ثالثا: السلوك التفاعلي الإيجابي:
ان لكل شخص أسلوب خاص في التفاعل، ويطمح من ذلك إلى الاستجابات المرغوبة من الأشخاص ويتم ذلك بطرائقه الخاصة ومن الأمثلة على السلوك التفاعلي سرعة اجراء الحوار مع الآخرين، وبهذا الحوار يتعلم أنماط السلوك المتنوع وتتكون لديه الاتجاهات ويمكن له تنظيم علاقاته مع من يتحاور معهم في إطار القيم والثقافة والتقاليد الاجتماعية المتعارف عليها.
ان الإنسان في طبعه يحتاج إلى ان يعيش في جماعة يتعاون معها على تهيئة وسائل العيش و أسباب الحياة ويمكن ان يتعلم منها وفي ذات الوقت يمكن ان تتعلم منه فهو محتاج إلى المخالطة والمعاشرة والرفقة والجيرة فمهما بلغ من مستوى علمي أو ذكاء فانه يبقى بحاجة إلى الآخرين.
ان إحدى مؤشرات رقي الأمم هو بمقدار ما تمتاز به من سلوك اجتماعي فبقدر ما يقوم به أبناء أمة ما من سلوك مرغوب يعطي صفة لتلك الأمة فمثلاً الأمة الإسلامية تمتاز بسمات إيجابية لا يمكن حصرها بسهولة ومنها على سبيل الذكر لا الحصر ان من سلوك المسلم إغاثة الملهوف وهذا اثر من آثار الرحمة وغض البصر اثر من آثار العفة والبذل والعطاء اثر من آثار السماحة والكرم... وهكذا عن باقي السلوك الاجتماعي الذي يتصف به المسلم والذي يتفق مع القيم الفاضلة والتقاليد الجيدة ويبدو واضحاً في حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال(بعثت لا تمم مكارم الأخلاق).
ان سلوك الفرد التفاعلي لا يقتصر على مكان محدد، فالفرد يتفاعل مع أفراد أسرته ومجتمعه يشاركهم أفراحهم و وأحزانهم وكذلك يجري هذا النمط من التفاعل في المدرسة مع الطلبة ومع من يقومون بتعليمه و يمكن ان يحدث السلوك التفاعلي في مواقع متعددة مثل دور العبادة اذ يؤثر الدين تأثيرا كبيراً في نفوس الأفراد ودور العبادات من المؤسسات المهمة التي تسهم في تربية الفرد وتفاعله وتشكيل سلوكه سيما خطبة الجمعة إذا ابتعدت عن وعظ السلاطين واتخذت منهجا رسا ليا تكون تأثيراتها قوية في إضفاء روح الاخوة الإسلامية وتعزيزها وتغرس في نفسه حب الخير والابتعاد عن الشر وتنمي اتجاهات وعادات ديمقراطية واجتماعية وخلقية وتعاونية سليمة.
وكما تؤدي دور العبادة أيضاً دوراً لا يقل في أهميته عن دور المدرسة والأصدقاء اذ تمد الفرد بإطار سلوكي معياري أخلاقي وتنمي لديه الضمير الحي وروح الجماعة تنطلق من ان للمسجد رسالة تربوية ينبغي ان تستمر وتوجه إلى الإنسانية جمعاء ولا تقتصر لفئة محددة ضيقة وتغرس القيم الدينية الفاضلة لأفراد المجتمع ومن خلال السلوك التفاعلي الذي يحققه المسجد يمكن للتعاليم السامية ان تترجم إلى سلوك عملي وتكون روح الاخوة هي السائدة ويتضح ذلك حين يتغيب أحد المؤمنين عن صلاة الجمعة أو الجماعة لمدة طويلة سوف يفتقده من معه، ويبدء التساؤل عن سبب ذلك الغياب وهذا التساؤل يحقق التراحم الذي يعد سمة بارزة في سلوك المسلم
أما في الوقت الحاضر نتيجة للتطورات العلمية من أجهزة الاتصال يمكن تحقيق التواصل عن بعد ولكن يبقى التواصل مع الآخرين عن طريق اللقاء المباشر اكثر تأثيراً في تحقيق السلوك التفاعلي الإيجابي رغم سهولة وسائل الاتصال وقلة كلفتها في الوقت الحاضر تبقى وسيلة في التفاعل الاجتماعي عن طريق الاتصالات المتطورة (الانترنيت، الهاتف النقال)إذا استخدمت بالشكل الصحيح لا يمكن الاستهانة بها كوسيلة لتحقيق السلوك التفاعل الإيجابي.
|