بتـــــاريخ : 9/21/2008 11:37:15 PM
الفــــــــئة
  • التربيــــــــــة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 924 0


    إعداد القادة..التكوين في الصغر

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : أ. سهير متولى | المصدر : www.yanabeea.net

    كلمات مفتاحية  :
    إعداد القادة

    كان صباحا مشرقا، كان ابني يعيش فيه أول أيام دراسته الابتدائية. الجميل في الأمر أن مدرسته هي نفس المدرسة التي تلقيت فيها تعليمي الابتدائي، ذهبت معه لمساندته في أول أيام استقلاله الفعلي، وأولى خطواته نحو مجتمع أكبر من أسرته الصغيرة. ولرغبتي في رؤية مدرستي.. جدرانها.. وفصولها.. و"سبوراتها" التي كنت أسابق زملائي في كتابة بعض الجمل البسيطة عليها بالطباشير الأبيض لنرى مَنْ منا سيكون خطه الأجمل.

     كنت أريد أن أشم رائحة هوائها الصباحي المختلط برائحة تراب فنائها المبلل بالندى، وكنت أريد أن أرى كيف سأخطو ثانية على أرضها بعد أن أصبحت أما تمسك بيد طفلها الصغير وتقول له: هيا.. استقل وتعلم، دب بخطوات قوية في الحياة، فالمستقبل لك ولكل فراشات الوطن التي ما زالت تتهجي ألف.. باء. وكنت أريد أن أرى مَنْ من مدرسيَّ ما زال يكتب للأطفال ويعلمهم.

     انفلتت يد صغيري من يدي، وانتظم مع التلاميذ في الصفوف ليلقوا تحية الصباح، حتى جاءت لحظة تحية العلم. ما هذا؟! هل سيقف ولدي ليحيي صاريا بلا علم؟! بعد انتهاء الطابور ذهبت إلى مديرة المدرسة التي تعجبت من ملاحظتي بأن الصاري بلا علم، وأن لهذا تأثيرا سلبيا على إحساس التلاميذ بعلمهم ووطنهم، وبتحية العلم التي فقدت معناها.

     وحتى تنهي المديرة لقائي الثقيل معها قالت: سنحضر علما غدا ونركبه. في الحقيقة لم يتم تركيبه في اليوم التالي، ومر أسبوع دون أن يرفرف العلم على الصاري، وكان "محمد" بعد عودته من المدرسة، وقبل أن يحكي لي كيف كان يومه الدراسي، يقابلني بوجه مبتئس ويقول: "لم يركبوا العلم يا ماما". ووجدت أنه أصبح مهموما بمسألة عدم وجود علم يقومون بتحيته، فجلست معه وقلت له: هذه مدرستك وعليك حل المشكلة بطريقة لطيفة وغير مؤذية لأحد.

     لم يخطر لي ما فعله على بالي، فقد كان مفاجأة لي أنا شخصيا، فقد قام برسم العلم على لوحة من الورق المقوى ولصقه على ساق خشبية، وحين حانت لحظة تحية العلم قام برفعه في الطابور، ولم تقل له المديرة حين رأته كلمة واحدة، ما أغضبه وأشعره بأن محاولته لم تأت بنتيجة. ولكن تحول غضبه إلى سعادة حينما نزل إلى الفناء في الفسحة ليجد علما جديدا وجميلا يرفرف على الصاري ويشق السماء برفعة وإباء.

     

    دور الأم :

     

    كان يمكن لموقف ابني أن يتحول إلى تجربة عابرة تحمل الغضب ولا تحاول أن ترى أكثر منه، ولكن بقليل من "طول البال" تحول إلى تدريب عملي على التفكير في حل المشكلة واتخاذ خطوات عملية لذلك.

     

    كثيرة هي الأشياء التي يمكن استغلالها لدفع وتدريب أطفالنا على التمتع بشخصية قيادية سليمة وغير عنيفة في نفس الوقت، إنه الدور الذي يجب أن تكون الأم مهمومة به، ولا تتصور أنها قامت بدورها ما دام طفلها يأكل ويلبس وينام ويلعب، أو أنها بذلك تحملت أمانة هي المسئولة الأولى عنها وأدتها على أكمل وجه.

     

    فيمكن أن تقوم الأم ببعض الأشياء -ربما دون قصد- ويكون لها تأثير كبير على طفلها وهي تتعامل معه، فيمكنها أن تأخذ بيده نحو ما يبني شخصيته، ويسمح له بالخطو نحو العالم مُسلحا بما يساهم في تأكيد أو نفي ملامح شخصيته التي تتكون في صغره على نار هادئة، فالأم التي تأخذ بيد طفلها بحنان ووعي لتجعله يمتلك قدرات تؤهله لأن يصبح ذا شخصية قائدة، لا تحتاج من خلال انفتاحها على عالم هذا الطفل أكثر من الالتفات إلى سلوكيات عادية جدًّا، شديدة التأثير على المدى الطويل، وتمارسها بوعي يفيد شخصية طفلها.

     

    المسئولية :

     

    والشخصية القائدة هي الشخصية القادرة على تحمل المسئولية، والمسئولية هنا قد تكون من خلال تحفيز الطفل ودفعه برقة إلى أن تكون له مسئولية الاهتمام بشيء بسيط جدا كسقي أصيص زرع مثلا، ودفعه لملاحظة كيف أن هذا النبت الصغير ينمو ويكبر لأنه يهتم به، وأن هذا الاهتمام يدل على رقة قلبه وامتلاكه القدرة على العطاء والمسئولية؛ فيشعر الطفل بأنه يقوم بشيء ذي قيمة، ويرى نتاجه مع كل نمو لهذا النبات.

     

    والطفل القائد هو الطفل القادر على الاختيار، لن يكون هذا الاختيار بالطبع في أشياء مصيرية تحتاج إلى خبرة لم ينلها الطفل بعد، ولكن هناك العديد من المواقف الطبيعية المرتبطة بحياة الطفل واهتماماته، يمكنها أن تُدرب الطفل على ماهية الاختيار، وكيف يمارسه؛ فتشجيع الطفل على اختيار مكان للنزهة يسعد فيه، سيشعره بأنه اختار شيئا ويفكر في كيفية إنجازه، صحيح أن المسألة قد لا تكون بسيطة وسهلة دائما، فقد يختار الطفل مكانا قد لا تستطيع قدرات الأسرة المادية تلبيته، وفي هذه الحالة لا يجب المصادرة على تفكير الطفل، بل يمكن جعلها فرصة لعرض ما يمكن أن تحتاجه النزهة في مكان كهذا، وأن ظروفنا الآن لن تسمح بالذهاب إلى هناك، مع وعد بالذهاب حين تتغير الظروف، فيفهم الطفل دون صخب ودون تهكم أن هذا المكان غير مناسب الآن ويبدأ في التفكير في غيره، وعلى الأم أن تعوض تلك النزهة فيما بعد، ولكن من المهم جدا ألا تعد وتخلف وعدها.

     

    ومن الممارسات المساعدة على جعل الطفل يتمتع بشخصية ناضجة، حسن استغلال الأم لحدوث مشكلة بين طفلين أو بين طفلها وغيره من الأطفال مثلا، فكثيرا ماا تتدخل الأم لحل المشاكل التتي تواجهها من جراء الخلاف بين الأطفال بشكل يُريحها هي شخصيا، فتحسم الخلاف بعشوائية حسب حالتها المزاجية؛ لأنها ترغب في الحل السريع؛ فقد تمارس سلطتها لإنهاء الخلاف بغض النظر عن قيم العدل والتسامح والإحساس بالآخرين، والتي يمكن أن تنقلها لطفلها وتشرحها له، ولا تلتفت إلى جعل المشكلة خلافا بين اثنين عليهما حله بطريقة مُرضية لهما بشكل يساهم في تأكيد العديد من القيم الإيجابية، ما يصب في تأكيد الشخصية القيادية، يحتاج الأمر إلى تمتع الأم بقدر كبير من الوعي؛ لأن مثل تلك الممارسات لن يُحسنها الطفل سريعا ولكنه مرة بعد مرة سيعرف كيف يمكنه حل مشكلة ما.

     

    إعادة نظر :

     

    وإذا كانت الأم واعية منذ البداية لمثل تلك التجارب فستنجح سريعا في تدريب طفلها، أما أن نترك الطفل يتمادى في عنفه تجاه المشاكل التي تواجهه ثم نأتي فجأة لندربه على أن يكون طفلا إيجابيا قادرا على التدخل بنفسه في حل مشكلاته فهو ما سيحتاج لعناء كبير، كما يمكن للأم أن تستشير طفلها عن عمد في بعض القرارات المتعلقة بها، وحين يعرض الطفل رأيه عليها لا تستخف بآرائه، أو تتهكم عليها، وإذا كانت آراؤه غير مناسبة، فعليها أن تناقشه فيها بلطف وتعرض عليه مختلف الآراء وتطلب منه أن يتخير منها ما يمكن أن يكون مناسبا.

     

    وإذا كانت الشخصية القائدة هي الشخصية القادرة على التأمل واتخاذ القرارات المناسبة، فسيكون على الأم أن تتنازل عن سلطتها على طفلها ورغبتها المحمومة في جعله يكبر سريعا، ويتخذ قراراته بنفسه، فتلك الرغبة "الأمومية" قد تدمر قدرة الطفل على تحسس خطواته المتواضعة، حينما تستعجل طفلها فتتخذ هي بدلا منه تلك القرارات، فيكبر الطفل ليصبح معتمدا عليها بدلا من أن يكون مستقلا وقادرا على اتخاذ قراراته بنفسه. وهناك العديد من الممارسات البسيطة التي تصب في نفس الاتجاه.

     

    وأخيرا..

    هل يمكنكم أن تتذكروا كم هي المواقف التي لم نلتفت فيها إلى قيمة تحفيز أطفالنا على التفكير والقدرة على اتخاذ القرارات؟ إن امتلاك الرغبة في مساعدة أطفالنا وحدها لا تكفي لمساعدتهم، فالمسألة تحتاج إلى إعادة النظر في تربية أطفالنا كمسئولية نحملها ونحاول أن نؤديها على الوجه الأكمل، وهو ما لن يتحقق بترك أطفالنا نهبا للعشوائية في التربية

    كلمات مفتاحية  :
    إعداد القادة

    تعليقات الزوار ()