بتـــــاريخ : 5/31/2008 6:36:28 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1518 0


    الممنوع والمسموح في العلاقة بين الخطيبين

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : د. أحمد بن إبراهيم خضر | المصدر : www.islamlight.net

    كلمات مفتاحية  :
    فقه المقبلين الزواج

    1- هناك قاعدتان أساسيتان تحكمان العلاقة بين الخاطب والمخطوبة : الأولى : هي أن الخطبة ليست إلا وعداً بالزواج ، والثانية : هي أن الخاطب لا يزال أجنبياً عن مخطوبته فلا يجوز له الخلوة بها ، ولا مصافحتها ولا الخروج معها . ويقول العلماء في ذلك : ( مجرد الخطوبة بين الرجل المرأة لا يحصل بها عقد النكاح ، فلكل من الرجل والمرأة أن يعدل عن الخطوبة إذا رأى أن المصلحة في ذلك ، رضي الطرف الآخر أو لم يرض ) . ( السؤال  25793 فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب ( .

    وإذا رأى الخاطب المخطوبة الرؤية الشّرعية الكافية لاتّخاذ قرار النكاح من عدمه ، فلا يجوز لها بعد ذلك أن تكشف أمامه أي جزء من جسدها قبل عقد النكاح . (  الشيخ محمد صالح المنجد،   السؤال ، 3307 ،المصدر السابق) .

    2-  الرجل مع مخطوبته ليسا زوجين ، بل هي أجنبية عنه حتى يتم العقد ، وعلى هذا فلا يحل له أن يخلو بها أو يسافر بها ، أو يلمسها أو يقبلها ، ولا ينبغي لأحد أن يتساهل في هذا الأمر ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه ، وصححه الألباني.

    وعن حكم مس المخطوبة والخلوة بها يقول العلماء : " ولا يجوز له أن يمس وجهها ولا كفيها - وإن أَمِن الشهوة - لوجود الحرمة ، وانعدام الضرورة " .

    والخاطب ليس له  أن يتكلم مع مخطوبته بالكلام العاطفي ، ولا أن يمس يدها ، لأنه أجنبي عنها كسائر الأجانب . ولا ينبغي لأحد أن يتساهل في هذا الأمر ، ولا فرق بين أن تكون المخطوبة مسلمة أو نصرانية ".

    وقال ابن قدامة : " ولا يجوز له الخلوة بها لأنها مُحرّمة ، ولم يَرد الشرع بغير النظر فبقيت على التحريم ، كما لا ينظر إليها نظر تلذذ وشهوة ، لأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان ). (السؤال رقم 81931 / 91688 المصدر السابق ( .

    3- للتحدّث مع المخطوبة ضوابط ،فإذا تحققت هذه الضوابط ، وخاصة أمْن تحرّك الشهوة ووجود الحاجة جاز ذلك ، أما إذا تخلّف شيء من هذه الضوابط صار ذلك التحدّث والكلام من المحظور شرعاً . " وإذا كان التجاوز في حال الصيام فإنه يؤثر على الصيام بالنقص ويكون أسوأ وأشدّ في الإثم لحصوله في زمن فاضل ، لأنه ينبغي على الصائم المحافظة على صيامه مما يخلّ به ، وينقصه ، ". ( انظر مقالنا عن ضوابط المحادثة والنظر إلى المرأة المراد خطبتها) .

    4- أفتى العلماء بجواز مراسلة المخطوبة للاتفاق على أمور الزواج ، إذا كان ذلك بعلم أبويها وإطلاعهم وكانت الرسائل خالية من العبارات العاطفية التي لا يجوز أن تكون بين المرأة والرجل الأجنبي عنها. ولا فرق بين أن تكون هذه المراسلة عن طريق البريد الإلكتروني أو العادي أو كانت حديثاً عبر الهاتف ، والأولى أن تتم المراسلة والمحادثة مع وليها فقط .

    سئل الشيخ صالح الفوزان عن مكالمة الخطيب لخطيبته عبر الهاتف هل هو جائز شرعا أم لا ؟ فأجاب : " مكالمة الخطيب لخطيبته عبر الهاتف لا بأس به ؛ إذا كان بعد الاستجابة له ، وكان الكلام من أجل المفاهمة ، وبقدر الحاجة ، وليس فيه فتنة ، وكون ذلك عن طريق وليها أتم وأبعد عن الريبة " . (  السؤال 36807، المصدر السابق) .

    5- لا يجوز للمخطوبة أن تخرج مع خاطبها قبل العقد .يقول العلماء في ذلك  : " شرع الإسلام استئذان الأب لابنته حين يزوجها ، سواء كانت بكراً أم ثيباً ( التي سبق لها الزواج ) ، ومن حق الفتاة أن تعرف ما يكفي عن الشخص المتقدّم للزواج بها ، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق السؤال عنه بالطّرق المختلفة ، مثل أن توصي الفتاة بعض أقاربها بسؤال أصدقائه ومن يعرفونه عن قرب فإنه قد تبدو لهم الكثير من صفاته الحسنة والسيئة التي لا تبدو لغيرهم من الناس . لكن لا يجوز لها الخلوة معه قبل العقد بأي حال ، ولا نزع الحجاب أمامه ، ومن المعروف أن مثل هذه اللقاءات لا يبدو فيها الرجل على طبيعته بل يتكلف ويجامل ، فحتى لو خلت به وخرجت معه فلن يُظهر لها شخصيته الحقيقية وكثير ممن فعلن هذه المعصية مع الخاطبين انتهت بهم الأمور إلى نهايات مأساوية . وكثيرا ما يلعب معسول كلام الخاطب بعواطف المخطوبة عند خروجه معها ويُظهر لها جانبا حسنا لكن إذا سألت عنه وتحسّست أخباره من الآخرين اكتشفت أمورا مختلفة ، إذن الخروج معه والخلوة به لن تحلّ المشكلة ولو فرضنا أنّ فيه فائدة في اكتشاف شخصية الرجل فإنّ ما يترتّب عليه من المعاصي واحتمال الانجراف إلى ما لا تُحمد عُقباه هو أكثر من ذلك بكثير ولذلك حرّمت الشريعة الخلوة بالرجل الأجنبي - والكشف عليه .

    ويجب أن لا ننسى أمرا مهما وهو أنّ المرأة بعد العقد الشرعي وقبل الدّخول والزفاف لديها فرصة كبيرة ومتاحة للتعرّف على شخصية الرجل والتأكّد عن كثب وقُرب مما تريد التأكّد منه لأنها يجوز لها أن تخلو به وتخرج معه ما دام العقد الشّرعي قد حصل ، ولو اكتشفت أمرا سيئا لا يُطاق فيمكن أن تطلب منه الخُلع وفي الغالب لن تكون النتيجة سيئة ما دامت عملية السؤال عن الشخص والتنقيب عن أحواله قبل العقد قد تمّت بالطريقة الصحيحة . ( الشيخ محمد صالح المنجد ، السؤال 7757 والسؤال 65698 المصدر السابق )  .

    6- يطلق لفظ الخطوبة عند كثير من الناس على ما بعد العقد وقبل الدخول ، فإن حدث بينهما شيء فلا حرج على كل منهما أن يستمتع بصاحبه ، لأنه بمجرد العقد تصير المرأة زوجة للرجل، وأما قبل العقد فهو مجرد وعد بالزواج والاتفاق عليه ، وما يحصل بينهما محرَّم ، والواجب عليهما – إن حدث بينهما شيء – التوبة والاستغفار والندم على هذه الأفعال ، ولا يكفي عقد القران بينهما لتكفير هذه السيئات ، بل الواجب التوبة والاستغفار. وليست هناك  كفارة معينة لما حصل بينهما ، غير أنه من المشروع لمن تاب أن يكثر من الأعمال الصالحة من صلاة النافلة والصيام والصدقة ونحو ذلك ، قال الله تعالى : {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى }طه82) .

    وكما قلنا لا يجوز للخاطب أن يمس المخطوبة ، أو يخلو بها أو يقبلها ؛ لأنه أجنبي عنها ، حتى يعقد النكاح ، وإنما أبيح له النظر إليها عند الخطبة ليكون زواجه منها على بصيرة ، وهذا أحرى أن يكون سببا للوفاق ودوام النكاح . والسماح بانفراد الخطيب مع خطيبته قد يصل في بعض الحالات إلى حد لمس الخاطب ثديي خطيبته وغيره  مثلا، وهذا في ذاته أمر محرم تجب التوبة منه ، مع الندم والاستغفار والعزم على عدم العودة لذلك . كما يلزم كل واحد منهما البعد عن أسباب الفتنة ، ووسائل الإغراء بالحرام ، وألا يبدآ حياتهما الزوجية بمعصية الله تعالى ، وقد أرسل أحد الخطاب إلى العلماء ما يفيد بأنه تجاوز فى العلاقة مع خطيبته إلى حد أنه مص ثدييها فخشي أن تكون قد حرمت عليه ، فأجاب العلماء بقولهم : " مص الثدي وارتضاع اللبن ، وليس مجرد التقبيل أو المص دون نزول اللبن ...وغير ذلك من هذه الأمور لا توجب تحريم الفتاة عليه لأن رضاع  الكبير لا يؤثر ، في قول جماهير العلماء . ويجب على الخطيبين إذا فعلا ذلك التوبة إلى الله تعالى ، وينبغي لهما تعجيل النكاح إذا أمكن ذلك . ( السؤال 85142 و70275 المصدر السابق) .

    7- قد يقنع الشيطان الخطيبين بالتحايل في ارتكاب الزنا أو مقدماته فيقول الخاطب لخطيبته هل تزوجيني نفسك وتجيبه بنعم ثم ينغمسان في الأفعال المحرمة تحت غطاء وهمي بأن الشرع يبيح لهما ذلك . يقول العلماء : " قول الخاطب لمخطوبته هل تزوجيني نفسك علي سنة الله ورسوله ؟ وجوابها بنعم ، لا يعتبر زواجا ، ولا قيمة له في نظر الشرع ، وهذا لا يبيح لهما ممارسة علاقة بينهما ، واعتقادهما بصحة هذه العلاقة بناء على هذا القول من تزيين الشيطان لبعض الناس الذين أعرضوا عن تعلم ما يجب عليهم من أمر دينهم ، ولو كان هذا زواجا لما عجز كل زان وزانية عن فعله ! ولا يكون عقد الزواج صحيحاً إلا إذا كان بحضور ولي المرأة وموافقته ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي موسى الأشعري . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي ).

    والنكاح قد سماه الله تعالى : ميثاقا غليظا ، فليس ألعوبة يتلاعب بها الرجل مع أصدقائه ، ويأتي بمن شاء منهم ليشهد على زواجه ممن فرطت في عرضها ، وباعت نفسها ، ثم إذا قضى نهمته منها ، تركها لحالها ، فلا تملك عليه سلطانا ، ولا تستطيع أن تطالبه بنفقة ، بل إن جاءت بولد كان أول المتبرئين منه ، وما يدريه فلعلها نكحت زوجا آخر بنفس الطريقة الوضيعة ؟ فهذا وغيره يدل على مدى قبح هذا التحايل في ارتكاب الزنا ، وتسميته زواجا . ( السؤال 87496 المصدر السابق (.

    8- تحدث العلماء عن الذي  يجب على المخطوبة أن تعلمه وتفعله  إذا لم تستطع الصبر  واستسلمت لعواطفها وارتكبت أفعالا محرمة مع خطيبها ، فقالوا :

    1- يجب على المخطوبة أن تعلم أن الخاطب إذا وجد من مخطوبته الحزم والشدة والاستقامة والصلاح فإنه سيزداد تمسكه بها لأنه رأى  منها شخصية قوية لا تستسلم لعواطفها ، ومن هذا الذي لا يحب أن تكون زوجته قوية الشخصية حريصة على عرضها ، وبالتالي فإن هذا سينعكس في حياته ويغير مسيرة حياته إلى استقامة وصلاح كان سببه المخطوبة ذاتها ".

    2- عليها أن تثق بالله عز وجل وتكثر من الدعاء ، لاسيما في أوقات الإجابة ، وتتحلي بالصبر وتذكر ما أعد الله عز وجل للصابرين ، قال تعالى : {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ }الزمر10.

    3- أن  تتذكر قول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء}النور21 . والشيطان يتدرج في دعوته إلى الباطل فقبل أن يوقع المسلم في الزنا يجره إليه عبر الخلوة بالمرأة ، ومحادثتها ومن ثم تقبيلها ثم يكون اللقاء المحرم ، والكبيرة المنكرة الزنا والعياذ بالله .

    4- أن تبتعد عن الثقة العمياء بكل أحد ، فكم من امرأة وكم من فتاة قالت خطيبي شريف وهو غير ما يتوقعه الناس ، فوقعت فريسة نتيجة سذاجتها ، فلا ينبغي في مثل هذا حسن الظن ، بل يجب أن تحرص غاية الحرص وتحذر غاية الحذر) .. السؤال 41693المصدر السابق).

    ويرد العلماء على فتاة مخطوبة يرتكب خطيبها معها أفعالا محرمة، وكلما تابت لا يساعدها على التوبة وكلاهما متعلق بالآخر . وتسأل هل تفسخ خطبتها، فيقولون :

    الأمر لا يتعلق بشخصٍ نضع عليه الحمل كله بأنه لا يعيننا على الطاعة ، أو أنه لا يكف أنفسَنا عن المعصية ، بل الأمر كله يتعلق بالإنسان وحده وبنفسه الأمَّارة بالسوء ، واستجابة لنزغات الشيطان ، فعلى الإنسان يصلح نفسه أولا ليكون سبب  إصلاح شريك حياته ، بل وذريتهِ

    وفسخ الخطوبة ليس هو الحل ؛ لأن كليهما متعلق بالآخر .

    وهل إذا فُسخت الخطوبة سيكون حالهما مع الله تعالى أحسن ؟ إذا كان الجواب : نعم ، فلمَ لا يكون الأمر كذلك الآن ؟ وهما لم يتزوجان بعد  ، فيمكنهما الجمع بين التوبة الصادقة والشريك المحبوب إذا رجعا إلى  دينهما حق الرجوع . ( السؤال 93872، المصدر السابق (.

    الخلاصة : أن الخاطب- كما قلنا- أجنبي عن مخطوبته ، فلا يحل له مصافحتها ولا النظر إليها بتلذذ ، ولا الخلوة بها ، ولا الكلام معها بكلمات الحب وما شابه ذلك ، وإنما أباح الشرع له أن ينظر إليها عند الخطبة من غير شهوةٍ أو خلوة ، لأن ذلك أدعى لدوام النكاح بينهما ، حتى لا يكون فيها شيء يكرهه وهو لا يدري يكون سبباً للنفور منها في المستقبل . وما يحدث من تجاوز بعض الناس وتساهلهم في التعامل مع المخطوبة ، نظراً وخلوةً ونحو ذلك : منكر من المنكرات الشائعة ، التي يجب البعد عنها ، والتحذير منها .

    9- إذا  كان الخاطب لا يضبط نفسه ، فإن الأولى له أن يعقد مباشرة ، أو بعد الخطبة بزمن يسير ؛ ليسلم من الوقوع في الحرام ، ومعلوم أن العاقد زوج يباح له ما يباح للأزواج ، إلا أنه لا يقدم على الوطء حتى يحصل الدخول وتنتقل الزوجة إليه ؛ مراعاة للعرف ، وتجنبا للمفاسد التي قد تحدث لو حصل جماع قبل إعلان الدخول . ولا حرج في تأخير البناء عن وقت العقد ، سنة أو ثلاثة أشهر ، حسب ظروف كل من الزوجين ، وليس في الشريعة أمر محدد في هذه المسألة بل هذا يختلف باختلاف الناس وظروفهم وأحوالهم ، وقد كان في القديم تتم الخطبة والعقد والبناء في يوم واحد ، وكان غير ذلك أيضا ، وقد عقد النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها وهي ابنة ست ، ودخل بها وهي ابنة تسع . والمهم أن يتجنب الإنسان الوقوع في المحظور ، ولهذا ينبغي التعجيل بالعقد لمن لا يقدر على ضبط نفسه أثناء الخطبة . ( السؤال 82615، المصدر السابق ) . يقول العلماء:

    لا حرج في تأجيل العقد وإن طالت مدة الخطبة ؛ إذ لم يرد في الشرع تقدير المدة التي تكون بين الخطبة والعقد ، بل ذلك يرجع إلى العرف والعادة ومدى استعداد كل من الخاطب والمخطوبة لإتمام النكاح ، فقد يخطب الرجل ويعقد ويبني بأهله في ساعة ، وقد يتم ذلك في شهر أو سنة أو أكثر . غير أن الأولى ،  أن لا تطول مدة الخطبة ، ما دام الخاطب قادرا على إتمام النكاح ؛ لما ورد من الترغيب في الزواج لمن استطاع الباءة ، قال صلى الله عليه وسلم : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) رواه البخاري  ومسلم . والتجارب الكثيرة تبرهن على أن طول مدة الخطبة مدعاة لفتح باب المشكلات من الطرفين ، قبل أن تبدأ الحياة الحقيقية بينهما ، وكثيرا ما تؤدي هذه المشكلات إلى فسخ تلك الرابطة ، أو تترك آثارا بعيدة المدى في نفوس الطرفين .

    وعلى أولياء الفتاة المخطوبة في حالة أنه إذا كان المتوقع ألا يتم الزواج إلا بعد مدةٍ  ثلاث سنوات أو نحوها ،  ألا يتعجلوا في العقد من الآن ، لأنه لا فائدة في الواقع من هذا العقد مدة طويلة ، إذا كان الطرفان على علم بأن أن الخاطب أجنبي عن مخطوبته ، كسائر الأجانب ، حتى يعقد عقدة النكاح ، وكانا جادين في الالتزام بأحكام ذلك وآدابه . وكثرة التجارب تكشف أنه كثيرا ما يؤدى طول فترة العقد فيها إلى مشاكل شرعية ،بعضها انتهت بفسخ ذلك العقد ، وليس من شك أن فسخ الخطبة وانتهاءها ، أخف وأهون على الطرفين من فسخ عقد نكاح شرعي .

    ثم إن من الآثار السلبية المقررة لطول فترة العقد ، ازدياد تعلق الطرفين ببعضهما ، وانشغال القلوب والخواطر ، بلا مبرر ، مما قد يؤثر على النفوس ، ويشغلها عن المهمات التي خلقت لها ، من تحصيل العلم النافع ، أو العمل الصالح .

    و في القصة التي قصها علينا النبي صلى الله عليه وسلم العبرة والعظة ؛ كما في صحيح البخاري (3214) ومسلم (1747) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ : لا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا ، وَلا أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا ، وَلا أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلادَهَا .. ) إلى آخر القصة ، وهي معروفة مشهورة .

    والشاهد منها هنا أن هذا النبي الكريم استبعد من هذه المهمة الجهادية الجليلة أصنافا من الناس لا يصلحون لها ، فكان منهم : رجل عقد على امرأة ، وهو يريد أن يبني بها ، لكن لم يتحقق له مراده ذلك بعد . نقل ابن بطال عن المهلب ، أحد شراح البخاري ، قوله : فيه دليل أن فتن الدنيا تدعو النفس إلى الهلع وتخيبها ؛ لأن من ملك بضع امرأة ، ولم يبن بها ، أو بنى بها ، وكان على طراوة منها ، فإن قلبه متعلق بالرجوع إليها ، وشغله الشيطان عما هو فيه من الطاعة ، فرمى في قلبه الجزع، وكذلك ما في الدنيا من متاعها . ويقول العلماء : " وَالْغَرَض هُنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ يَتَفَرَّغ قَلْبه لِلْجِهَادِ وَيُقْبِل عَلَيْهِ بِنَشَاط ، لأَنَّ الَّذِي يَعْقِد عَقْده عَلَى اِمْرَأَة يَبْقَى مُتَعَلِّق الْخَاطِر بِهَا ، بِخِلافِ مَا إِذَا دَخَلَ بِهَا فَإِنَّهُ يَصِير الأَمْر فِي حَقّه أَخَفّ غَالِبًا ، وَنَظِيره الاشْتِغَال بِالأَكْلِ قَبْل الصَّلاة . "

    غير أن هذا الرأي السابق إنما ينصح به  في حال العجز عن المبادرة بالنكاح ، لسبب معتبر ، أو عذر قاهر ، وأما التأخير بحجة الفراغ من الدراسة فهذا غير مناسب وليس بالرأي السديد .

    وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هناك عادة منتشرة ، وهي رفض الفتاة أو والدها الزواج ممن يخطبها، لأجل أن تكمل تعليمها الثانوي أو الجامعي ، أو حتى لأجل أن تُدَرِّس لعدة سنوات ، فما حكم ذلك ، وما نصيحتك لمن يفعله ؛ فربما بلغ بعض الفتيات سن الثلاثين أو أكثر ، بدون زواج ؟ فأجاب : حكم ذلك أنه خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ) [ الترمذي (1084 ) وقال : ( يا معشر الشباب : من استطاع منكم الباءة فليتزوج ؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج).  وفي الامتناع عن الزواج تفويت لمصالح الزواج ؛ فالذي أنصح به إخواني المسلمين ، من أولياء النساء ، وأخواتي النساء من النساء ، ألا يمتنعن من الزواج من أجل تكميل الدراسة أو التدريس ، وبإمكان المرأة أن تشترط على الزوج أن تبقى في الدراسة حتى تنتهي دراستها ، وكذلك تبقى مدرسة ، لمدة سنة أو سنتين ، ما دامت غير مشغولة بأولادها ، وهذا لا بأس به.  على أن كون المرأة تترقى في العلوم الجامعية ـ مما ليس لنا به حاجة ـ أمر يحتاج إلى نظر . فالذي أراه هو أن المرأة إذا أنهت المرحلة الابتدائية ، وصارت تعرف القراءة والكتابة ، بحيث تنتفع بهذا العلم في قراءة كتاب الله وتفسيره ، وقراءة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وشرحها ، فإن ذلك كاف ؛ اللهم إلا أن تترقى لعلوم لا بد للناس منها ؛ كعلم الطب وما أشبهه ؛ إذا لم يكن في دراسته شيء محذور ، من اختلاط وغيره ) , فتاوى علماء البلد الحرام ص (390 ) . (السؤال 82876 المصدر السابق(.

    كلمات مفتاحية  :
    فقه المقبلين الزواج

    تعليقات الزوار ()