واخفض جناحك للمؤمنين
الخطبة الأولى
الحمد لله الكبير المتعال؛ أرسل رسوله بكمال الأخلاق ومحاسنها، ونهاه عن سفاسفها ورذائلها، نحمده على ما هدانا، ونشكره على ما اجتبانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ العز إزاره، والكبرياء رداؤه، فمن نازعه فيهما عذبه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه [وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ] {البقرة:223} .
أيها الناس: تعرف أقدار الرجال بأعمالهم، ويقاس كبار الناس بأوصافهم، فقوة الجسد يعقبها المرض أو الهرم، وقوة المال والجاه يخلفها الموت، ولا يبقى للعبد عند ربه إلا عمله، ولا يذكره الناس إلا بوصفه، فإن كان ذا عمل جليل، ووصف نبيل؛ أثنى الناس عليه بما علموا من حاله، وإن كان غير ذلك ذكروه بما يستحق، والمؤمنون شهداء الله تعالى في الأرض؛ كما جاء في الحديث الصحيح.
ونبينا محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد كُلِّف من الأعمال أشقها وأشرفها، وحاز من الأخلاق أعلاها وأكملها، حُمِّل أعظم رسالة وكُلف بتبليغها، فحملها وبلغها، وأوذي في سبيلها فما وهنت عزيمته، ولا لانت عريكته. وأما الأخلاق فمن ذا الذي يقدر على وصف خلقه، وقد كان خلقه القرآن، ومهما تكلم المتكلمون، ووصف الواصفون في خلقه ـ عليه الصلاة والسلام ـ فلن يفوه حقه، ولن يدركوا وصفه.
والتواضع، وخفض الجناح، ولين الجانب؛ كانت أوصافا له ـ عليه الصلاة والسلام ـ، تخلَّق بها امتثالا لأمر الله تعالى حين خاطبه بقوله سبحانه [وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ] {الحجر:88} وفي الآية الأخرى [وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ] {الشعراء:215} وفي آية ثالثة [وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولًا] {الإسراء:37} وأوصاه جبريل ـ عليه السلام ـ بالتواضع؛ كما جاء في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال:(جلس جبريل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنظر إلى السماء فإذا ملك ينزل فقال جبريل: إن هذا الملك ما نزل منذُ يومِ خُلق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد، أرسلني إليك ربك قال: أفملكا نبيا يجعلك أو عبدا رسولا ؟ قال جبريل: تواضع لربك يا محمد، قال: بل عبدا رسولا)رواه أحمد وصححه ابن حبان.
فكان ـ عليه الصلاة والسلام ـ أكثر الناس تواضعا، وأخفضهم جناحا، وألينهم جانبا، وسيرته ـ عليه الصلاة والسلام ـ مليئة بالمواقف والعبر في هذا الخلق العظيم.
لقد أنعم الله تعالى عليه بمنزلة ما بلغها ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فكان سيد البشر، وأفضل الخلق، وخاتم الرسل، وكان إذا أخبر عن منزلته تلك يقرن إخباره بها بنفي الفخر؛ تواضعا لله تعالى، وإزراء بنفسه الشريفة، عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:(أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر)رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
ومن تواضعه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه كره أن يُفضل على الأنبياء ـ عليهم السلام ـ مع أنه سيدهم وخاتمهم وأفضلهم، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ(لا يقولن أحدكم إني خير من يونس بن متى)رواه الشيخان عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
ولما قال له رجل:(يا خير البريه، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ذاك إبراهيم عليه السلام)رواه مسلم.
وما كان يقبل حمية أحد له في تفضيله على غيره من المرسلين ـ عليهم السلام ـ ، روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ فقال:(استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال المسلم: والذي اصطفى محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ على العالمين في قَسَمٍ يقسم به، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم عند ذلك يده فلطم اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره الذي كان من أمره وأمر المسلم، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : لا تخيروني على موسى)متفق عليه.
كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ متواضعا في لباسه ومركبه؛ فيلبس ما تيسر من اللباس، ولا يأنف من ركوب البغال والحمير، ولو شاء ـ صلى الله عليه وسلم ـ للبس الديباج والحرير، ولما ركب إلا أصيلات الخيل، كيف وأغنياء الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يفدونه بأنفسهم وأموالهم!! كيف وقد منَّ الله تعالى عليه بالفتوح وساق إليه أموال اليهود والمشركين!! ولكن تواضعه ـ عليه الصلاة والسلام ـ يأبى عليه أن يسير سيرة الملوك، أو يتخلق خلق الأغنياء، أو يتزيا بزي أهل الدنيا، وهو الذي اختار أن يكون عبدا رسولا. روى أبو بردة ـ رحمه الله تعالى ـ فقال:(دخلت على عائشة، فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن، وكساء من التي يسمونها الملبدة قال: فأقسمت بالله، إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبض في هذين الثوبين)رواه الشيخان.
قال القاضي عياض ـ رحمه الله تعالى ـ : كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يلبس ما وجده، فيلبس في الغالب الشملة، والكساء الخشن، والبرد الغليظ.
وروى أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ :(أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ركب حمارا عليه إكاف تحته قطيفة فدكية)متفق عليه.
وربما أردف بعض أزواجه أو أصحابه خلفه، وإذا تلقاه الصبيان أردفهم معه على دابته، وهذا من أبين الدلائل على تواضعه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، روى عبد الله بن جعفر ـ رضي الله عنهما ـ فقال:(كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا قدم من سفر تُلُقِّيَ بصبيان أهل بيته، قال: وإنه قدم من سفر فَسُبق بي إليه فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه، قال: فأُدْخلنا المدينة ثلاثةً على دابة)رواه مسلم.
وكان ـ عليه الصلاة والسلام ـ متواضعا مع أسرته وفي داخل بيته، ويعمل أعمالا يأنف منها كثير من الرجال، سئلت عائشة ـ رضي الله عنها ـ:( ما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصنع في البيت؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا سمع الأذان خرج) وروى عروة بن الزبير فقال: قلت لعائشة: يا أم المؤمنين، أيُّ شيء كان يصنع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا كان عندك؟ قالت: ما يفعل أحدكم في مهنة أهله، يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويرقع دلوه)رواه أحمد. وفي رواية قالت ـ رضي الله عنها ـ:(كان بشرا من البشر: يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه).
وكان ـ عليه الصلاة والسلام ـ متواضعا مع الناس، ومن شدة تواضعه أنه لا يعرف من بين أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ ، فلا يتميز عليهم بملبس أو مركب أو مجلس، كما هي عادة الكبراء والأغنياء، وإذا جاء الغريب ما عرفه من بينهم حتى يسأل عنه؛ كما روى أبو ذر وأبو هريرة ـ رضي الله عنهما ـ فقالا:(كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجلس بين ظهري أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل، فطلبنا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه، قال: فبنينا له دكانا من طين -أي: دكة من طين- فجلس عليه، وكنا نجلس بجنبتيه)رواه أبو داود.
ومن تواضعه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه يكره أن يقوم الناس له كما هو شأن أهل الدنيا، قال أنس ـ رضي الله عنه ـ :(ما كان شخص أحب إليهم رؤيةً من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك)رواه أحمد.
ومن تواضعه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه يجيب دعوة من دعاه ولو كان فقيرا، ويقبل من الطعام ما كان يسيرا، ولا يشترط في ذلك، أو يغضب من دعوة يراها أقل من حقه، كما هو حال كثير من الكبراء والأغنياء، وكان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول: (لو دعيت إلى ذراع أو كُرَاع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع أو كُرَاع لقبلت)رواه البخاري. وكان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يربي أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ على ذلك فيقول لهم: (إذا دعيتم إلى كُراع فأجيبوا)رواه مسلم. والكُراع من الدابة ما دون الكعب.وقال أنس ـ رضي الله عنه ـ :(كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب)رواه أبو يعلى.
ولا يأنف ـ عليه الصلاة والسلام ـ من الضعفة والمساكين، ولا يتبرم من ذوي الحاجات، بل يستمع إليهم، ويقضي حاجاتهم، فيجيب السائل، ويعلم الجاهل، ويدل التائه، ويتصدق على الفقير، وما يرد أحدا قصده في حاجة، وكان أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ يتبركون بالماء يغمس يده الشريفة فيه، فما يردهم، ولا ينزعج من كثرة طلبهم، قال أنس ـ رضي الله عنه ـ :(كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيها، فربما جاءوه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها)رواه مسلم. وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ:(أن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت:يا رسول الله، إن لي إليك حاجة، فقال: يا أم فلان، انظري أيَّ السكك شئت ؟ حتى أقضيَ لك حاجتك، فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها) رواه مسلم.
وأخبار تواضعه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كثيرة، وسيرته العطرة مليئة بها، وما حفظ عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه تكبر على أحد، أو فاخر بنفسه أو مكانته، وقد نال أعلى المنازل، وحظي عند ربه بأكبر المقامات، فهو صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والمقام المحمود، وأُسري به إلى السموات العلى حتى بلغ سدرة المنتهى، وبلغ مقاما لم يبلغه مخلوق قبله ولا بعده، وكلمه الرب جل جلاله بلا واسطة، وأنعم عليه بالمعجزات، وأيده بالآيات. وما حكا شيئا من ذلك على وجه الفخر أو المدح لنفسه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولا تعالى به على الناس، بل كان التواضع صفته، وخفض الجناح سمته، فصلوات ربي وسلامه عليه صلاة وسلاما دائمين ما تعاقب الليل والنهار، والحمد لله رب العالمين. وأقول ما تسمعون....
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى ربكم، واعرفوا هدي نبيكم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وتخلقوا بأخلاقه؛ فإنه قدوتكم وأسوتكم [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا] {الأحزاب:21}
أيها المسلمون: كان التواضع سجية للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ما كان يتكلف التخلق به، أو يتصنعه أمام الناس، وإلا فإن كثيرا من ذوي الشرف والرياسة يظهرون التواضع وقلوبهم متكبرة، وفي القرآن العظيم [كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ] {غافر:35} .
وفي أكبر المجامع التي تستخف النفس البشرية، وقد تدفعها إلى نوع من الكبر والتميز على الناس كان النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يزداد فيها إلا تواضعا إلى تواضعه، وأعظم جمع حضره في حياته، وخطب الناس فيه كان يوم عرفة، ومع ذلك برز للناس على ناقته، وقد توجهت إليه جموع الحجيج!!
وانظروا إلى زعماء الدنيا، وقادة الناس إذا وقفوا يخطبون في الجموع الكثيرة التي تهتف لهم أين يقفون؟ وكيف يقفون؟ وقارنوا ذلك مع وقوفه ـ عليه الصلاة والسلام ـ في عرفة على ناقته بكل تواضع وذل لله تبارك وتعالى.
ومواقف النصر والفتوح تستبد بالقادة والفاتحين، وتستخف عقولهم،وتستولي على نفوسهم، فيكون فيها فخرهم وعلوهم، ولا يقدر على التواضع فيها إلا أقل الرجال، وما حفظ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم -رغم كثرة فتوحه وانتصاراته- أنه تعالى بنصر، ولا استبد به فتح ، بل يزداد تواضعا إلى تواضعه. ويوم الفتح الأكبر حين دخل مكة منصورا مؤزرا دخلها وهو مطأطئ رأسه تواضعا لله تعالى، حتى إن رأسه ليمس رحله من شدة طأطأته، ولما هابته الرجال فارتعدوا أمامه هون عليهم، وسكن من روعهم، وأزال هيبته من قلوبهم، وأزرى بنفسه الشريفة ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
روى أبو مسعود البدري ـ رضي الله عنه ـ:(أن رجلا كلم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الفتح فأخذته الرعدة فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد) وفي رواية عن أبي مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: (أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجل فكلمه فجعل ترعد فرائصه، فقال له: هون عليك فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد)رواه ابن ماجه وصححه الحاكم.
هكذا كان تواضع نبيكم ـ محمد صلى الله عليه وسلم ـ ، ولا يملك من يقرأ سيرته، ويطلع على صفاته إلا أن يمتلئ قلبه بمحبته؛ ولذلك أحبه كثير من الكفار وإن لم يؤمنوا به؛ لما رأوا من حسن أخلاقه، وجميل صفاته.
والناس مفطورون على محبة المتواضعين، وعلى بغض المتكبرين، فإن تكبر عائل ضعيف ازداد الناس له بغضا واحتقارا وكراهية، كما أنه إذا تواضع سيد كبير؛ عظم في قلوب الناس وأحبوه. ونبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو سيد الخلق، وخاتم الرسل، وأعلى الناس مكانة في الدنيا والآخرة، وهو ـ عليه الصلاة والسلام ـ أشد الناس تواضعا لله تعالى، فحري أن يملك القلوب، وأن يحبه كل البشر إلا المستكبرين. وحري بأتباعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يكونوا من المتواضعين؛ اتباعا لهديه، وتمسكا بسنته، ولا سيما إذا كانوا من سراة الناس وسادتهم.
وواجب على من أنعم الله تعالى عليهم بنعمة الجاه أو المال، فجعل حاجة الناس إليهم أن يقرءوا من السيرة النبوية ما يتعلق بجوانب التواضع، وخفض الجناح، ولين الجانب؛ ليتعلموا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكارم الأخلاق، وكيفية التعامل مع الناس؛ فإن ذلك من واجبات الإيمان، ومن شكر الله تعالى على نعمه التي أنعم بها عليهم.
ولا يحل لذي جاه أن يتكبر على الناس بجاهه وقد أعطاه الله تعالى إياه، ولا لذي مال أن يرى في نفسه ما لا يرى للناس وهو لا يرزق نفسه فضلا عن أن يرزق غيره، فإن تخلق بالكبر من آتاه الله تعالى علوم الشريعة فهو من أقبح الناس؛ إذ لم ينفعه علمه في ذلك، وكان كالحمار يحمل أسفارا.
ومن آتاه الله تعالى نعمة فترفع بها على الناس فقد أوبق نفسه، وكفر نعمة ربه، والله تعالى قادر على أن يسلبه ما أعطاه، فيصير بعد العز إلى الذل، وبعد الغنى إلى الفقر، مع ما ما يناله من فرح الناس عليه، وشماتتهم به، وسخريتهم منه، ويبقى له ما يستحق من عذاب الآخرة.
فتواضعوا لله تعالى ربكم، واخفضوا لإخوانكم جناحكم، واحذروا الكبر والمتكبرين، واستعيذوا بالله تعالى من كبرهم [وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحِسَابِ] {غافر:27}.وصلوا وسلموا على نبيكم....
|