المدخن ليس بحاجة ان يخبره احد عن اضرار التدخين
دراسة تثبت تغلغل النيكوتين في مراكز المتعة بالمخ
محمد حامد – إيلاف: هناك مجموعة من الحقائق العلمية التي أصبحت راسخة فيما يتعلق بالتدخين، على رأس هذه الحقائق أن مخ المدخن المدمن يتعامل مع النيكوتين كما لو كان ضروريا لحياته، كما أن بعض السمات المتعلقة بالشخص المدخن قد تجعله عرضة للغرق في الإدمان (إدمان التدخين) بشكل كبير أكثر من غيره، وهناك حقيقة أخرى مفادها أن معظم المدخنين يحاولون الخروج من دائرة التدخين ولكنهم يصلون إلى فشل كبير. القسم الصحي لصحيفة نيويورك تايمز أعاد فتح هذا الملف من جديد في تقرير يحمل بعض المعلومات الجديدة، وكانت بداية طرح الموضوع بسؤال بديهي إذا كنت مدخنا فلست في حاجة إلى أحد يخبرك عن أضرار التدخين، ومع ذلك فلماذا لم تقلع؟ ولماذا لا يقلع كل شخص عن التدخين؟ والإجابة ببساطة لأن التدخين يجعلك تشعر بحالة من الراحة والاسترخاء، حيث أنه يحفز المخ ويركز عليه في المقام الأول كما أنه يهدئك ويجعلك تشعر بالرضا. حيث تعمل جرعة النيكوتين المسحوبة من سيجارة والمواد الكيميائية الأخرى على التأثير في مناطق المتعة في المخ.
يقول الدكتور ديفيد أبرامز، باحث في ظاهرة الإدمان في المعهد الوطني الأميركي للصحة: أعلم تماما لماذا لا يمكنك أن تقلع عن التدخين. إن التخلص من النيكوتين يعد أصعب من التخلص من الهيروين والكوكايين، حيث أن التدخين يسيطر على أنظمة المكافأة في المخ التي تدفعك للبحث عن الغذاء والماء والجنس، كما تدفعك إلى البحث عن النيكوتين بنفس الحماس. حيث أن مخك يعتقد أن هذا ما يجب أن تفعله من أجل حفظ النوع.
ومع ذلك فليس للنيكوتين التأثير الإدماني عادة على كل الأشخاص. فالعديد من الأشخاص لا يدخنون لأنهم لم يرغبوا أبدا أن يقربوه. ثم هناك نوع ثان من الأشخاص وهم من يدخنون أحيانا ولكنهم لا يقعون تحت سيطرة التدخين. ولكن أغلب الأشخاص الذين يدخنون أحيانا يتحولون إلى مدخنين مستمرين.
وهناك اكتشافات جديدة في علم الجينات الوراثية توضح لماذا يدمن أشخاص معينين التدخين بهذا الميل الغريب. فبعض الأشخاص على سبيل المثال تفرز أجسامهم إنزيم خاص يقوم بإزالة النيكوتين من الدم بسرعة لهذا فإنهم يميلون إلى التدخين أكثر حتى يتحولوا إلى مدمنين. بينما يمتلك آخرون مستقبلات خاصة في المخ ترتبط بشدة مع النيكوتين بحيث يصعب التخلص من النيكوتين.
ويسعى صانعو الأدوية إلى استغلال علم الإدمان من أجل ابتكار أدوية جديدة تساعد المدخنين على الإقلاع عن التدخين. وهناك دواء جديد يعمل على الإقلاع عن التدخين تمت إجازته بعد عشر سنوات من التجارب ويسمى تشانتكس. ويقوم هذا الدواء بالتنكر كما لو كان هو مادة النيكوتين ويشغل مستقبلات مادة النيكوتين في المخ حيث يعمل على تقليل الرغبة في التدخين، وعندما يأتي النيكوتين الحقيقي إلى المخ لا يجد مستقبلات عصبية كافية كي يؤثر فيها.
ويبدو أن دواء تشانتكس يحقق نجاحا أعلى من دواء زيبان المضاد للإكتئاب والذي يعمل على توازن مادة الدوبامين في المخ. وقد تم إصدار توجيهات فيدرالية إلى الأطباء مؤخرا من أجل مساعدة المدخنين على الإقلاع عن التدخين من خلال استخدام هذا الدواء ولصقة النيكوتين البديلة واستخدام النيكوتين في شكل رذاذ يرش أو علكة أو لبان يمضغ إذا تطلب الأمر ذلك مما يؤدي إلى مقاومة وإمتناع عن التدخين لفترة طويلة أطول مما لو استخدمت اللصقة البديلة وحدها.
وقد كتب الأطباء ملايين الوصفات الطبية من أجل حصول المدمنين على دواء تشانتكس على الرغم من أن الحماس لتناول هذا الدواء قد هدأ نتيجة ما جاء في التقارير التي تتحدث عن عمليات الانتحار والسلوكيات الغريبة التي قد يفعلها من يتعاطون هذا الدواء. وقد حثت التقارير إدارة الأغذية والأدوية على إصدار تحذير أمان عن دواء تشانتكس في بداية عام 2008 .
حيث قال دكتور ميشيل فيوري المتخصص في التوقف عن التدخين في جامعة ويسكونسن ورئيس الهيئة الحكومية التي أصدرت التوجيهات الجديدة الخاصة بالدواء: إنه شيء يجب أن يؤخذ بجدية ولكن يجب أن ينظر إليه من خلال سياق ما يحدث إذا توقف الشخص عن التدخين. وكان دكتور فيوري معتادا على استشارة شركة فايزر المصنعة لهذا الدواء ولكنه قال بأنه قطع علاقته بهذه الشركة منذ عام 2005 . ومازال يصف الدواء ولكنه يتناقش مع المرضى عن ضرورة الاحتياط الآمن من هذا الدواء.
وقد شاركت الدكتورة نانسي ريجوتي في الدراسات التي أجريت على دواء تشانتكس في المستشفى العام في ماساشوتس في بوسطن، وفي اطار شرحها للتجربة قالت: إن تلك المحاولات التجريبية قد طبقت على أشخاص يتمتعون بصحة جيدة. ولم يكن بينهم أي أشخاص يعانون من الإكتئاب أو كانوا يعانون منه من قبل. كما أضافت بأنه من المحتمل أن يكون لدواء تشانتكس أثارا جانبية لدى بعض المجموعات من الأشخاص.
ويجب أن تعمل الأبحاث المتواصلة على حل الاهتمامات المتباطئة عن مدى أمان دواء تشانتكس. وفي نفس الأثناء يستمر الخبراء في التوصية باستخدام البدائل مثل اللبان البديل الذي يحتوي على مادة النيكوتين واللصقات والرذاذ الأنفي ومواد الإستنشاق ومواد الاستحلاب والتي ثبت أنها آمنة في الإستخدام.
ولا يسبب النيكوتين بذاته مرض السرطان أو مرض القلب أو أي مشكلات صحية أخرى رئيسية ذات علاقة بالتدخين ولكن المسؤول عنها المواد الكيميائية الأخرى التي توجد في التبغ. ويمكن استخدام بدائل التدخين المحتوية على النيكوتين مع بعض الأدوية التي يصفها الطبيب من أجل الحصول على نتائج جيدة. وهناك دليل حديث يقترح أن استخدام نوعين من هذه البدائل في وقت واحد مثل اللصقة واللبان معا يؤدي إلى نتيجة أفضل من استخدام بديل واحد فقط.
وقد قال الدكتور فيوري: من السهل جدا أن تذهب إلى أي متجر وتحصل على علبة سجائر ولكن يصعب عليك الحصول على دواء ثبتت صلاحيته. وقد التمست هذا العام اللجنة الصحية لولاية نيويورك من إدارة الأغذية والدواء أن تراجع قوانينها بشأن بدائل التدخين المحتوية على مادة النيكوتين مثل اللبان (العلكة) واللصقات ومواد الإستحلاب حيث يمكن بيعها في أي مكان يبيع السجائر وبأسعار تنافس أسعار بيع السجائر. وتفحص الإدارة هذا الإلتماس المقدم حاليا.
ولكن مازال الدواء الذي يأتي نتيجة مع جميع الأشخاص غير موجود. فمع أغلب الحالات الناجحة في الإقلاع عن التدخين فإن 30 بالمائة فقط من تلك المحاولات هي التي تستمر في التوقف عن التدخين لفترة أكثر من ستة أشهر. ومقارنا باستخدام الإرادة وحدها للإقلاع عن التدخين فهذا يعد انجازا كبيرا. فمن بين كل عشرة مدخنين يحاولون الإقلاع عن التدخين باستخدام الإرادة فقط ينجح واحد فقط في التوقف لمدة تزيد عن ستة أشهر. أما الغالبية فلا يستمرون في التوقف عن التدخين لفترة أكثر من أسبوع واحد فقط.
ويجب أن يتعلم المدخنون الذين أقلعوا كيفية العمل دون النيكوتين وأن يتأقلموا مع المثيرات التي تثير الرغبة في التدخين. ومن المهم أن يدرك المدخنون السابقون أنه من الممكن أن نستمتع بالحياة دون سجائر.