بتـــــاريخ : 10/8/2008 5:01:07 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1067 0


    صفات النبي صلى الله عليه وسلم الخلقية

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : محمد راتب النابلسى | المصدر : www.quran-radio.com

    كلمات مفتاحية  :
    فقه السيرة النبوية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

    أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية ، وقد كان موضوع الدرس الماضي الحديث عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم الخَلقية ، وبعض صفاته الخُلقية .

    والآن نتابع الحديث عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم الخُلقية ، لأن الله سبحانه وتعالى أثنى على خلقه العظيم فقال تعالى :

    ( سورة القلم ) .

    لقد كان صلى الله عليه وسلم وافر الأدب ، كان يقول :  (( أدبني ربي فأحسن تأديبي )) .

    [ أخرجه ابن السمعاني في أدب الإملاء عن ابن مسعود ]

    وحينما قال : (( بني الإسلام على خمس )) .

    [ متفق عليه عن ابن عمر ]

    تبين من هذا الحديث أن الإسلام بناء أخلاقي ، وأن دعائمه أركان هذا الدين ، (( بني الإسلام على خمس )) .

    يؤكد هذا المعنى أن العالم الجليل ابن القيم رحمه الله تعالى يقول : " الإيمان هو الخلق ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان " ، قال عليه الصلاة والسلام : (( أدبني ربي فأحسن تأديبي ))  .

    وحينما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلقه قالت : (( كان خلقه القرآن )).

    [مسلم عن عائشة]

    وحينما قيل : القرآن كون ناطق ، والكون قرآن صامت ، والنبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي ، إذاً كان صلى الله عليه وسلم وافر الأدب ، جم التواضع ، وعلامة إيمانك بالله التواضع ، وعلامة تعظيمك لله التواضع ، لأن الربَ ربٌ ، والعبدُ عبدٌ ، شأن العبد التواضع ، وشأن الله سبحانه تعالى أنه عظيم ، وأن كل شيء يصدر عنه عظيم ، وأن الذي لا يرى عظمة الله يستحق خسارة أبدية لا توصف .

    أيها الإخوة الكرام ، تواضع النبي صلى الله عليه وسلم أحد أسباب شمائله وخلقه العظيم ، كان إذا دخل عليه رجل وأصابته رعدة يقول له : (( هون الله عليك ، فلست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد )) .

    [أخرجه الحاكم من حديث جرير وقال صحيح على شرط الشيخين ] .

    وكان إذا سافر مع أصحابه ، وقال أحدهم : علي ذبح الشاة ، وقال الثاني : علي سلخها ، وقال الثالث : وعلي طبخها ، وقال عليه الصلاة والسلام : علي جمع الحطب ، يقال له : يا رسول الله ، نكفيك ذلك ، يقول : ((قد علمت أنكم تكفوني ، ولكن أكره أن أتميز عليكم ، فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزا على أصحابه )) .

    وكان إذا دخل عليه أعرابي يقول : أيّكم محمد ؟ يقول له : أنا ، وفي بعض الروايات يقول له بعض أصحابه : ذاك الوضيء .

    وكان عليه الصلاة والسلام : جم التواضع ، وافر الأدب ، يبدأ الناس بالسلام  يتحبب إلى الناس بالسلام .

    كان عليه الصلاة والسلام يقول : (( أفشوا السلام بينكم )) .

    [ رواه أحمد في مسنده والترمذي والضياء عن الزبير بن العوام ] .

    السلام من سمة المؤمنين ، إلقاء السلام سنة مؤكدة ، لكن رد السلام فريضة ، وأنت حينما تقول لمن تلتقي به : السلام عليم فقد جعلت العلاقة بينك وبينه علاقة سلام ، يبدأ الناس بالسلام ، وينصرف بكله إلى محدثه ، وتراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه ، ولعله أدرى به ، هناك من يتعلم فن الكلام ، لكن النبي عليه الصلاة والسلام علمنا فن الكلام ، وعلمنا فن الاستماع ، ولا يتقن فن الاستماع إلا القلة ، يتقن فن الكلام كثيرون من البشر ، لكن الذين يتقنون فن الاستماع قليلون جداً ، فكان يصغي إلى محدثه ، ينصرف بكله إلى محدثه ، وهذا تكريم له ، وهذا أدب ما بعده أدب أن تستمع ، أحياناً الإنسان لا يصغي إلى من يحدثه ، ولو كان أقرب الناس إليه ، .

    كان عليه الصلاة والسلام : يصغي إلى زوجته ، وأحياناً بعد مضي وقت من الزواج ترفع الكلفة بين الزوجين ، فقلّمَا يصغي الزوج إلى زوجته ، لكنه عليه الصلاة والسلام أصغى إليها كثيراً ، وقد حدثته عن قصص كثيرة ، حدثته مرة عن أبي زرع حديثاً طويلاً ، وتحدثت عن محبته لأم زرع ، وعن وفاءه لها ، ثم أسفت أشد الأسف حينما قالت : لكنه طلقها ، فقال عليه الصلاة والسلام : أنا لكِ كأبي زرع ، لكني لا أطلقك .

    كان يصغي إلى محدثه ، بل ينصرف بكله إلى محدثه صغيراً كان أو كبيراً ، أن تصغي إلى الكبير شيء مألوف ، أما أن تصغي بكلك إلى صغير فهذا منتهى مكارم الأخلاق .

    كان ينصرف إلى محدثه صغيراً كان أو كبيراً ، أما إذا صافحه أحد أصحابه فكان آخر من يسحب يده إذا صافح ، إلى أن يسحب الصحابي يده من يد رسول الله ، أن تسلم على الناس بحرارة ، بمودة ، بطلاقة وجه ، أن تسألهم عن أحوالهم ، عن أولادهم ، عن صحتهم  عن معاشهم ، عن أعمالهم ، هذا منتهى الأدب ، ومنتهى الود .

    لذلك ورد في بعض الآثار : بُعثت لمداراة الناس ، أنت حينما تداري من حولك تتلطف معهم .

    لذلك كان عليه الصلاة والسلام : بشوشاً ، ضاحكاً ، يلقى أصحابه بالبشاشة ، وقد قال : (( تبسُّمُكَ في وجهِ أخيكَ لكَ صدَقةٌ )) .

    [ رواه الترمذي عن أبي ذر ] .

    لكنه كان على درجة عالية من الحكمة ، ومن أخذ الحيطة .

    فكان عليه الصلاة والسلام : يحذر الناس ، ويحترس منهم من غير أن يطوي بشره عن أحد ، إذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين ، وهذا أيضاً نوع من الأدب ، لا أن تلقي عليه مبلغاً من المال إلقاءً ، لا أن تكلف أحد أن يعطيه هذا المال ، يضع الصدقة بيده في يد المسكين ، وإذا جلسَ جلس حيث ينتهي به المجلس ، أناس كثيرون إذا دعو إلى احتفال إن لم يكن لهم مكان في الصف الأول غضبوا أشد الغضب ، كان عليه الصلاة والسلام جلس حيث ينتهي به المجلس ، لم يُرَ ماداً رجليه قط ، ولا بين أصحابه ، لم يُرَ ماداً رجليه قط ، وهذا أدب جم ، هناك جلسة فيها أدب ، هناك وقفة في أدب ، هناك حركة فيها أدب ، هناك نظرة فيها أدب ، كان عليه الصلاة والسلام لم يُرَ ماداً رجليه قط ، ولم  يكن يأنف من عمل لقضاء حاجته ، أعطانا موازين ثلاثة .

    كان عليه الصلاة والسلام يقول : (( برئ من الكبر من حمل حاجته بيده ، وبرئ من النفاق من أكثر من ذكر الله ، وبرئ من الشح من أدى زكاة ماله )) .

    [ورد في الأثر]

    الذي يؤدي زكاة ماله لا يمكن أن يوصف بالشح ، أعطانا موازين ثلاثة ، إذا حملت حاجتك بيدك ، ولتكن مرتبتك أية مرتبة ، برئت من الكبر ، فكان عليه الصلاة والسلام لا يأنف من عمل لقضاء حاجته ، وقد علمنا ألا نسأل الناس شيئاً .

    وكان الصحابي الجليل ينزل عن ناقته ليلتقط زمام ناقته ، ولا يسأل أصحابه أن يعطوه الزمام ، لم يكن يأنف من عمل لقضاء حاجته ، أو حاجة صاحب أو جار ، كان في خدمة أصحابه ، لما كانت معركة بدر كان الصحابة ثلاثمئة رجل أو يزيدون قليلاً ، وكانت الرواحل قليلة ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( وَأَنَا وَعَلِيٌّ وَأَبُو لُبَابَةَ عَلَى رَاحِلَةٍ ، فَكَانَ أَبُو لُبَابَةَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللهِ e ، فَكَانَتْ نَوْبَةُ رَسُولِ اللهِ e ـ دورُه في السَّيْرِ ـ فقالا له : نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ ـ ليظلَّ راكباً ـ فقال : مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي عَلَى السَّيْرِ ، وَلاَ أَنَا بِأَغْنَى مِنْكُمَا عَنِ الأَجْرِ )) .

    [النسائي في السنن الكبرى ، وأحمد]

    وكان يذهب إلى السوق ، ويحمل بضاعته ويقول : أنا أولى بحملها ، الله عز وجل وصف الأنبياء :

    ( سورة الفرقان الآية : 20 ) .

    وفي هذه الآية ملمح دقيق ، أن هذا الإنسان الذي يأكل الطعام ليس إلهاً ، الإنسان الذي يفتقر في وجوده ، وفي استمرار وجوده إلى الطعام ، لا يمكن أن يكون إلهاً ، بل إن الإنسان مفتقر مرتين ، مفتقر إلى أن يأكل ، ومفتقر إلى تحصيل ثمن الطعام ، ﴿ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾ ، فكان عليه الصلاة والسلام يذهب إلى السوق ، ويحمل بضاعته ، ويقول : أنا أولى بحملها ، كان يجيب دعوة الحر والعبد والمسكين ، وكان يقول : (( من دعي ولم يلبي فقد عصا أبا القاسم )) .

    [أحمد]

    وكان يقول : (( لو دعيت إلى كراع لأجبت ، ولو أهدي إلي ذراع لقبلت )) .

    [أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة ] .

    أقل شيء في الخروف قدماه ، و في رواية : لو دعيت إلى كراع بالغميم ، بمكان بعيد في ظاهر المدينة لأجبت ، وقد دعي مرةً ، وقدّم له خل فقال : ((نعم الإدام الخل )) .

    [ أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود ، الترمذي ، النسائي ، ابن ماجه عن جابر صحيح مسلم والترمذي عن عائشة ]  

    وكان عليه الصلاة والسلام : يجيب دعوة الحر والعبد والمسكين ، وأنت حينما تدعى إلى طعام ، أو إلى احتفال ، أو إلى عقد قران ، يجب أن تعلم أن تلبيتك لهذه الدعوة نوع من العبادة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيب دعوة من دعاه ، لكن الناس أحياناً يجيبون دعوة الأقوياء والأغنياء ، ولا يجيبون دعوة الفقراء ، وهذا مأخذ كبير على الإنسان .

    وكان عليه الصلاة والسلام : يقبل عذر المعتذر ، العظماء أيها الإخوة يغفرون الزلات ، ويقبلون الأعذار  ، فهذا الذي ارتكب خيانة عظمى قال له : يا حاطب ، وقد أخبر قريش أن محمداً سيغزوهم ، ما حملك على ما فعلت ؟ قال : والله يا رسول الله ما كفرت ، ولا ارتددت ، ولكني لصيق في قريش أردت بهذا الكتاب أن أحمي أهلي ومالي ، وأنا موقن أن الله سينصرك ، فاغفر لي ذلك يا رسول الله ، فقال عليه الصلاة والسلام : إني صدقته فصدقوه ولا تقولوا فيه إلا خيراً .

    الإنسان اللئيم لا يسترضى ، ولا يرضى ، لكن الإنسان المؤمن يسترضى   ويرضى .

    وكان يقول : (( من أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك منه محقا أو مبطلا )) .

    [ أخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة ] .

    وكان عليه الصلاة والسلام : يقبل عذر المعتذر ، كان يرفو ثوبه ـ كان يقضي بعض حاجاته بيده ـ ويخصف نعله ، ويخدم نفسه ، ويعقل بعيره ، ويكنس داره ، وكان في مهنة أهله ، أي في خدمة أهله ، أناس كثيرون يترفعون أن يقوموا بأعمال في المنزل ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا أنك إذا قمت في بعض الأعمال في المنزل تمتنت العلاقة بينك وبين زوجتك ، كان يرفو ثوبه ، ويخصف نعله ، ويخدم نفسه ، ويعقل بعيره ، ويكنس داره ، وكان في مهنة أهله .

    وكان عليه الصلاة والسلام : يأكل مع الخادم ، ويقضي حاجة الضعيف والبائس ، جاءه ملك من ملوك الغساسنة ، عدي بن حاتم ، يظنه ملكاً أو يظنه نبياً ، هو في حيرة ، فلما لقيه سأله عن اسمه وتكريماً له دعاه إلى بيته ، وفي الطريق استوقفته امرأة مسنة ، فوقف معها طويلاً تكلمه في حاجتها ، فقال في نفسه : والله ما هذا بأمر ملك ، إنه نبي ، فلما دخل إلى بيته أعطاه النبي وسادة من أدم محشوة ليفاً ، قال : اجلس عليها ، قلت : بل أنت ، قال : بل أنت ، فجلست عليها ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض ـ أرأيت إلى هذا التواضع ! وإلى تكريم الضيف ـ ! .

    دخل مرةً على عبد الملك بن مروان وفد تقدمهم غلام ، فغضب أشد الغضب ، وقال لحاجبه : ما شاء أحد أن يدخل عليه حتى دخل ؟ حتى الصبيان ؟ فابتسم هذا الصغير وقال : أيها الأمير ، إن دخولي عليك لم ينقص من قدرك ، ولكنه شرفني ، كان عليه الصلاة والسلام : يأكل مع الخادم ـ أرأيت إلى هذا التواضع ! وإلى تكريم الضيف ! .

    وكان عليه الصلاة والسلام : يمشي هوناً ، خافض الطرف ، متواصل الأحزان لأنه يحمل هم البشرية  ونحن إن حملنا همّ أسرتنا هذا عمل طيب ، وإن حملنا هم الأسرة الكبيرة هذا عمل أطيب   ، أما حينما تحمل هم المسلمين فهذا عمل عظيم ، لكن النبي عليه أتم الصلاة والتسليم كان يحمل هم البشرية ، كان يقول : (( لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ، ولضحكتم قليلا )) .

    [ أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء ] . 

    كان عليه الصلاة والسلام : يمشي هوناً ، وهناك ملمح في معنى يمشي هوناً ، أن الدنيا لا تشغله عن هدفه الكبير ، وأن مشكلات الدنيا لا تصرفه عن معرفة ربه ، ولا عن طلب مرضاته ، أناس كثيرون أقل مشكلة تنهي تطلعهم إلى الآخرة ، أقل قضية مزعجة تصرفهم عن طلب الحق ، كان عليه الصلاة والسلام يمشي هوناً ، وقد وصف الله جل جلاله عباد الرحمن :

    ( سورة الفرقان الآية : 63 ) .

    يعني يفكرون في آخرتهم ، هدفهم واضح ، هدفهم كبير ، مشكلات الدنيا لا يسمحون لها أن تشغلهم عن آخرتهم ، ولا عن تحقيق أهدافهم ، يمشي هوناً ، خافض الطرف  ، تواضعاً لله عز وجل ، متواصل الأحزان ، دائم الفكر ، يفكر ، هذا الفكر يعد أعظم منحة منحنا الله إياها ، هذا الفكر من أجل أن تعرف الله به ، ومن أجل أن تبحث عن طرق رضوانه   ، لكن معظم الناس أعملوه لغير المهمة التي خلق لها .

    كان عليه الصلاة والسلام : دائم الفكر لا ينطق من غير حاجة ، كان يقول : نضر الله وجهه من أوجز في كلامه واختصر على حاجته ،

    وكان عليه الصلاة والسلام : أفصح العرب ، كان يقول : (( أنا أفصح العرب ، بَيد أني من قريش )) .

    واستخدم أسلوباً بليغاً في تأكيد فصاحته ، طويل السكوت ، هذا الذي يتكلم دائماً يخطئ كثيراً ، طويل السكوت ،  فيك يا فلان خصلتنا يحبهما الله ورسوله ، قال : ما هما يا رسول الله ؟ قال الصمت وحسن الخلق ، فالصمت سمة ترضي الله عز وجل .

    وكان عليه الصلاة والسلام : إذا تكلم تكلم بجوامع الكلم ، كان كلامه فصلاً ، كلام عميق ، كلام أساسي ، كلام يضع النقاط على الحروف ، إذا تكلم تكلم بجوامع الكلم .

    وكان عليه الصلاة والسلام : دمثا رقيق الحاشية ، يألف ويؤلف من رآه بديهة هابه  ومن عامله أحبه ، كان دمثا ليس بالجاحد ، ليس الذي ينكر المعروف ، قبيل وفاته وقف صلى الله عليه وسلم خطيباً ، وقال : (( من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه ، ألا  ومن كنت قد شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه ، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليستقد منه ، لا يقولن رجل : إني أخشى الشحناء من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ألا وإن الشحناء ليست من طبيعتي ولا من شأني )) .

    [عن الفضل بن العباس في المعجم الطبراني الكبير] .

    كان دمثا ليس بالجاحد ولا المهين ، لا يهين أحداً ، يترفق بأصحابه ، جاء أصحاب عكرمة ابن أبي جهل مسلماً فقال : إياكم أن تسبوا أباه ، فإن سب الميت يؤذي الحي ، ولا يبلغ الميت ، كان دمثا ليس بالجاحد ولا المهين ، يعظم النعمة مهما دقت ، أن تشرب كأس ماء هذه نعمة لا يعرفها إلا من أصيب بالفشل الكلوي ، أن تنام مرتاحاً هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقد نعمة النوم ، أن تدخل إلى بيت يؤويك .

    كان عليه الصلاة والسلام يقول : (( الحمد لله الذي آواني ، وكم من لا مأوى له )) .

    [الترمذي]

    كان إذا استيقظ من منامه يقول : (( الحمد لله الذي رد إلي روحي ، وعافاني في بدني وأذن لي بذكره )) .

    [الترمذي]

    نحن غارقون في نعم لا تعد ولا تحصى ، ومع ذلك نكثر الشكوى .

    كان عليه الصلاة والسلام : يعظم النعمة وإن دقّت ، إنسان أخذ من ثوبه قشة فرفع يديه ، وقال : جزاك الله خيراً ، أن له صاحباً ودوداً ، أخذ من ثوبه قشة نزعها بيده ، ما ذم طعاماً قط ، وكم من إنسان يدعى إلى أفخر طعام ـ ملحها زائد ، هذا الطعام فيه مشكلة ، ما ذم طعاماً قط ، وهذا من أخلاقه العلية ، وفي رواية ولا مدحه ، أيضاً أن تكثر من مديح الطعام ، هذه مشكلة ، ما ذم طعاماً قط ، ولا مدحه ، ولم يذم مذاقاً ولا يمدحه ، ولا تغضبه الدنيا ، ولا ما كان لها .

    بعضهم قال : لي صاحب كان من أعظم الناس في عيني ، وكان رأس أعظم ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينيه ، فكان لا يشتهي ما لا يجد ، ولا يكثر إذا وجد ، لا تغضبه الدنيا ، وما كان لها ، يعرف حجمها يعرض أنها عرض زائل ، يعرف أنها تنتهي بالموت ، يعرف أن الدنيا جيفة طلابها كلابها ، يعرف ويقول : إن هذه الدنيا دار التواء ، لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، وجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا ، وجعل عطاء الآخرة بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي ، ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها ، ولا يغضب لنفسه أبداً ، لا يغضب إلا لله ، ولا ينتصر لها ، يعني حظوظه وضعها تحت قدمه ، يغضب لله ويرضى لله ، يفرح لله ، ويحزن لله ، إذا غضب أعرض وأشاح  ، يعني علامة غضبه الإعراض فقط ، هناك من يصخب ، ومن يشتم ، ومن يعلو صياحه   كان إذا غضب أعرض وأشاح ، وكان إذا فرح غض بصره ، علامة فرحه غض بصره   وكان يؤلف ولا يفرق ، يقول ليس منا من فرق ، هناك من يفرق بين الزوج وزوجته ، بإيغال صدر الزوجة ، وقد يكون أبوها ، وقد تكون أمها ، أو يفرق بين الزوج وزوجته بإيغار صدر الزوج على زوجته ، وقد يكون أباه أو أمه ، هناك من يفرق بين الأخ وأخيه ، والشريك وشريكه ، والجار وجاره ، كان يؤلف ولا يفرق ، يقرب ولا ينفر ، أية قصة قد تباعد بين اثنين ، أي حديث قد يفرق بين محبين كان عليه الصلاة والسلام يؤلف ولا يفرق ، يقرب ولا بنفر ، يكرم كريم كل قوم ، يعرف أقدار الناس ، يقول : أنزلوا الناس منازلهم ، يكرم كريم كل قوم ، ويوليه عليهم ، يتفقد أصحابه ، بعضهم تنتهي مهمته بإلقاء الدرس ، لكن بعض الدعاة يتفقدون إخوانهم ، يقتدون برسول الله ، يتفقدون أحوال إخوانهم ، أوضاع إخوانهم ، أسر إخوانهم ، مشكلات إخوانهم .

    كان عليه الصلاة والسلام : يتفقد أصحابه ، ويسأل الناس عما في الناس ، لم يكن يعيش في برج عاجي ، بعيد عن هموم الناس ، كان يحمل هموم الناس ، ومن كرم أخلاق الإنسان ، أن إذا كان هناك مشكلة سأل عنها ، وبحث عن أسبابها ، وسار في طريق حلها ، يسأل الناس عما في الناس ، كان يحسن الحسن ويصوبه ، عمل حسن يجب أن تصوبه ، وأن تثمنه وأن تثني على فاعله ، هناك إنسان لا يتكلم بكلمه ، قناص  يبحث عن الخطأ فقط ، أما الإنسان الكامل إذا رأى عملاً طيباً ، رأى موقفاً أخلاقياً ، رأى موقفاً كريماً يثني على صاحبه يحسن الحسن ويصوبه ، ويقبح القبيح ويوهنه ، كان يتفاعل مع الأحداث ، أولاً يسأل الناس عما في الناس ، يعنيه أمر الناس ، كان يعيش مشكلاتهم ، يحمل همومهم يتألم لألمهم ، يفرح لفرحهم ، وإذا رأى عملا طيبا يثني عليه ، ويقوي يمنة فاعله ، ويقبح القبيح ويوهنه ، لا يقصر عن حق ولا يجاوزه ، والفضيلة وسط بين طرفين ، لا يُفَرط ولا يُفرط ، أحيانا يتجاوز الإنسان الحدود التي رسمت له ، وأحيانا يقصر عن الواجبات التي كلف بها .

    كان عليه الصلاة والسلام : وسطيا ولا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه ، هذه بطولة ، ألاف مؤلفة حوله كل واحد من أصحابه يظن أنه أقرب الناس إليه ، من يستطيع    ذلك ؟ لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه ، من سأله حاجة لم يرده إلا بها .

    (( يا رسول الله ، لمن هذا الوادي ، قال : هو لك ، قال : أتهزأ بي ؟ قال : لا والله ، هو لك  قال : أشهد أنك رسول الله ، تعطي عطاء من لا يخشى الفقر ))  .

    [ورد في الأثر]

    ما قال لا يوما إلا في تشهده    لولا التشهد كانت لاءه نعم

     يعني ما قال لا إلا في تشهده ، من سأله حاجة لم يرده إلا بها ، أو ما يسره من القول ، يطيب خاطره ، يجبر كسره ، كان دائم البشر ، طليق الوجه مبتسم دائماً ، سهل الخلق ، لين العريكة ، يألف ويؤلف .

    (( رحم اللّه عبداً سمحاً إذا اشترى ، سمحاً إذا باع ، سمحاً إذا قضى ، سمحاً إذا  اقتضى )) .

    [ رواه البخاري وابن ماجه عن جابر ] . 

    وكان دائم البشر سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ولا غليظ ، الله عز وجل  أرشده ، هو الذي أوتي جوامع الكلم ، أوتي الفصاحة ، أوتي وحي السماء ، أوتي القرآن  أوتي المعجزات ، أوتي الجمال ، أوتي النسب ، جمع أطراف المجد كلها ، ومع ذلك يقول الله له :

    ( سورة آل عمران الآية : 159 ) .

    ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخاب ، ولا فحاش ، لم يكن صخاباً ، فاحش القول ، قد تجلس مع إنسان لا تطيق حديثه ، لشدة فحشه ، ولشدة مزاحه الرخيص .

    وكان عليه الصلاة والسلام : ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخاب ، ولا فحاش ، ولا عياب ، هذا الذي يبحث عن العيوب ، هو قناص ، أينما رأى عيباً ذكره ، ووسع دائرته  وعممه على كل الناس ، لم يكن صخاباً ، ولا فحاشاً ، ولا عياباً ، ولا مزاحاً ، يتغافل عما لا يشتهي ، الشيء الذي لا يشتهيه يتغافل عنه ، ولا يخيب فيه مؤملة ، وكان لا يذم أحداً ، ولا يعيره ، الذنب شؤم على غير صاحبه ، إن ذكره فقد اغتابه ، وإن عيره فقد ابتلي به ، وإن رضيه شاركه في الإثم ، كان يعلمنا أن إذا رأيت صاحب مصيبة أحمد الله أن كنت معافاً من هذه المصيبة ، من غير أن يسمعك هناك أنس تشكو إليهم حاجتك ، يقول : لا أنا الحمد لله ، أنا عندي زوجة جيدة ، وعندي أولاد نجباء ، فكان عليه الصلاة والسلام إذا شكا إليه أحد طيب قلبه ، لكن فيما بينه وبين الله يحمد الله أن عافاه من هذه المشكلة ، وكان لا يذم أحداً ، ولا يعيره ، ويطلب عورته ، من تتعب عورات الناس تتبع الله عورته حتى يفضحه في جوف بيته ، ولا يتكلم إلا فيما يرجى ثوابه ، والله أيها الإخوة قد تجلس في مجلس 90% من الكلام لا معنى له ، ولا طائل منه ، وليس له فائدة ، وليس له معنى ، كلام فارغ ، فكان عليه الصلاة والسلام لا يتكلم إلا فيما يرجى ثوابه ، يضحك مما يضحك منه أصحابه ، يعيش معهم ، هذا الذي يجلس مع قوم دون أن يشاركهم أفراحهم وأتراحهم ، ليس منهم ، موقف في جفاء ، فيه ترفع ، فيه استعلاء .

    وكان عليه الصلاة والسلام : يضحك مما يضحك منه أصحابه ، ويتعجب مما يتعجبون ، شيء شغل الناس يشاركهم بانشغالهم ، شيء أقلق الناس يشاركهم في قلقهم ، شيء أفرح الناس يشاركهم في فرحهم ، يصبر على الغريب .

    (( اعدل يا محمد ، فقال : ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل )) .

    [أحمد]

    أعطني من هذا المال يا محمد ، فهو ليس مالك ، وليس مال أبيك ، قال : صدق ، إنه مال الله ، ما هذا الحلم !

    يصبر على الغريب ، جاء أعرابي وبال في المسجد ، فقام إليه الأصحاب ، قال : (( دعوه ، لا تزرموا عليه بوله ، فلما انتهى قال : يا أخا العرب ، إن هذا المكان ليس لهذا الذي فعلت ، فقال : اللهم ارحمني ومحمداً ، ولا ترحم معنا أحداً ، قال : يا أخي ، لقد حجرت واسعاً )) .

    [البخاري]

    يصبر على الغريب وعلى جفوته ، في مسألته وفي منطقه ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه  كما قلت قبل قليل كان يحسن الاستماع .

    والحديث أيها الإخوة عن شمائله صلى الله عليه وسلم حديث يطول ، لا تتسع له المجلدات ، ولا خطب في سنوات ، ولكن الله جل جلال لخص كل هذه الأخلاق العلية في كلمات : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ .

    أيها الإخوة ، كل واحد منا إذا تأسى بأخلاقه العلية تألق عند الله وعند الناس ، وإذا ابتعد عن أخلاقه العلية أثار حوله جدلاً طويلاً ، وسقط من عين الله وسقط من عين الناس .

    أيها الإخوة ، مرةً ثانية : الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان ، لكن أعيد وأقول : الخلق الأصيل هو الخلق الذي تستمده من اتصالك بخالق الأكوان ، أنت حينما تتصل بالرحيم تكون رحيماً ، وحينما تتصل بالحليم تكون حليماً ، وحينما تتصل بالودود تكون ودوداً ، وحينما تتصل بالعفو تكون عفواً ، فمكارم الأخلاق كما ورد في الأثر مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحب الله تعالى عبداً منحه خلقاً حسناً ، الأخلاق الأصيلة لا تكون إلا من الله عز وجل ، هناك أخلاق نلتقي ببعض الناس نجدهم على خلق لكن هذه أخلاق الأذكياء  الأخلاق الأصيلة سببها التدين الحقيقي ، وسببها الاتصال بالله الحقيقي ، لكن أخلاق بعض الناس أخلاق أساسها المصلحة ، وأساسها تفوقهم في ذكائهم ، لكن هؤلاء هددت مصالحهم ينقلبون إلى وحوش ، فلذلك يقول الله عز وجل :

    ( سورة آل عمران الآية : 179 ) .

    أيها الإخوة ، في درس قادم إن شاء الله نتابع الحديث عن شمائله صلى الله عليه وسلم ، عن بعض دقائق سيرته في البدايات .

    والحمد لله رب العلمين

    كلمات مفتاحية  :
    فقه السيرة النبوية

    تعليقات الزوار ()