بتـــــاريخ : 10/8/2008 5:27:28 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1502 0


    سرية الدعوة

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : محمد راتب النابلسى | المصدر : www.quran-radio.com

    كلمات مفتاحية  :
    فقه السيرة النبوية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

    أيها الأخوة الكرام :

    مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية ، وصلنا إلى موضوع الدعوة السرية فالدعوة الإسلامية بدأت سريةً لأربع سنوات بدءاً من نزول الوحي ، وقد ورد :

    " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء " .

    [ رواه مسلم وابن ماجة عن أبي هريرة الترمذي وابن ماجة عن ابن مسعود ابن ماجة عن أنس الطبراني عن سلمان وسهل بن سعد وابن عباس ] .

    والحديث عن الغربة موضوع دقيق في هذا الدين ، حينما تشعر أن الناس أخذتهم الدنيا ، وأنهم لم يعبئوا بمنهج الله عز وجل لا بد من أن تشعر بغربة ، فالمسلم غريب في الناس ، لأن قيمه تتناقض مع قيم الناس ، عرف أنه خُلق للجنة ، وعرف أن الجنة هي عطاء لا نهائي ، وعرف أن هذه الجنة لها ثمن ، وأن ثمنها معرفة الله وطاعته في الدنيا ، فلذلك حينما آمن باليوم الآخر لا بد من أن تنعكس كل مقاييسه ، فمقياس المؤمن يُحس أنه ناجح وفالح لا فيما يأخذ بل فيما يعطي ، همه الأول العطاء ، بينما غفل عن الآخرة همه الأول الأخذ ، فلابد من تناقض واضح بين مبادئ المؤمن ومبادئ غير المؤمن ، ما الذي يسعدك أن تأخذ أم أن تعطي ؟ ما الذي يسعدك أن تستهلك جهد الآخرين أم أن تقدم جهدك لهم ؟ ما الذي يسعدك أن يعيش الناس لك أم أن تعيش للناس ؟ ما الذي يسعدك أن تقتنص لذة عابرة أم أن تنال سعادة أبدية ؟ .

    فلذلك القضية مصيرية ، الإنسان في عصر التفلت ، في عصر الانحراف يشعر بالغربة ، لذلك حينما قال عليه الصلاة والسلام :

    " كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر ، قالوا أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال وأشد منه سيكون ، قالوا وما أشد منه ؟ قال كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ قالوا أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال وأشد منه سيكون ، قال كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً " .

    لا شك أن النبي عليه الصلاة والسلام  وضح عن أشراط الساعة ، وعن علامات الساعة الكبرى والصغرى ، لكن أنت حينما ترى شحاً مطاعاً ، مادية مقيتة ، يبيع الإنسان دينه بعرض من الدنيا قليل ، يمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، يصبح مؤمناً ويمسي كافراً ، حينما يعبد الدرهم والدينار ، حينما يعبد شهوته ، حينما يعبد بطنه ، حينما يعبد فرجه ، حينما بعبد خميصته ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :

    " تعس عبد الدرهم والدينار ، تعس عبد البطن ، تعس عبد الفرج ، تعس عبد الخميصة " .

    إذا رأيت شحاً مطاعاً ، المال يُعبد من دون الله .

    ( سورة الفرقان الآية : 43 ) .

      " إذا رأيت شحاً مطاعاً وهواً متبعاً  " .

    اللذائذ الحسية هي شغل الناس الشاغل ، ولا بد من وقفة متأنية عند اللذة وعند السعادة ، اللذة أيها الأخوة حسية طابعها مادي ، اللذة تأتيك من الخارج ، تحتاج إلى وقت  إلى صحة ، إلى مال ، تأتي اللذة من طعام ، من شراب ، من بيت ، من بستان ، من امرأة  أما السعادة تنبع من الداخل ، اللذة متناقصة وتنتهي بالكآبة ، أما السعادة متنامية وتنتهي   بالجنة .

    فلذلك حينما ترى شحاً مطاعاً ، وَهَوًى متبعاً ، الآن في كبر ، وإعجاب ذي كل رأي برأيه ، كل إنسان بجهله الفاضح يرى نفسه محور العالم ، تعرض عليه قضية ، نص حديث ، حكم فقهي ، يفكر ، ما أعجبني هذا ، هو المرجع ، هو المقياس ، هو الفيصل ، هو الحكم .

    يقولون هذا عندنا غير جائز          فمن أنتمُ حتى يكون لكم عندُ

    " إذاً رأيت شحاً مطاعاً وَهَوًى متبعاً ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه " .

    الحديث له عدة روايات

    " فلزم بيتك ، طوبى لمن وسعته السنة " ، " ولم تستهوه البدعة ، فلزم بيتك  وأمسك لسانك ، وخذ ما تعرف ، ودع ما تنكر ، ودع عنك أمر العامة ، وعليك بخاصة نفسك " .

    يعني أقرباءك ، إخوانك ، أصدقاءك ، زملاءك ، جيرانك ، الذين تعرفهم معرفة يقينية ، والذين تطمأن لهم ، في هذه الظروف الصعبة ، حينما يشرد الناس عن منهج الله  وحينما يبتعدون عن أوامر الشرع ، وحينما تحل الشهوة محل القيم ، وحينما تحل القوة محل الرحمة ، وحينما يعد العقل المغلق البعيد عن الوحي مرجعاً لكل شيء عندئذٍ نكون في زمن الغربة ، لذلك " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء " .

    " أناس صالحون ، في قوم سوء كثير " . 

    يبدو أن حينما تكون الغربة مستحكمة يبغي أن نقلد النبي صلى الله عليه وسلم في أن يدعو الإنسان إلى الله عز وجل دعوة محدودة وليست دعوة عامة .

    لذلك بدأت الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة بشكل سري ، وتتراوح مدة هذه المرحلة بين ثلاث وأربع سنوات ، وكانت مكة تخضع لقريش بعشائرها الأربعة عشر ، أربعة عشر عشيرة كانت خاضعة لقريش في مكة المكرمة ، لكل منها كيانها الخاص ، مع تحالفها ضمن إطارها العام ، عشائر كلها خاضعة لقريش في مكة المكرمة ، وكان من المتوقع أن ينتشر الإسلام في عشرية النبي صلى الله عليه وسلم ثم في قريش التي ينتمي إليها أخيراً  ولكن الذي حصل على خلاف ذلك ، كان من المتوقع بسبب العشائرية التي كانت سائدة في مكة المكرمة أن ينتشر الإسلام في عشيرة النبي وحده ، ثم ينتقل إلى العشائر الأخرى ، لكن الذي حصل أن الإسلام انتشر في كل العشائر ، من دون استثناء ، وهذا من حكمة الله عز وجل .

    أولاً أيها الأخوة :

    هذه الميزة أن الإسلام انتشر في كل العشائر كانت ميزة إيجابية يمكن أن تعود بالخير العميم على الدعوة الإسلامية في مراحل قادمة ، لنأتي بالأمثلة :

    أبو بكر الصديق من عشيرة تميم التيمي ، عثمان بن عفان أموي ، الزبير ابن العوام أسبي ، علي بن أبي طالب هاشمي ، مصعب بن عمير داري ، عمر ابن الخطاب عدوي ، عبد الرحمن ابن عوف زهري ، عثمان بن مضعون جمحي .

    إذاً العشائر كلها انتشر فيها الإسلام على قدر المساواة ، إذاً الإسلام لا يفرق بين عشيرة وعشيرة ، ولا بين قبيلة وقبيلة ، ولا بين أبيض ولا أسود ، ولا بين قريب وبعيد الإسلام بالتعبير المعاصر أممي ، كل من دخل في الإسلام فهو منا ونحن منه ، كل ما دخل في الإسلام له ما لنا ، وعليه ما علينا .

    وأنا أقول دائماً أيها الأخوة وأعني ما أقول لا يضاف على كلمة مؤمن ولا كلمة  أبداً ، كل التقسيمات التي تواضع الناس عليها تقسيمات باطلة ما أنزل الله بها من سلطان  تقسيمات من صنع البشر ، تقسيمات نحن اخترعناها ، أما في الحقيقة الناس صنفان ، الناس رجلان ، الناس نموذجان ، واحد عرف الله فانضبط بمنهجه ، وأحسن إلى خلقه ، فسعد في الدنيا والآخرة ، وواحد غفل عن الله وتفلت من منهجه ، وأساء إلى خلقه فشقي في الدنيا والآخرة ، ولن تجد نموذجاً ثالثاً ، هذا تقسيم القرآن ، هذا تقسيم الواحد الديان ، هذا تقسيم السماء ، تقسيم الأرض مئة ملة وملة ، ملل ، ونحل ، وطوائف ، ومذاهب ، وأديان   وأعراق ، وأنساب ، وغني وفقير ، وأبيض وأسود ، ودول الشمال ودول الجنوب ، والأغنياء والفقراء ، والعرق الأصفر ، والعرق الآري ، والعرق السكسوني ، هذه تقسيمات الأرض  صدقوا أيها الإخوة ما أنزل الله بها من سلطان ، وما لم تعتمد تقسيم السماء ، وما لم تعتمد القيم التي رجحها القرآن للتمييز بين البشر فأنت بعيد عن الإيمان .

    "  سلمان منا أهل البيت " .

    [ أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك عن عمرو بن عوف ] .

     فارسي .

    " نعم العبد صهيب " .

    [ رواه أبو عبيدة عن ابن عمر ] .

    رومي .

    ( سورة المسد ) .

    قرشي ، هذا الإسلام " نعم العبد صهيب " رومي "  سلمان منا أهل البيت " فارسي ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ قرشي .

    ( سورة المسد ) .

    ما لم نعتمد قيم السماء لن نقف على أقدامنا .

    أيها الأخوة الكرام :

    لا أريد أن تبقى هذه الأفكار نظرية يجب أن تكون عملية ، يجب أن تحب المؤمن كائناً من كان ، يعني سليمان بن عبد الملك خليفة أموي كبير ، حج بيت الله الحرام ، وصل إلى مكة المكرمة ، ومعه الوزراء والأمراء ، وأمراء الجيش ، والخواص ، والحاشية ، ومعه أولاده ، سأل أحد خواصه من عالم مكة ؟ فأشير إلى إنسان ابن رباح أسود اللون ، مشلول القدمين ، رأسه كالزبيبة ، أنفه أفطس ، هذا عالم مكة ، اقترب منه وسأله وأثنى عليه ، وقال أنت الذي تفتي في الحرم ، اختلف مع أولاده في قضية فتوجاه إليه وكان حوله جمع غفير دون أن يشعر خليفة المسلمين يحكم أوسع منطقة في العالم العربي والإسلامي ، بغداد  ودمشق ، وشمالي إفريقيا ، والعراق ، فقال له مكانك أمير المؤمنين ، الزم مكانك ، هؤلاء جاءوا قبلك ، فانتظر حتى وصل إليه ، فسأله فأجاب ، قال لأحد أولاده يا بني أرأيت إلى ذلي أمامه ؟ عبد أسود ، حبشي ، أفطس الأنف ، مشلول القدمين ، هو سيد علماء مكة ، يقف خليفة المسلمين أمامه ذليلاً وينتظر دوره ، هذا هو الإسلام .

    أيعقل أن يكون سيدنا بلال العبد الحبشي ، يأتي أبو بكر الصديق ليشتريه من أمية بن خلف ، وأمية بن خلف يقول والله لو دفعت لي درهماً لبعته لك ، فيقول الصديق والله لو طلبت مئة ألف لدفعتها لك ، يعتقه ، ويضع يده تحت إبطه ويقول هذا أخي حقاً ، هذا الإسلام هذا هو الإسلام ، هذا أخي حقاً .

    أما سيدنا عمر خرج إلى ظاهر المدينة ليستقبل بلالاً ، وكان أصحاب النبي رضوان الله عليهم إذا ذكروا الصديق قالوا هو سيدنا وأعتق سيدنا .

    ما لم تكن هذه القيم محكمة في حياتنا فالطريق إلى الله ليست سالكة .

    أيها الأخوة :

    صحابي جليل عنده فتاة بارعة الجمال ، توفي زوجها ، فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام  ، ومن أصحاب النبي رجل فقير لا يملك من حطام الدنيا شيئاً ، اسمه جليبيب   أعور ، دميم الخلقة ، قصير القامة ، أسمر اللون ، كل عيوب الجسد مجتمعة فيه ، إضافة إلى فقره الشديد ، فقال له النبي الكريم يا جليبيب ألا تتزوج ؟ قال يا رسول الله من يزوجني   يعني على ماذا أتزوج ؟ ليس معي شيء وأنا بهذا الشكل ، هو النبي عليه الصلاة والسلام في أعلى درجة من الفهم ، قال اذهب إلى بيت فلان وقل لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تزوجوني ابنتكم ، ما في تناسب أبداً طبعاً ، فتاة بارعة ، والنبي علم أنها بارعة الجمال ، وهذا الذي أرسله ليتزوجها أمامه ، هذه قيم الإسلام ، هؤلاء الذين فتحوا أطراف الدنيا ، فطرق بابه ، وقال إن رسول الله يخطب ابنتكم ، فتوهموا أنه يخطبها له ، فهشوا وبشوا وطاروا من الفرح ، قال لا يخطبها لي ، صعق الأب ، قال له أريد أن أستأمر أمها  فذهب إلى أمها وبدأ الحديث كما بدأ جليبيب توهمت أن هذه البنت لرسول الله ، فلما قال هي لجليبيب قالت معاذ الله ، مستحيل ، سمعت البنت حوار الأب والأم ، فقالت أنا موافقة ورسول الله لن يضيعني ، هذا الإسلام يا أخوان ، شيء لا يحتمل ، ما في أي  تناسب بينه وبينها   لكن أراد النبي أن يحطم قيم الجاهلية ، هذا مؤمن ، جمع له بعض المال ليشتري به حاجاته الأساسية ويوم عرسه نودي بالجهاد ، فذهب إلى معركة أحد ، وكان استشهاده في هذا اليوم  كأن الصحابة الكرام أناس غير هؤلاء البشر ، كأن هؤلاء الصحابة الكرام اصطلحوا فوضعوا تحت أقدامهم كل قيم البشر المادية .

    أيها الأخوة :

    لو عدنا إلى قيمهم ، وإلى مبادئهم لتحقق وعد الله فينا بالنصر ، نحن إسلامنا إطار خارجي ، المضمون غير إسلامي ، وحينما نعود إلى الله ، طبعاً ذكرت لكم قصص صارخة  عطاء ابن أبي رباح هذا الأسود الحبشي ، الأفطس ، المشلول ، الذي يقف أمير المؤمنين أمامه ذليلاً ، وينتظر دوره ، ويقول يا بني أرأيت إلى ذلي أمامه ، وهذا الجليبيب الإنسان الفقير الدميم الذي زوجه النبي من فتاة بارعة الجمال ليحطم قيم الجاهلية ، قيم القوة ، قيم الوجاهة ، لذلك هذه جاهلية عادت على شكل أوسع وأشد .

    أيها الأخوة :

    من هم السابقون إلى الإسلام ؟ لا تنسوا أن الله عز وجل حينما قال :

    ( سورة الواقعة ) .

    يعني أحياناً تكون القوة بيد المسلمين ، فالذي ينخرط في الإسلام له ميزات كثيرة لكن هل تعلم ما البطولة ؟ أن يكون الإسلام ضعيفاً ، وأن يكون متهماً بالإرهاب ، وأن يكون الإسلام ملاحقاً ، وأن يكون المسلم في الدرجة الدنيا في المجتمع في نظر الأقوياء والأغنياء ومع ذلك يسلم .

    بربكم سؤال دقيق أريد أن تتأملوا فيه ، لماذا كان النبي ضعيفاً ؟ ضعيف ، الدليل : أنه مر على عمار بن ياسر وهو يُعذب ، ها استطاع النبي أن يخلصه ؟ قال :

    " اصبروا يا آل ياسر! فإن موعدكم الجنة " .

    [ رواه الطبراني عن عثمان بن عفان ] .

    النبي يرى أصحابه يعذبون ولا يستطيع أن يفعل شيئاً ، لماذا لم يكن النبي قوياً كأقوياء الأرض ؟ لعل أحدهم يتوهم أن الدعوة عندئذٍ تكون سهلة ، لا ، الأقوياء إذا دعوا إلى شيء أقبل الناس بمئات الملايين ، لا قناعة ، ولا رغبة ، ولا إيماناً ، ولا حباً ، ولكن خوفاً فقط ، الله عز وجل جعل هذا الدين أساسه المحبوبية ، أساسه أن تأتي طائعاً ، أساسه أن تأتي مختاراً ، أساسه أن تأتي محباً ، المحبوبية أساس العلاقة بين العبد وربه ، لأن الله سبحانه وتعالى قادر أن يهدي الناس جميعاً قسراً .

    ( سورة هود الآية : 118 ) .

    فالله عز وجل أردنا أن نأتيه مختارين ، أن نأتيه محبين ، أن نأتيه بمبادرة منا  لماذا كان النبي ضعيفاً في بدء الدعوة ؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لا يملك شيئاً يغري الناس ، ولا شيئاً يخيف الناس ، ليس عنده أسباب الإغراء ، ولا أسباب الخوف ، فالذي يؤمن به يؤمن به إيماناً حقيقياً عن قناعة ، وهذا الذي أراده الله عز وجل ، بعد حين أصبح النبي قوياً ، لكن في بداية الدعوة الإسلام ضعيف ، والمسلم يعاني من متاعب كبيرة جداً .

    أيضاً أيها الأخوة في ظرف قوي فيه الكفر ، وفي ظرف اشتدت شوكة أهل الضلال وفي ظرف أصبح المؤمن متابعاً ، وكل حركة وسكنة يحاسب عليها ، في ظرف صعب يأتي شاب يلتزم طريق الحق ، وينتعش قلبه بهذا الدين العظيم ، ولا يخشى في الله لومة لائم هذا هو الأجر ، هذا هو السبق ، أما إذا قوي الدين ، والذي يدخل عندئذٍ في الدين يعني نقول له هنيئاً له لكن ليس له الأجر الذي لمن سبق .

    فلذلك أيها الإخوة ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ، أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ بالمناسبة شاءت حكمة الله أن تكون القوة متداولة بين بني البشر .

    ( سورة آل عمران الآية : 140 ) .

    فقد يأتي وقت أهل الكفر أقوياء جداً ، يملكون ناصية الدنيا ، معهم أسلحة فتاكة   وقد يأتي وقت يكون أهل الإيمان أقوياء جداً ، لكن جئنا في زمن ضعف المؤمنين ، فلو أن الله جعل القوة بيد المؤمنين إلى أبد الآبدين لأصبح معظم أهل الأرض منافقين ، تحقيقاً لمصالحهم ، وضماناً لسلامتهم ، ولو أن الله جعل القوة مع أهل الكفر والعناد لخرج الناس من دين الناس أفواجاً ، فالحكمة تقتضي أن تكون الأيام متداولة بين بني البشر ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ .

    أيها الأخوة :

    أول من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من البشر كما هو واضح من حديث بدء الوحي عندما بشرته وصدقته فيما أخبرها به خديجة ، أول عنصر من بني البشر آمن به خديجة ، لذلك قال " مرة كذبني الناس وصدقتني " والنبي عليه الصلاة والسلام وفي أشد الوفاء ، أحياناً قيسوا على ذلك ، إنسان يتزوج وهو فقير يتزوج امرأة ترضى به وتعتني به وتخلص له ، يعد حين يغتني هذا الإنسان ، بعد أن اغتنى يريد امرأة أخرى ، ينسى وفاءها وينسى إخلاصها ، وينسى أنها رضيت به ، وينسى أنها وقفت معه في أيامه العصيبة ، يتمنى امرأة أخرى ، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يمدح خديجة طوال عمره ، حتى مرة ضجرت عائشة قالت ألم يبدلك الله خيراً منها ؟ قال لا والله لا والله لا والله ، ما أبدلني الله خيراً منها  هذا هو الوفاء ، فأول امرأة آمنت به صلى الله عليه وسلم خديجة ، وكما تعلمون لما فتح مكة المكرمة ، ودعي إلى أن بيت في بيوتات مكة قال انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة ، وركز لواء النصر أمام قبرها ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر شريكته في النصر ، وهذا أعلى درجة من الوفاء .

    بالمناسبة الدعاة الكبار إلى الله عز وجل الأناس الذين أرادوا تغيير جذري في المجتمع يلقون معارضة كبيرة ، من حكمة الله لهم أن الله يخصهم بامرأة صالحة تخفف من أعباءهم ، ومن تكذيب الناس لهم ، ومن المؤامرات التي تحاك ضدهم .

    لذلك السيدة خديجة كانت سند النبي من الداخل ، ويجب أن تعلموا أيها الأخوة علم اليقين أن المرأة مساوية للرجل تماماً في التكليف وفي التشريف وفي المسؤولية ، وربما أقول إن قلامة ظفر امرأة مؤمنة صالحة تائبة عابدة منيبة تعدل مئة ألف رجل شرد عن الله عز وجل ، هذا هو الدين ، أما الجاهلية لها مقاييس أخرى ، حتى إنه قد ورد في الأحاديث الشريفة هذا النص ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال :

    " يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي " .

    [ رواه مسلم عن أبي هريرة ] .

    رب العزة يسلم عليها ، وجبريل يسلم عليها .

    " فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ " .

    خالق الأكوان يُقرئ خديجة السلام ، هذه المرأة بالإسلام ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

    " اعلمي أيتها المرأة ، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة وزجها يعدل الجهاد في سبيل الله " .

    " ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله  " .

    [ رواه الطبراني عن أبي أمامة ] .

    أما من الصغار فسدينا علي بن أبي طالب كان يعيش في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد تأثر بالنبي فكان أول من أسلم من الصغار ، أو من الشباب ، وكان في العاشرة من عمره ، أنا والله أيها الأخوة لا أغبط إلا شاباً في مقتبل حياته أقبل على الدين هذا شاب نشأ في طاعة الله ، ومن لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة .

    كما من أوائل من أسلم زيد بن حارثة مولا رسول الله ، مرةً خطر في بالي خاطر أن هذا زيد بن حارثة مولاً لرسول الله ، أهدته له خديجة ، لماذا لم يعتقه النبي ؟ سؤال  الإجابة جاءت في السيرة لما جاء أبو زيد وعمه ليفتديانه من رسول الله قال لا ، لا أريد شيئاً دونكم زيد ، فلما عرضوا عليه قال لا والله لا أترك محمد ، ماذا رأى منه ؟ رأى منه كمالاً أنساه أباه وأمه ، هذا المؤمن ، المؤمن محسن ، فزيد بن حارثة أول من أسلم من الموالي .

    أما من اسلم من الرجال ، من خارج بيت النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق الجمهور هو أبو بكر الصديق ، يعني في بعض الروايات .

    " ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر " .

    وكان أبو بكر رجلاً مؤلفاً لقومه ، محبباً لهم ، سهلاً ، وكان أنسب قريش لقريش  وأعلم قريش بها ، وبما كان فيها من خير وشر ، وكان رجلاً تاجراً ذا خلق ومعروف ، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لعلمه ، وتجارته ، وحسن مجالسته ، فجعل يدعو إلى الله وإلى الإسلام من وثق به من قومه .

    الآن أسلم على يديه ، من ؟ عثمان بن عفان ، كل أعمال عثمان بن عفان بصحيفة سيدنا الصديق ، والزبير بن العوام ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص   وطلحت بن عبيد الله ، فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لذلك هذا الصديق في أعلى مرتبة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

    ويذكر أن عبد الله بن مسعود أسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وأنه أسلم وهو غلام ، بالمناسبة يا أخوان يقول عليه الصلاة والسلام :

    " إن الله اختارني واختار لي أصحابي " .

    [ رواه الطبراني عن عويمر بن ساعدة ] .

    من أعظم إكرام الله لرسوله أنه أحاطه بأصحاب في أعلى مستوى ، وكلما علا شأنك عند الله يجمعك الله بأناس يعرفون قيمتك .

    والحمد لله رب العالمين

    كلمات مفتاحية  :
    فقه السيرة النبوية

    تعليقات الزوار ()