بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية ، وقبل أن ننتقل إلى وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لا بد من أن نستكمل بعض الوقائع التي حصلت قبل الهجرة ، من هذه الوقائع:
وقائع قبل الهجرة:
انشقاق القمر:
هناك جدل طويل حول هذه الآية ، يا ترى وقعت أم لم تقع ؟ .
بادئ ذي بدء ، خرق النواميس ، وخرق السنن إن كان هذا لنبي أو رسول فهو معجزة ، وغير النبي إن جاء بخرق السنن فهو كرامة ، وإن جاءت الظواهر غير مألوفة على يد ضال فهي ضلالة ، خرق النواميس بين أن يكون معجزة ، وبين أن يكون كرامة أو ضلالة .
المعجزة تكليف إلهي للأنبياء من أجل التحدي :
الأنبياء مكلفون من قِبل الله عزوجل أن يتحدوا بالمعجزات أقوامهم ، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما انتقل من مكة المكرمة إلى بيت المقدس ، وعُرج به إلى السماء ، وعاد إلى بيت المقدس ، ثم عاد إلى مكة ، ولا يزال فراشه ساخناً ، كان يتمنى ألا يقول هذا للناس ، لأنهم من دون هذه المعجزة لا يصدقون نبوته ، لكن الأنبياء مكلفون من قِبل الله عزوجل أن يتحدوا بمعجزاتهم أقوامهم ، لأن المعجزة هي شهادة الله للبشر أن هذا الإنسان الذي أجريت على يده رسول من عند خالق البشر .
أما السيدة مريم الصديقة فقد أنجبت غلاماً من دون أب ، لأنها ليست نبية ، هي كرامة ، وإذا تعاون إنسي مع جني ، وجاءوا بأخبار من غيب الحاضر فهذه ضلالة ، إن كان الهدف تعميق الإيمان من قِبل إنسان ليس نبياً فهي كرامة ، وإن كان الهدف خرق الناس عن الله عزوجل فهي ضلالة ، ونحن ودققوا فيما سأقول : لسنا مكلفين أبداً أن نصدق كرامة لم يرد فيها نص صحيح ، وإلا أصبح ديننا دين كرامات ومنامات ، وضاعت معالم هذا الدين ، ومن الثابت عند العلماء أن الولي الحق يستحي بكرامته كما تستحي المرأة لما لا تستطيع إظهاره ، لكن الموقف الشرعي أن الكرامة ينبغي ألا تنكرها لأنها واقعة ، وينبغي ألا تذكرها لأنك لست مكلفاً كوليّ أن تنطق بها ، بل ينبغي أن تكتمها لأنها بينك وبين الله .
أعظم الكرامات : كرامةُ العلم :
ولكن اسمعوا هذه الكلمة : إن أعظم كرامة على الإطلاق ، ولا تحتاج إلى خرق العادات ، إنها كرامة العلم ، قال تعالى :
( سورة النساء ) .
ولي مع هذه الآية وقفة متأنية ، لو أن طفلاً قال لك : معي مبلغ عظيم لقدرته بـ200 ليرة ، ولو قال مسؤول كبير في وزارة حرب دولة عظيمة : أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً لقدرته بـ 200 مليار من عملتهم ، فإذا قال ملك الملوك ، وخالق السماوات والأرض :
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ فاعلم علم اليقين أن أعظم كرامة على الإطلاق هي كرامة العلم .
( سورة الزمر الآية: 9 ) .
( سورة المجادلة ) .
الأدلة والنصوص على ثبوت انشقاق القمر :
الآن انشقاق القمر معجزة حسية ، للنبي عليه الصلاة والسلام ، إلى النصوص :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أهل مكة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم :
(( أن يريهم آية ، فأراهم القمر شقتين ، حتى رأوا حراء بينهما )) .
[ رواه ابن مسعود عن أنس ] .
هذا الحديث رواه ابن مسعود في كتاب المناقب ، وكان الإمام البخاري قد رواه في صحيحه ، وكتاب البخاري من أصح الكتب بعد كتاب الله .
وعند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :
(( انْشَقّ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم شقتين ، فقَالَ لَنَا النبيّ صلى الله عليه وسلم : اشْهَدُوا )) .
وعن أنس رضي الله عنه قال :
(( إن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ، فأراهم انشقاق القمر )) .
وعن أنس أيضاً قال :
(( إنّ أَهْلَ مَكّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرِيَهُمْ آيةً ، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ مَرّتَيْنِ )) .
فنزلت :
( سورة القمر ) .
هذا حديث حسن صحيح ، ورواه أحمد في مسنده .
وعن أنس :
(( سَأَلَ أَهْلُ مَكّةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم آيَةً فانَشَقّ القَمَرُ بِمَكّةَ مَرّتَيْنِ ، فَنَزَلَتْ : ﴿ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ﴾ )) .
وعن عبد الله بن مسعود أنه قال :
(( بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنىً ، إِذَا انْفَلَقَ الْقَمَرُ فِلْقَتَيْنِ ، فَكَانَتْ فِلْقَةٌ وَرَاءَ الْجَبَلِ ، وَفِلْقَةٌ دُونَهُ ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : اشْهَدُوا )) .
وفي غير صحيح مسلم من كتب الحديث ومؤلفات السيرة روت واقعة شق القمر على لسان عدد غير قليل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، وغيرهما ، لكن الذي يؤكد هذا أن كتب التاريخ الهندي والصيني تشير إلى حادثة انشقاق القمر ، وقد أرَّخوا لها ، هذه النصوص . والآن إلى تعليق معاصر .
التعليقات العلمية المعاصرة حول انشقاق القمر :
أيها الإخوة ، في محاضرة بكلية الطب بجامعة كرديف ، في مقاطعة ونز في غربي بريطانيا ، من عدة سنوات قال أحد علماء مصر ، وهو متفوق في موضوع الإعجاز العلمي ، وجه له أحد الحضور من المسلمين سؤالا عن الآيات في مطلع سورة القمر : ﴿ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ ، وهل تمثل هذه الآية ومضة من ومضات الإعجاز العلمي في كتاب الله ؟ فأجبتُ : لأن هذه الواقعة تمثل إحدى المعجزات الحسية التي وقعت تأييداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مواجهة الكفار ومشركي قريش .
وقبل أن أتابع .
التفسير العلمي للأحداث :
إخوتنا الكرام ، هناك مصطلحات ثلاثة ، هناك تفسير علمي ، وهناك إعجاز علمي ، وهناك معجزة نبوية ، وكل مصطلح له حدوده وأبعاده .
التفسير العلمي : كُسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتزامن هذا الكسوف مع موت إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصحابة الكرام بشكل عاطفي ، وباندفاع لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ظنوا أن الشمس كُسفت لموت إبراهيم ، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم وقف في أصحابه خطيباً وقال :
(( يَا أَيّهَا النّاسُ ، إِنّ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَان مِنْ آياتِ اللَّهِ ، لا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ، وَلا لِحياتِهِ )) .
[ رواه البخاري ومسلم عن عائشة رض الله عنها ] .
أي لا علاقة لكسوف الشمس لموت إبراهيم ، ماذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم لظاهرة الكسوف ؟ قدم تفسيراً علمياً .
ومرة كنت في العمرة ، سمعت وأنا بمكة المكرمة أخباراً كثيرة عن أن ضياء يشع من قبر النبي صلى الله عليه وسلم إلى كبد السماء ، سمعت هذا مرات كثيرة ، فلما وصلت إلى المدينة فيما بين المغرب والعشاء كان هناك درس في الفقه يلقيه عالم جليل توفي ـ رحمه الله تعالى ـ أنا استمعت لهذا الدرس ، وفي نهاية الدرس قال :
حدثني أمير المدينة بأن إدارة الحرمين وضعت أشعة الليزر فوق قبر النبي عليه الصلاة والسلام لتهتدي الطائرات إلى مكان قبر النبي ، وهي في أعالي الجو ، هذا التفسير العلمي ، والذي سمعته بمكة كان تفسيراً غير علمي ، أنوار النبي صلى الله عليه وسلم تشق أطباق السماء ، هي في الحقيقة أجهزة يشع منها أشعة الليزر .
إذاً عود نفسك أن تفسر التفسير العلمي ، والنبي عليه الصلاة والسلام لأنه أمين على وحي السماء قال : لا ، لا علاقة لكسوف الشمس بموت ابني ، وكلما كنت ورعاً كنت أميناً على الدعوة إلى الله ، لا تخلط الحقائق بالأوهام ، ويجب أن تفسر الأمور تفسيراً علمياً .
التفسير العلمي لا يتناقض مع التفسير التوحيد :
لكن بالمناسبة ، التفسير العلمي لا يعني أن تهمل التفسير التوحيدي ، وقع زلزال ، وللزلزال تفسير علمي ، اضطراب في قشرة الأرض ، من هو مسبب الأسباب ؟ الله جل جلاله ، ولا بد من حكمة ما بعدها حكمة من أفعاله جل جلاله ، إذاً التفسير العلمي لا يتناقض مع التفسير التوحيدي .
أما الإعجاز العلمي فشيء آخر ، الله عزوجل يقول في القرآن آية ، سأتلوها بعد قليل .
بين الإعجاز العلمي والمعجزة :
من الإعجاز : كأنما يصعّد في السماء :
حينما صعد رائد فضاء إلى الفضاء الخارجي ، بعد أن تجاوز طبقة الهواء التي يزيد سمكها عن 65 ألف كم ، بعد أن تجاوز رائد الفضاء هذه الطبقة صاح بأعلى صوته : لقد أصبحنا عمياً ، لأن أشعة الشمس حينما تُسلط على ذرات الهواء ذرات الهواء تعكسها على ذرات أخرى ، فيكون ما يسمى انتثار الضوء ، فأنت في الأرض ترى مكاناً فيه ضوء واضح ، ومكان فيه أشعة شمس ، أما إذا ألغي الهواء ألغي انتثار الضوء ، فلما تجاوز رواد الفضاء طبقة الهواء ما رأوا إلا ظلاماً دامساً ، فقال أحدهم ، وكان ثمة عالم ذرة كبير مصري في قاعدة انطلاق هذه المركبة بفلوريدا سمع بأذنه قول رائد الفضاء : " لقد أصبحنا عمياً " ، هذا إعجاز علمي لماذا ؟ لأن قوله تعالى :
( سورة الحجر ) .
متى كان هذا ؟ حديثاً ، بعد 1400 عام ، الآية متى نزلت ؟ قبل 1400 عام معنى ذلك أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن .
الإعجاز العلمي يعني أن معنى الآيات الكونية لا يمكن أن تعرف وقت نزول الوحي ، لكنها عرفت في وقت متأخر جداً ، أما معجزات الأنبياء فهذه موضوع ثالث لا علاقة لها لا بالأول ولا بالثاني ، هي خرق لنواميس الكون ، ولا يمكن أن تفسر وفق قوانين الكون ، لذلك قال تعالى :
( سورة الإسراء الآية : 1 ) .
من المعجزات : معجزة الإسراء والمعراج :
فالإسراء والمعراج لا يمكن أن يفسر وفق قوانين الأرض ، هو خرق لقوانين الأرض وهو معجزة نبوية ، هي في الحقيقة شهادة من الله ، على أن هذا الإنسان رسول الله عليه الصلاة والسلام واضح المعجزة النبوية ؟ هذه لا تفسر وفق قوانين الكون ، بينما الإعجاز العلمي إشارة سابقة جداً إلى قضية عُرفت بعد حين ، أما التفسير العلمي فعله النبي عليه الصلاة والسلام ويفعله تقليداً له كل داعية صادق .
هل انشقاق القمر من الإعجاز أم من المعجزات ؟
هذا الإنسان سأل : هل تمثل هذه الآية : ﴿ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ ومضة من ومضات الإعجاز العلمي في كتاب الله ؟ فأجاب هذا العالم : بأن هذه الواقعة تمثل إحدى المعجزات الحسية التي وقعت تأييداً لرسول الله عليه الصلاة والسلام في مواجهة كفار قريش ، وإنكارهم لنبوته عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، وأن المعجزات خوارق للسنن ، وعلى ذلك إن السنن الدنيوية لا يمكن لها أن تفسر المعجزات الحسية التي جاء بها الأنبياء ، ولولا ورودها في كتاب الله ، وفي سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ما كان علينا نحن المسلمين أن نؤمن بها ، أنا لا أؤمن إلا بخرق للنواميس ورد فيه نص صحيح ، من كتاب الله أو من سنة رسوله ، أما أن أدع الحبل على غاربه ، أن أصدق كل الناس هذا لعب بدين الله ، نص الآية :
( سورة القمر ) .
يقول هذا الأستاذ : وبعد انتهاء حديثي وقف رجل بريطاني من الحضور واستأذن أن يضيف شيئاً على إجابتي ، فأذنت له ، ثم بدأ بتعريف نفسه ، على أن اسمه داوود موسى بدكوك ، وأنه مسلم ، يرأس الحزب الإسلامي البريطاني ، ثم أضاف :
إن هذه الآيات في مطلع سورة القمر كانت هي السبب في إسلامه ، في أواخر السبعينات من القرن العشرين لأنه ببحث مستفيض في الأديان ، كان يبحث بحثاً مستفيضاً عميقاً في الأديان كلها ، إذ أهداه أحد المسلمين ترجمة لمعاني القرآن الكريم ، وأنه فتح هذه الترجمة لا على التعيين ، فإذا الترجمة تترجم تفسير قوله تعالى : ( )
﴿ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ﴾ .
طبعاً عدّ هذه خرافة ، فلما قرأ هذه الآيات أغلق التفسير المترجم باللغة الإنكليزية ، ووضعه في مكان قصي ، وانتهى الأمر ، غير معقول ، وأكبر خطأ أن تفهم المعجزات بعقلك ، لأن عقلك مرتبط بنواميس الكون ، والمعجزات في خلق الله تعالى ، إن الله على كل شيء قدير ، ثم شاء الله تعالى أن يشاهد هذا الإنسان الذي لم يكن مسلماً ، الآن مسلم ، أن يشاهد على شاشة التلفاز البريطاني ( بي بي سي ) برنامجاً عن رحلات الفضاء ، استضاف فيه المذيع البريطاني المعرف جميس بلاك ثلاثة من علماء الفضاء ، وذلك سنة 1978 ، الآن دققوا ، وفي أثناء الحوار كان المذيع ينتقد الإسراف على رحلات الفضاء بإنفاق ملايين الدولارات ، رحلة ( أبولو ) كلفت 25 مليار دولار ، والأرض وأهل الأرض يتضورون جوعاً ، وملايين البشر في أمس الحاجة إلى هذه الأموال الطائلة ، والمرض والجهل والتخلف يعصفان بسكان الأرض ، كان جواب العلماء الذين يحاورهم هذا المذيع : أنه بفضل هذه الرحلات تم تطوير عدد من التقنيات المهمة التي تطبق في مجالات التشخيص والعلاج الطبي والصناعة والزراعة وغيرها .
فيما أعلم هناك نسيج ينسج في الفضاء الخارجي ، يمكن أن يستخدم رقعة لقلب معطوب ، وقطعة هذا النسيج لا تزيد على هذا الحجم قد تكلف 50 ألف ليرة ، هذا النسيج نُسج في الفضاء الخارجي ، فإذا وسع فيه قلب معطوب يتحمل الانقباض والانبساط لعشرات السنين .
فعلماء الفضاء قالوا : المبالغ التي أنفقت على هذه الرحلات كبيرة جداً ، إلا أننا انتفعنا بها كثيراً ، وبأثناء هذا الحوار جاء ذكر أول رحلة نزل فيها رجل على سطح القمر وقد كلفت أكثر من مئة مليار دولار ، حينما هبط رجل على سطح القمر هذه الرحلة كلفت أكثر من مئة مليار دولار ، وعندئذٍ جلس المذيع يتابع عتابه على هذا الإسراف ، فقال العلماء : إن هذه الرحلة قد أثبت لنا حقيقة لو أنفقنا أضعاف هذا المبلغ لإقناع الناس بها ما صدقنا أحد ، فسأل المذيع ما هي هذه الحقيقة ؟ فأجابوا : إن هذا القمر قد سبق له أن انشق ، ثم التحم ، الموضوع ليس له علاقة إطلاقاً بالأديان ، ولا بالإسلام ، ولا بالقرآن ، ندوة بين علماء الفضاء الثلاثة وبين مذيع في إذاعة بريطانيا ، البي بي سي ، وأجابوا أن هذا القمر قد سبق له أن انشق ثم التحم ، وأن آثاراً محسوسة تؤيد هذا الحدث قد وجدت على سطح القمر ، وقد صورت هذه الآثار إلى الأرض ، وعرضت على علماء كبار من علماء الأرض ، ومن دون استثناء أثبتوا جميعاً أن القمر كان قد انشق ثم التحم ، فقال السيد بلكوك هذا الذي أهدي له ترجمة المصحف ، فلما فتحه لا على التعيين ، جاء على قوله تعالى :
﴿ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ .
وعدّ هذا خرافة ، ووضع التفسير في مكان قصي ، فقال السيد بلكوك : حينما سمعت ذلك قفزت من الكرسي الذي كنت أجلس عليه أمام التلفاز ، وقلت : معجزة تحدث لمحمد قبل 1400 سنة ، ويرويها القرآن بهذا التفصيل العجيب يسخر الله من يثبتها للمسلمين في عصر العلوم والتقنية الذي نعيشه ، ويرصد هذا المبلغ الكبير ؟! لا بدأن يكون هذا الدين حقاً ، وعدت إلى ترجمة معاني القرآن الكريم أقرأها بشغف شديد ، وكانت آيات افتتاح سورة القمر هي السبب المباشر لقبولي الإسلام ديناً ، لذلك قال تعالى :
( سورة فصلت الآية:53 ) .
من المتكلم ؟ هو الله ، من المخاطب ؟ المؤمنون ، يتحدث عن من ؟ عن الكفار .
( سورة فصلت الآية :53 ) .
والشيء الذي لا يكاد يصدق أن كل مكتشفات الغربيين وردت بشكل أو بآخر في القرآن الكريم ، مثلاً :
سرعة الضوء في القرآن والعلم الحديث :
النظرية التي جاء بها انشتاين ، والتي أحدثت انعطافاً خطيراً في مفاهيم الحركة والضوء والسرعات ، هذه النظرية التي اسمها النظرية النسبية ، والتي تؤكد أن السرعة المطلقة في الكون هي سرعة الضوء ، وأن أي جسم سار مع الضوء أصبح ضوءاً ، كتلته صفر ، وحجمه لا نهائي ، وأننا افتراضاً إذا سرنا مع الضوء توقف الزمن هذا الدرس ، فيه منبع ضوئي ، ونحن نعكس بوجوهنا هذه الموجات الضوئية ، نعكسها كموجات تنطلق نحو الفضاء الخارجي ، فإذا قُدر لإنسان أن يركب مركبة سرعتها كسرعة الضوء يجب أن يرى هذا المنظر إلى مليون عام قادم ، ونحن بعد أعوام لا تزيد على مئة نكون جميعاً تحت التراب ، إذا سار الجسم مع الضوء توقف الزمن ، لو قُدر لنا أن نركب مركبة تسبق الضوء يجب أن نرى معركة بدر ، كما هي ، ومعركة أحد ، ومعركة الخندق ، ومعركة القادسية ، واليرموك ، إذا سبقنا الضوء تراجع الزمن ، فإذا قصرنا عن الضوء تراخى الزمن ، هذه النظرية التي قلبت مفاهيم الفيزياء في هذا العصر وردت في كلمات عدة في آية واحدة ، قال تعالى :
( سورة الحج ) .
والعرب الذين خوطبوا بالقرآن يعدون السنة القمرية ، والقمر يدور حول الأرض دورة كل شهر ، الآن :
لو أخذنا مركز الأرض ومركز القمر ، ووصلنا بينهما بخط ، ما هذا الخط ؟ القمر يدور حول الأرض ، أخذنا مركز الأرض ومركز القمر ، وصلنا بهما بخط هذا الخط هو نصف قطر الدائرة الذي هو مسار القمر حول الأرض ، كيف نعرف طوله ؟ المسافة بين الأرض والقمر ، زائد نصف قطر الأرض ، زائد نصف قطر القمر ضرب اثنين القطر ، ضرب 14, 3 ، المحيط ، ضرب اثني عشر ، ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في عام ، ضرب ألف ، ألف عام ، يمكن لطالب من طلاب المرحلة الثانوية أن يأخذ البعد بين الأرض والقمر مع نصف قطر الأرض ، مع نصف قطر القمر ، ثم يضاعف هذا الرقم ويضربه في 14, 3 ، ثم في اثني عشر ، ثم في ألف ، أنا معي الآن رقم كبير جداً يساوي عدد كيلو مترات التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام ، واضح ؟ .
قال تعالى :
﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ ﴾ .
ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد ، لو قسمنا هذا الرقم على ثواني اليوم لكانت سرعة الضوء الدقيقة مئتين وتسعة وتسعين ألف ، وتسعمئة واثنين وخمسين ، فما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد ، إن أردنا أن نعرف سرعة الضوء في الثانية نقسم الرقم على ثواني اليوم 60 بـ 60 بـ 24 ، هذه النظرية العملاقة مدرجة في كلمات عدة في آية واحدة من آيات القرآن الكريم ، واضح ؟ .
أيها الإخوة ، هذا الإنسان الذي عدَّ انشقاق القمر خرافة ، ووضع الكتاب الذي قدم له هدية في مكان قصي ، لما رأى علماء الفضاء في حوار مع مذيع بريطاني في ( بي بِي سي ) يؤكدون أن القمر قد انشق ، ثم التئم ، وأن كل من رأى الصور أثبت أن القمر قد انشق وأن هذا مصداق قول الله عزوجل : ﴿ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ .
لذلك :
( سورة فاطر الآية: 28 ) .
ثمة رجل ملحد سبب إلحاده أنه كان طالباً في المرحلة الثانوية ، وجاءه أستاذ دين لم يرتح له هذا الطالب ، فانتقد هذا الأستاذ أمام أبيه ، أبوه كان متعصباً جداً ، فطرده من المنزل ، هذا الشيء وقع في مدينة اسمها سان فرانسيسكو في أمريكا ، فلما طرد هذا الابن من بيت أبيه ، لأنه انتقد أستاذ الديانة أعلن إلحاده ، وأنكر الأديان كلها ، لكنه كان يتمتع بذكاء ما بعده ذكاء ، تابع دراسته ، ووصل إلى الجامعة ، ودخل كلية الرياضيات ، ومن طرائف ما كان يروي أن أستاذه الكبير يقول له : اخرج من القاعة ، ولك علامة تامة ، لأنه كان يربك أستاذه ، واعتنق الإلحاد ، وأصبح من أكابر أساتذة الرياضيات في جامعة سان فرانسيسكو ، أستاذ لهذا الملحد الذي علمهم في الجامعة جاءته فتاة شرق أوسطية في أيام الصيف الحارة ، والفتيات في أمريكا شبه عرايا ، هذه الفتاة محجبة حجاباً كاملاً ، تُحضر دكتوراه في الرياضيات ، القضية بالغة ، فاستعان أستاذه بتلميذه ، وأرسل هذه الطالبة إلى هذا الشاب الملحد الذي هو أستاذ الرياضيات في جامعة سان فرانسيسكو ، يقول هذا الأستاذ : أنا حينما نظرت إلى هذه الفتاة ، وعلمت أنها شرق أوسطية ، وهي محجبة حجاباً كاملاً قال : أنا غيرت نظرتي بفتيات الشرق الأوسط ، دكتورة في الرياضيات ، ومحجبة حجاب كامل ، والفتيات شبه عرايا في أمريكا ، يقول : أنا تهيبت أن أدقق في وجهها ، ورأيتها قديسة ، بل رأيتها تنطوي على قناعات لا تملكها معظم الفتيات ، وتمنيت أن أقدم لها كل خدمة ، لكنني في اليوم نفسه عكفت على قراءة القرآن ، وأنا أبحث عن خرافة في هذا الكتاب أو عن خطأ علمي ، لأنني لست مؤمناً بالأديان كلها ، وصل إلى خطأ ، هي قوله تعالى ، طبعاً وصل إلى خطأ بتصوره :
( سورة يونس الآية : 92 ) .
يخاطب الله فرعون :
( سورة يونس الآية : 92 ) .
له صديق حميم اسمه المسيو بوكاي من فرنسا ، هذا رئيس المشرحة في باريس قال له : تقول لي دائماً إن الكتب المقدسة هي من عند الله تعالى انظر إلى هذه الآية :
﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾.
هذا من ستة آلاف عام ، قال له : هذا الإنسان التي تحدثت عنه الآية جاءنا من مصر إلى باريس ، واستقبل استقبال الملوك ، ورممت أنا جثته وعندي صورته ، فرعون ، وآثار الملح في فمه ، فرعون موسى الذي مات غرقاً لا يزال جسمه كما هو ، وقبل سنوات عدة لعلها عشر سنوات أخذ إلى باريس كي ترمم جثته من بعض التعفنات ، قال له : لا ، هذا الذي قال عنه القرآن رممته بيدي ، وهو في متحف مصر.
هذا الإنسان أستاذ الرياضيات بجامعة سان فرانسيسكو اسمع جفري لانك ، وألف كتاباً ، ووجهه لبناته ، عنوانه : لماذا أسلمت ، وهو الآن من كبار الدعاة الإسلاميين في أمريكا ، ويوم كنت في أمريكا كان من المقرر أن ألتقي به ، لكن مواعيد السفر تضاربت مع موعد اللقاء ، وقد تُرجم كتابه إلى العربية ، ودرست فقرات طويلة من كتابه في جامع العثمان في دمشق ، إنها رحلةٌ من الإلحاد إلى الإيمان.
لذلك سيدنا خالد حينما أسلم عاتبه النبي ، كيف عاتبه ؟ قال : عجبت لك يا خالد أرى لك فكراً ، معنى ذلك أن كل الذي تفوق في فهمه ، وفي إدراكه ، وفي محاكمته ، يجب أن يسلم ، من هنا ورد في الأثر :
(( أن أرجحكم عقلاً ، أشدكم لله حباً )).
( ورد في الأثر )
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم :
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾.