دخلت حجرتها خلسة ، أغلقت الباب بإحكام ، كانت متوجسة و تمشي على أطراف أصابعها ويداها ترتعشان ، تتلفت وتحتضن حقيبتها السوداء المنتفخة ، جالت بعينيها الذابلتين في أرجاء الحجرة ، تذكرت الأيام التي قضتها هنا بين هذه الجدران التي تحمل صوراً كثيرة لها في مختلف مراحل العمر ، فها هى صورتها مع والديها ، وتلك أخرى وقد بدت أكثر نضجاً ، النهدان أكثر شخوصاً ، الفم مرسوم كالعنقود ، والطول فارع ، والشعر مسترسل ، فكانت كلما وقع نظرها على صورة تشعر بأن طعنات تخرم قلبها المكلوم ،
ذكريات ومواقف تطاردها مثل أنفاس أعياها التعب وجعلها جسداً يحتضر بعد أن دب فيه موت الحياة ، فقدت كل شئ غير إصرارها على فقد كل شئ ، حاولت أن تخترق هذه الدوائر المتلاحقة من ذكريات الوداع الأخير ، استدارت وتحسست سريرها تلامسه بأصابع باردة ، تفقدت ملابسها ، ووقفت أمام المرآة ، هواجسها حجب عنها الرؤية ، فأسقطت على الأرض زجاجة عطر فارغة كانت هدية أولى من حبيب العمر والذي سيزف على عروسه مساء اليوم ، حاولت أن تجمع قواها حتى لا تدخل ثانية في تلك الدوائر ، فالوقت يمر سريعاً ، نظرت إلى الساعة ، كانت قريبة من الثانية عشرة ظهراً ،
فالموعد يبدوا مناسباً لتنفيذ تلك الجريمة ، فتحت حقيبتها وأخرجت ذاك الحبل ، وتحسست ثخنه ومتانته ، وشرعت في تشكيل عقدة فيه ، وبدأ قلبها يخفق بسرعة شديدة ، جذبت كرسيها الذي طالما شهد نجاحاتها الدراسية وصعودها إلى مراتب علا ، لكنه هذه المرة شاهد وحيد على صعودها إلى الهاوية ، استجمعت ما تبقى لها من عزم ، لتقف على الكرسي بعد أن جعلته قريباً من دولاب ملابسها ، أيقنت أن النهاية قريبة ، وضعت ربطة الحبل حول عنقها وأحكمت شدها بقوة ، جحضت عيناها ، أحست باختناق شديد ، أخرجت لسانها ، الحبل يشتد ، قدماها لم تزل تلامس الكرسي ، بدأت تحس ألماً في أوردتها ، جسدها غطاه عرق غزير ، أصابها دوار الموت ففكرت في الحياة ، لكن فكرة الانتحار لا زالت تسيطر عليها