كل ما يشغله فقط هو أن يمهله القدر لكي تكون حسناته هي الأكثر عددا من سيئاته .. لا يريد أن يكون مصيره النهائي إلى النار بعد الموت .. يقول لي ذلك بصوت عال وهو ممسك بكأس الخمر الخامسة في ليلتنا تلك .. يقسم لي بعد أن تجرع الكأس كاملة بأنه لن يتذوق الخمور مجددا .. يهوي بالكأس بمنتهى القوة على المنضدة المقابلة .. ينكفئ بوجهه عليها .. يبكي .. تنهمر الدموع من عينيه .. يطلب من الله تعالى المغفرة .. ينتحب طويلا حتى أشفق عليه .. ثم يرفع رأسه وينظر إلى النادل .. يطلب الكأس السادسة .. يخيل إلى أن النادل كان وقد أعد تلك الكأس مسبقا
أحس بيد بضة تحرك وجهي نحو اليمين .. تبا .. نفس الفتاة التي تجالسني في كل يوم .. تظن أنها تسعدني بملامساتها الوقحة التي لا تهدأ .. لا أدري هل تحس بأنني أشمئز منها أم لا؟ فبرغم بياضها الناصع وإهتمامها بنفسها وشعرها وتلك الملابس الجميلة والمثيرة .. إلا أنني أحس بأنني أجالس صندوقا للقمامة .. كدت أتقيأ وهي تقبلني
نجحت في أن أشيح وجهي بعيدا عنها .. نظرت إلي صديقي مرة أخرى .. يبكي بكاء أشد من المرة السابقة .. يخشى أن يقبض الله روحه وهو على حاله تلك حيث سيئاته تفوق حسناته عددا .. أمسكت الفتاة بوجهي مرة أخرى .. أزداد إشمئزازا منها عن ذي قبل .. أنا أيضا أخشى ألا يمهلني القدر فأموت وأنا بلا حسنات .. أوشك أن أصفعها على وجهها لكي تتركني .. ألمح صديقي وهو يرفع رأسه وينظر إلى النادل .. يطلب الكأس السابعة .. ألمح النادل وهو يجهز الكأس الثامنة مسبقا .. تدعوني الفتاة إلى غرفتها وأذهب معها بالفعل .. أخرج من الغرفة مترنحا بعد ربع ساعة كعادتي كل يوم .. أخشى ألا يمهلني القدر وأموت بلا حسنات .. أبتسم وأنا أرى النادل يصب الكأس العاشرة