بتـــــاريخ : 10/12/2008 8:07:25 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1140 0


    لا فـــــوكا

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : علي الحامدي | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة فـــــوكا

    جلس وحيداً على طاولة قصيًة ، تطل على نهرٍ يدعى ( أبا الرقراق ) ، كل شيء كان في حضرة المكان هادئا ساحراً ، تنتاب الجالسين على ضفافه حالة صمت يمررون فيها صوراً من ذاكرة الماضي التي لا تزال تقفُ شامخة في عزةٍ وإباء ، المشهدُ الخصب جعله يطلق العنان لذاكرته ، متجاوزاً المئات من السنين في غمضة عين ، أجتر من التاريخ بعض حصص دونت على سبورته آنذاك في عجل ، عاد ليفتح عينه على المكان الذي أدهشه بكل تفاصيله الدقيقة ، لم تعد هناك طاولات مستديرة بيضاء تلتف حولها مقاعد أنيقة

     ولا ستائر زرقاء ولا أكواب زجاجية ملونة ، لم يبق في المكان نساء جميلات ساحرات فاتنات ، انطفأت الأضواء الخافتة وتلاشت مقطوعات الموسيقى العذبة المصحوبة برقصات سيقان الخيزران ، ولج في ثقب الزمن منسلخاً من واقعه عابراً نحو الوهج الذي أجتذبه ، شاشة عرض لا تبث سوى الصور النقية لأبطال ينبثق النور من جباههم ، وقع قوادم خيولهم القادمة من بعيد تتطاير شرراً ، الغبار فوق الرؤوس يثير الهلع ، جلجلة الفوارس وتكبيراتهم تملأ السماء ، وصليل السيوف كبارق الشتاء في ليلة مطيرة يخطف الأبصار ، حشود من جند الله يراهم لأول مرة في صف واحد وتحت شعار واحد تضللهم سقيفة هدف واحد ، مشهد حركة مثير

    تمنى لو أنه نقل إلى جل محطات العرب الفضائية ، ليحل على القلوب من اللحظة إلى اللحظة ، سأل نفسه : من أين جاء أولئك الرجال ؟ ومن ذا الذي يتقدمهم بجسارة ؟ أتراه ذات البطل السبوري الذي قال عنه معلم التاريخ؟ أراد الاقتراب من أحدهم ليتبين الحقيقة ، ما أن رفع ساعده حتى رأى فارساً مغواراً يغطي وجهه اللثام يسابق الريح متوجهاً نحوه ، ارتعب قليلاً ثم بادر بالسؤال من أنتم ؟ ومن ذلك الرجل الذي يتقدمكم ؟ أماط اللثام عن وجه حفيف الشوارب كثيف اللحية ، وبنبرة الرجال الأشداء صفعت الكلمة وجه السائل، أعربي أنت أم أعجمي ؟ أجابه:عربي ؟ أولا تعرف من ذاك الرجل؟ قال: مضى زمن ليس بالقصير نحن لم نعد نذكر ؟ حزه بنظرة ساخرة وقبل أن يعيد لوجهه اللثام راح يردد البحر من أمامك والعدو من خلفك ، ظل واقفاً والغبار لا يزال يثار فوق رأسه مذهولاً ، وما هي إلا دقائق حتى بدأت الصورة تتلاشى أمامه ليمتد في الأفق البعيد و أشباه خيول تضمحل رويداً رويداً ، كان بالفعل هناك ، عقله لم يعد بعد من رحلته القصيرة

    صمت رهيب أطبق على طاولته حتى جاء رنين هاتفه النقال ليستقر مكانه مشدوهاً برهة من الزمن ، ظل صرير الهاتف معلقاً إلى أن قرر أن يرد عليه ، التقطه ولاشيء في ذهنه سوى تداخل صورتي هذا المكان ، فتح المجال للمتصل إنه ( عبدالله ) يسأل :أين أنت يا علي ؟ قاطعه بل قل يا فــــــارس ؟ عبد الله متعجباً: :بالله أين أنت ؟ أجابه : حيث نامت الشمس ولن تفيق أبداً ؟ ثم تابع بألم وحسرة أنا في المغرب يا عبد الله !! خبأ صوته عبدالله قليلاً ثم تبعها بزفرة طويلة تختزل عشرات الذكريات ، بالله يا علي هل وقفت بطنجهٍ الغجرية ؟ أ شربت من شفائف نهر أبا الرقراق العذبة ؟ لا تقل لي بأنك لم تمر بالدار البيضاء ذات القوام الجميل ؟ أدخلت الأسواق الشعبية في مراكش ورقصت بلا وعي ؟ أأبحرت في شواطئ كازا وتحممت بشمسها وسط ذلك العالم المكشوف ؟ أمررت بمكناس الأشواق وأنخت بعيرك في وادي زم ؟ أجابه والغصة تخنقه ، لا عبدالله لم أتمكن من كل ذلك ،الظلام يخيم على المكان أينما ذهبت ،ثمة سحابة كثيفة السواد تملأ السماء ، الضوء يكاد ينعدم تماما ، سأنتظر إلى أن تشرق الشمس غداً، لكن ليل المغرب طويل لا ينبلج ، ربما اختفى قرص الشمس خلف ذلك الجبل الشهير، أنا أحتاج مئات الشموع لتذيب هذه العتمة من عيني ، أراك قريباً عبد الله ، ثم بدأ يطوف حول الوجوه وتفاصيل المكان ، لم يكن إلى جواره سوى كأس من عصير (لافــــــوكا ) وقطع من الثلج تكسوه ، أخذ يدلقه في جوفه دفعة واحدة بغية إطفاء ذلك الاشتعال في داخله

    كلمات مفتاحية  :
    قصة فـــــوكا

    تعليقات الزوار ()