بتـــــاريخ : 10/12/2008 9:10:50 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1746 0


    سيرة حرف الشين -2-

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : عبدالكريم يحيى | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة سيرة حرف الشين

     

    سيرة حرف الشين
     

     

    منذُ نهاية كانون الثاني وبيتي بدون وقود تدفئة، أرقصُ حتى يبتعد الشتاء، وأعضُّ سبابتي اليسرى بينما أستمر في الرقص كلمَّا اقتربَ الصيف، في الحرِّ تتفتتُّ الأفكار في رأسي، وينزلق القلم والحروف على الورقة، والأفكار كقطراتٍ مالحة من جبهة رأسي، وأطراف جسدي تنزلق مبتعدةً عني، لديَّ حساسية نادرة من الحر، تظهر بقعٌ حمراء في عقلي، احتار فيها الطب، ضربوني 32 إبرة لمعرفة السبب، وأجريت لي ثلاث عمليات جراحية واستأصلوا الزائدة الدودية، وكليتي اليسرى، وشقوا لي أذني، لا أذكر أيهما، ودونما جدوى، وأكرمني رئيس الجمهورية بمبلغ عشرين دولار بعد أن سمع إنني أعرض كليتي الثانية للبيع، فأنقذني من شظف العيش، ولم ينقذني من الموت، انتهت وليمة البرد، لتبدأ وَضيمةُ العَطايا: مكرمات، آخرها بلا انتهاء، وأولها حرٌّ شديد في صيفٍ بلا كهرباء، بلا مراوح، في الشارع، خرجَ جيراني عرايا، خليط: ذكور+إناث، إلا من قطعةٍ قماش صغيرة تغطي الجزء الأمامي من عوراتهم، أمَّا الجزء الأخير فقد تركوه للريح تداعبه، وللغرباء الذين علموا أهل مدينتي أنَّ الحياء عيبٌ لا يليق بالإنسان، كمصارعي الصين العريان، علموهم فنَّ الاعتصام، والتعري جنسٌ من الاعتصام، والمياه مقطوعة منذ خمسة أيام اعتصامٌ أيضاً، نهيرات صغيرة من مياه المجاري يابسة، على أبصارهم غشاوة نشر الجفاف. هربتُ إلى الساحل، فَأنا أجيد السباحة والعَوَمْ، وأحياناً أخاف البحر، لأنَّ جدتي كانت تردد: البحر مجنون، مارسَ بحقِّنا، عملية خِصاء جماعية، فابتلعنا التيه أربعين عاماً إلا خمس، وازدادت عشرا، إلاّ سبعاً، هذا اليوم، والحبل على السائب، يعلمُّ فنَّ الجر، بلا حروف الجر، ورغم ذلك لم تنجب الصحراء رجالاً، ليدخلوا الأرض المقدسة، ومات الفالوس.

     

    فقدت الأشياء مذاقها، فالعلقم سكر، والسكر مر، في الحقيقة أنا لم أَنمْ منذ خمسةَ أيام، لكن أغميَ عليَّ مرتين من الجوع الذي هربتُ منه إلى البحر.

     

    على الساحل، وقفتُ أتأمل، عندَ الغروب، لم أعد أتحمَّلْ، فقد رأيتُهُ ينزل البحر، ابتعدَ شيئاً فشيئاً، ثمَّ أخذ يصرخ، أين يضعُ الغريق يده؟ الأحمق ينزل اليَّم ولا يعرف فنَّ العوم!! أسرعتُ لأنقذه، تقاذفتهُ أمواجٌ كالتلال، سحبتهُ إلى الشاطئ من شعره، سلبتهُ الأمواج كلَّ شيء، كَزَبَد، جامد منفوخ، اجتمع الناس عليه، وبكاه أهله هنيهةً، بقوا على الساحل حتى أسودَّ جانبٌ من الليل فَهبَّت عاصفةٌ تركتهم كأعجاز نخلٍ خاوية، قومُ ثمودٍ قد مضوا، لكنَّ منهم ها هنا باقية، طأطأتُ لها فأخطأتني، والطأطأةُ من الكرِّ وليس الفرّ.

     

    وفرَّتْ الحياة إلى الضفة الأخرى، لا يوجد قارب، لم يبقَ أمامي إلاّ تعلمُّ المشيَ على الماء، والموت كان كَكراتٍ صغيرة تدحرجت نحو مدني، وانفجرت بشدة، زوبعةٌ في فنجان قهوة، صوتها يشبه قرع الكف بالإصبع قرعاً بقوة، وهكذا تعلمتُّ فنُّ الغياب، وهو قريبٌ من فنِّ الموت، ما يعجزني، يجزعني، يزعجني، أغيبه أو يغيبني، همساً، سأطلق سهماً في الفضاء، سأهتف فليسقط الغراب، لكن ليس اليوم، فالآن ما عليَّ إلا اليقظة في الغياب، نيامٌ والموت سيوقظنا، فلماذا لا نستيقظ الآن؟ تعلمتُّ بداية أن تموت كلَّ يومٍ مرتين، ودعتُّ الأشياء كلَّها، صعبةٌ كانت البداية، لكنني اليوم أموت كلَّ يومٍ عشرين مرة، ويأس مني فنُّ الحياة، وهجرتني كلُّ الأشياء، فَأباتُ حيث أُمسي، وأَتوسدُّ يداً والتحفُ الأخرى.

     

    نامت الكلمة في حضن حيزبونٍ نضحت، فعلٌ تام، مات في بئرٍ معطلة وقصرٍ مشيد، واستنسر الحرف، فصَحبتُ الحروف في الجبالِ منفرداً، حتى تعجبَّ مني النابُ والقوارض، إلى أنْ قيدني حرف الشين shackle، حاولَ أن يلقيني في حبسٍ-ذي ثلاثِ شُعَبْ، لا ظليلٍ ولا يغني من اللهب- لكني أبصرتُ شارةً لكلِّ شيء، قلت: لعلي أدركها يوماً، بدأت بالحروف، وقالَ لي الألف مقولةً سأخبركم عنها بعد حين، ثانيةً استوقفني الشين عنوةً، هذا الذي هجرته الحروف النورانية، وخَلَتْ منه فاتحة الكتاب وبدايات السور، واستهلَّت بهِ حروف الظلمِ والظلام، والشرُّ عشُّ الشين، ومن شِيَمِ الشين الشنآن، ومنهُ انطلق الخبيث، اسمه مرعب، (ش.ي.ط.ا.ن)، لمْ أقلها لكنَّ حروفهُ تكاتفت، وكلنَّا أطهارٌ قديسون فيما لو غفلَ عنا، ورغم ذلك يحسبونهُ خيراً لهم-بَلْهُوَشَرٌّلَّهُمْ-.

     

    تَشَابَكَتْ الأشياء، من حولي وتراقصت، أردتُ أن أفهم، وصَعدتُ إلى أعلى مكانٍ في العالم، جبل قاف، أوقفني كهلٌ أبيض اللحية والثياب، لحيته وثوبه كأنَّهما لُحمة التحمت في لونٍ واحد، أخبرني بسرٍّ خطير،

     

    قال لي خمس آيات في كتاب الله العزيز، في كلِّ آية عشر قافات، من حملها معه وقرأها كل صباح ومساء لم يضره إنسٌ ولا جان بسر قاف القدرة، ونَظرتُ إلى الأسفل، شعرتُ بدوار جسدي، تقيأت أشياءً لا أذكر أنني تناولتها، نغزني الصداع، كاد الدوار أن يرمي بي من عل، الدوار حيرة جسدية، تستغله الأعضاء فتتمرد، والحيرة دوار عقلي، فَعَصَتْ حواسي.

     

    -أيَّها الأعرابي: كيف يتم بأسنا في أناسٍ نُصيبهم ثمَّ يؤلمنا المصاب؟

     

    - ليلنا داجٍ وكباشنا تنتطحُ، منهنَّ مجروحٌ ومنهنَّ منبطحُ.

     

    -اللعنة ما هذا الكلُّ هنا شعراء!! لكن إذا كنتَ شاعراً فَلِمَ تفتش في خبايا الأشياء؟

     

    - أنتَ تَعْجَبُ من تفتيشي عن الكيفية، وأنا أعجبُ من كيفية علمي أنَّ هناك ثمة كيفية.

     

    -لم أفهم!!

     

    - ليسَ مع المشاهدة فَهم، الفهمُ تفتيش، والتفتيش بعثرة الأشياء، والبعثرة لا تكون إلا بين الاسم والغير، وأسماء الأغيار كثيرة.

     

    -نعم أعرف بعضها.

     

    - تعرفها أوتوماتيكياً كشاةٍ تتعرف على الكلأ، لا بل القليل منها، والبقية لا أعرفها أنا، لأنني لم أرَها، فكيف لي أن أعرفها؟

     

    -هل سمعت بالعشر القافات؟

     

    غادرَ الإعرابيُّ من مُتَرَدَّم[1]، هل يحق لي أن أسميها، لا بدَّ أن أفعل وإلاّ اختلطت الأشياء، كيف أسميها وأنا لم يسمح لي في هذه الغرفة إلا باستخدام حرفٍ واحد؟ وبقية الحروف استعصت وعَصَتْ، وانقسمت فيما بينها بين حروف منقوطة وغير، وقمرية وشمسية وغير، وتقسيمات أخرى وغير، واقتتلوا فيما بينهم، لا شيء هنا غير دموعٍ في عيونٍ مفجوعة، فانتقلتُ إلى الضفة الأخرى، قالوا لي هناك الحروف مجموعة، ومطواعة وممنوعة من الصرف ومن التاريخ مقطوعة، إلى درجة أنَّها لا تَفهَم ولا تُفهِمْ شيئاً البتة، إنَّها غير واعية بكيفيتها، قضيتُ معها وقتاً طويلاً لم استفد منها شيئاً، ندمتُ على ما فرطتُ في جنب الله، حِرفةٌ واحدة كانت لتكفيني.

     

    قرأتُ في سورة البقرة(وَعَلَّمَآدَمَالأَسْمَاءكُلَّهَا)فبحثتُ وبحثت، ثم بحثتُ أيضاً، فكيف يصحُّ إطلاق أسماء بلا مسميات؟ وكيف توجد أسماء بلا حروف؟ كيف؟ وكيف؟ ولماذا سقطت التفاحة؟ ولماذا يتغزلُّ الشعراء بالتفاحة من دون الفاكهة؟ أ لأنَّها هي التي أكلها أبوهم أم .....، لم أتوقف عن البحث لأنه لم يمنحني فرصةً لأتوقف.

     

    وقرأت بتمعن مستقصياً القافات العشر، فوجدتُها، سأخبرك بأربعِ آيات، وأترك لك الخامسة لتبحث عنها، والآيات هي(246/2-181/3-77/4-27/5........)كيف يكون سرّاً لو علم به الجميع؟

     

    أنا لا أهذي، لكنَّ الثكلى لا عيد لها، وألموتورَ أبَّثُّ، والمصدور لا بدَّ أن ينفث، ولَسْتُ بإمَّعَة ولا أنا قائلٌ ما قلتم، وَسواءٌ عليَّ أ غادرَ الشعراء من متردَّمٍّ، أمْ مَربدٍ يخشى الوغى وَيَهْرَعُ عِندَ المَغْنَمِ، وَلَستُ بِمُسْتَبْقٍ شيئاً ولا أشياءُ، والظانون، يحسبوني أنا نفسي أنا، وأنتم أنتم، فأين النذير العريان؟ قد أتَتْكُمْ فاليةُ الأفاعي، فَلا تحسبوا الآن، ولا يكون، ولا كان:

     

    شجونٌ نحوهُ الحروف قد باءوا، شينٌ تسبقهُ واوُ ثمَّ باءُ، علا في الأرضِ وجعلَ أهلها شِيَعاً، مؤسسا بنيانه على شف جرفٍ هارٍ، وأشاع في الناس الرعب بقولٍ شهير(من ليس معنا فهو ضدنا) والحقيقة أنَّ من ليس ضده فهو معه، وانحاز إليه الذين شغلتهم أموالهم وأهلوهم، وأعتقنا الله من جحيمٍ، إذْ لم يَجِد له منَّا الولاءُ. -أنا بن جلاّ، وطلاّع الموائد الحمراء-

     

    إعرابيٌّ يردد المعلقات، في لاس فيغاس، لا زال ينشد، وعيونهُ أعماها الخمر والسهر، والدولار يتمايلُ سكرا، يُراقص ورقة الآس، والوحوش سُكارى، وتُعدي عشرةً كلُّ نعجةٍ جرباءُ، لكن مَنْ أجربَ الأولى؟ هذا هو السؤال. ولهذا لا يُقْطَعُ الرجاءُ، والشرُّ أدنى إلينا من شسعناِ، لمَّا طغى علينا السفهاءُ، وآذَنَتْنَا بِنَارِها شينٌ وَباءُ، ربَّ حطبٍ يَمَلُّ منهُ الشِواءُ، وأتانا من الحوادثِ والأنباءِ، خَطْبٌ نُعْنَى بهِ ونُسُاءُ، وغيَّبَتْ بوكا رجالاً وبقيَ القاعدون، ذكورٌ ونِساءُ، وشَبَكَ الشينُ الأشياءَ، وعُقِدَ لكلِّ باغٍ لواءُ، والبغيُ أوهى الحصون، والمعروفُ أوثقها بقاءُ.

     

    نسبه: هو دائماً من يضحك أولاً بغباء، وأنا في انتظار من يضحك أخيراً، قرأتُ سيرته، كان بالطاء في البطش واواً، وُلِدَ في الشح، من شهوتين قذرتين، وخرجَ من مكانٍ شائن شبق، من فرج أمِّه جُرحاً، نزيفاً كالبركان، ليشيع في الأرض هذا الفشاد-بحرف السين-، ونشرَ هذا الشراب-اختلس الشين، الخاء-وبعد مسيرة يومين استقرَّ في البطش، والتقى الجميع في ضيافة الشر، شكله كفردة نَعلٍ ممزق، وحشٌ عاش في/.. ما بعد الباء والواو: شين، زبيبة[2] أمُّهُ أنكرتهُ، وشيبوب شقيقه شينيٌّ مثله، وكان شداد والده، لكنَّه لم يعترف بهِ، فاسمُ العبد خالٍ من الشين، وهو لا يشبه أباه، الذي هَجَرَ أمَّه خمس سنين، ولمَّا عادَ وجدَ ابنهُ هذا ابن ثلاث سنين، فسماه خليل أمَّهِ القرش وبلغتهم shark وحَكَمَت المحكمة بصحة الترجمة، لأنَّ المادة الأولى من قانون الأب واشنطن عقد الزواج صحيح لا يفسدْ، ما لم تمضِ عليه ستُّ سنين، وهو ما أكدَّه إعلان فيلادلفيا قبل حرب الاستقلال، وما أكدته قواعد الفقه الإسلامي (الابن للفراش، وللعاهر الحَجَرْ)وفاز الشين باللقيط ثانيةً حسب كل القوانين الدولية والعرفية والدينية، وشين الشرِّ أقرب إلى شين الشعراء، من شين الشعر، شتم شظيةً شعواء، والشوائب والقشور عشيرة متحالفة، رياحٌ شديدة بدأت بوشاية شيخٍ شاذٍ، بشرى نهاية الحرب وباء، وشفقة جارٍ شامتٍ حقود، بطنه برميل مليئةٌ بالسحت، قفز مشتري العَيش في الجيش، بقرةٌ لا تتعرف إلا على العشب، لم تفتح مظلتها، أعادت القفزة، انفتحت المظلة، سقطت على النواتئ الصخرية في جبهة البحر، والبغل بيده سيفٌ خشبي شبيهٌ بالشعر، يسئلونه من أبوك، فيقول أمي مُهرةٌ أصيلة!!

     

    هو من حروف العذاب، وأول حروف الشرك، ودليل المشرك الحيران، الذي لا يعرف كيف يكنى أباه- وَلَعَبْدٌمُّؤْمِنٌخَيْرٌمِّنمُّشْرِكٍوَلَوْأَعْجَبَكُمْ- واستهلَّت بحرف الشين حروف الظلمة والخراب، وأول حروف الشيطان، وآخر حروف الخبيث، فهو الأخير بعد الباء والواو-لهُ شهرة الدمار- وشهوةُ العارshame-وهو كذلك بعد القاف والراء، إلاّ إنَّه ترك البحار والمحيطات وداهم الصحراء، واستوطنَ ديار الأعراب التي قالت آمنا، وقالَ الله لم تؤمنوا، (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَة تَكُونُ لَكُمْ) والخوف من الشوكة من استدراجات الشين، ومن فخاخه وأشراكهِ، والشينُ وَغَلَ في الشرِّ وغولاً، ثمَّ استتبع الواو والباء، بلفظٍ خَشَاشٍ كرأسِ الحيَّةِ المتوَّقدِّ، وبشاربٍ شديدٍ علينا بَغْيُهُ مُتَّعَمِّدِّ.

     

    حفل زفاف الشين، الشين والثاء شقيقان توأمان، للشين الخراب، وللثاء ثمَّ العذاب، وهما الوحيدان الوارثان لمملكة النقط الثلاث، دون منافس حتى ظهر الصاد، بغباء الوعل الجامح، تملَّق للتوأمان، واستدرجه الشين من حيث لا يحتسب، فالصاد لا ينخدع ويثملُ إلا بالنصر، ومشاكل النصر لا تقلُّ خطورةً عن مشاكل الهزيمة، وقال له بعد أنْ البسه تاج النقط الثلاث: فصارت الصاد تلفظ هكذا ¤ : هل جربتم اللفظ؟ بسيط أليس كذلك؟

     

    -لا تخف ألا تعرف أنَّ الشين والصاد صنوان، وما دامت أمَّك بغياً فنحنُ أَخوان، لأني أبي يرتاد الحانات ذوات الأعلام منذ مئات السنين.

     

    رقصَ الصادُ فرِحاً، فهو وأميرُ اللا مؤمنين أخوةٌ أشقاء، يشهد بنسبهِ كلُّ قواد بلا دين، ثمَّ قال الصادُ متبجحاً:

     

    -أعلم فالصاد يتبع الشين في هندسة الهجائية، والشين يعقبه في الأبجدية، فهما بهذا متعادلان.

     

    وغاب عن الصاد الضبيس[3] أنَّ الهندشة من شِراك الشين-استعار السين-، وفي الأبجدية حبائله، وكان الصاد- شقيق الضاد- قد شردَّ أبناء عمومته، وقتلَ صهره وأباه، فلا أرضاً قَطَع ولا ظهراً أبقى، وطردَ حكماء مدينته إلا من انضمَّ إلى اتحاد (الشين-شرٌّ بَيِّن)أو تناسى الحكمة القديمة(بين الصاد والشين داءُ الضرائر) وبسنِّ الشين تزايدت حكته فصار من شعراء المديح، كأيِّ شويعر شعرور مُتشاعر، يطلق النار كلَّ فجر على شاعر، وهو ضعيفٌ في علم الحساب، ويكره علم الفلك، ولا يجيد السياسة ويتلكأ في النحو والإعراب، ولم يقرأ دورة التاريخ، فعلَّم الجيش-استغفله الشين فتسلل إلى نهاية اللفظة- بالكذب، وعلمَّ بناته الموسيقى والغناء، والشين يعلم أبنائه اللقطاء القتال، وعلى مدى عقود طويلة دام هذا الزواج بينَ الأضداد ودامَ هذا الحال.

     

    عدتُ إلى الجبر والرياضيات-بعد أنْ تأكدت أنْ ليس فيهما حرف الشين- وحللت الحروف في علم الأرقام، فعلمتُ أنَّ الشين كان وراء استغفال فيثاغورس بمساعدة توأمه الثاء وجرَّه إلى عبادة الرقم عشرة، فأحرقوا مدرسته وتلامذته فيها أحياء، وساعد الشين فيثاغورس على الهروب وعبر به البحر المتوسط، ليثق به من جديد بعد أنْ اكتشف فيثا خيانة الثاء، وتسلل إلى سقراط من بعده مستبدلاً سينه بشين مموهة وبلا نقاط، فشنقوه عام 399 قبل الميلاد، وعدتُ إلى الأرقام من جديد، وجدتُ في الأبجدية للصاد رقم 90، وللشين رقم 300، وبقسمة الشين على الصاد، يكون الناتج 33,33333333333ولهذا الرقمُ دورٌ في نظرية فوكوياما، وهو الذي أسس عليه هنتغتون بنيانه، فقال بعد محور(برلين-طوكيو-روما) الذي هدد العالم، ومن بعده موسكو، لم يبق سواهم، فدمروا العين في حربٍ استباقية، كرسالة إلى جميع الحروف، وللشين علاقة وثيقة مع الثلاثة، فللشين سنن ثلاث، ونقطٌ ثلاث، وأسرار ثلاثة وليست ثلاث، وبأرضنا كانت الوقعة فاستنسر علينا البُغاث.

     

    ثم سددت رحالي إلى عوالم ميتا معرفية، ولا أبرحُ حتى أبلغ مجمع البحرين أو مجمع الموجودات كلها، الروحانية السفلية والعلوية، وصولاً إلى قطبي الشين، الشمالي والشنوبي، وساعدتني بعض الحروف النورانية على تخطي قيود الزمكان، مما سمح لي بهامش كبير، فمررتُ على الأيام بعد أنْ نَفَذَ صبري من مرورها وتكرارها، هل جربتم أن تمروا على الأيام؟ هي تشبه المشيَ على الماء لكنها أسهل، والوجه الذي أراه في المرآة هو وجهي، وليس وجهي في آنٍ واحد، مرآة لي كانت فصرتُ أنا المرآة، وكلٌّ مرآة نفسه، وحين رأيتُ نفسي في المرآة، فأنا أراها من حيثُ هي شيءٌ آخر، ولولا انعكاس صورتي المغايرة فيها لما كانت مرآة، لكنها مختلفة في الشمال أيضاً، والمرآة تعكس العالم كلَّه، والإنسان مجمع الموجودات، إنَّها تعكس شبيهاً للشيء مطلع الشين، ولا تعكسه نفسه.

     

    طلاق الزوجان العاشقان: للشين طبع النار، والصاد لها طبع الأرض، تجاذب الوحشان، عشق أحدهما الآخر، تواعدا سرّاً، عرفت الحروف كلها بقصة الحب المشبوهة، أعلنوا زواجهما حين أعلن عراب الشين على الملأ أنَّ حرف الصاد أملُ الديمقراطية الوحيد في الشرق الأوشط، بعد الإعلان بدأ الخلاف يدبُّ بسرية وخفاء كدبيب النمل في ليلة ظلامها دامس، وانتصر ما بعدَ الباء والواو، ودّخَلَ الشين في العين، من مؤخرته الخائنة، وخان حرف الخاء كعادته، واحتفل بالنصر الوشيك، واحتفل عبدة الشين والوشاة والشامتين، في عيد الشين الشبعين، جلبوا جلبةً ثمَّ أقلعوا، عندَ الباء والشين، الذي تذكر وصية أبيه(احمل العبد على فرس فإن هَلَكَ هَلَك، وإنْ عاشَ فَلَك) ثمَّ جزاهم سيدهم جزاء سِنمّار، وهل لذلك بقاءُ، وما تنقصُ الأيامُ والدهرُ يَنْفَدِ.

     

    نهاية الشين: (فَإِنْأَعْرَضُوافَقُلْأَنذَرْتُكُمْصَاعِقَةًمِّثْلَصَاعِقَةِ عَادٍوَثَمُودَ)- ولكنَّهم أعرضوا، وسرعان ما تساقطوا(وَبَدَالَهُممِّنَاللَّهِمَالَمْيَكُونُوايَحْتَسِبُونَ)ورغم ذلك تكرر التاريخ (فَاسْتَخَفَّقَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُإِنَّهُمْكَانُواقَوْمًافَاسِقِينَ)بفسقهم وفجورهم أطاعوا الظالم، وحينئذٍ (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْرَبُّهُمبِذَنبِهِمْفَسَوَّاهَا -ولايَخَافُعُقْبَاهَا)

     

    وانقلب الشينُ على الشائن، وعلى شانئنا الأبتر،(فَأَهْلَكْنَاأَشَدَّمِنْهُمبَطْشًاوَمَضَىمَثَلُالأوَّلِينَ) (إِنَّبَطْشَ رَبِّكَلَشَدِيدٌ، إِنَّهُهُوَيُبْدِئُوَيُعِيدُ)( فَأَمَّاالَّذِينَشَقُواْفَفِي النَّارِلَهُمْفِيهَازَفِيرٌوَشَهِيقٌ) (كَلاإِنَّهَالَظَى- نَزَّاعَةًلِّلشَّوَى– تَدْعُو مَنْأَدْبَرَوَتَوَلَّى- وَجَمَعَفَأَوْعَى) هذا أوانُ الشدِّ فاشتدي زِيَمْ، قد لفَّها الليل بسواقٍ حُطَمْ، ليس براعي إبلٍ ولا غَنَمْ، ولا بجزارٍّ على ظهرِ وَضَمْ، وقد لفها الليل بعصلبي، أروع خراجاً من الدويّ، مهاجر ليس بأعرابيّ.

     

    وشأشأنا[4] الباء والشين، وتشكلت الغيوم جياداً وَتَصَاهَلَتْ (أَقبِلْ حيزوم) فَهُزِمَ الجَمْعُ وولَّى الدبر، كَأنَّهم حُمرٌ مُسْتَنْفِرَة، فرَّت من قَسْوَرَة.

     

    انشرط الشين، وانشَرَمَ جمعهُ شَذَر، مَدَرْ، ، ولم يخلف ورائه سوى، / جوابه: شعرٌ مشزور، ونظرةُ شزر، سؤاله: يشهد، وشاء أم لم يشأ أشار بشار هنا نهاية الشين، شاخ كقشرة القش اليابس، تذروه الرياح، من الخلف كعقب أخيل. ثمَّ وسِّدَّ الأمرُ إلى غير أهله..وعادت المأساة..آه..أشعرُ بشرخٍ في جمجمتي وصداعٍ يشقُّ رأسي..لأنني أعلمُ أنَّ الأمور ليست على ما يرام، رغم ذلك لم يزعجهُ شيء إلاّ عربيّاً ينشد: تنهانا أمُّنا عن البغيِ وَتَغدو فينا، إلا هبّي بنفطك فاصبحينا ولا تبقِ وقودَ العالمينا، مشعشعةً كأنَّ الشرَّ فيها، إذا ما خالطها الدم سخينا، أبا جينا فلا تعجل علينا، إنَّما نُعطيك الذي أُعطينا، لا نكفُّ لساننا ولا أيدينا، فَلم تترك لنا حياةً، ولم تترك لنا دينا، وآبوا بالنفطِ وبالسبايا وإبنا بالحسنيين مصفدينا، ورحم الله عبداً قال آمينا.

     

    .

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     



     

     

     

    [1] المتردم الموضع الذي يسترقع ويستصلح حتى لا يبقَ فيه قوةً لما اعتراه من الوَهنْ.

     

     

    [2]زبيبة أمُّ عنترة بن شداد العبسي.

     

     

    [3]ضبيس هو الدعيُّ الأحمق.

     

     

    [4]الزمخشري-أساس البلاغة-شأشأتَ بالحمار إذ زجرته، ليمضي أو يلحق أو دعوته إلى علف.

     

     

    كلمات مفتاحية  :
    قصة سيرة حرف الشين

    تعليقات الزوار ()