بتـــــاريخ : 6/2/2008 5:15:06 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 973 0


    طريق الهداية [ المراتب - الأسباب - الموانع ]-2

    الناقل : heba | العمر :43 | المصدر : www.islammemo.cc

    كلمات مفتاحية  :
    دعوة

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، أمـا بعـد،،،

    فإن المسلم يقف بين يدي ربّه في كل يوم وليلة يسأل ربه مسألةً عظيمة، هو أحوجُ إليها من حاجته إلى الطعام والشراب، وهو مُحتاجٌ لها مع كلّ نفس، هذه المسألة هي سؤالُ هدايةِ الصراط المستقيم: }اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ[6]صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ[7]{[سورة الفاتحة] . والذين أنعم الله عليهم هم أهلُ طاعةِ الله، ورسولِه صلى الله عليه وسلم .

     

    فما هي الهداية؟

    الهداية: دِلالة بلطف إلى ما يوصل إلى المطلوب، وعرّفها ابن القيم بقوله:' هي معرفة الحق والعملُ به' .

    فَعُلِمَ من هذا أن الهداية تُستطاع بفعل الأسباب بعد توفيق الله، ولذا قال سبحانه: } قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ[108] {[سورة يونس] .

    وقال سبحانه:}وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ[17]{[سورة محمد] .

     

    ولا بُدّ من فعل الأسباب والمجاهدة في الله حتى تحصل الهداية التامة، لقوله تعالى:} وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[69]{[سورة العنكبوت] . قال ابن القيم[الفوائد 87]:' علّق سبحانه الهداية بالجهاد، فأكمل الناس هداية أعظمهم جهاداً'  أي في ذات الله، كما في الآية السابقة . ولا يُتصوّر أن ملكاً من الملائكة سوف يأخذ بيد العبد للهداية، فيأخذ بيده إلى المسجد، أو يأخذ بيده ويُساعده على إخراج منكرات بيته أو محلِّه، بل لا بُدّ أن تُبذل الأسباب أولاً، ثم يسأل العبدُ ربَّه التوفيق؛ ولذا كان الأنبياء والرسل يبذلون الأسباب المستطاعة ثم يسألون ربّهم التوفيق والإعانة .

     

    وقد قسّم ابن رجب الناس إلى ثلاثة أقسام، فقال:' الأقسام ثلاثة: راشد، وغاو، وضال ؛ فالراشد عرف الحق واتبعه، والغاوي عرفه ولم يتبعه، والضال لم يعرفه بالكلية؛ فكلُّ راشدٍ هو مهتد، وكل مهتدٍ هدايةً تامة فهو راشد؛ لأن الهداية إنما تتم بمعرفة الحق والعمل به أيضًا' اهـ .

    وقد وصَف الله أتباع إبليس بأنهم من الغاوين، فقال:} إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ[42]{[سورة الحجر] . ووصَف الله الذي أوتيَ الآيات فردّها بأنه من الغاوين، فقال:}وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ[175]وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[176]{[سورة الأعراف] .

     

     

    فدلّ هذا على أن الهداية نعمة لا تحصل بتمامها إلا بفعل الأسباب ، وقد قال تعالى:} كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[86]{[سورة آل عمران] .

    قال بعض العلماء في تفسير الآية:' أي أنه لا يهديهم ؛ لأن القــوم عرفـوا الحق وشهدوا به وتيقّنوه وكفـروا عمـداً، فمن أين تأتيهم الهداية ؟ فإن الذي تُرتجى هدايته من كان ضالا ولا يدرى أنه ضال، بل يظن أنه على هدى فإذا عرف الهدى اهتدى، وأما من عرف الحق وتيقنه وشهد به قلبه، ثم اختار الكفر والضلال عليه، فكيف يهدي اللهُ مثل هذا؟!' .

     

    مراتب الهداية:

    قسّمها ابن القيم رحمه الله إلى أربع مراتب:

    'المرتبة الأولى:الهداية العامة، وهي هداية كل مخلوق من الحيوان والآدمي لمصالِحِهِ التي بها قام أمْرُه: قال تعالى:} سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى[1]الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى[2]وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى[3]{[سورة الأعلى] . قدّر له أسباب مصالحه في معاشه وتقلباته وتصرفاته وهداه إليها والهداية تعليم، وقال تعالى حكاية عن عدوه فرعون أنه قال لموسى:} قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى[49]قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى[50]{[سورة طه] . وهذه المرتبة أسبقُ مراتب الهداية وأعمُّها . اهـ .

    المرتبة الثانية:هداية البيان والدلالة التي أقام بها حجته على عباده: وهذه لا تستلزم الاهتداء التام، قال تعالى:} وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[17]{[سورة فصلت] .

     

    يعني: بيّنا لهم ودَلَلْناهم وعرّفناهم، فآثروا الضلالة والعمى .

    المرتبة الثالثـة: وهذه المرتبة أخص من الأولى وأعم من الثانية، وهي: هداية التوفيق والإلهام: قال تعالى:}وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[25]{[سورة يونس] . فَعَمّ بالدعوة خلقه، وخص بالهداية من شاء منهم . قال تعالى:} إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ[56]{[سورة القصص] . مع قوله:}وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[52]{[سورة الشورى] .فأثبت هداية الدعوة والبيان، ونفي هداية التوفيق والإلهام. وهذه الهداية الثالثة هي الهداية الموجبة المستلزمة للاهتداء، وتَخَلُّف الهدى عنها مستحيل .

     

     

     

    المرتبة الرابعة: الهداية في الآخرة إلى طريق الجنة والنار: قال تعالى:} احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ[22]مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ[23]{[سورة الصافات] . وأما قول أهل الجنة:} وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ...[43]{[سورة الأعراف] . فيُحتمل أن يكونوا أرادوا الهداية إلى طريق الجنة، وأن يكونوا أرادوا الهداية في الدنيا التي أوصلتهم إلى دار النعيم، ولو قيل: إن كلا الأمرين مراد لهم كان أحسن وأبلغ' . انتهى كلامه رحمه الله .

    وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ اقتصاص الخلق بعضهم من بعض، ثم قال: [...فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا]رواه البخاري .

     

     

     أسباب الهداية:

    أولاً: التوحيد: فهو أعظم أسباب الهداية، ولذا قال على لسان خليله إبراهيم:}الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ[82]{[سورة الأنعام] . فهذا وعدٌ بالهداية لأهل التوحيد .

    ثانياً: امتثال ما أَمَـرَ الله بهِ ورسولُه، واجتناب ما نَهى الله ورسوله عنه: قال عز وجل:}وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا[66]وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا[67]وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا[68]{[سورة النساء] . وإذا كانت الذنوب سبباً لسوء الخاتمة، وللطبع على القلب، كان تركها سبباً للهداية، وأشد في الثّبات على دين الله . فالمحافظة على الصلاة – مثلاً – وإقامتها كما أمر الله، مما أُمِرَ به المسلم، ثم هي سبب في الابتعاد عن الفواحش والمنكرات:} إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ[45]{[سورة العنكبوت] .

     

     

    وبها يستعين العبد على الصبر على ما ينوبه في الحياة، وبها يستعين العبد على الشدائد:} وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ[45]{[سورة البقرة] . والأعمال الصالحة عموماً مما يُقرِّب إلى علاّم الغيوب .

    وقال جلّ ذكره في وصف كتابه:} يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[16]{[سورة المائدة] .

     

     ثالثاً:الإنابة والتوبة والرجوع إلى الله: قال تعالى:}اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ[13]{[سورة الشورى] .

    رابعاً:  الاعتصام بالله: قال سبحانه:} فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا[175]{[سورة النساء] . والاعتصام بالله يكون بالتمسك بحبل الله المتين بالقرآن العظيم .

    كلمات مفتاحية  :
    دعوة

    تعليقات الزوار ()