لا ريب أن أثقل ما على الطبيعة البشرية تغيير الأخلاق التي طبعت عليها النفس، إلا أن ذلك ليس متعذرًا ولا مستحيلاً، بل إن هناك أسبابًا،ووسائل يستطيع الإنسان من خلالها أن يكتسب حسن الخلق،
ومن ذلك ما يلي:
1ـ سلامة العقيدة : فالسلوك ثمرة لما يحمله الإنسان من فكر ومعتقد، وما يدين به من دين، والانحراف في السلوك ناتج عن خلل في المعتقد، فالعقيدة هي الإيمان، وأكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا؛ فإذا صحت العقيدة؛ حسنت الأخلاق تبعًا لذلك؛ فالعقيدة الصحيحة تحمل صاحبها على مكارم الأخلاق، كما أنها تردعه عن مساوئ الأخلاق.
2ـ الدعاء: فيلجأ إلى ربه، ليرزقه حسن الخلق، ويصرف عنه سيئه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعاء الاستفتاح: [...اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ...] رواه مسلم. وكان يقول: [ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَهْوَاءِ]رواه الترمذي.
3ـ المجاهدة : فالخلق الحسن نوع من الهداية يحصل عليه المرء بالمجاهدة، قال عز وجل:}وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[69]{ [سورة العنكبوت].
والمجاهدة لا تعني أن يجاهد المرء نفسه مرة، أو مرتين، أو أكثر، بل تعني أن يجاهد نفسه حتى يموت؛ ذلك أن المجاهدة عبادة، والله يقول: }وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[99]{ [سورة الحجر].
4ـ المحاسبة: وذلك بنقد النفس إذا ارتكبت أخلاقًا ذميمة، وحملها على ألا تعود إليها مرة أخرى، مع أخذها بمبدأ الثواب، فإذا أحسنت أراحها، وأرسلها على سجيتها بعض الوقت في المباح. وإذا أساءت وقصرت أخذها بالحزم والجد، وحرمها من بعض ما تريد.
5ـ التفكر في الآثار المترتبة على حسن الخلق : فإن معرفة ثمرات الأشياء، واستحضار حسن عواقبها؛ من أكبر الدواعي إلى فعلها، وتمثلها، والسعي إليها. والمرء إذا رغب في مكارم الأخلاق، وأدرك أنها من أولى ما اكتسبته النفوس، وأجل غنيمة غنمها الموفقون؛ سهل عليه نيليها واكتسابها.
6ـ النظر في عواقب سوء الخلق: وذلك بتأمل ما يجلبه سوء الخلق من الأسف الدائم،والهم الملازم، والحسرة والندامة، والبغضة في قلوب الخلق؛ فذلك يدعو المرء إلى أن يقصر عن مساوئ الأخلاق، وينبعث إلى محاسنها.
7ـ الحذر من اليأس من إصلاح النفس: فهناك من إذا ابتلى بمساوئ الأخلاق وحاول التخلص من عيوبه فلم يفلح؛ أيس من إصلاح نفسه، وترك المحاولة، وهذا الأمر لا يحسن بالمسلم، ولا يليق به؛ بل ينبغي له أن يقوي إرادته، وأن يسعى لتكميل نفسه، وأن يجدَّ في تلافي عيوبه؛ فكم من الناس من تبدلت حاله، وسمت نفسه، وقلت عيوبه بسبب مجاهدته، وسعيه، وجده، ومغالبته لطبعه.
8ـ علو الهمة : فعلو الهمة يستلزم الجد، ونشدان المعالي، والترفع عن الدنايا ومحقرات الأمور. والهمة العالية لا تزال بصاحبها تزجره عن مواقف الذل، واكتساب الرذائل، وحرمان الفضائل حتى ترفعه من أدنى دركات الحضيض إلى أعلى مقامات المجد والسؤدد، قال ابن القيم رحمه الله:'فمن علت همته، وخشعت نفسه؛ اتصف بكل خلق جميل، ومن دنت همته، وطغت نفسه؛ اتصف بكل خلق رذيل'.
وقال رحمه الله:'فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها، وأفضلها، وأحمدها عاقبة، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات، وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار؛ فالنفوس العلية لا ترضى بالظلم، ولا بالفواحش، ولا بالسرقة ولا بالخيانة؛ لأنها أكبر من ذلك وأجل. والنفوس المهينة الحقيرة الخسيسة بالضد من ذلك'. فإذا توفر المرء على اقتناء الفضائل، وألزم نفسه على التخلق بالمحاسن، ولم يرض من منقبة إلا بأعلاها، ولم يقف عند فضيلة إلا وطلب الزيادة عليها.
9ـ الصبر: فالصبر من الأسس الأخلاقية التي يقوم عليها الخلق الحسن، فالصبر يحمل على الاحتمال، وكظم الغيظ، وكف الأذى، والحلم، والأناة، والرفق، وترك الطيش والعجلة. واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر وقل من جد أمر تطلبه
10ـ العفة: فهي تحمل على اجتناب الرذائل من القول والفعل، وتحمل على الحياء وهو رأس كل خير، وتمنع من الفحشاء، والبخل، والكذب، والغيبة، والنميمة.
11ـ الشجاعة: فهي تحمل على عزة النفس، وإباء الضيم، وإيثار معالي الأخلاق والشيم، وعلى البذل والندى الذي هو شجاعة النفس، وقوتها على إخراج المحبوب ومفارقته. وهي تحمل صاحبها على كظم الغيظ، والحلم؛ فإنه بقوة نفسه وشجاعتها يمسك عنانها، ويكبحها بلجامها عن النزق والطيش.
12ـ العدل: فهو يحمل على اعتدال الأخلاق، وتوسطها بين طرفي الإفراط والتفريط .
13ـ تكلف البشر والطلاقة، وتجنب العبوس والتقطيب: قال ابن حبان رحمه الله : ' البشاشة إدام العلماء، وسجية الحكماء؛ لأن البشر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصين من الباغي، ومنجاة من الساعي'. 'وقيل للعتابي: إنك تلقى الناس كلهم بالبشر! قال: دفع ضغينة بأيسر مؤونة، واكتساب إخوان بأيسر مبذول'.
وما اكتسب المحامد حامدوها بمثل البشر والوجه الطليق
بل إن تبسم الرجل في وجه أخيه المسلم صدقة يثاب عليها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: [تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ...] رواه الترمذي.
والابتسام للحياة يضيئها، ويعين على احتمال مشاقها، والمبتسمون للحياة أسعد الناس حالاً لأنفسهم ومن حولهم، بل هم أقدر على العمل، وأكثر احتمالاً للمسؤولية، وأجدر بالإتيان بعظائم الأمور التي تنفعهم، وتنفع الناس؛ فذو النفس الباسمة المشرقة يرى الصعاب فيلذه التغلب عليها، ينظرها فيبتسم، وينجح فيبتسم، ويخفق فيبتسم. وإذا كان الأمر كذلك فأحرى بالعاقل ألا يرى إلا متهللاً.
ومن أعظم ما يعين على اكتساب تلك الخلة: الإقبال على الله، وطهارة القلب، وسلامة المقاصد، والبعد عن موطن الإثارة قد المستطاع. ومن ذلك قوة الاحتمال،ومحاربة اليأس، وطرد الهم والكآبة.
14ـ التغاضي والتغافل: وهو من أخلاق الأكابر، ومما يعين على استبقاء المودة واستجلابها، وعلى وأد العداوة وإخلاد المباغضة، ثم إنه دليل على سمو النفس، وشفافيتها، وهو مما يرفع المنزلة، ويعلي المكانة، قال ابن الأثير متحدثًا عن صلاح الدين الأيوبي:'وكان صبورًا على ما يكره، كثير التغافل عن ذنوب أصحابه، يسمع من أحدهم ما يكره، ولا يعلمه بذلك، ولا يتغير عليه. وبلغني أنه كان جالسًا وعنده جماعة، فرمى بعض المماليك بعضًا بسرموز- يعني:بنعل- فأخطأته، ووصلت إلى صلاح الدين فأخطأته، ووقعت بالقرب منه، فالتفت إلى الجهة الأخرى يكلم جليسه؛ ليتغافل عنها'.
وكان الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله كثير التغاضي عن كثير من الأمور في حق نفسه، وحينما يسأل عن ذلك كان يقول:
ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي
15ـ الإعراض عن الجاهلين: فمن أعرض عن الجاهلين حمى عرضه، وأراح نفسه، وسلم من سماع ما يؤذيه، قال عز وجل:}خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ[199]{ [سورة الأعراف].
فبالإعراض عن الجاهلين يحفظ الرجل على نفسه عزتها، والعرب تقول:'إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر'. وروي أن رجلاً نال من عمر بن عبدالعزيز، فلم يجبه، فقيل له: ما يمنعك منه؟
قال: التقى ملجم.
16ـ العفو والصفح ومقابلة الإساءة بالإحسان: فهذا سبب لعلو المنزلة، ورفعة الدرجة، وفيه من الطمأنينة، وشرف النفس، وعزها، ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام، قال النبي عليه الصلاة والسلام: [وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ] رواه مسلم. وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله:'أحب الأمور إلى الله ثلاثة: العفو عند المقدرة، والقصد في الجِدَةِ، والرفق بالعَبَدَةِ'. وقال الشافعي رحمه الله:
أرحت نفسي من ظلم العدوات لما عفوت ولم أحقد على أحد
فإذا كان الأمر كذلك فإنه يجدر بالعاقل ـ كما قال ابن حبان ـ:'توطين نفسه على لزوم العفو عن الناس كافة، وترك الخروج لمجازاة الإساءة؛ إذ لا سبب لتسكين الإساءة أحسن من الإحسان، ولا سبب لنماء الإساءة وتهييجها أشد من الاستعمال بمثلها'.
وقد يظن ظان أن العفو عن المسيء، والإحسان إليه مع القدرة عليه؛ موجب للذلة والمهانة، وأنه قد يجر إلى تطاول السفهاء. وهذا خطأ؛ فالعفو إسقاط حقك جودًا، وكرمًا، وإحسانًا مع قدرتك على الانتقام، فتؤثر الترك؛ رغبة في الإحسان ومكارم الأخلاق.. بخلاف الذل؛ فإن صاحبه بترك الانتقام عاجزًا، وخوفًا، ومهانة نفس، فهذا غير محمود، بل لعل المنتقم بالحق أحسنُ حالاً منه.
17ـ الرضا بالقليل من الناس، وترك مطالبتهم بالمثل: وذلك بأن يأخذ منهم ما سهل عليهم، وطوعت له به أنفسهم سماحة واختيارًا، وألا يحملهم على العنت والمشقة، قال تعالى:}خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ[199]{ [سورة الأعراف] .
قال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما في هذه الآية:'أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس'. وقال مجاهد:'يعني خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تخسيس، مثل قبول الأعذار، والعفو، والمساهلة، وترك الاستقصاء في البحث والتفتيش عن حقائق بواطنهم'.
قال المقنع الكندي- واصفًا حاله مع قومه-:
وأعطيهم مالي إذا كنت واجدًا وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا
وقال الرافعي رحمه الله:'إن السعادة الإنسانية الصحيحة في العطاء دون الأخذ، وإن الزائفة هي الأخذ دون العطاء، وذلك آخر ما انتهت إليه فلسفة الأخلاق'.
18ـ احتساب الأجر عند الله عز وجل: فهذا الأمر من أعظم ما يعين على اكتساب الأخلاق الفاضلة، فهو مما يعين على الصبر، والمجاهدة، وتحمل أذى الناس؛ فإذا أيقن المسلم أن الله سيجزيه على حسن خلقه ومجاهدته؛ سيهون عليه ما يلقاه في ذلك السبيل.
19ـ تجنب الجدال: لأن الجدال يذكي العداوة، ويورث الشقاق، ويقود إلى الكذب، ويدعو إلى التشفي من الآخرين. فإذا تجنبه المرء؛ سلم من اللجاج، وحافظ على صفاء قلبه، ثم إن اضطر إلى الجدال؛ فليكن جدالاً هادئًا، يراد به الوصول إلى الحق، وليكن بالتي هي أحسن وأرفق، قال تعالى: }وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[125]{ [سورة النحل].
أما إذا لج الخصم في الجدال، وعلا صوته في المجلس؛ فإن السكوت أولى، وإن أفضل طريقة لكسب الجدال؛ حينئذٍ هي تركه، قال عليه الصلاة والسلام: [ أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ] رواه أبوداود.
20ـ التواصي بحسن الخلق: وذلك ببث فضائل حسن الخلق، وبالتحذير من مساوئ الأخلاق، وبنصح المبتلين بسوء الخلق، وبتشجيع حسني الأخلاق، فحسن الخلق من الحق، والله يقول:}وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[3]{ [سورة العصر].
21ـ قبول النصح الهادف، والنقد البناء: فهذا مما يعين على اكتساب الأخلاق الفاضلة، ومما يبعث على التخلي عن الأخلاق الساقطة. فعلى من نُصِحَ أن يتقبل النصح، وأن يأخذ به؛ حتى يكمل سؤدده، وتتم مروءته، ويتناهى فضله.
بل ينبغي لمتطلب الكمال ـ خصوصًا إذا كان رأسًا مطاعًا ـ أن يتقدم إلى خواصه، وثقاته، ومن كان يسكن إلى عقله من خدمه وحاشيته ـ فيأمرهم أن يتفقدوا عيوبه ونقائضه، ويطلعوه عليها، ويعلموه بها؛ فهذا ما يبعثه للتنزه من العيوب، والتطهر من دنسها.
22ـ لزوم الصدق: فالصدق يهدي إلى البر، وحسن الخلق من جملة ذلك البر.
23ـ تجنب الوقيعة في الناس: فالوقيعة في الناس، والعرض لعيوبهم ومغمزهم ـ مما يورث العداوة، ويشوش على القلب، فتسوء الأخلاق تبعًا لذلك.
24ـ أن يتخذ الناس مرآة لنفسه: فكل ما كرهه، ونفر عنه من قول، أو فعل، أو خلق ـ فَلْيَتَجَنَّبْه، وما أحبه من ذلك واستحسنه فليفعله.
إذا أعجبتك خصـال امرئٍ فكنْهُ تكن مثل ما يعجبك
فليس على المجد والمكرمات إذا جئتها حاجب يحجبك
25ـ مصاحبة الأخيار وأهل الأخلاق الفاضلة: فالمرء مولع بمحاكاة من حوله، شديدُ التأثر بمن يصاحبه. فالجبان قد تدفعه قوة الصداقة إلى أن يخوض في خطر؛ ليحمي صديقه من نكبة.والبخيل قد تدفعه قوة الصداقة إلى أن يبذل جانبًا من ماله؛ لإنقاذ صديقه من شدة.
فالصداقة المتينة لا تحل في نفس إلا هذبت أخلاقها الذميمة. فإذا كان الأمر كذلك فما أحرى بذي اللب أن يبحث عن إخوان الثقات؛ حتى يعينوه على كل خير، ويقصروه عن كل شر.
26ـ الاختلاف إلى أهل الحلم والفضل وذوي المروءات: فإذا اختلف المرء إلى هؤلاء، وأكثر من لقائهم وزيارتهم؛ تَخَلَّق بأخلاقهم، وقبس من سمتهم ودلهم. يروى أن الأحنف بن قيس قال:'كنا نختلف إلى قيس بن عاصم نتعلم منه الحلم كما نتعلم الفقه'.
ولا يلزم أن يكون هؤلاء الذين يختلف إليهم من أهل العلم، بل قد يوجد من العوام من جبل على كريم الخلال وحميد الخصال، قال ابن حزم: [[وقد رأيت من غمار العامة من يجري في الاعتدال وحميد الأخلاق إلى مالا يتقدمه فيه حكيم عالم رائض لنفسه، ولكنه قليل جدًا '.
27ـ معرفة أحوال الناس ومراعاة عقولهم، ومعاملتهم بمقتضى ذلك: فهذا الأمر دليل على جودة النظر في سياسة الأمور، فالرجل العاقل يحكم هذا الأمر، وينتفع به عند لقائه بالطبقات المختلفة، فتراه يزن عقول من يلاقونه، فيتيسر له أن يسايرهم إلا أن ينحرفوا عن الرشد، ويتحامى ما يؤلمهم إلا أن يتألموا من صوت الحق.. ومراعاة عقول الناس وطباعهم فيما لا يقعد حقاً، ولا يقيم باطلاً؛ مظهر من مظاهر الإنسانية المهذبة.
28ـ مراعاة أدي المحادثة والمجالسة: فذلك مما يزرع المودة، وينمي الأخلاق الفاضلة.
29ـ المحافظة على الصلاة: فهي سبب عظيم لحسن الخلق، وطلاقة الوجه، وطيب النفس، وسموها، وترفعها عن الدنايا. كما أنها في مقابل ذلك تنهى عن الفحشاء والمنكر، وسوء الخلق من جملة ما تنهى عنه الصلاة. ثم إنها سبب لعلاج أدواء النفس الكثيرة كالبخل، والشح، والحسد، والهلع، والجزع، وغيرها.
30ـ الصيام: فبالصيام تزكو النفس، ويستقيم السلوك، وتنشأ الأخلاق الرفيعة، وبالصيام تعلو الهمة، وتقوى الإرادة، ويتحقق الاطمئنان. فهو تدريب منظم على حمل المكروه، ودرس مفيد في سياسة المرء نفسه، ثم إن الصيام يحرك النفوس للخير، ويسكنها عن الشر، ويطلقها من أسر العادات، ويحررها من فساد الطباع، ويجتث منها رعونة الغرائز. فهذه الأمور وغيرها من أعظم ما يعين على اكتساب حسن الخلق.
31ـ قراءة القرآن بتدبر وتعقل: فهو الهدى والنور، وهو كتاب الأخلاق الأول، وهو الذي يهدي للتي هي أقوم، وحسن الخلق من جملة ما يهدي إليه القرآن. وفيه من الوصايا العظيمة الجامعة التي لا توجد في أي كتاب آخر، والتي لو أخذت بها البشرية لتغير مسارها، ولاستنارت سبلها، ولعاشت عيشة الهناءة والعز. بل إن آية واحدة في القرآن جمعت مكارم الأخلاق، وهي قوله تعالى:}خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ[199]{ [سورة الأعراف].
32ـ تزكية النفس بالطاعة: فهذا من أعظم ما يكسب الأخلاق الفاضلة إن لم يكن أعظمه، قال تعالى :}قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا[9]{ [سورة الشمس]. وقال: }قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى[14]{ [سورة الأعلى].
33ـ لزوم الحياء: فالحياء يبعث على فعل الجميل وترك القبيح. والحياء كله خير، ولا يأتي إلا بخير، وهو خلق الإسلام، وهو شعبة من شعب الإيمان، قال عليه الصلاة والسلام: [ إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَإِنَّ خُلُقَ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ] رواه ابن ماجة .
34ـ إفشاء السلام: فإذا ما أفشى الناس السلام توادوا، وتحابوا، وإذا توادوا وتحابوا زكت نفوسهم، وزالت الوحشة فيما بينهم، فتحسن أخلاقهم تبعًا لذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ] رواه مسلم.
35ـ إدامة النظر في السيرة النبوية: فالسيرة النبوية تضع بين يدي قارئها أعظم صورة عرفتها الإنسانية، وأكمل هدي وخلق في حياة البشرية، قال ابن حزم رحمه الله :'من أراد خير الآخرة، وحكمة الدنيا، واستحقاق الفضائل والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها؛ فَلْيَقْتَدِ بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليستعمل أخلاقه، وسيره ما أمكنه، أعاننا الله على الاتساء به بمنه آمين'.
36ـ النظر في سير الصحابة الكرام: فهم أعلام الهدي، ومصابيح الدجى، وهم الذين ورثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه، وسمته، وخلقه، فالنظر في سيرهم، والاطلاع على أحوالهم ـ يبعث على التأسي بهم، والإقتداء بهديهم.
37ـ قراءة سير أهل الفضل والحلم: فإن قراءة سيرهم، والنظر في تراجمهم مما يحرك العزيمة على اكتساب المعالي ومكارم الأخلاق؛ ذلك أن حياة أولئك تتمثل أمام القارئ، وتوحي إليه بالاقتداء بهم، والسير على منوالهم.
38ـ قراءة كتب الشمائل والكتب في الأخلاق: فإنها تنبه الإنسان على مكارم الأخلاق، وتذكره بفضلها، وتعينه على اكتسابها.
من رسالة:'الأسباب المفيدة في اكتساب الأخلاق الحميدة'
للشيخ/محمد بن إبراهيم الحمد الزلفي