بتـــــاريخ : 10/14/2008 6:57:52 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 962 0


    مريم لا تعيش مرتين

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : ياسر عبد الباقي | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة مريم تعيش مرتين

    لا يهمنا الضباب الكثير في هذه اللحظة الذي يغطي القرية , حتى بدت وكأنها وشاحاً أبيض يلتف حولها , ما يهمنا هو ذلك النور الذي ينبثق من أعلى الغرفة تتراقص حوله الحشرات الساقطة , لو عبرنا هذه الغرفة أو حاولنا أن نتخيلها ونحن في أعلى التل لوجدناها من الداخل تتلألأ بالمصابيح الصغيرة الملونة والزهور الاصطناعية البسيطة , على جانبي الغرفة جلست النساء الأرض وراح بعضهن يغنين ويطبلن، في مقدمة الغرفة جلس رجل في الخمسين من عمره على كرسي كبير عتيق و كان يصفق للأطفال الذين راحوا يرقصون أمامه , لكن عيناه الضيقتان لا تمتنعا من النظر إلى الباب أو إلى الكرسي الفارغ الذي بجانبه .

    عندما بدأت الطبول والزغاريد تصل إلى مسامعنا بوضوح في أعلى التل أدركنا السبب , دخلت فتاة بثوب أبيض يغطي وجهها خمار بلون ثوبها , بدت مرتبكة تمشي بخطوات ثقيلة خائفة , أسندت نفسها بكتف أبيها حيث كانت عيناه شاخصة إلى الأرض كانة يبحث عن شي ضاع منة , تبعتها أمها بزغرودة طويلة لم تنتهي إلا بجلوس الفتاة على الكرسي المنتظر لها استمر العرس حتى وقت متأخر من رحيل الضباب , سنترك لخيالنا أن يتصور ما حدث بعد ذلك . هو بدأ يخلع ثيابه دون أي تمهيد استرسل في ضحكه حتى سال اللعاب من فمه, هي كانت تقف مرتجفة ثقلت ساقاها عن حملها , رفع عنها الخمار الملتصق بوجهها وتمتم : دموع! دموع الفرح , ثم حملها ورماها على الفراش وحدثها ساخراً: ألم تعلمك أمك !, لم يكن قد نزع الجزء الأسفل من ثيابه لكنه كان مستعداً لذلك, تراجعت الفتاة مذعورة حتى التصقت بجدار الغرفة تكورت وتشبثت بأظافرها حتى أدمت , ظنت أنه لن يصل إليها,مد يده وجذبها نحوه مزق ثيابها , قاومته , بدأت مقاومتها تضعف رويداً رويدا , دوت منها صرخة عالية قابلتها ابتسامه منه, أقسم البعض من أهالي القرية فيما بعد أنهم سمعوا صرختها , أغمض عينيه لينام نوم المنتصر في المعركة فانتهزت ذلك , لبست ثيابها الممزقة , هرولت هاربة عائدة إلى منزل والديها , كانت تركض حافية القدمين , برقت أمام الكلاب النابحة التي كانت تخافهم بالأمس القريب , راحت تطرق على الباب بكل قواها, انفتح الباب قليلاً وجاء منه صوت خافت حزين :من ؟!

    - أبى , قالت ذلك وقفزت إلى صدره باكية: أبى أبقني معك , نزلت والدتها عبر الدرج وبيدها قنديل , صاحت بقلق عند رؤيتها ابنتها :بنت! ايش جابك ؟! ركضت نحو أمها حاولت تقبيل قدميها وقالت متوسلة : أمي ..لا أريد العودة إليه , لم تشفع لها دموعها , كان جواب الأم صارماً واضحاً :عودي إلى زوجك.فهتفت الفتاة بخوف :لكنه آلمني يا أمي!! فنظر الأب إلى زوجته بذهول , لكنه لم يصمد طويلاً فسقطت نظرته إلى الأرض وقال بضعف : ألم تخبري ابنتك شيئا .هزت الأم رأسها:حاولت لكنها لم تنصت لي , لكن الأب لم يقتنع بالجواب فكان يريد أن ينفجر ويصرخ قولي إنها لم تفهمك , لكنه لم يستطع قول ذلك , تابعت قائلة:لقد تزوجت أغنى رجل في القرية,ورمقت ابنتها المرتمية تحت قدميها : أرجعها قبل أن يفتضح أمرها في القرية ,فعادت الفتاة تتعلق بوالدتها باكية لكنها دفعتها , وصرخت بها : عيب ,أنت الآن متزوجه و...

    وفجأة دخل زوج الفتاة وعلى وجهه ابتسامه خفيفة وبيده غطاء الفراش وقد مزج بلون أحمر , هتف ملوحاً به :كنت أعرف أني سأجدك هنا .. اسرعتي لوالديك لتخبريهما بأنك أصبحت امرأة قال ذلك وبسط الغطاء على الأرض وزغردت الأم طويلاً وقد أدارت رأسها إلى زوجها كأنها تقول أنظر إلى ابنتك لم تعد طفلة, حاولت الفتاة إخفاء نفسها خلف والدها , فقالت لها والدتها : اذهبي الآن مع زوجك، يقفز الزوج في ساعته ليمسك الفتاة من معصمها بقوة ويشدها خلفه عائداً بها إلى منزله , وقد همس لها في إذنها: سأجعلك تعيسة طوال عمرك, فظّلت الفتاة الصمت , وجدت أن الصمت أبسط تعبير عن المعاناة والآلام , أقسمت في نفسها أنها لن تتفوه بأي كلمة طول حياتها مع زوجها أو مع والديها الذين تخليا عنها من أجل المال , اعتادا ضربها بسبب أو بدون سبب وملاطفتها أحيانا عند زيارة والديها لها , ذات يوم انفرد الأب بابنته وسألها: ابنتي... ما بك.. أود الآن اسمع صوتك , نظرت إليه بحزن من ثم وضعت رأسها على صدره وأجهشت باكية , مرت عدة أشهر من العذاب كأنها سنوات , فكان الزوج ينظر كل حين إلى بطنها لعلها تأتي له بمولود كما يريد , ذات يوم قالت له الأم : اصبر عليها , إنها مازالت صغيرة وكل شيء بإرادة الله . فانفجر صارخاً: صغيرة كيف إذا قبلت تزويجها علي , فأخذها إلى المدينة , وعرضها على الطبيب الذي ظن في بداية الأمر بأن الفتاة ابنة الرجل , ولم يسلم أيضا من غضبه , بعد أن فحصها الطبيب أخبره بأنها طبيعية , ولا يوجد شيئ يمنعها عن الحمل وطلب منه أن يفحص هو الآخر لعل العيب فيه , رفض الرجل بشدة قائلاً أن لا عيب فيه , مضت سنة أخرى عاشت خلالها الفتاة حياة تعيسة هزل جسمها و أصاب وجها الجميل الشحوب والجروح ، كانت قد فقدت إحدى عينيها وكسر أنفها ذات مرة بقبضة يده عندما رفضت الكلام معه ومنع زيارة والديها عنها . وفي منتصف السنة التالية أخذها إلى طبيب آخر فأكد له ما قاله الطبيب الأول ، لكن الزوج لم يصدق واتهم الطبيب بالجهل والتخلف ، فعادت إلى القرية وحدها وبيدها ورقة طلاقها ، استقبلها والداها بالأحضان والدموع والندم ، عاشت بعد ذلك حياة حزينة كئيبة ، زادت حالتها سوءا واتخذت من وسادتها طفلاً ترضعه من ثدييها الجافين ، خاف عليها والديها وأحضرا لها طبيباً فأخبرهما بأنها في حالة نفسية سيئة جداً قد تؤدي بها إلى الجنون وإنها تحتاج للعلاج في مصحة بالمدينة ، وانتشر الخبر سريعاً في القرية وحضرت عجائز القرية لرؤية الفتاة قالت أكبرهن سناً بأن الفتاة قد أصيبت بمس ، وأيدتها الباقيات واقترحت إحداهن علاج الفتاة عند شيخ القرية المجاورة لهم ، اشتهر بعلاج الناس من الجن ولقب نفسه بعدو الجن ، حضر شيخ في الستين من عمره قوي البنية ذا لحية حمراء ، يحمل بيده عصاه ومسبحة وكتاباً كبيراً ، قال يحدث أم الفتاة بصوت قوي وجهوري : لا تخافي بإذن الله وحده سأشفيها ، وأضاف بلهجة مفتخرة : أنا عدو الجن ! وتلفت حوله : أين هي ؟ خذيني إليها .

    كانت الفتاة نائمة حينما دخل وهي قابضة على وسادتها بقوة في صدرها . عجز الشيخ عن إخفاء الذهول والإعجاب من وجهه المتجعد ، كانت أمامه فتاة ما زالت تحمل مسحة من الجمال ، رطّب شفتيه بلسانه وحك دقته بعصاه وحرك أنامل يده على مسبحته ابتلع ريقه وقال بصوت خافت حتى لا يوقظها : أنا سأشفيها بإذن الله حتى لو طال الزمن ، شدد ذلك في لهجته وطلب من الأم وزوجها البقاء خارج البيت مبرراً أن الجني لو خرج منها فقد يسكن في أحدهما ، أغلق الشيخ باب الغرفة بالمفتاح ومن ثم وضع كتابه وعصاه ومسبحته على الأرض ونزع عمامته من رأسه ، مشى بأطراف أصابعه إلى حيث ترقد الفتاة وعيناه مبهورتان ولمس شعرها بأصابعه الخشنة وطبع قبله خفيفة من شفتيه المتشققتين على جبينها استند بيده على السرير قفز بثقل جسمه كفتى في العشرين ، استيقظت مذعورة فوجدت نفسها في كماشة رجل لا تعرفه ، حاولت الإفلات لكنه حاصرها بجسده وراح يقبلها بعنف ، صرخت الفتاة خرجت منها حشرجة خشنة غير مفهومة حاول إسكاتها فعظته بيده ، رد عليها بصفعة قوية ، سمع والد الفتاة صرختها فصرخ بقلق : أيها الشيخ ! هذا صوت ابنتي ما بها ؟ فهرول الشيخ إلى النافذة بعد أن أصلح ثيابه ولبس عمامته ، نظر إلى حيث يقف الأب وأهالي القرية الذين تركوا أعمالهم في الحقول بموسم الحصاد ليشاهدوا الشيخ وهو يخرج الجني ، أجابه صائحاً : هذا صوت الجني ، وتبادل الأهالي فيما بينهم النظرات بذهول ممزوجة بالرعب ، وأضاف بعزم ، لتأتي أربعة نسوة لمساعدتي في ربطها ، هتف الأب بهلع : لماذا ؟! فيرد عليه الشيخ بصوته المعروف : حتى أستطيع أن أقيد حركة الجني ، لكزت الأم زوجها قائلة : الشيخ يفهم أحسن منك ، سمعها الشيخ وطلب منها أن تحضر معها خير النساء ، حمل عصاه ووضع كتابه تحت إبطه وترك أصابعه تتلاعب بمسبحته ، وفتح لهن الباب ، شعرت الفتاة بالطمأنينة عند رؤيتها والدتها ولاحظ الشيخ ذلك ، حاولت الصراخ لكن صرختها كانت مخنوقة غير مفهومة ، ظهر والدها من عتبة الباب أرادت أن تستنجد به ، لكنها عجزت عن الكلام فلم يخرج منها سوى حشرجة مؤلمة ، نكس رأسه إلى صدره وخرج ، قام جميعهم الشيخ ووالدتها والنساء الأخريات بتقييدها بالحبال على سريرها ، من ثم قال لهم وقد استطاع إخفاء ابتسامة : أحسنتم .. اذهبوا الآن وصلوا من أجلي ، التفتت الأم نحو ابنتها قبل أن تغادر وقالت شبه هامسة : ليتني كنت مكانك .. فصراخك يقطع القلب ، سمعها الشيخ ورد عليها بأنها لن تسمع صراخك بعد ذلك ، عندما تأكد من خروجهم من البيت أغلق خلفهن الباب بإحكام ورمى بحاجته الأرض ، اقترب منها وبيده عمامته وقال بصمت خافض ماكر: لقد وعدت والدتك بأن لا تسمع صوتك المزعج ، وكمم فمها بعمامته وفرك أصابعه فرحا ، نزع ثيابه بسرعة ، بإمكاننا أن نتخيل ما كان يفعل الشيخ بالفتاة ، استمر يخلع ثيابه لأيام طويلة ، ضاق حال والد الفتاة وكان أكثر قلقا على ابنته وسأل الشيخ عنها ، وأن علاجها قد طال دون أي تقدم في صحتها ، فاصطنع الشيخ الغاضب واتهمه بأنه يشكك بقدرته زاد قائلا بأن الجني الساكن في جسد الفتاة ليس من السهل طرده فذلك يحتاج لصبر طويل للقضاء عليه ، ذات يوم حملق الشيخ إلى بطنها بذهول فذعر وحدّث الفتاة بصوت مرتبك : أنت حامل .. سمعت أنك لا تحملي فكيف تحملي الآن ، جلس يفكر طويلاً ، حتى لمعت عيناه بخبث لبس ثيابه وحمل حاجاته وخرج مهرولاً إلى الخارج ، أخذ يصرخ بأعلى صوته : يا أهل القرية .. لقد تمكن منها .. لقد تمكن ، ركضنا جميعنا نحوه ، سألته بقلق : ماذا حدث ؟! أخرجت الجني ، فلطم الشيخ وجهة ورد : لا والله أصبحت ملطمة الجن ، حاولت بكل جهدي وعلمي لإنقاذ الفتاة ، رفع يده إلى السماء وتابع :الله شاهد على ذلك ، فشلت .. أنه مارد ، تعالت الأصوات وصرخات الأهالي ، وسأله أحدهم : هل ماتت الفتاة ؟ هز الشيخ رأسه بالنفي ، فيسأله والد الفتاة باكياً : بالله عليك ماذا حدث لابنتي ؟!! أغمض الشيخ عينه ، ساد صمت رهيب في المكان وكأن الطبيعة أيضا شاركتهم صمتهم وصوته يردد: لقد تزوج منها الجني .. وهي حامل الآن . لا أستطيع أن أصف المشهد في هذه اللحظة ، لكن عمت الفوضى في المكان والصرخات وتبادل الجميع النظرات المرعبة ، لم يعد للشيخ أثر ، احتشد كبار نساء القرية حول الفتاة ، صاحت إحداهن : انظروا إلى بطنها لم أر مثلها ! صاحت أخرى : يجب أن نعمل شيئا ننقذ فيها القرية قبل أن تصبح قرية الجن ، قالت أكبرهن سنا : نعمل كما عمل أجدادنا ، خيم السكون في الغرفة ، ارتسم الخوف في الأم ، أدارت الفتاة رأسها إلى الجدار باكية بصمت ، تابعت العجوز وكأنها تلقي عليها قنبلة ، سنضرب رأسها حتى يخرج الجني ، هتفت الأم : لا، وتعالت الأصوات من مؤيدة للفكرة ورافضة لها ، لكن العجوز فرضت عليهم فكرتها ، نزعت نعلها الجلدي القديم ، وقامت بضرب الفتاة على رأسها فصرخت الفتاة متألمة ، هتفت العجوز على الفور : سمعتم إنه يتألم ، حاولت الأم منعها لكن لم تستطع ، عادت بضرب الفتاة بنعلها مرددة : الشيخ المحتال لا يعرف أين الداء ، إن تركنا الجني الآن قد يتزوج بناتنا ، لفتت نحو الأخريات وصاحت بهن : ماذا بكن ؟ ساعدنني ! نزعن جميعهن نعالهن وتسابقن على ضرب الفتاة ، بقت الأم واقفة باكية عاجزة عن مساعدة ابنتها ، ظهر والدها من عتبت الباب حاول مساعدتها إلا أنه سقط قبل أن يصل إليها ، لم استطع رؤيتهن وهن يضربن الفتاة بنعالهن ، لكن سمعت إحداهن تقول : ماذا عن ابنها ابن الجني !

    فترد عليها العجوز : هل تنتظرين مني جواب يا هبله ، يجب أن نخرجهما معا … لم أشعر بالسيارة وهي تقطع بي الجبال الوعرة مغادرة القرية ، وكانت عيناي زائغتان نحو الأحوال لعلي كنت أحلم

    كلمات مفتاحية  :
    قصة مريم تعيش مرتين

    تعليقات الزوار ()