بتـــــاريخ : 10/14/2008 7:07:31 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1166 0


    المقايضة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : ياسر عبد الباقي | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة المقايضة

     

    رآها مكبة على الوادي لشئ ما .. أحست به . أدارت رأسها نحوه .. قالت بصوت رقيق طغى على صوت الوادي : عبد الله هذا أنت !

    تلعثم في البداية ، حاول إخفاء ارتباكه وقال بصوت ضعيف : أمك تنتظرك في (الحول).

    حدقت إلى الجبال .. لم تكن الشمس قد غادرت مكانها بعد فبدأت وكأنها في تحد معها ، وتمتمت بكلمات لم يسمعها أنهتها بتنهيده مؤلمة ، ثم التفتت إليه وطلبت منه مساعدتها في حمل دبة الماء إلى رأسها ، شكرته بابتسامة رقيقة وذهبت ،لكنه ترك عينيه تتبعانها خلسة .. رآها تترجل بين الأحوال بخفة وتختفي بين الأشجار خيل إليه أنه يرى ثوبها الأحمر . تركت دبة الماء عند مدخل البيت ، مسحت العرق من جبينها بمعصم يدها ، أغمضت عينيها للحظات وتمنت لو لم تلد .

    ولجت إلى الداخل ، والدها مازال نائماً وقد تبعثرت من حوله أوراق القات . قامت بجمع الأوراق ورميها للأغنام ولسان حالها يقول : وما الفرق ؟!

    كان عليها أن تقوم بتنظيف البيت قبل اللحاق بوالدتها لمساعدتها في جمع المحصول .

    غادرت منزلها مسرعة ، التقت بعبد الله في طريقها ، يضطرب قلبها كلما تلتقي به ، لكنها تستطيع كبح هذا الاضطراب ، لكن ابتسامتها أحياناً تكشفها .قال لها بصوت كاد لا يسمع : هل اتي لمساعدتكما في جمع المحصول ؟

    هزت رأسها وقد اتسع وجهها بابتسامة خفيفة : لا ..سوف يأتي أبـي لمساعدتنا . لم يقل شيئاً . كانت تعرف أن أباها لن يأتي .. تمنت لو أنها لم ترفض طلب عبد الله لمساعدتها ، فأرضهم كانت بعيدة عن القرية ، وتضطر أحياناً لحمل الماء مسافة طويلة لسقي الزرع أثناء الجفاف . تمنت كثيراً أن يكون لها أخ يساعدهما بدلاً عن والدها المشغول في التهام القات بشراهة . منذ سنوات مضت لم تكن ترىَ والدها إلا نادراً ، يأتي لأيام قليلة ثم يرحل ، والآن عندما تقاعد من الجيش ، تمنت لو لم يأت ، هاهو دائماً قابعً في ركن غرفته حيث تنتصب أمامه المداعة وتتكور أعواد القات بجانبه بعناية ، تمنت أن يهتم بها كما يهتم بهذه الوريقات . وضعت قبعة القش على رأسها لتحميها من حرارة الشمس ، وقبل أن تشرع مع والدتها في جمع المحصول ، قالت لها والدتها من دون أن تلتفت اليها : لقد جاء الحاج ياسين قبل قليل يعرض علي أحدى أراضيه بدلاً عن أرضنا هذه . أدخلت عنوة قفازها في يدها لترد عنها الشوك ، وتمتمت: أي أرض سيعطينا اياها؟ . رمت والدتها سلتها ، التفتت نحو ابنتها وقالت: تلك الواقعة تحت بيتنا تماماً .

    هزت الفتاة رأسها معترضة ثم قالت قائله : لكنها نصف مساحة أرضنا .. لكن لا بأس فلن نتعب في الصعود مرة أخرى إلى هنا و .. لم تكمل استدارت نحو والدتها ، كانت واقفة تحدق إليها ، تأملت الفتاة والدتها ، وخيل إليها أنها ترى أمامها رجلاً وليس امرأة ،حتى ان الشمس توارت بخجل خلف قامة والدتها ، يدان قاسيتان ووجه لوحته أشعة الشمس وترك الزمن بصماته عليه ، تتذكرت والدها ، عينيه الجاحظتين وفمه الشبيه بالمرأة الحبلى ،سألتها بحذر : ماذا قلت له أمي ؟

    زفرت الأم بضجر وأخذت السلة ، وعادت لتجمع فيها المحصول من دون أن تقول شيئاً لم تكن الفتاة بحاجة لجواب والدتها فقد فهمت ردها للحاج ياسين .

    عندما عادا إلى منزلهما لم يجدا الأب في غرفته فأدركا أنه ذهب كعادته لشراء القات ، لكنه عاد سريعاً عاد خالي الوفاض متجهم الوجه ، فسرت الفتاة لذلك ، لكن الأم لم يرقها الحال فإنه سيبدأ الان بالسب والصراخ ، إذ تتمنى في قرارة نفسها أن تراه مخزناً قابعاً في ركن غرفته كالتمثال .

    في المساء زارهم رجلً غريبً باحثاً عن والدها ، حدق فيها وشعرت بأن عينيه تعريانها . كانت الساعة الواحدة ليلاً عندما غادر الرجل الغريب المنزل وقد بدا سعيداً ، ورأت والدها يمضغ القات الذي تركه له الرجل ، وعيناه زائغتان إلى المجهول . لكن الفتاة لم تنم فنظرات الرجل لها قد أخافتها .. من هو ؟ لماذا جاء في هذا الوقت ؟ ماذا يريد من أبي ؟ أسأله كثيرة لم تجد لها اجابه .

    في الصباح ، سألت الفتاة والدتها عن الرجل الغريب الذي حضر لمقابلـة والدها ، لكن الأم لم تجب أو أنها اصطنعت عدم سماعها لكنها قالت بعد برهة من الزمن : "عبد الله طلب يدك " اهتز جسدها وكاد قلبها أن يقفز من صدرها ، وقالت بصوت رقيق : عبد الله ، ووضعت يدها على صدرها وحاولت إخفاء وجهها .. وركضت إلى المطبخ وأخذت دبة الماء : سأذهب إلى الوادي لأحضر الماء ، قالت ذلك وأسرعت مبتعدة من تحديق والدتها فيها بدهشة عجيبة .رأته واقفاً يتأمل الوادي .. تقدمت منه خلسة وهمست :عبد الله !.

    استدار نحوها وعيناه تدمعان ، وقال بصوت عـال لأول مرة : لقد أخبرني أبي .. أن عبد الله (المقوت) طلب يدك ووالدك قد ..

    اهتز جسدها للمرة الثانية .. وقالت بكلمات غير مرتبة : ماذا .. يدي .. مقوت . طلب ..

    أفلتت من يدها دبة الماء . وركضت عائدة إلى منزلها يسبقها قلبها ركضاً كانت والدتها واقفة أمام الباب ، احتضنتها بقوة لكنها لم تستطع ان تحتضن دموعها .. وراحت تردد باكية : أمي .. هل صحيح .. أن أبي سوف يزوجني (للمقوت)؟ .لكن الأم أجابتها بالبكاء .. وصرخت الفتاة : أمي لا تتركي أبي يبيعني للمقوت .. لست أقل من الأرض .. لست أقل من الأرض ، لكن الأم عجزت أيضاً عن الكلام .

    وعرفت الفتاة فيما بعد أن الرجل الغريب لم يكن سوى عبد الله المقوت الذي جاء إلى والدها مطالباً بنقوده التي فاقت المائة ألف مقابل القات اشتراها منه وعجز عن التسديد فعرض عليه والدها الأرض ولكنه رفض مبرراً بأنها لا تساوي شيئاً .. فطلب منه أن يزوجه ابنته ، لكن الأب رفض في البداية ، وعاد الرجل ليهدده بالسجن فاضطر في النهاية أن يرضخ له ويزوجه ابنته .

    شاركت السماء الفتاة في البكاء في ليلة عرسها ، وراحت الأم تبحث عن زوجها من بين المدعوين لكنها لم تجده .. فقد كان في غرفته يمضغ القات !!.

    كلمات مفتاحية  :
    قصة المقايضة

    تعليقات الزوار ()