عيناها صفراوان غريبتان وشعرها كتكوتي قصير . حينما وزنت نفسها قبل أسبوع ، أخبرها طبيب التجميل الخاص بها ، بأن لديها ثلاثة كيلو غرامات زيادة على وزنها الجمالي وهو لا يتلاءم والمقاسات العالمية . ابتسمت ، ولم تهتم لأول مرة ، فحذّرها من أن تؤثر زيادة أخرى على جاذبيتها وسحرها ، ثم قدم لها سلسلة من النصائح في تناول الأغذية النباتية والتقليل من التدخين والسهر وتناول الكافيار .
كان يضرب المثل دائماً بضيق خصرها وآخر مرة أخبرها (ج)وهو يقبلها في حوض الليموزين الخلفي ؛ بأن خاتم سليمان وضع على مقاس خصرها ، وهو يحتضنها بشدة ، قالت :
- هل المكان ملائم يا سيدي ؟
- لا .
- سأوافيك في أي مكان وزمان تختاره أذن .
- لا . أيضا .
- هنا ..؟
- هنا !
هوس آخر كل ما كان . وما أن اقتربت من المصعد الخاص لكبار رجال الأعمال في الفندق حتى شعرت برغبة غريبة في البكاء ، وسالت على حين غرة دمعة هاربة ، وحاولت أن تمنع نفسها من الشهيق ، لكنها لم تستطع ، شعر بذلك خادم المصعد القصير الذي ضغط على زر سري لينفتح الباب سراعاً وقال :
- أأنت بخير سيدتي ؟
كادت أن تنهار .
- .....
- هل استدعي الطبيب ؟
- ......!
- بم يمكنني أن أخدمك ؟ أأنت على ما يرام ؟
- اسكت !
وحيدة في ذلك الصندوق الكهربائي الصاعد بقوة ، أرقام الطوابق الضوئية الحمر جازت الخمسين ، لم تشأ أن تستخدم شفرة الطابق السري . وأستمر المصعد بالارتفاع . تمالكت نفسها قليلاً وبحثت عن الرقم السري في حقيبتها : كان سهلاً وبسيطاً تماماً : (16 س م ) وما أن طلبت ذلك ، حتى توقف المصعد فجأة ، وعاد الى النزول من جديد . أخبرها (ج) بأن الرقم السري يتغير كل شهر تقريباً ، أنه الجناح الخاص لأهم رجل في دعابات العالم . وقالت في سرها : ليذهب ، كل شيء ، الى الجحيم !!
عندما فتح الباب عند الجناح السري استقبلها رجل اسود بابتسامة بيضاء عريضة ، وتذكرت بأنها رأت صورته آخر مرة على غلاف إحدى مجلات الفضائح الاجتماعية . لم تبتسم له ، قال : من هنا ، سيدتي !. هتفت :
- هل ما زال أمامي المزيد من المتاهات ؟
- لا ، سيدتي . آسف .
- آووه ! .
وسار أمامها ضاغطاً على نحو سريع على مكان ما من الحائط ، ولا تعرف إن كان قد همس بكلمة سر ، أو حرّك شيئاً ما . قالت :
- رأيت صورتك ، قبل ... أسبوع ...؟
- صورتي ؟
- في المجلة ..
- أوه ، لا ، لا شك بأنك مخطئة ! ربما رجل يشبهني نوعاً ما .
- أيها اللعوب !
- آسف مرة أخرى .
في الجناح الخاص كل شيء هادئ ، تماما مثلما طلبت : أثاث شرقي وأرائك مخملية ووسائد براقة ، وعطر نفاذ ، وصوت عزف عود خفيف . كانت اللوحات التي زينت الجدران لفنانين مستكشفين من القرن التاسع عشر .. عرفت رساميها بسرعة لأنها قد حضرت في مزادات اللوحات النادرة في السنوات الأخيرة ، وحينما دققت فيها ملياً ، عرفت ، بأنها لوحات قد قلّدت على نحو بارع ! مطت شفتيها ، وتنهدت ، من جديد ، ها هم من جديد ..
الفراش الوثير والمرايا المقوسة ، وبدلات السموكن الرجالية ، خزانة ملابس نوم نسائية مسلفنة : هنا يأتي الأصدقاء الواحد تلو الآخر ، تلو الآخر ، تقريباً ؛ (ج) وحده ، من يكسر القاعدة يأتي في أي وقت يشاء ، الابتسامات نفسها ، واللقاءات نفسها ، والوداعات نفسها أيضاً ، ثم لاشيء بعد ذلك ، لاشيء تماماً : الشعر المنفوش على المرايا العارية ودخان السجائر ورائحة الشمبانيا النادرة .
قالت :
- وداعاً .
- وداعاً !.
- متى نلتقي في المرة القادمة ؟
- يتعلق ذلك بظروفنا ..
- آه . ما أصعب تلك الكلمة ..
- أجل ، ما أصعبها !
ترى هل يتأخر (ج) هذه الليلة ؟ أنه أهم شخصية في اجندة أصدقائها ، أحياناً ، يزرعها ليلة كاملة دون أن يفي بموعده ، ربما اعتاد حوض الليموزين الخلفي . لكنه لما يزل يطلب منها المجيء الى هذا الجناح في كل أول شهر تقريباً .
- هل يمكن تغيير المكان ؟
- أنه أفضل مكان لنا .
- رائحة الشرق !
- رائحة الشرق !
- أشعر بملل غريب ..
- هل ذهبت الى طبيب نفسي ؟
- لا .
- لماذا ؟ الأطباء النفسيون مهمون في هذه الأيام .
- هذه المدينة هي الفيروس القاتل .
- التفاحة ؟
- التفاحة !
طالما شعرت بالحاجة الى هواء نقي تتشممه من شرفة منزلية واطئة . ضغطت على زر فتح الستارة ، فبدت المدينة مثل وحش ضوئي قابع . ستنتظر (ج) حتى الصباح إذن ، شهقت من جديد ، وشرعت بخلع ملابسها حتى تعرت تماماً ، ثم أطلقت الرصاص من مسدس صغير أخرجته من حقيبتها نحو ظهر الوحش