صفة الحج
س199: حبذا لو بينتم لنا صفة الحج؟
الجواب: نذكر هنا صفة الحج على سبيل الإجمال والاختصار فنقول: إذا أراد الإنسان الحج أو العمرة، فتوجه إلى مكة في أشهر الحج، فإن الأفضل أن يحرم بالعمرة أولا ليصير متمتعا، فيحرم من الميقات بالعمرة، وعند الإحرام يغتسل كما يغتسل من الجنابة، ويتطيب في رأسه ولحيته، ويلبس ثياب الإحرام، ويحرم عقب صلاة فريضة، إن كان وقتها حاضرا، أو نافلة ينوي بها سنة الوضوء، لأنه ليس للإحرام نافلة معينة، إذ لم يرد ذلك عن النبي صلى الله علي وسلم، ثم يلبي فيقول: لبيك اللهم عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. ولا يزال يلبي حتى يصل إلى مكة.
فإذا شرع في الطواف، قطع التلبية، فيبدأ بالحجر الأسود يستلمه ويقبله إن تيسر، وإلا أشار إليه، ويقول: بسم الله والله أكبر، اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يجعل البيت عن يساره ويطوف سبعة أشواط، يبتدئ بالحجر ويختتم به، وفي هذا الطواف يسن للرجل أن يرمل في الثلاثة أشواط الأولى؛ بأن يسرع المشي ويقارب الخطى، وأن يضطبع في جميع الطواف، بأن يخرج كتفه الأيمن، ويجعل طرفي الرداء على الكتف الأيسر، وكلما حاذى الحجر الأسود، كبر ويقول بينه وبين الركن اليماني: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار" ويقول في بقية طوافه ما شاء من ذكر ودعاء.
وليس للطواف دعاء مخصوص لكل شوط، وعلى هذا فينبغي أن يحذر الإنسان من هذه الكتيبات التي بأيدي كثير من الحجاج، والتي فيها لكل شوط دعاء مخصوص، فإن هذا بدعة لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل بدعة ضلالة .
ويجب أن ينتبه الطائف إلى أمر يخل به بعض الناس في وقت الزحام، فتجده يدخل من باب الحجر، ويخرج من الباب الثاني، فلا يطوف بالحجر مع الكعبة، وهذا خطأ، لأن الحجر أكثره من الكعبه، فمن دخل من باب الحجر وخرج من الباب الثاني، لم يكن قد طاف بالبيت، فلن يصح طوافه.
وبعد الطواف يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم إن تيسر له، وإلا ففي أي مكان من المسجد، ثم يخرج إلى الصفا، فإذا دنا منه قرأ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ الآية، ولا يعيد هذه الآية بعد ذلك، ثم يصعد على الصفا، ويستقبل القبلة، ويرفع يديه، ويكبر الله ويحمده، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، انجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم يدعو بعد ذلك، ثم يعيد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة.
ثم ينزل متجها إلى المروة، فيمشي إلى العلم الأخضر، أي العمود الأخضر، ويسعى من العمود الأخضر إلى العمود الثاني سعيا شديدا، أي يركض ركضا شديدا، إن تيسر له ولم يتأذى أو يؤذ أحدا، ثم يمشي بعد العلم الثاني إلى المروة مشيا عاديا، فإذا وصل المروة، صعد عليها، واستقبل القبلة، ورفع يديه، وقال مثل ما قال على الصفا، فهذا شوط.
ثم يرجع إلى الصفا من المروة، وهذا هو الشوط الثاني، ويقول فيه ويفعل كما قال في الشوط الأول وفعل، فإذا أتم سبعة أشواط، من الصفا للمروة شوط، ومن المروة للصفا شوط آخر، إذا أتم سبعة أشواط، فإنه يقصر شعر رأسه، ويكون التقصير شاملا لجميع الرأس، بحيث يبدو واضحا في الرأس، والمرأة تقصر من كل طرف رأسها بقدر أنملة، ثم يحل من إحرامه حلا كاملا، يتمتع بما أحل الله له من النساء والطيب واللباس وغير ذلك.
فإذا كان يوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج، فاغتسل، وتطيب، ولبس ثياب الإحرام، وخرج إلى منى، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، خمس صلوات، يصلي الرباعية ركعتين، وكل صلاة في وقتها، فلا جمع في منى، وإنما هو القصر فقط.
فإذا طلعت الشمس يوم عرفة، سار إلى عرفة، فنزل بنمرة إن تيسر له، وإلا استمر إلى عرفة فينزل بها، فإذا زالت الشمس، صلى الظهر والعصر قصرا وجمع تقديم، ثم يشتغل بعد ذلك بذكر الله، ودعائه، وقراءة القرآن، وغير ذلك مما يقرب إلى الله تعالى. وليحرص على أن يكون آخر ذلك اليوم ملحا في دعاء الله عز وجل، فإنه حري بالإجابة.
فإذا غربت الشمس، انصرف إلى مزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء جمعا وقصرا، ثم يبقى هناك حتى يصلي الفجر، ثم يدعو الله عز وجل إلى أن يسفر جدا، ثم يدفع بعد ذلك إلى منى، ويجوز للإنسان الذي يشق عليه مزاحمة الناس، أن ينصرف من مزدلفة قبل الفجر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لمثله.
فإذا وصل إلى منى، بادر فرمى جمرة العقبة الأولى قبل كل شيء بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ثم ينحر هديه، ثم يحلق رأسه، وهو أفضل من التقصير، وإن قصره فلا حرج، والمرأة تقصر من أطرافه بقدر أنملة، وحينئذ يحل التحلل الأول، فيباح له جميع محظورات الإحرام ما عدا النساء.
فينزل بعد أن يتطيب ويلبس ثيابه المعتادة ينزل إلى مكة، فيطوف طواف الإفاضة سبعة أشواط بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط. وهذا الطواف والسعي للحج، كما أن الطواف والسعي الذي حصل منه أول ما قدم للعمرة، وبهذا يحل من كل شيء حتى من النساء.
ولنقف هنا لننظر ماذا فعل الحاج يوم العيد؟ فالحاج يوم العيد: رمى جمرة العقبة، ثم نحر هديه، ثم حلق أو قصر، ثم طاف، ثم سعى، فهذه خمسة أنساك يفعلها على هذا الترتيب، فإن قدم بعضها على بعض فلا حرج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم العيد عن التقديم والتأخير، فما سئل عن شيء قدم ولا أخر يومئذ إلا قال: افعل ولا حرج فإذا نزل من مزدلفة إلى مكة، وطاف وسعى، ثم خرج ورمى فلا حرج، ولو رمى ثم حلق قبل أن ينحر، فلا حرج، ولو رمى، ثم تزل إلى مكة وطاف وسعى فلا حرج، ولو رمى ونحر وحلق، ثم نزل إلى مكة وسعى قبل أن يطوف فلا حرج. المهم أن تقديم هذه الأنساك الخمسة بعضها على بعض لا بأس به، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء قدم ولا أخر يومئذ إلا قال: افعل ولا حرج وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى ورحمته بعباده.
ويبقى من أفعال الحج بعد ذلك: المبيت فى منى ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، وليلة الثالث عشر لمن تأخر، لقول الله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى فيبيت الحاج بمنى ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، ويجزئ أن يبيت في هاتين الليلتين معظم الليل.
فإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر، رمي الجمرات الثلاث؛ يبدأ بالصغرى وهي الأولى التي تعتبر شرقية بالنسبة للجمرات الثلاث فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم عن الزحام قليلا، فيقف مستقبل القبلة، رافعا يديه، يدعو الله تعالى دعاء طويلا، ثم يتجه إلى الوسطى فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلا عن الزحام، ويقف مستقبل القبلة، رافعا يديه، يدعو الله تعالى دعاء طويلا، ثم يتقدم إلى جمرة العقبة، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ولا يقف عندها؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي ليلة الثاني عشر، يرمي الجمرات الثلاث كذلك، وفي اليوم الثالث عشر - إن تأخر - يرمي الجمرات الثلاث كذلك.
ولا يجوز للإنسان أن يرمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر قبل الزوال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال، وقال: خذوا عني مناسككم وكان الصحابة يتحينون الزوال، فإذا زالت الشمس رموا، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزا، لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، إما بفعله، أو قوله، أو إقراره، ولما اختار النبي صلى الله عليه وسلم وسط النهار للرمي، وهو شدة الحر، دون الرمي في أوله الذي هو أهون على الناس.
علم أن الرمي في أول النهار لا يجوز، لأنه لو كان من شرع الله عز وجل، لكان هو الذي يشرع لعباد الله، لأنه الأيسر، والله عز وجل إنما يشرع لعباده ما هو الأيسر. ولكن يمكنه إذا كان يشق عليه الزحام، أو المضي إلى الجمرات في وسط النهار، أن يؤخر الرمي إلى الليل، فإن الليل وقت للرمي، إذ لا دليل على أن الرمي لا يصح ليلا، فالنبي صلى الله عليه وسلم وقت أول الرمي ولم يوقت آخره، والأصل فيما جاء مطلقا، أن يبقى على إطلاقه، حتى يقوم دليل على تقييده بسبب أو وقت.
ثم ليحذر الحاج من التهاون في رمي الجمرات، فإن من الناس من يتهاون فيها، حتى يوكل من يرمي عنه، وهو قادر على الرمي بنفسه، وهذا لا يجوز ولا يجزئ، لأن الله تعالى يقول في كتابه: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ والرمي من أفعال الحج، فلا يجوز الإخلال به، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لضعفة أهله أن يوكلوا من يرمي عنهم، بل أذن لهم بالذهاب من مزدلفة في آخر الليل، ليرموا بأنفسهم قبل زحمة الناس، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن للرعاة الذين يغادرون منى في إبلهم، لم يأذن لهم أن يوكلوا من يرمي عنهم. بل أذن لهم أن يرموا يوما ويدعوا يوما ليرموه في اليوم الثالث، وكل هذا يدل على أهمية رمي الحاج بنفسه، وأنه لا يجوز له أن يوكل أحدا، ولكن عند الضرورة لا بأس بالتوكيل، كما لو كان الحاج مريضا أو كبيرا لا يمكنه الوصول إلى الجمرات، أو امرأة حاملا تخشى على نفسها أو ولدها، ففي هذه الحال يجوز التوكيل.
ولولا أنه ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يرمون عن الصبيان، لقلنا: إن العاجز يسقط عنه الرمي، لأنه واجب عجز عنه، فيسقط عنه لعجزه عنه، ولكن لما ورد جنس التوكيل في الرمي عن الصبيان، فإنه لا مانع من أن يلحق به من يشابههم في تعذر الرمي من قبل نفسه.
المهم أنه يجب علينا أن نعظم شعائر الله، وألا نتهاون بها، وأن نفعل ما يمكننا فعله بأنفسنا لأنه عبادة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة، ورمي الجمرات لإقامة ذكر الله .
وإذا أتم الحج، فإنه لا يخرج من مكة إلى بلده، حتى يطوف للوداع، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس ينفرون من كل وجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت إلا إذا كانت المرأة حائضا أو نفساء، وقد طافت طواف الإفاضة، فإن طواف الوداع يسقط عنها، لحديث ابن عباس: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قـيل له: "إن صفية قد طافت طواف الإفاضة قال "فلتنفر إذن" وكانت حائضا.
ويجب أن يكون هذا الطواف آخر شيء، وبه نعرف أن ما يفعله بعض الناس، حين ينزلون إلى مكة، فيطوفون طواف الوداع، ثم يرجعون إلى منى، فيرمون الجمرات، ويسافرون من هناك، فهذا خطأ، ولا يجزئهم طواف الوداع، لأن هؤلاء لم يجعلوا آخر عهدهم بالبيت، وإنما جعلوا آخر عهدهم بالجمرات.