السعي بين الصفا والمروة
(الصفا) في الأصل جمع صفاة ، وهي الحجر العريض الأملس ، والمراد به هنا مكان عال في أصل جبل أبي قبيس جنوب المسجد قريب من باب الصفا ، وهو شبيه بالمصلى طوله ستة أمتار، وعرضه ثلاثة ، وارتفاعه نحو مترين كذلك كان .
و (المروة) في الأصل واحد المرو ، وهي حجارة بيض ، والمراد هنا مكان مرتفع في أصل جبل قعيقعان في الشمال الشرقي للمسجد الحرام قرب باب السلام وهو شبيه بالمصلى ، وطوله أربعة أمتار، في عرض مترين ، وارتفاع مترين ، والطريق الذي بين الصفا والمروة هو (المسعى) مكان السعي ، والمسعى الآن داخل في المسجد الحرام نتيجة التوسعة السعودية سنة 1375 هـ .
والسعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج عند غير أبي حنيفة والصحيح عند أحمد . وعدد مرات السعي المطلوبة سبع ، على أساس أن الذهاب من الصفا إلى المروة يعتبر مرة ، والعودة من المروة إلى الصفا يعتبر مرة ، وهكذا حتى تتم سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتنتهي بالمروة . ومن لم يسع سعي الركن بطل حجه إن كان حاجا ، وعمرته إن كان معتمرا عند القائلين بأن السعي ركن ، وأما القائلون بوجوبه كأبي حنيفة والصحيح عند أحمد ، فإن تركه يجبر بدم وقد جاء حديثان يقول النبي صلى الله عليه وسلم في أحدهما : اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي
أخرجه الشافعي وأحمد والدارقطني
ويقول في الثاني : كتب عليكم السعي فاسعوا
أخرجه أحمد والحديثان ضعيفان ولكن ثبت بالأدلة الصحيحة سعي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم.. فالسعي وارد في الكتاب والسنة ، وعليه إجماع الأمة ، والخلاف في حكمه وليس في ثبوته .
قال الترمذي : اختلف أهل العلم فيمن لم يطف بين الصفا والمروة حتى رجع فقال البعض : إن لم يطف بينهما حتى خرج من مكة ، فإن ذكر وهو قريب منها رجع فطاف بينهما ، وإن لم يذكر حتى أتى بلاده أجزأه وعليه دم . وقال بعضهم : لا يجزئه لأن السعي بينهما ركن لا يجوز الحج إلا به .
لكي يكون السعي صحيحا لا بد من توفر الشروط الآتية فيه :
فيشترط أن يأتي السعي بعد الطواف بالبيت ، ولو كان الطواف تطوعا ، فإذا لم يتقدمه طواف فإن هذا السعي لا يعتبر ولا يحسب في مناسك الحج ، ولا يكفي عن السعي الذي هو ركن أو واجب ، لأن السعي ليس عبادة مستقلة مثل الطواف إنما هو عبادة تابعة للطواف ، ولذا لا يستحب السعي وحده ولا يطلب ، إنما الذي يستحب الإكثار منه هو الطواف .
البدء عند السعي بالصفا والختم بالمروة شرط لصحة السعي عند الثلاثة وبعض الأحناف والمختار عند الأحناف أن ذلك واجب يجبر بدم .
قال الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يبدأ بالصفا قبل المروة فإن بدأ بالعكس لم يجز .
والمراد من ذلك ألا يترك أي جزء من المسافة بين الصفا والمروة بغير سعي فيه ، فإن ترك جزءا ولو صغيرا بطل سعيه ، حتى لو كان راكبا اشترط أن تضع الدابة حافرها على الجبل ، ويجب على الماشي أن يلصق رجله بالجبل بحيث لا يبقي بينهما فرجة عند الشافعي . وقال غيره : لا يطلب إلصاق الرجل بجبل الصفا أو جبل المروة ، إنما المطلوب هو ما يعتبر إتماما عرفا .
تشترط الموالاة في السعي بين الصفا والمروة ، من غير فصل كثير بين الشوط والذي بعده ، وذلك عند مالك ورواية عن أحمد فإن جلس خفيفا بين أشواطه للراحة فلا شيء فيه ولا بأس ، وإن طال الجلوس والفصل ، أو فعل ذلك عبثا ، فإن عليه أن يبتدئ السعي من الأول ، ولا يقطع السعي لإقامة صلاة بالمسجد إلا إن ضاق وقتها فيصليها ويبني ، ويجوز قطع السعي بسبب احتقان بالبول وغيره ، وقال الأحناف والشافعي والجمهور : الموالاة بين الأشواط في السعي سنة ، وهو ظاهر مذهب أحمد ، فلو وجد فصل بين الأشواط لا يضر ، قليلا كان أو كثيرا .
(هذا) ومعلوم أن السعي يكون في المسعى المخصص لذلك وإلا لم يجز ولم يصح