المزدلفة عبارة عن واد يمتد من محسر غربا إلى المأزمين شرقا ، طوله نحو أربعة آلاف متر ، وسمي بذلك لأن الناس يأتون إليه في زلف (أي : ساعات) من الليل ، ويقال له : جمع ، لاجتماع الناس به ، والمزدلفة من الحرم ، وفيها يرى على يمين السائر إلى عرفة (المشعر الحرام) على بعد 2548 مترا من أول الوادي من جهة المحسر ، والمشعر الحرام جبل بالمزدلفة ، سمي بذلك لأن العرب في الجاهلية كانت تشعر عنده هداياها (والإشعار هو الضرب بشيء حاد في سنام الجمل حتى يسيل الدم) والمشعر الحرام يسمى أيضا : قزحا ، ويحيط به جداران ، كل منهما ارتفاعه أربعة أمتار وعرضه ثلاثة ، والمسافة بينهما ستون مترا .
وفي نهاية المزدلفة يضيق الوادي إلى خمسين مترا عرضا في مسافة طولها 4372 مترا تنتهي إلى العلمين اللذين هما حد الحرم من جهة عرفة ، وهما بناءان أقل من بناء المشعر الحرام ، والمسافة بينهما مائة متر ، وهذا الوادي يسمى : وادي المأزمين ، والمأزم هو الطريق بين الجبلين ، وفي جنوبهما طريق ضب الذي يستحب سلوكه عند الذهاب إلى عرفة ، ثم يتسع الوادي ويسمى : وادي عرنة ، وبه مسجد نمرة ، ويسمى : جامع إبراهيم ، وهو مسجد كبير طوله تسعون مترا في عرض ثمانين ، محاط بالبواكي ، وفي وسطه مجرى ماء يأتيه الماء من مجرى عين زبيدة ، وفي شماله إلى الشرق بقليل علمان ، وهما عمودان أقيما للدلالة على حد عرفة الغربي ،
بينهما وبين العلمين المحددين للحرم من الشرق 1553 مترا .
(هذا) وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة ، ومزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر ، لأن عرفة من الحل وبطن عرنة من الحرم فهو غير عرفة ، وأما المزدلفة فهي من الحرم ، وبطن محسر من الحل فهي غير مزدلفة .
المبيت بالمزدلفة ليلة النحر بعد الإفاضة والنزول من عرفات سنة عند أبي حنيفة ومالك ، وواجب عند أحمد حتى نصف الليل ، وعند الشافعي واجب حتى تمر ساعة بعد نصف الليل... والأوزاعي وجماعة من التابعين وابن حزم يرون أن المبيت بها فرض .
ويسقط وجوب المبيت بالمزدلفة لعذر كضعف أو خوف زحام ، أو مرض أو فوات رفقة لقول عائشة رضي الله عنها : كانت سودة امرأة ضخمة ثبطة فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جمع بليل فأذن لها ووددت أني كنت استأذنته فأذن لي
أخرجه الشيخان وأحمد
وقال ابن عباس : أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله
أخرجه الشافعي وأحمد والشيخان
والمعنى أن ابن عباس رضي الله عنهما كان من الضعفة الذين أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا من المزدلفة ليلا إلى منى ، وهذا إذن عام لكل صاحب عذر في الذهاب إلى منى قبل الفجر لرمي جمرة العقبة قبل الزحام ، وهذا متفق عليه .
الوقوف بالمزدلفة بعد طلوع فجر يوم النحر وقبل طلوع الشمس واجب عند الأحناف وسنة عند مالك والشافعي وأحمد .
وقد عرفت أن المزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر للحديث السابق ، ومن وقف بها محمولا ، أو نائما ، أو مغمى عليه ، أو على غير طهارة ، فإن ذلك يحسب له ، لأن النية والطهارة ليستا شرطا في الوقوف بالمزدلفة ولا في المبيت .
والسنة لمن وقف بالمزدلفة بعد الفجر أن يقف على قزح ، ويكثر من الذكر والدعاء ، وأن ينصرف إلى منى إذا أسفر الصبح وظهر ظهورا واضحا ، وقبل طلوع الشمس ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بها ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس مخالفا للمشركين ، لأنهم كانوا لا يفيضون إلى منى إلا بعد طلوع الشمس .
ويسن الاغتسال لهذا الوقوف ، والتعجيل بصلاة الصبح ليدرك الناس الوقوف والدفع قبل طلوع الشمس ، ويسن المشي بسكينة ووقار حتى لا يحصل إيذاء لأحد ، إلا إذا وصل إلى وادي محسر فإنه يسرع إن كان ماشيا ، ولا يوجد من يزاحمه مزاحمة ضارة ، لأن النبي فعل ذلك . وهذا الوادي هو الذي هلك فيه أصحاب الفيل .