الجنايات جمع جناية ، والجناية في اللغة معناها الذنب يؤاخذ به ، والمراد به هنا نوعان :
(الأول) :
|
ما تكون حرمته بسبب الإحرام كالتطيب وإزالة الشعر والتعرض للصيد والوطء ومقدماته ؛ فكل هذه جنايات على الإحرام . |
(الثاني) :
|
ما تكون حرمته بسبب الحرم كالتعرض لصيده أو شجره ؛ وهي جناية على الحرم لا على الإحرام وإليك تفصيل الكلام عن كل منهما .
|
الجناية على الإحرام إما أن تكون بغير الوطء ، مثل التطيب والحلق والقبلة ، وإما أن تكون بالوطء ، وهناك جناية على الطواف ، وجناية على غير الطواف فالجنايات على هذا أربعة أنواع .
ويلاحظ قبل البدء في التفصيل أن الذي يفعل جناية لبس الملابس أو التطيب وهو ناس أو جاهل أو مخطئ فإنه لا يعذر عند الأحناف ومالك وأحمد في رواية ، ويعذر ولا يؤاخذ عند الشافعي وابن حزم .
والجناية بغير الوطء ثلاثة أقسام :
(الأول) :
|
ما يفعل لعذر ، فكل مخالفة يرتكبها المحرم لعذر كإزالة شعر ،
أو لبس مخيط ، أو تغطية رأس فهو مخير بين ثلاثة أمور :
1-
|
إن شاء ذبح شاة في الحرم. |
2-
|
وإن شاء صام ثلاثة أيام ولو متفرقة. |
3-
|
وإن شاء تصدق ولو في غير الحرم بثلاثة آصع على ستة مساكين كل مسكين يأخذ نصف صاع - والصاع أربعة أمداد ، والمد حفنة يكفي الإنسان المتوسط - ولو تصدق بها على ثلاثة مساكين أو اثنين فظاهر الآية يستفاد منه أن ذلك يجوز ، ولكن الحديث المبين لها يفهم منه عدم الجواز ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة : أتؤذيك هوام رأسك قال : قلت نعم . قال فاحلق ، وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو انسك نسيكة (اذبح ذبيحة)
أخرجه الجماعة واللفظ لمسلم فالحديث تفصيل لقوله تعالى : فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك
ولا بد في الصدقة والنسك من التمليك ولا تكفي الإباحة ، (والتمليك هو الإعطاء للمسكين ، أما الإباحة فهي دعوة المسكين ليأكل عندك) .
وتعتبر المخالفة مشروعة مع الفدية إذا كان المحرم يجد مشقة كثيرة من شيء مثل عري الرأس ، أو عدم لبس الخيط . أو كان غالب ظنه أنه يمرض بسبب البرد الذي يلحقه وهو بملابس الإحرام ، وإن كانت لغير عذر فهي غير مشروعة وفيها إثم .
|
|
(الثاني) :
|
ما يفعله لغير عذر ، وجزاؤه مثل جزاء المعذور.. فدية من صيام أو صدقة أو نسك... عند الشافعية والحنابلة وأكثر المالكية . ويزيد من خالف بغير عذر أنه يعتبر إثم مذنبا بفعله الشيء الممنوع حتى يحتاج إلى توبة مما وقع فيه كما يحتاج التوبة كل مذنب آثم ، ومن جهل العوام أنهم يظنون أن من خالف في شيء عامدا فليس عليه إلا الكفارة .
وقال الأحناف وكثيرون : غير المعذور له أحوال فيجب عليه دم إن طيب عضوا كاملا مثل الوجه والفخذ والساق لغير عذر ولو كان ناسيا أو مكرها أو نائما ، وكذا لو طيب قدر عضو من أعضاء متفرقة ، والبدن كله كعضو .
|
وكذا يلزمه دم إن خضب رأسه أو لحيته لغير عذر بحناء سائلة ، وإن كانت ثخينة وجب عليه دم للطيب ودم لتغطية الرأس بالحناء الثخينة ، هذا إن اعتبرنا الحناء طيبا ، وإلا فالأكثر لا يعتبرها كذلك .
وكذا يلزمه دم إن غطى رأسه أو وجهه كله أو ربعه بما يستر به عادة ليلة أو يوما كاملا ، ولو بإلقاء غيره عليه وهو نائم أو لبس محيطا لبسا معتادا ليلة أو نهارا كاملا ، أو قدر أحدهما .
وكذا لو أزال ربع شعر رأسه أو لحيته - وهي عضو مع الشارب - أو أزال شعر رقبته ، أو إبطيه ، أو أحدهما ، أو عانته ، أو قص أظافر يديه ورجليه في مجلس واحد ، أو قص أظافر يد أو رجل ، أو قبل أو لمس بشهوة ، وإن لم ينزل ، فيلزمه لكل ما ذكر شاة مما يجزئ في الأضحية ، فإن عجز عنها لزمه صيام عشرة أيام ثلاثة أيام قبل يوم النحر ، وسبعة بعد تمام أعماله كما سبق .
وكذا يلزمه دم لو ادهن بزيت أو خل ولو غير مطيب ؛ لأنه لا يخلو عن طيب ، ولا شيء في ذلك إن كان للتداوي ولا طيب فيه .
وعليه دم لو حلق محاجمه (موضع الحجامة) لأن المحجم لما قصد للحجامة اعتبر عضوا مستقلا ، وقال أبو يوسف في الزيت والخل وشعر الحجامة : في كل منها صدقة.. نصف صاع من بر أو سويقه أو دقيقه ، أو صاع من تمر أو شعير أو زبيب .
(هذا) وإن طيب أقل من عضو ، أو ستر وجهه أو رأسه أقل من يوم أو ليلة ، أو لبس الخيط أقل من يوم أو من ليلة لزمه صدقة في كل واحد مما
ذكر . وكذا لو حلق أقل من ربع رأسه أو لحيته أو حلق بعض رقبته ، أو بعض عانته ، أو بعض إبطه ، أو حلق رأس غيره ولو بأمره .
ومن قص أقل من خمسة أظافر لزمه في كل أظفر صدقة مثل صدقة الفطر .
والمالكية يقولون في مثل هذه الأشياء : من حلق إحدى عشرة شعرة فأكثر لزمه فدية - صيام أو صدقة أو نسك - وإن حلق أقل من ذلك لا يريد بالحلق إزالة الأذى من شعره لزمة حفنة من طعام ، وإن كان يريد إزالة الأذى فإن عليه فدية على التخيير المذكور .
وقالت الشافعية والحنابلة : إن حلق ثلاث شعرات فأكثر لزمه الفدية المذكورة على التخيير ، وإن حلق أقل ففي الشعرة مد وفي الشعرتين مدان . (والمد حفنة بالكفين كما سبق) .
الوطء في الحج حرام ، وهو أخطر الجنايات التي ترتكب في الحج . والوطء إما أن يكون قبل الوقوف بعرفة أو بعده .
وبعد الوقوف إما أن يكون قبل الحلق وطواف الركن أو بعده قبل واحد منهما .
والجماع الذي تترتب عليه الأحكام هنا هو : إدخال الحشفة أو مقدارها في قبل أو دبر آدمي حي مشتهى ، فإن أدخل أقل من الحشفة ، أو أدخل الحشفة في غير قبل أو دبر لآدمي أو أدخلها في قبل أو دبر آدمي ميت أو غير مشتهى مثل الصغيرة جدا ، فإن ذلك لا يعتبر من الوطء الذي تترتب عليه هذه الأحكام ، وله أحكام أخرى أخف كما سيأتي .
فإن حصل الوطء المذكور قبل الوقوف بعرفة فسد حجه - سواء كانت الموطوءة زوجته أو أجنبية عنه وسواء أنزل أم لم ينزل.. - ولو كان
الواطئ أو الموطوءة ناسيا أو جاهلا أو مكرها أو نائما فالحكم واحد .
وعليه الآتي :
1-
|
المضي في الحج إلى نهايته مع فساد هذا الحج كما عرفت . |
2-
|
وجوب الإعادة في عام قابل ولو كان يحج تطوعا . |
3-
|
وجوب التفريق بينه وبين زوجته عند الإعادة ، وهذا رأي مالك وأحمد ، والأحناف يرون التفريق مندوبا وليس واجبا. |
4-
|
ويجب عليه فدية هي شاة أو سبع بدنة عند الأحناف ، وتجب بدنة كاملة عند الثلاثة. |
وإن جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل الحلق وطواف الركن فإن حجه يفسد وعليه الآتي :
(1)
|
المضي فيه مع فساده . |
(2)
|
القضاء من قابل . |
(3)
|
أن يذبح ناقة فإن لم يجد فبقرة ، فإن لم يجد فسبع شياه ، فإن لم يجد أخرج بقيمة البدنة (الناقة) طعاما للمساكين ، فإن لم يجد صام عن كل مد يوما عند الشافعي ، وعن أحمد أنه مخير بين هذه الخمسة . |
وقال الأحناف : لا يفسد هذا الحج وعليه ذبح بدنة أو بقرة ، وأن يتوب ويستغفر الله ، واحتجوا بحديث الحج عرفة
وإن جامع بعد رمي جمرة العقبة وقبل طواف الركن فإن حجه يفسد عند أحمد ولزمه أعمال عمرة بأن يحرم من التنعيم ، ويتم عمرة ، وعليه شاة .
وقال الأحناف والمالكية والشافعية حجه صحيح ولكن عليه شاة عند الأحناف والمالكية ، وعند الشافعية عليه بدنة ، وبقولهم أفتى ابن عباس رضي الله عنهما .
(هذا) وكل ما ذكر عن فساد الحج بسبب الجماع يشترك فيه الرجل والمرأة ، أما مسألة وجوب الفدية ففيها كلام .
فمالك يرى أن المرأة إن طاوعت الرجل كان عليها بدنة مثل الرجل ، وإن أكرهها أهدى عنها ، وقال الشافعي : يلزمه بدنة واحدة عنهما وهي رواية عن أحمد ، ولأحمد قول مثل مالك .
وأما الأحناف وأحمد في رواية فإنهم يرون أن المرأة عليها من الفدية
مثل ما على الرجل ولو كانت مكرهة ، وكل استدل بفتوى لابن عباس ، ورأي المالكية والشافعية أقرب إلى الوارد وعموميات الدين .
(هذا) وقد عرفنا أن هذه الأحكام لا تسري بكلياتها على من وطئ ميتة أو بهيمة أو صغيرة لا تشتهى ، لأن هذا النوع من الوطء لا يوجب الحد ، فعلى الفاعل حينئذ شاة إن أنزل وإن لم ينزل فلا شيء عليه . وبذلك قال الأحناف والمالكية..
أما الشافعية والحنابلة فهم لا يفرقون.. بل يوجبون ما سبق على من وطئ ميتة أو بهيمة أو غير مشتهاة .
الوطء في العمرة له ثلاثة أحوال : قبل الطواف - قبل السعي - قبل الحلق : فإن وقع قبل الطواف فسدت العمرة ، ووجبت إعادتها وعليه المضي فيها إلى آخرها ولزمه شاة أو سبع بدنة .
وإن جامع بعد الطواف قبل السعي والحلق فعليه نفس الجزاء السابق غير أنه تجب عليه بدنة ولا تكفي شاة عند الشافعي وأحمد وتكفي عند المالكية . والعمرة فاسدة عند هؤلاء الثلاثة .
وأما عند الأحناف فإن طاف أربعة أشواط ثم جامع قبل الإتمام وقبل الحلق فإن العمرة صحيحة وتجب بدنة .
وإن جامع بعد السعي وقبل الحلق فإن عمرته لا تفسد إلا عند الشافعي وعليه شاة عند الثلاثة ، أما عند الشافعي فقد فسدت وعليه قضاؤها ، وذبح بدنة..
عند المالكية والشافعية والحنابلة أنه إذا وطئ القارن قبل الوقوف بعرفة أو بعده قبل التحلل الأول فسد حجه وعمرته ولزمه المضي في
فاسدهما وعليه بدنة للوطء ، وشاة للقران فإذا قضى لزمه شاة أخرى عند القضاء ولو كان مفردا ، لأنه لزمه القضاء قارنا ، فإذا قضى مفردا لا يسقط عنه دم القران
تكرر الوطء إن كان قبل الوقوف بعرفة ، وكان التكرار في مجلس واحد في ليل أو نهار فإن عليه شاة والقضاء ، والمضي في أعمال الحج ، وإن تعدد المجلس لزمه لكل مجلس جامع فيه كفارة ، هي شاة أو سبع بدنة عند أبي حنيفة وأبي يوسف .
وقال محمد : إن لم يكن كفر عن الأول كفر كفارة واحدة وإن كرر الوطء بعد الوقوف بعرفة في مجلس واحد لزمه بدنة واحدة ، وإن كرر في أكثر من مجلس لزمه بدنة للأول وشاة للثاني عند أبي حنيفة وأبي يوسف والأصح عند الشافعي .
وقال مالك : لا يجب بالوطء الثاني شيء لأنه لا يفسد الحج فلا يجب به شيء .
وقالت الحنابلة ومحمد بن الحسن إن كان كفر عن الأول فعليه للثاني كفارة أخرى كالأولى وإلا فعليه كفارة واحدة .