ألقى بأغراضه الكثيرة دفعة واحدة ، ثم أخذ يرتبها في غرف البيت النائم ؛ أقام حفل عشاءه ، ثم استلقى : مطمئناً ، مبتسماً ، ساهراً ، ممتعاً نفسه بالظلمة ، و رنين الهواء في الشبابيك الواسعة المفتوحة ، و بعد أن فتنه الهدوء ، مدّ فراشه و نام .
عندما استيقظ البيت القديم ، في صباح لا شمس له ، عقدت لسانه الدهشة ، و هو لم يجد غير الصمت ممدداً في أرجائه كمسافر منهك أكله التعب فنام .
دار بنظرات نوافذه الواسعة داخل الغرف .. فلم يجد غير أثاث الصمت .. دار بنظراته خارجاً ، فوجد الأشجار تلعب مع بعضها ، والغيوم تتجه شمالاً ، والطيور تتقاطع في السماء ، و حيوانات صغيرة تتقافز .. لمس أعشاش العصافير في نوافذه ، و بيوت العناكب في زواياه ، و الزواحف المطمئنة تسرح في الأرجاء .. حتى الأوراق المتساقطة ، و الأعواد ، و ريش الطيور ، و الرمل ، و الغبار تتجمع في خاصرته ..
حزن لذلك كثيراً ، و بكى زمناً طويلاً .. انتظر .. انتظر .. و لم يهمس صوت ما ، لم تشهق ضحكة ، لم ترتفع أغنية مطلة برأسها من بعيد ، لم يعلو شجار….
أين الأطفال الذين يوجعون جدرانه بركلات كراتهم ؟
و يطعنون أبوابه بصراخهم ؟
أين الرجل الذي يرتق ثوبه بالطين و التبن ؟
أين المرأة التي تلتقط الأعواد الصغيرة من جسد باحته ؟
أين الفتاة التي تزرع سنابلها في مرياه ؟
أين ؟ و أين ؟
لم يحر جواباً ، فركن إلى الصمت و طلب وده ، و فتح بابه لأولاده :