شروط صحة الصوم:
شرط صحة الصوم هي:
أ- الطهارة من الحيض والنفاس.
ب- خلّوه عما يفسد الصوم بطروّه عليه كالجماع.
ج- النية. وذلك لأن صوم رمضان عبادة، فلا يجوز إلا بالنية، كسائر العبادات. ولحديث: "إنما الأعمال بالنيات" متفق عليه.
والإمساك قد يكون للعادة، أو لعدم الاشتهاء، أو للمرض، أو للرياضة، فلا يتعين إلا بالنية، كالقيام إلى الصلاة والحج. ولا يصح الصوم إلا بنية، ومحلها القلب، ولا يشترط النطق بها، بلا خلاف.
صفة النية:
صفة النية، أن تكون جازمة، معينة، مبيّتة، مجددة، على ما يلي:
أولاً: الجزم، فقد اشترط في نية الصوم، قطعاً للتردد، حتى لو نوى ليلة الشك، صيام غدٍ، إن كان من رمضان لم يجزه، ولا يصير صائماً لعدم الجزم، فصار كما إذا نوى أنه إن وجد غداء غداً يفطر، وإن لم يجد يصوم.
ونص الشافعية والحنابلة على أنه إن قال: إن كان غداً من رمضان فهو فرضي، وإلا فهو نفل، أو فأنا مفطر، لم يصح صومه، إن ظهر أنه من رمضان، لعدم جزمه بالنية.
وإن قال ذلك ليلة الثلاثين من رمضان، صح صومه إن بان منه، لأنه مبني على أصل لم يثبت زواله، ولا يقدح تردده، لأنه حكم صومه مع الجزم. بخلاف ما إذا قاله ليلة الثلاثين من شعبان، لأنه لا أصل معه يبنى عليه، بل الأصل بقاء شعبان.
ثانياً: التعيين: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لابد من تعيين النية في صوم رمضان، وصوم الفرض والواجب، ولا يكفي تعيين مطلق الصوم، ولا تعيين صومٍ معين غير رمضان.
وكمال النية: أن ينوي صوم غد، عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى.
وإنما اشترط التعيين في ذلك، لأن الصوم عبادة مضافة إلى وقت، فيجب التعيين في نيتها، كالصلوات الخمس، ولأن التعيين مقصود في نفسه، فيجزئ التعيين عن نية الفريضة في الفرض، والوجوب في الواجب.
وذهب الحنفية في التعيين إلى تقسيم الصيام إلى قسمين:
القسم الأول: لا يشترط فيه التعيين، وهو: أداء رمضان، والنذر المعين زمانه، وكذا النفل، فإنه يصح بمطلق نية الصوم، من غير تعيين.
وذلك لأن رمضان معيار وهو مضيّق، لا يسع غيره من جنسه وهو الصوم، فلم يشرع فيه صوم آخر، فكان متعيناً للفرض، والمتعين لا يحتاج إلى تعيين، والنذر المعين معتبر بإيجاب الله تعالى، فيصاب كل منهما بمطلق النية، وبأصلها، وبنية نفل، لعدم المزاحم.
وكل يوم معيّن للنفل ماعدا رمضان، والأيام المحرم صومها، وما يعيّنه المكلف بنفسه، فكل ذلك متعين، ولا يحتاج إلى التعيين.
والقسم الثاني: يشترط فيه التعيين، وهو: قضاء رمضان، وقضاء ما أفسده من النفل، وصوم الكفارات بأنواعها، والنذر المطلق عن التقييد بزمان، سواء أكان معلقاً بشرط، أم كان مطلقاً، لأنه ليس له وقت معين، فلم يتأد إلا بنية مخصوصة، قطعاً للمزاحمة.
ثالثاً- التبييت:
والتبييت: إيقاع النية في الليل، ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فلو قارن الغروب أو الفجر أو شك، لم يصح، كما هو قضية التبييت.
- ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى شرط التبييت في صوم الفرض.
وفي قول للمالكية، يصح لو قارنت الفجر، كما في تكبيرة الإحرام، لأن الأصل في النية المقارنة للمنْوى.
ويجوز أن تقدّم من أول الليل، ولا تجوز قبل الليل.
ولأن صوم القضاء والكفارات، لابد لها من تبييت النية، فكذا كل صوم فرضٍ معين.
ولا تجزئ بعد الفجر، وتجزئ مع طلوع الفجر إن اتفق ذلك، ورخص تقدمها عليه للمشقة في مقارنتها له.
والصحيح عند الشافعية والحنابلة: أنه لا يشترط في التبييت النصف الآخر من الليل، لإطلاقه في الحديث، ولأن تخصيص النية بالنصف الأخير يفضي إلى تفويت الصوم، لأنه وقت النوم، وكثير من الناس لا ينتبه فيه، ولا يذكر الصوم، والشارع إنما رخص في تقديم النية على ابتدائه، لحرج اعتبارها عنده، فلا يخصها بمحل لا تندفع المشقة بتخصيصها به، ولأن تخصيصها بالنصف الأخير تحكّم من غير دليل، بل تُقَرَّب النيةُ من العبادة، لماّ تعذر اقترانها بها.
والصحيح أيضاً: أنه لا يضر الأكل والجماع بعد النية ما دام في الليل، لأنه لم يلتبس بالعبادة، وقيل : يضر فتحتاج إلى تجديدها، تحرزاً عن تخلل المناقض بينها وبين العبادة، لما تعذر اقترانها بها.
والصحيح أيضاً: أنه لا يجب التجديد لها إذا نام بعدها، ثم تنبه قبل الفجر، وقيل: يجب، تقريباً للنية من العبادة بقدر الوسع.
وذهب الحنفية إلى عدم اشتراط التبييت في رمضان. ولماَّ لم يشترطوا تبييت النية في ليل رمضان، أجازوا النية بعد الفجر دفعاً للحرج أيضاً، حتى الضحوة الكبرى، فينوي قبلها ليكون الأكثر منوياً، فيكون له حكم الكل، حتى لو نوى بعد ذلك لا يجوز، لخلو الأكثر عن النية، تغليباً للأكثر.
والضحوة الكبرى: نصف النهار الشرعي، وهو من وقت طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وقال الحنفية: والأفضل الصوم بنية معينة مبيَّتة للخروج عن الخلاف.
واشترط الحنفية تبييت النية في صوم الكفارات والنذور المطلقة وقضاء رمضان.
أما النفل فيجوز صومه عند الجمهور -خلافاً للمالكية- بنيةٍ قبل الزوال.
لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "دخل علّي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟، فقلنا: لا. فقال: فإني إذن صائم" رواه مسلم.
ولأن النفل أخف من الفرض، والدليل عليه: أنه يجوز ترك القيام في النفل مع القدرة، ولا يجوز في الفرض.
ومذهب المالكية: أنه يشترط في صحة الصوم مطلقاً، فرضاً أو نفلاً، نية مبيتة، وذلك لإطلاق الحديث المتقدم: "من لم يُجْمِعِ الصيام من الليل، فلا صيام له".
ومذهب الحنابلة جواز النية في النفل، قبل الزوال وبعده، والنية وجدت في جزء من النهار، فأشبه وجودها قبل الزوال بلحظة.
ويشترط لجواز نية النفل في النهار عند الحنابلة: أن لا يكون فَعَل ما يفطره قبل النية، فإن فعل فلا يجزئه الصوم.
رابعاً: تجديد النية:
ذهب الجمهور - الحنفية والشافعية والحنبلية- إلى تجديد النية في كل يوم من رمضان، من الليل أو قبل الزوال -على الخلاف السابق- وذلك: لكي يتميز الإمساك عبادةً، عن الإمساك عادة أو حِمْيَة.
ولأن كل يوم عبادة مستقلة، لا يرتبط بعضه ببعض، ولا يفسد بفساد بعض، ويتخللها ما ينافيها، وهو الليالي التي يحل فيها ما يحرم في النهار، فأشبهت القضاء، بخلاف الحج وركعات الصلاة.
وذهب مالك أنه تكفي نية واحدة عن الشهر كله في أوله، كالصلاة. وكذلك في كل صوم متتابع، ككفارة الصوم والظهار، ما لم يقطعه أو يكن على حالة يجوز له الفطر فيها، فيلزمه استئناف النية، وذلك لارتباط بعضها ببعض، وعدم جواز التفريق، فكفت نية واحدة، وإن كانت لا تبطل ببطلان بعضها، كالصلاة.
فعلى ذلك لو أفطر يوماً لعذر أو غيره، لم يصح صيام الباقي بتلك النية، كما جزم به بعضهم، وقيل: يصح، وقدمه بعضهم.
ويقاس على ذلك النذر المعين.
استمرار النية:
اشترط الفقهاء الدوام على النية، فلو نوى الصيام لجسم، والتي تعتبر موصلة للمادة موع الفجر لا يصير صائماً.
ويشترط الدوام عليها فلو نوى من الليل، ثم رجع عن نيتة قبل طلوع الفجر، صح رجوعه ولا يصير صائماً، ولو أفطر لا شيء عليه إلا القضاء، بانقطاع النية بالرجوع، فلا كفارة عليه ترطوا ذلك، بل اكتفوا بتحقق وصوله تبييت، إلا إذا جدد النية، بأن ينوي الصوم في وقت النية، تحصيلاً لها، لأن الأولى غير معتبرة، بسبب الرجوع عنها.
ولا تبطل النية بقوله: أصوم غداً إن شاء الله، لأنه بمعنى الاستعانة، وطلب التوفيق والتيسير. والمشيئة إنما تبطل اللفظ، والنية فعل القلب.
وكذا سائر العبادات، لا تبطل بذكر المشيئة في نيتها.
ولا تبطل النية بأكله أو شربه أو جماعه بعدها عند جمهور الفقهاء.
- ولو نوى الإفطار في أثناء النهار.
ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يفطر، كما لو نوى التكلم في صلاته ولم يتكلم.
وذهب المالكية والحنابلة: إلى أنه يفطر، لأنه قطع نية الصوم بنية الإفطار، فكأنه لم يأت بها ابتداء.
- الإغماء والجنون والسكر بعد النية:
اختلف الفقهاء فيما إذا نوى الصيام من الليل، ثم طرأ عليه إغماء أو جنون أو سكر:
فإن لم يفق إلا بعد غروب الشمس:
فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم صحة صومه، لأن الصوم هو الإمساك مع النية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "قال الله بكل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأن أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي" رواه البخاري.
فأضاف ترك الطعام والشراب إليه، فإذا كان مغمى عليه فلا يضاف الإمساك إليه، فلم يجزئه.
وذهب الحنفية إلى صحة صومه، لأن نيته قد صحت، وزوال الاستشعار بعد ذلك لا يمنع صحة الصوم، كالنوم.
أما إذا أفاق أثناء النهار:
فذهب الحنفية إلى تجديد النية إذا أفاق قبل الزوال.
وذهب المالكية إلى عدم صحة صومه.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه إذا أفاق في أي جزء من النهار صح صومه، سواء أكان في أوله أم في آخره.
وفرق الشافعية بين الجنون والإغماء، فالمذهب: انه لو جن في أثناء النهار بطل صومه، وقيل: هو كالإغماء.
وأما الردة بعد نية الصوم فتبطل الصوم بلا خلاف