حكم الاعتكاف إذا فسد:
للفقهاء تفصيلات في ذلك.
ذهب الحنفية: إلى أنالاعتكاف إذا فسد لا يخلو إما أن يكون واجباً أي منذوراً، وإما أن يكون تطوعاً:
أ- فإن كان واجباً: أي إذا فسد الاعتكاف الواجب، وجب قضاؤه إلا إذا فسد بالردة خاصة، فإن كان اعتكاف شهر بعينه يقضي قدر ما فسد ليس غير، ولا يلزمه الاستئناف أي البدء من أول الشهر، كصوم رمضان. وإذا كان اعتكاف شهر بغير عينه، يلزمه الاستئناف من أوله، لأنه يلزمه متتابعاً، فيراعى فيه صفة التتابع، وذلك سواء فسد بصنعه من غير عذر كالخروج والجماع والأكل والشرب في النهار، إلا في الردة، أو فسد بصنعه بعذر، كما إذا مرض فاحتاج إلى الخروج، أو بغير صنعه كالحيض والجنون والإغماء الطويل، لأن القضاء يجب جبراً للفائت.
ومن نذر اعتكاف شهر بعينه كالمحرم، ثم فات كله، قضى الكل متتابعاً، لأنه صار الاعتكاف ديناً في ذمته. وإن قدر على قضائه فلم يقضه حتى أيس من حياته، يجب عليه أن يوصي بالفدية لكل يوم طعام مسكين لأجل الصوم، لا لأجل الاعتكاف، كما في قضاء رمضان والصوم المنذور في وقت بعينه. وإن كان مريضاً وقت النذر، فذهب الوقت وهو مريض حتى مات، فلا شيء عليه.
ب- وأما اعتكاف التطوع إذا قطعه قبل تمام اليوم، فلا شيء عليه.
وذهب المالكية: إلى أنمبطلات الاعتكاف الواجب قسمان:
الأول- ما يبطل ما فعل منه ويوجب استئنافه: كالخروج برجليه معاً بغير ضرورة أو لمرض أحد أبويه، أو لصلاة الجمعة وكان معتكفاً في مسجد غير جامع، وكتعمد الفطر أو السكر، والوطء والقبلة بشهوة واللمس ليلاً. فمن نذر أياماً معينة كأسبوع أو ثلاثة أيام، ثم حدث منه ما ذكر مما يبطل اعتكافه، لزمه القضاء واستئناف الاعتكاف من أوله.
الثاني- ما يخص زمنه ولا يبطل ما قبله: وهو ثلاثة أنواع:
أ- ما يمنع الصوم فقط: وهو وجود العيد وطروء مرض خفيف، فمن نذر شهر ذي الحجة، فلا يخرج يوم الأضحى، وإلا بطل اعتكافه من أصله.
ب- ما يمنع المكث في المسجد: كسلس البول وإسالة جرح أو دمل يخشى معه تلوث المسجد، فيجب عليه الخروج والعودة فوراً بمجرد زوال عذره المانع من البقاء في المسجد، وبنى على اعتكافه السابق.
جـ- ما يمنع الصوم والمكث في المسجد معاً: كالحيض والنفاس، وحكمه كالحالة السابقة تماماً.
فإن أخر الرجوع ولو لعذر من نسيان أو إكراه، بطل اعتكافه واستأنفه، إلا إن أخر الرجوع ليلة العيد ويومه، فلا يبطل، لعدم صحة صومه لكل أحد، فإذا حصل للشخص المعتكف حيض أو نفاس أو إغماء أو مرض شديد في أثناء الاعتكاف، فخرج من المسجد للبيت، ثم زال ذلك العذر ليلة العيد، فاخر الرجوع للمسجد حتى مضى يوم العيد، وتالياه في عيد الأضحى، فإن اعتكافه لا يبطل.
أما لو طهرت الحائض أو صح المريض وأخر كل منهما الرجوع، فيبطل الاعتكاف لصحة الصوم بعد زوال العذر.
وذهب الشافعية: إلى أنهإذا فعل المعتكف في الاعتكاف ما يبطله من خروج أو مباشرة، أو مقام في البيت بعد زوال العذر:
أ- فإن كان ذلك في التطوع، لم يبطل ما مضى من الاعتكاف، لأن ذلك القدر لو أفرده واقتصر عليه أجزأه، ولا يجب عليه إتمامه، لأنه لا يجب عليه المضي في فاسده، فلا يلزمه بالشروع كالصوم.
ب- وإن كان اعتكافه منذوراً: فإن لم يشترط فيه التتابع، لم يبطل ما مضى من اعتكافه، لما ذكر في التطوع، لكن يلزمه هنا أن يتمم المدة المنذورة، لأن الجميع قد وجب عليه، وقد فعل البعض، فوجب الباقي.
وإن كان قد شرط التتابع، بطل التتابع، ويجب عليه أن يستأنف ليأتي به على الصفة التي وجبت عليه. وعلى هذا يقطع التتابع السكر والكفر وتعمد الجماع وتعمد الخروج من المسجد، لا لقضاء الحاجة، ولا الأكل ولا الشرب إن تعذر الماء في المسجد، ولا للمرض إن شق لبثه فيه، أو خشي تلويثه، ولا الإغماء والجنون إذا حصل أحدهما للمعتكف، ولا إن أكره بغير حق على الخروج، ولا يقطع التتابع الحيض إن لم تسعه مدة الطهر : بأن طالت مدة الاعتكاف بحيث لا ينفك عن الحيض غالباً بأن يكون أكثر من خمسة عشر يوماً.
ولا يقطعه أيضاً خروج مؤذن راتب (متخصص) إلى منارة المسجد المنفصلة عنه لكنها قريبة منه للأذان، لإلفه صعودها للأذان، وإلف الناس صوته. ولا يقطعه الخروج لإقامة حد ثبت عليه بغير إقراره، ولا لأجل عدة ليست بسببها، ولا لأجل أداء شهادة تعين عليها تحملها وأداؤها، للعذر في جميع ذلك، بخلاف أضداده.
وإن خرج المعتكف من المسجد لغير قضاء الحاجة لزمه استئناف النية، فإن خرج لها لا يلزمه استئناف النية.
وذهب الحنابلة: إلى أنه إن كان الاعتكاف تطوعاً وخرج من المسجد، لعذر غير معتاد كنفير وشهادة واجبة، وخوف من فتنة ومرض ونحوه وطال خروجه، خيِّر بين الرجوع وعدمه، لعدم وجوبه بالشروع.
وإن كان الاعتكاف واجباً وجب عليه الرجوع إلى معتكفه لأداء ما وجب عليه. ولا يخلو النذر من ثلاثة أحوال بالاستقراء:
أحدها- نذر اعتكاف أيام غير متتابعة ولا معينة، كنذر عشرة أيام مثلاً: وحكمه أنه يلزمه أن يتم ما بقي عليه من الأيام محتسباً بما مضى، ويبتدئ اليوم الذي خرج فيه من أوله، ليكون متتابعاً، ولا كفارة عليه، لأنه أتى بالمنذور على الوجه المطلوب.
الثاني- نذر أيام متتابعة غير معينة، بأن قال: لله علي أن أعتكف عشرة متتابعة، فاعتكف بعضها، ثم خرج للعذر السابق، وطال خروجه. وحكمه : أنه يخير بين البناء على ما مضى، بأن يقضي ما بقي من الأيام، وعليه كفارة يمين، جبراً لفوات التتابع، وبين الاستئناف بلا كفارة، لأنه أتى بالمنذور على وجهه المطلوب، فلم يلزمه شيء.
الثالث- نذر أيام معينة، كالعشر الأخير من رمضان: وحكمه أن عليه قضاء ما ترك ليأتي بالواجب، وعليه كفارة يمين، لفوات المحل المنذور.
وإن خرج المعتكف جميعه لما له منه بد مختاراً عمداً، أو مكرهاً بحق كمن عليه دين يمكنه وفاؤه ولم يفعل، فأخرج له، بطل اعتكافه، وإن قل زمن خروجه لذلك، لأنه خرج من معتكفه لغير حاجة، كما لو طال.
ثم إن كان في نذر متتابع بشرط أو نية: بأن نذر عشرة أيام متتابعة أو نواها كذلك، ثم خرج لذلك، استأنف، لأنه لا يمكنه فعل المنذور على وجهه إلا به، ولا كفارة عليه، لإتيانه بالمنذور على وجهه.
وإن كان خرج من معتكفه مكرهاً بغير حق أو ناسياً، لم يبطل اعتكافه ويبني على اعتكافه السابق، لحديث: "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
وإن كان المعتكف في نذر معين متتابع كنذر شعبان متتابعاً، أو في نذر معين كشعبان ولم يقيده بالتتابع، استأنف، لتضمن نذره التتابع، وكفر كفارة يمين، لتركه المنذور في وقته المعين بلا عذر. ويكون القضاء في الكل والاستئناف في الكل على صفة الأداء فيما يمكن، فإن كان الأول مشروطاً فيه الصوم، أو في أحد المساجد الثلاثة، أو نحو ذلك، فإن المقضي أو المستأنف يكون كذلك. أما ما لا يمكن، كما لو عين زمناً ومضى، فإن لا يمكن تداركه