بتـــــاريخ : 10/19/2008 5:47:14 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1200 0


    خطر ادمان النظر

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : د. نايف بن أحمد الحمد | المصدر : ozkorallah.net

    كلمات مفتاحية  :
    دعوة الشباب


    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد فإن القارئ لعدد من الصحف والمجلات الصادرة في بلادنا فضلا عن غيرها يجد تهاونا كبيرا في نشر صور النساء المتبرجات والسافرات وإبراز مفاتنهن ومتابعة حياتهن الشخصية وغيرها ومع كون هذا العمل مخالفا للأنظمة القاضية بمنع نشر مثل هذه الصور فإن العلماء مجمعون على حرمة نشر هذه الصور ومطالعتها ولتساهل كثير من الناس في اقتنائها والاشتراك فيها مما يُعين هذه المجلات على الاستمرار وهذا من التعاون المحرم قال تعالى ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )(المائدة :2) وكل ما حرم تناوله حرم بيعه وشراؤه فقد لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له . رواه الترمذي (1295) وابن ماجه (3381) والضياء (2188) من حديث أنس -رضي الله عنه - ورواه الحاكم 4/161 من حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- وصححه . و عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نظر إلى السماء وقال : ( قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ) رواه أحمد 1/293وابن حبان ( 4938) وأصله في الصحيحين قال الحافظ ابن رجب –رحمه الله تعالى - : " وهذه كلمة عامة جامعة تَطَّرِدُ في كل ما كان المقصود من الانتفاع به حراما وهو قسمان : أحدهما : ما كان الانتفاع به حاصلا مع بقاء عينه كالأصنام فإن منفعتها المقصودة منها الشرك بالله وهو أعظم المعاصي على الإطلاق ويلتحق بذلك ما كانت منفعته محرمة ككتب الشرك والسحر والبدع والضلال وكذلك الصور المحرمة وآلات الملاهي المحرمة " ا.هـ جامع العلوم والحكم2/447 ولقوله صلى الله عليه وسلم ( الدين النصيحة ) قلنا : لمن قال : ( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) رواه مسلم ( 55) من حديث تميم الداري -رضي الله عنه- فقد رأيت لزاما الكتابة في ذلك -مع كثرة الكتابات المحذرة- إبراءً للذمة ونصحا للأمة ومشاركة في دفع هذا الوباء فأقول مستعينا بالله مذكرا بحكم وأضرار مطالعة واقتناء هذه المجلات :

    أولا : قال تعالى ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (النور:31) قال الطبري-رحمه الله تعالى- " يقول تعالى ذكره لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- قل للمؤمنين بالله وبك يا محمد ( يغضوا من أبصارهم ) يقول : يكفوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه مما قد نهاهم الله عن النظر إليه "ا.هـ جامع البيان 18/116
    وقال القرطبي –رحمه الله تعالى – في التفسير 12/227 : " وبدأ بالغض قبل الفرج لأن البصر رائد للقلب كما أن الحمى رائدة الموت وأخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال :

    ألم تر أن العين للقلب رائد *** فما تألف العينان فالقلب آلف " ا.هـ

    وقال ابن القيم –رحمه الله تعالى - : " وأمر الله تعالى نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم مطلع عليها يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج فإن الحوادث مبدأها من النظر كما أن معظم النار مبدأها من مستصغر الشرر ثم تكون نظرة ثم تكون خطرة ثم خطوة ثم خطيئة ولهذا قيل من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه اللحظات والخطرات واللفظات والخطوات فينبغي للعبد أن يكون بواب نفسه على هذه الأبواب الأربعة ويلازم الرباط على ثغورها فمنها يدخل عليه العدو فيجوس خلال الديار ويتبر ما علوا تتبيرا " ا.هـ الجواب الكافي / 105
    وفي البخاري 5/2299 قال سعيد بن أبي الحسن للحسن : إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورءوسهن ؟ قال : اصرف بصرك يقول الله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) .

    وكنتَ متى أرسلتَ طرفك رائدا *** لقلبك يوما أتعبتك المناظر
    رأيت الذي لا كله أنت قادر *** عليه ولا عن بعضه أنت صابر

    وقال الجلال المحلي –رحمه الله تعالى- " ( وَلا يُبْدِينَ ) يظهرن ( زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) وهو الوجه والكفان فيجوز نظره لأجنبي إن لم يخف فتنة في أحد وجهين . والثاني : يحرم لأنه مظنة الفتنة ورُجِّح حسماً للباب " ا.هـ تفسير الجلالين /462
    وقال القرطبي –رحمه الله تعالى- في التفسير 12/223 : " وغضه واجب عن جميع المحرمات وكل ما يخشى الفتنة من أجله وقد قال -صلى الله عليه وسلم- (إياكم والجلوس على الطرقات ) فقالوا : يا رسول الله مالنا من مجالسنا بُد نتحدث فيها ؟ فقال : ( فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقه ) قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : ( غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) رواه أبو سعيد الخدري خرجه البخاري(5875) ومسلم (2121) ) ا.هـ وهذا يقوله –صلى الله عليه وسلم- لمن هو في الطريق الذي لابد للناس من المرور والحديث فيه فكيف بمن هيأ الشر وحسَّنه وجمَّله ونشره بكل وسيلة بحيث يُرى في الطرقات وفي البيوت وغيرها قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله تعالى- : " وقد اشتملت على معنى علة النهي عن الجلوس في الطرق من التعرض للفتن بحظور النساء الشواب وخوف ما يلحق من النظر إليهن من ذلك إذ لم يمنع النساء من المرور في الشوارع لحوائجهن "ا.هـ الفتح 11/12

    كل الحوادث مبداها من النـظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
    كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك السهام بلا قـوس ولا وتر
    والمـرء ما دام ذا عيـن يقلبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
    يسر مقلته ما ضــر مهجته *** لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
    ( روضة المحبين /97 )

    ونشر مثل هذه الصور لاشك أنه مخالف لأمر الشارع بغض البصر والأوامر في ذلك كثيرة كالآيات السابقة ومنها :
    1/ قوله -صلى الله عليه وسلم - لعلي :( لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية ) رواه أحمد 5/351 وأبو داود (2149) والترمذي (2777) من حديث بريدة -رضي الله عنه- وصححه الحاكم 2/212 وقال الترمذي " حديث حسن غريب " ا.هـ قال المباركفوري –رحمه الله تعالى- :" أي لا تعقبها إياها ولا تجعل أخرى بعد الأولى ( فإن لك الأولى ) أي النظرة الأولى إذا كانت -من غير- قصد وليست لك الآخرة أي النظرة الآخرة لأنها باختيارك فتكون عليك " ا.هـ تحفة الأحوذي 8/50 وقال ابن القيم –رحمه الله تعالى -: " والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان فإن النظرة تولد خطرة ثم تولد الخطرة فكرة ثم تولد الفكرة شهوة ثم تولد الشهوة إرادة ثم تقوى فتصبر عزيمة جازمة فيقع الفعل ولا بد ما لم يمنع منه مانع وفي هذا قيل : الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده " ا.هـ الجواب الكافي / 106
    2/ في صحيح مسلم (2159) عن جرير بن عبد الله –رضي الله عنه- قال سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نظرة الفجاءة ؟ فأمرني أن أصرف بصري . فهؤلاء الصحابة الكرام أطهر الأمة قلوبا وأنقاهم سريرة وأكملهم إيمانا ومع ذلك أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بغض البصر فكيف بحال من هو دونهم بكثير وممن أظهر متابعة تلك المجلات ومشاهدة تلك القنوات ومع ذلك يُزكي نفسه بأن النظر للنساء لا يؤثر فيه شيئا وهيهات هيهات له ذلك فعن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال : ( إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه ) رواه مسلم ( 1403) قال النووي –رحمه الله تعالى- : " قوله -صلى الله عليه وسلم- ( إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان ) قال العلماء : معناه الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها لما جعله الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء والالتذاذ بنظرهن وما يتعلق بهن في شبيهه بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها أن لا تخرج بين الرجال إلا لضرورة وأنه ينبغي للرجل الغض عن ثيابها والإعراض عنها مطلقا " ا.هـ شرح مسلم 9/178
    ولو سلمنا له أن ذلك لا يؤثر فيه فإنه لا يحل له النظر للنهي العام عن ذلك ولكنها الشهوة الظاهرة والخفية . بل كان من هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- بيان الحال عند الحاجة فعن علي بن الحسين قال : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد وعنده أزواجه فرُحْنَ فقال لصفية بنت حيي : ( لا تعجلي حتى أنصرف معك ) وكان بيتها في دار أسامة فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- معها فلقيه رجلان من الأنصار فنظرا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لهما النبي -صلى الله عليه وسلم : ( تعاليا إنها صفية بنت حيي ) قالا : سبحان الله يا رسول الله . قال : ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئا ) .رواه البخاري ( 1933) ومسلم ( 2175) قال الغزالي –رحمه الله تعالى- : " فانظر كيف أشفق على دينهما فحرسهما وكيف أشفق على أمته فعلمهم طريق التحرز من التهم حتى لا يتساهل العالم الورع المعروف بالدين في أحواله فيقول مثلي لا يظن به إلا خيرا إعجابا منه بنفسه فإن أورع الناس وأتقاهم وأعلمهم لا ينظر الناس كلهم إليه بعين واحدة بل بعين الرضا بعضهم وبعين السخط بعضهم فيجب التحرز عن تهمة الأشرار " ا.هـ فيض القدير 2/358

    = ومن الآثار السيئة لهذه المجلات الهابطة تهوين أمر الاختلاط بين الجنسين لكثرة ما تنشره من صور الاختلاط وقد دأب بعض الكتاب في مقالاتهم إلى إنكار خطورة الاختلاط زاعما أنه لا دليل على تحريمه وما قال ذلك إلا بسبب جهله المركب وإلا فإن هذه المسألة مما لا ينكرها أحد من عامة الناس فضلا عن العلماء والأدلة على تحريم الاختلاط كثيرة أذكر منها :
    أولا : عن أبي أسيد الأنصاري –رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للنساء : ( استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق ) فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به . رواه أبو داود (5272) والبيهقي في الشعب ( 7822) والطبراني في المعجم الكبير 19/261وابن عبد البر في التمهيد 23/399 وحسنه الألباني –رحمه الله تعالى – (صحيح سنن أبي داود 4392)
    ثانيا : عن ابن عمر –رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يمشي يعني الرجل بين المرأتين . رواه أبو داود (5273) والحاكم 4/312 والبيهقي في الشعب 5446) وصححه الحاكم .
    ثالثا : عن أبي أسيد الساعدي –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( ليس للنساء وسط الطريق ) رواه ابن حبان (5601) والبيهقي في الشعب (7823) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- وقال ابن حبان : " قوله ( ليس للنساء وسط الطريق ) لفظة إخبار مرادها الزجر عن شيء مضمر فيه وهو مماسة النساء الرجال في المشي إذ وسط الطريق الغالب على الرجال سلوكه والواجب على النساء أن يتخللن الجوانب حذرا يتوقع من مماستهم إياهن " ا.هـ .
    رابعا : عن ابن عمر –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( لو تركنا هذا الباب للنساء ) قال نافع فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات . رواه أبو داود ( 462) وقال : " عبد الوارث قال عمر وهو أصح " ا.هـ والطبراني في الأوسط (1018) وابن عبد البر في التمهيد 23/397 وقال الألباني –رحمه الله تعالى – " صحيح على شرط الشيخين " .
    خامسا : عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سلم-أي من صلاته- مكث قليلا كيما ينفذ النساء قبل الرجال . رواه أحمد 6/310 وعبد الرزاق 1/573 وأبو داود (1040) والبيهقي 2/183 وأصله في البخاري (812) .
    سادسا : عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ) رواه مسلم ( 440) قال النووي –رحمه الله تعالى - : " وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم ثم رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك وذم أول صفوفهن لعكس ذلك والله أعلم " .ا.هـ شرح مسلم 4/159 وأنظر : الديباج للسيوطي 2/154 فيض القدير 3/487
    ونلاحظ هنا أن هذه الأحاديث قالها النبي -صلى الله عليه وسلم- أو فعلها وهو في خير القرون ومع خير الناس أصحابه -رضي الله عنهم- وعند أداء الصلاة تربية للمؤمنين وسدا لباب الفساد الناتج عن الاختلاط .
    سابعا : عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها قالت : شكوت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني أشتكي فقال : ( طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ) رواه البخاري (452) ومسلم ( 1276) .
    وعن إبراهيم قال : نهى عمر -رضي الله عنه- أن يطوف الرجال مع النساء . قال : فرأى رجلا معهن فضربه بالدرة . رواه الفاكهي في أخبار مكة (484) وقال ابن جريج أخبرني عطاء حين منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال قال : فأخبرني فكيف يمنعهن من الطواف وقد طاف نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الرجال قلت : أبعد الحجاب قال : إي لعمري قد أدركته بعد الحجاب . قلت : فكيف يخالطن الرجال ؟ قال : لم يكن ليفعلن قال : كانت عائشة -رضي الله عنها- تطوف حَجْرة من الرجال لا تخالطهم فقالت امرأة : انطلقي نستلم يا أم المؤمنين . قالت : عنك وأبت وكن يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأُخرج الرجال . البخاري ( 1539 ) وأنظر :تغليق التعليق 3/73 ( وحَجْرة أي ناحية بعيدة ) مقدمة فتح الباري 1/ 102
    ثامنا : عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : لو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل . البخاري (381) ومسلم (445) واللفظ له . وهذا تقوله أم المؤمنين –رضي الله عنها – في زمنها فكيف لو رأت ما أحدثه الناس في زماننا هذا من تفنن في السفور مع قلِّ الديانة وضعف المراقبة والمجاهرة بالإفساد .

    = ومن الآثار السيئة : إشاعة الفاحشة وأسبابها : قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (النور:19) وباستقراء كثير من الجرائم المحرمة كالزنا واللواط وغيرها نجد أن الداعي الأول لها في هذا الزمان تلك المجلات الهابطة وذلك بإقرار كثير ممن واقع تلك الفواحش وقد قال تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) (الإسراء:32) قال ابن تيمية : " وأهل جمال الصورة يبتلون بالفاحشة كثيرا واسمها ضد الجمال فإن الله سماه فاحشة وسوءا وفسادا وخبيثا فقال تعالى ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) (الإسراء:32) الاستقامة 1/357 وقد كثرت الأسئلة جدا ممن لم يواقع الفاحشة بأنه قد فعل العادة السرية بسبب مطالعته تلك المجلات والقنوات .

    = ومن الآثار السلبية لمطالعة هذه المجلات والصحف والقنوات الفضائية الابتلاء بداء العشق ونشر الفاحشة فكم من مطربة أو ممثلة تغنى بها الشباب والشيوخ وأكثروا من ذكرها وتبادل صورها وتمنوا لقاءها , وداء العشق مرض مزمن مفسد لدين المرء وخُلقه وعقله وبدنه كما قيل :

    يا ناظرا ما أقلعت لحظاته *** حتى تشحط بينهن قتيلا

    وقال ابن القيم : يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا *** أنت القتيل بما ترمي فلا تصب

    وباعث الطرف يرتاد الشفاء له *** احبس رسولك لا يأتيك بالعطب
    ( الجواب الكافي /107)

    قال تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله تعالى - :" ومن عباد الصور مَن أمرضه العشق أو قتله أو جننه " ا.هـ الفتاوى 11/10 وقال : " فالمبتلى بالفاحشة والعشق إذا ذَكر ما به لغيره تحركت النفوس إلى جنس ذلك لأن النفوس مجبولة على حب الصور الجميلة فإذا تصورت جنس ذلك تحركت إلى المحبوب و لهذا نهى الله عن إشاعة الفاحشة " ا.هـ الفتاوى 14/211

    وهذه جملة من أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم –رحمهما الله تعالى- عن العشق وخطره : قال ابن تيمية –رحمه الله تعالى -" وأما مرض الشهوة والعشق فهو حب النفس لما يضرها وقد يقترن به بغضها لما ينفعها والعشق مرض نفساني وإذا قوي أثر في البدن فصار مرضا في الجسم إما من أمراض الدماغ كالماليخوليا ولذلك قيل فيه هو مرض وسواسي شبيه بالماليخوليا " ا.هـ أمراض القلوب /23 وقال : " ولهذا يقول الأطباء : العشق مرض وسواسي شبيه بالماليخوليا فيجعلونه من الأمراض الدماغية التي تفسد التخيل كما يفسده الماليخوليا " ا.هـ قاعدة في المحبة /58
    وقال –رحمه الله تعالى- : " إن لفظ العشق إنما يستعمل في العرف في محبة الإنسان لامرأة أو صبي لا يستعمل في محبة كمحبة الأهل والمال والجاه ومحبة الأنبياء والصالحين وهو مقرون كثيرا بالفعل المحرم إما بمحبة امرأة أجنبية أو صبي يقترن به النظر المحرم واللمس المحرم وغير ذلك من الأفعال المحرمة وأما محبة الرجل لامرأته أو سريته محبة تخرجه عن العدل بحيث يفعل لأجلها ما لا يحل ويترك ما يجب كما هو الواقع كثيرا حتى يظلم ابنه من امرأته العتيقة لمحبته الجديدة وحتى يفعل من مطالبها المذمومة ما يضره في دينه ودنياه مثل أن يخصها بميراث لا تستحقه أو يعطي أهلها من الولاية والمال ما يتعدى به حدود الله أو يسرف في الإنفاق عليها أو يمكنها من أمور محرمة تضره في دينه ودنياه وهذا في عشق من يباح له وطؤها فكيف عشق الأجنبية والذكران من العالمين ففيه من الفساد مالا يحصيه إلا رب العباد وهو من الأمراض التي تفسد دين صاحبها وعرضه ثم قد تفسد عقله ثم جسمه قال تعالى ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ )(الأحزاب : 32) ومن في قلبه مرض الشهوة وإرادة الصورة متى خضع المطلوب طمع المريض والطمع يقوي الإرادة والطلب يقوي المرض بذلك بخلاف ما إذا كان آيسا من المطلوب فإن اليأس يزيل الطمع فتضعف الإرادة فيضعف الحب فإن الإنسان لا يريد أن يطلب ما هو آيس منه فلا يكون مع الإرادة عمل أصلا بل يكون حديث نفس إلا أن يقترن بذلك كلام أو نظر ونحو ذلك فأما إذا ابتلى بالعشق وعف وصبر فإنه يثاب على تقواه لله وقد روي في الحديث أن ( من عشق فعف وكتم وصبر ثم مات كان شهيدا ) وهو معروف من رواية يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا وفيه نظر ولا يحتج بهذا لكن من المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات نظرا وقولا وعملا وكتم ذلك فلم يتكلم به حتى لا يكون في ذلك كلام محرم إما شكوى إلى المخلوق وإما إظهار فاحشة وإما نوع طلب للمعشوق وصبر على طاعة الله وعن معصيته وعلى ما في قلبه من ألم العشق كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر و( مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )(يوسف:90) وهكذا مرض الحسد وغيره من أمراض النفوس وإذا كانت النفس تطلب ما يبغضه الله فينهاها خشية من الله كان ممن دخل في قوله ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى(40)فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (النازعـات:41) فالنفس إذا أحبت شيئا سعت في حصوله بما يمكن حتى تسعى في أمور كثيرة تكون كلها مقامات لتلك الغاية فمن أحب محبة مذمومة أو أبغض بغضا مذموما وفعل ذلك كان آثما " .ا.هـ أمراض القلوب /24-25 وقال -رحمه الله تعالى- : " والله سبحانه إنما ذكر هذا العشق في القرآن عن المشركين فإن العزيز وامرأته وأهل مصر كانوا مشركين كما قال لهم يوسف عليه الصلاة والسلام ( إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (40) وقال تعالى ( وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (غافر:35) " ا.هـ قاعدة في المحبة / 76 وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " ولهذا كان العشق والشرك متلازمين وإنما حكى الله –سبحانه- العشق عن المشركين من قوم لوط وعن امرأة العزيز وكانت إذ ذاك مشركة فكلما قوي شرك العبد بلي بعشق الصور وكلما قوي توحيده صرف ذلك عنه والزنا واللواطة كمال لذتهما إنما يكون مع العشق ولا يخلو صاحبهما منه وإنما لتنقله من محل إلى محل لا يبقى عشقه مقصورا على محل واحد بل ينقسم على سهام كثيرة لكل محبوب نصيب من تألهه وتعبده " ا.هـ إغاثة اللهفان 1/64

    وقال –رحمه الله تعالى - : " والمبتلون بالعشق لا يزال الشيطان يمثل لأحدهم صورة المعشوق أو يتصور بصورته فلا يزال يرى صورته مع مغيبه عنه بعد موته فإنما جلاه الشيطان على قبله ولهذا إذا ذكر العبد الله الذكر الذي يخنس منه الوسواس الخناس خنس هذا المثال الشيطاني وصورة المحبوب تستولي على المحب أحيانا حتى لا يرى غيرها ولا يسمع غير كلامها فتبقى نفسه مشتغلة بها " .اهـ الزهد والورع /32 وقال -رحمه الله تعالى- : " ولهذا يقال العشق حركة نفس فارغة " الفتاوى 5/571 وقال : " وأما المأخذ المعنوي فهو أن العشق هل هو فساد في الحب والإرادة أو فساد في الإدراك والمعرفة قيل : إن العشق هو الإفراط في الحب حتى يزيد على القصد الواجب فإذا أفرط كان مذموما فاسدا مفسدا للقلب والجسم كما قال تعالى ( فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ )(الأحزاب: 32) فمن صار مفرطا صار مريضا كالإفراط في الغضب والإفراط في الفرح وفي الحزن وهذا الإفراط قد يكون في محبة الإنسان لصورته وقد يكون في محبته لغير ذلك كالإفراط في حب الأهل والمال والإفراط في الأكل والشرب وسائر أحوال " ا.هـ قاعدة في المحبة /56

    وقال : " إن الزنا من الكبائر وأما النظر والمباشرة فاللمم منها مغفور باجتناب الكبائر فإن أصر على النظر أو على المباشرة صار كبيرة وقد يكون الإصرار على ذلك أعظم من قليل الفواحش فإن دوام النظر بالشهوة وما يتصل به من العشق والمعاشرة والمباشرة قد يكون أعظم بكثير من فساد زنا لا إصرار عليه ولهذا قال الفقهاء في الشاهد العدل : أن لا يأتي كبيرة ولا يصر على صغيرة وفى الحديث المرفوع : ( لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار ) بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك كما قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ )(البقرة:165) ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله وضعف الإيمان والله تعالى إنما ذكره في القرآن عن امرأة العزيز المشركة وعن قوم لوط المشركين والعاشق المتيم يصير عبدا لمعشوقه منقادا له أسير القلب له " ا.هـ 15/293

    قال المناوي –رحمه الله تعالى- : " لا يسلم القلب إلا بكف الجوارح وأعظمها غض البصر عما حرم " .ا.هـ فتح القدير 2/372 فلا يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة ولا المرأة إلى الرجل بشهوة فإن علاقتها به كعلاقته بها وقصدها منه كقصده منها .

    العلاج
    يظن البعض أن تكرار النظر علاج للعشق ولا يدري أن تكراره لا يزده إلا اشتعالا وتعلقا قال ابن القيم –رحمه الله تعالى- : " إن النظرة الأولى سهم مسموم من سهام إبليس ومعلوم أن الثانية أشد سما فكيف يتداوى من السم بالسم ... كذلك النظرة إذا أثرت في القلب فإن عجل الحازم وحسم المادة من أولها سهل علاجه وإن كرر النظر ونقب عن محاسن الصورة ونقلها إلى قلب فارغ فنقشها فيه تمكنت المحبة وكلما تواصلت النظرات كانت كالماء يسقي الشجرة فلا تزال شجرة الحب تنمى حتى يفسد القلب ويعرض عن الفكر فيما أمر به فيخرج بصاحبه إلى المحن ويوجب ارتكاب المحظورات والفتن ويلقي القلب في التلف والسبب في هذا أن الناظر التذت عينه بأول نظرة فطلبت المعاودة كأكل الطعام اللذيذ إذا تناول منه لقمة ولو أنه غض أولا لاستراح قلبه وسلم وتأمل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : ( النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ) فإن السهم شأنه أن يسري في القلب فيعمل فيه عمل السم الذي يسقاه المسموم فإن بادر استفرغه وإلا قتله ولا بد " ا.هـ روضة المحبين /94
    سئل شيخ الإسلام أحمد بن تيمية -قدس الله روحه - عمن أصابه سهم من سهام إبليس المسمومة ؟
    فأجاب : من أصابه جرح مسموم فعليه بما يخرج السم ويبرئ الجرح بالترياق والمرهم وذلك بأمور منها : أن يتزوج أو يتسرى فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال : ( إذا نظر أحدكم إلى محاسن امرأة فليأت أهله فإنما معها مثل ما معها ) وهذا مما ينقص الشهوة ويضعف العشق .
    الثاني : أن يداوم على الصلوات الخمس والدعاء والتضرع وقت السحر وتكون صلاته بحضور قلب وخشوع وليكثر من الدعاء بقوله يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك وطاعة رسولك فإنه متى أدمن الدعاء والتضرع لله صرف قلبه عن ذلك كما قال تعالى : ( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )(يوسف:24) .
    الثالث : أن يبعد عن مسكن هذا الشخص والاجتماع بمن يجتمع به بحيث لا يسمع له خبر ولا يقع له على عين ولا أثر فإن البعد جفا ومتى قل الذكر ضعف الأثر في القلب فليفعل هذه الأمور وليطالع بما تجدد له من الأحوال والله أعلم ا.هـ الفتاوى 32/5

    وقال – رحمه الله تعالى - : " قال تعالى في حق يوسف ( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )(يوسف:24) فالله يصرف عن عبده ما يسوءه من الميل إلى الصور والتعلق بها ويصرف عنه الفحشاء بإخلاصه لله ولهذا يكون قبل أن يذوق حلاوة العبودية لله والإخلاص له تغلبه نفسه على اتباع هواها فإذا ذاق طعم الإخلاص وقوي في قلبه انقهر له هواه بلا علاج قال تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ )(العنكبوت:45) فإن الصلاة فيها دفع للمكروه وهو الفحشاء والمنكر " ا.هـ الفتاوى الكبرى 2/383

    وقال ابن القيم –رحمه الله تعالى- : " فصل في هدية في علاج العشق هذا مرض من أمراض القلب مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه وإذا تمكن واستحكم عز على الأطباء دواؤه وأعيا العليل داؤه وإنما حكاه الله سبحانه في كتابه عن طائفتين من الناس من النساء وعشاق الصبيان المردان فحكاه عن امرأة العزيز في شأن يوسف وحكاه عن قوم لوط فقال تعالى إخبارا عنهم لما جاءت الملائكة لوطا ( وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) )قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيفِي فَلا تَفْضَحُونِ ) (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) )قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ(71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الحجر:72) وأما ما زعمه بعض من لم يقدر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حق قدره أنه ابتلي به في شأن زينب بنت جحش وأنه رآها فقال : ( سبحان مقلب القلوب ) وأخذت بقلبه وجعل يقول لزيد بن حارثة : (أمسكها ) حتى أنزل الله عليه ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ )(الأحزاب:37) فظن هذا الزاعم أن ذلك في شأن العشق وصنف بعضهم كتابا في العشق وذكر فيه عشق الأنبياء وذكر هذه الواقعة وهذا من جهل هذا القائل بالقرآن وبالرسل وتحميله كلام الله ما لا يحتمله ونسبته رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ما برأه الله منه فعن زينب بنت جحش كانت تحت زيد بن الحارثة وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد تبناه وكان يدعى ابن محمد وكانت زينب فيها شمم وترفع عليه فشاور رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في طلاقها فقال له رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : ( أمسك عليك زوجك واتق الله ) وأخفى في نفسه أن يتزوجها إن طلقها زيد وكان يخشى من قالة الناس إنه تزوج امرأة ابنه لأن زيدا كان يدعى ابنه فهذا هو الذي أخفاه في نفسه وهذه هي الخشية من الناس التي وقعت له ولهذا ذكر الله سبحانه هذه الآية يعدد فيها نعمه عليه لا يعاتبه فيها وأعلمه أنه لا ينبغي له أن يخشى الناس فيما أحل الله له وأن الله أحق أن يخشاه فلا يتحرج مما أحله له لأجل قول الناس ثم أخبره أنه سبحانه زوجه إياها بعد قضاء زيد وطره منها لتقتدي أمته به في ذلك ويتزوج الرجل امرأة ابنه بالتبني لا امرأة ابنه لصلبه ولهذا قال في آية التحريم ( وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ )(النساء:23) وقال في هذه السورة ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ )(الأحزاب:40) وقال في أولها ( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ )(الأحزاب:4) فتأمل هذا الذب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودفع طعن الطاعنين عنه وبالله التوفيق نعم كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب نساءه وكان أحبهن إليه عائشة -رضي الله عنها- ولم تكن تبلغ محبته لها ولا لأحد سوى ربه نهاية الحب بل صح عنه أنه قال : ( لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ) وفي لفظ ( وإن صاحبكم خليل الرحمن ) .

    فصل : وعشق الصور إنما يبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى والمعرضة عنه المتعوضة بغيره عنه فإذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إلى لقائه دفع ذلك عنه مرض عشق الصور ولهذا قال الله تعالى في حق يوسف ( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )(يوسف:24) فدل على أن الإخلاص سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته فصرف المسبب صرف لسببه " ا.هـ زاد المعاد 4/265 وقال : " القسم الثالث : ما يكون وروده باختياره فإذا تمكن لم يكن له اختيار ولا حيلة في دفعه وهذا كالعشق أوله اختيار وآخره اضطرار " ا.هـ عدة الصابرين /54 .
    وقال – رحمه الله تعالى - : " والناظر يرمي مَن نظره بسهام غرضها قلبه وهو لا يشعر فهو إنما يرمي قلبه ولي من أبيات : يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا *** أنت القتيل بما ترمي فلا تصب

    وباعث الطرف يرتاد الشفاء له *** توقه إنه يأتيــك بالعطب "
    روضة المحبين /97

    وقال –رحمه الله تعالى - : " وإنما شرف النفس وزكاتها وطهارتها وعلوها بأن تنفي عنها كل خطرة لا حقيقة لها ولا ترضى أن يخطرها بباله ويأنف لنفسه منها ثم الخطرات بعد أقسام تدور على أربعة أصول : خطرات يستجلب بها العبد منافع دنياه , وخطرات يستدفع بها مضار دنياه , وخطرات يستجلب بها مصالح آخرته , وخطرات يستدفع بها مضار آخرته فليحصر العبد خطراته وأفكاره وهمومه في هذه الأقسام الأربعة " ا.هـ الجواب الكافي / 108

    وفي الختام أُذكِّر أصحاب المجلات والصحف والقنوات الفضائية والقائمين عليها والمسئولين في وزارات الإعلام بتقوى الله تعالى في أنفسهم وفي أبناء المسلمين فكل مطلع على تلك الصور فعليهم من الآثام والأوزار مثل أوزارهم فكم من مشاهد وكم من مطلع عليها فويل لمن كان هلاكه بذنوب غيره فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- : ( ومَن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام مَن تبعه لا ينقص ذلك مِن آثامهم شيئا ) رواه مسلم (2674) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- ولا شك أن دخول وريع تلك المجلات والقنوات من الأموال المحرمة التي لا يحل أكلها عن أبي بكر الصديق – رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( لا يدخل الجنة جسد غذي بحرام ) رواه أبو يعلى (83 ) والبزار ( 43 ) والطبراني في الأوسط ( 5961) وقال النبي -صلى الله عليه وسلم - ( إن الله أبى أن يدخل الجنة لحما نبت من سحت فالنار أولى به ) الحاكم 4/141 وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وروى الترمذي 614) نحوه من حديث كعب بن عجرة –رضي الله عنه – وحسنه . ورواه أحمد 3/321 والدارمي ( 2726) من حديث جابر رضي الله عنه- وما هذه إلا خطرات وإلا فالموضوع جد مهم والسكوت عنه له عواقب وخيمة وهو بحاجة إلى مشاركة الجميع من علماء الشرع والسلطان والاجتماع والنفس وغيرهم في علاجه وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

    حرر في 19/1/1427هـ
    كتبه د. نايف بن أحمد الحمد

     

    كلمات مفتاحية  :
    دعوة الشباب

    تعليقات الزوار ()