بتـــــاريخ : 10/20/2008 8:01:04 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 792 0


    نشأة الإنسان

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | المصدر : www.khayma.com

    كلمات مفتاحية  :
    مولد نشأة الإنسان

     نشأة الإنسان:

    سورة الحج(22)

    قال الله تعالى: {ياأيُّها النَّاسُ إن كنتم في ريبٍ منَ البعثِ فإنَّا خَلقْناكم من تُرابٍ ثمَّ من نُطفةٍ ثمَّ من عَلَقةٍ ثمَّ من مُضغةٍ مُخَلَّقةٍ وغيرِ مُخلَّقةٍ لِنُبيِّن لكم ونُقِرُّ في الأرحام ما نشاءُ إلى أجلٍ مسمَّى ثمَّ نُخْرِجُكُم طِفلاً ثمَّ لِتَبلغوا أشُدَّكم ومنكم من يُتَوفَّى ومنكم مَن يُرَدُّ إلى أَرْذلِ العُمُرِ لكيلا يَعْلَمَ من بعد عِلْمٍ شيئاً وترى الأَرضَ هَامدةً فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزَّت ورَبَت وأنبتت من كلِّ زوجٍ بهيج(5)}

    سورة المؤمنون(23)

    وقال أيضاً: {ولقد خَلَقْنا الإنسان من سُلالةٍ من طين(12) ثمَّ جعلناه نُطفةً في قرارٍ مَكِين(13) ثمَّ خَلَقْنا النُطفةَ عَلقةً فخَلَقْنا العَلَقةَ مُضغةً فخَلَقْنا المُضغةَ عِظاماً فكسونا العِظام لحماً ثمَّ أنشأناه خَلْقاً آخرَ فتباركَ الله أَحْسَنُ الخَالقين(14) ثمَّ إنَّكم بعدَ ذلك لميِّتون(15) ثمَّ إنَّكم يومَ القيامة تُبعثون(16)}

    / ومضات:

    ـ نتبيَّن من الآيات الكريمة أن الله تعالى خلق آدم من موادَّ متوافرة في التراب، ثمَّ توالت عملية الخلق لهذا النموذج الإنساني بعد أبي البشرية آدم ـ عليه السلام ـ بواسطة الحيوان المنوي، الَّذي يحمل في مركَّباته كلاً من الصفات والمورِّثات الإنسانية، الَّتي تنتقل من الآباء إلى الأبناء ـ وعلى مرِّ الأجيال ـ لحفظ النوع الإنساني وتكاثره.

    ـ تمرُّ النطفة في رحم الأمِّ بمراحل تكوينية بالغة في الإعجاز إلى أن يأخذ الجنين صورته الإنسانية الكاملة، وقد صوَّر القرآن الكريم تلك المراحل بدقَّة، استطاعت اكتشافات العلم المعاصر أن تتوصل إليها مؤخَّراً، متخلِّفة عما أثبته القرآن الكريم قروناً متطاولة.

    ـ كما يمرُّ الجنين في رحم أمِّه بمراحل مختلفة إلى أن يصبح وليداً، فإنه يعيش حياته الثانية كذلك، ويمرُّ فيها بأطوارٍ تتراوح ما بين طفولة بريئة.. وشباب متوقِّد.. وشيخوخة متردِّية عند بعضهم.. وهكذا إلى أن تنتهي دورة الحياة هذه.

    ـ يُبعث الإنسان يوم القيامة حيّاً بعد موته، كما تحيا البذور بالماء بعد زرعها، وهذا من إعجاز الله تعالى وقدرته على الإحياء بعد الإماتة، وهو الخالق القدير.

    / في رحاب الآيات:

    الإنسان ابن هذه الأرض، من ترابها نشأ، وفوقه عاش ومنه تغذَّى، وكلُّ عنصر في جسمه له نظيره في عناصر أمِّه (الأرض) {والله أنْبَتَكم من الأَرضِ نباتاً} (71 نوح آية 17)، اللهم إلا ذلك السرَّ اللطيف الَّذي أودعه الله ونفخه فيه وهو الروح، قال تعالى: {..وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوْحِي...} (15 الحجر آية 30).. وقد أثبت العلم الحديث أن جسم الإنسان يحتوي ما تحتويه الأرض من عناصر؛ فهو يتكوَّن من الكربون، والأوكسجين، والهيدروجين، والفوسفور، والكبريت، والآزوت، والكالسيوم، والبوتاسيوم، والصوديوم، والكلور، والمغنزيوم، والحديد، والمنغنيز، والنحاس، واليود، والفلورين، والكوبالت، والزنك، والسلكون، والألمنيوم، وكلُّ هذه العناصر هي العناصر نفسها المكوِّنة للتراب أيضاً، وإن اختلفت نسبها بين الإنسان والتُّراب، ومن إنسان لآخر. كذلك فإن نسبة الماء من جسم الإنسان، تعادل نسبة البحار إلى اليابسة في الكرة الأرضية، وهذا مايؤكد خلق آدم من تراب الأرض. وهكذا فإن التُّراب هو الطَّوْر الأوَّل والإنسان هو الطَّوْر الأخير، وهذه الحقيقة نعرفها من القرآن، ولا نطلب مصداقاً لها من النظريَّات العلمية الَّتي تبحث في نشأة الإنسان، أو نشأة الأحياء.

    والقرآن يقرِّر هذه الحقيقة ليجعلها محلاً للتدبُّر في صنع الله والتأمُّل في النُّقلة البعيدة بين التراب والإنسان المنحدر في نشأته من ذلك التراب، وبعض النظريَّات العلمية تحاول إثبات سلَّم معيَّن للنُّشوء والارتقاء لوصل حلقات السلسلة بين الحيوان والإنسان، وفي هذا حطٌّ من قدر الإنسان، ولكنَّ القرآن يكرِّم الإنسان ويقرِّر أن فيه نفخة من روح الله هي الَّتي جعلت من سُلالة الطِّين إنساناً، ومنحته خصائص ميَّزته عن غيره من المخلوقات.

    لقد جرت سنَّة الله أن يتم تناسل الإنسان وتكاثر أفراده، عن طريق دفقة مائيَّة تخرج من صلب الرَّجُل وتشقُّ طريقها لتثبت في الرَّحم، الغائرة بين عظام الحوض؛ الَّتي تحميها من التأثُّر باهتزازات الجسم، ومن كثيرٍ ممَّا يصيب ظهر الأم وبطنها من كدمات واهتزازات.

    أمَّا المسافة الَّتي تعبِّر عن درجة التطوُّر والارتقاء الَّتي تفصل بين عناصر التراب الأولية وبين النُّطفة المؤلَّفة من الخلايا المَنَويَّة الحيَّة، فهي مسافة هائلة تنطوي على السرِّ الأعظم؛ سرِّ الحياة الَّذي لم يعرف البشر عنه حتَّى الآن شيئاً يُذكر، والَّذي لا سبيل لهم إلى أكثر من ملاحظته وتسجيله، دون الوصول إلى معرفة سرِّه وكنهه.

    والتعبير القرآني يجعل النُّطفة طَوْراً من أطوار النشأة الإنسانية، وهي حقيقة رائعة تدعو إلى التأمُّل، فالإنسان يُخْتَصَر ويُخْتَزَل بكلِّ عناصره وخصائصه في الحيوان المنوي، ذلك الكائن المتناهي في الصِّغر الَّذي لا يُرى بالعين المجرَّدة، ويشكِّل واحداً من مئات ملايين الحيوانات المنويَّة الموجودة في النطفة. هذا الكائن الَّذي يلتقي بالبويضة فيتحوَّل معها إلى نقطة صغيرة عالقة بجدار الرَّحم تتغذَّى من دم الأم، وتختزن جميع خصائص الإنسان المقبل: سواء في ذلك صفاتُهُ الجسديَّة وسماته الخَلْقيَّة؛ من طول وقصر، وضخامة وضآلة، وقبح ووسامة، وآفة وصِحَّة، أو صفاته النفسية والخُلقية، من ميول ونزعات، وطباع واتجاهات، ومواهب واستعدادات. فما أعظم هذا الإعجاز! وما أعظم أن يكون ذلك كلُّه كامناً في تلك النقطة الضئيلة الَّتي سماها القرآن الكريم (علقة)! تلك النقطة الصغيرة في الحجم، الهائلة في القدرة، عليها يرتكز تكوين هذا الإنسان المعقَّد تركيباً... والمعجز بناءً وتكويناً... الواحد أصلاً ونشأة... والمختلف ألسنة وألواناً، وخصائِصَ وطباعاً، فلا يمكن أن يتطابق شخصان من السُّلالة البشرية على وجه هذه الأرض تطابقاً تامّاً وعلى امتداد العصور والأجيال.

    وهكذا تستمرُّ الآية الكريمة في التَّعريف بحلقات السِّلسلة التكوينية لخلق الإنسان. فمن التُّراب إلى النُّطفة ومن النُّطفة إلى العَلَقة ومن العَلَقة إلى المُضْغَة، حيث تكبر تلك النقطة العالقة، وتتحوَّل إلى قطعة من دم غليظ مختلط على هيئة مضغة لا تحمل سمة ولا شكلاً. ثمَّ تتابع المضغة طريقها فتمضي في خط ثابت من النُّمُوِّ لا ينحرف ولا تتوقف حركته المنتظمة حتَّى تجيء مرحلة العظام، فمرحلة كسوة العظام باللحم. وهنا يقف الإنسان مشدوهاً أمام ما كشفه القرآن عن مراحل تكوين الجنين، والَّذي لم يُعرف على وجه الدِّقة إلا مؤخَّراً بعد تقدُّم علم الأجنَّة التشريحي: فخلايا العظام هي غير خلايا اللحم، وقد ثبت أن خلايا العظام تتكون أوَّلاً في الجنين، ولا تُشاهد خلية واحدة من خلايا اللحم إلا بعد ظهور خلايا العظام، وتمام الهيكل العظمي للجنين. وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بعض هذه المراحل الَّتي يمُرُّ بها كلُّ جنين، فقد جاء في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمِّه أربعين يوماً نُطفةً، ثمَّ يكون علقة مثل ذلك، ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذلك، ثمَّ يُرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويُؤْمَر بأربع كلمات: بكَتْب رزقه وأجله وعمله وشقيٌّ أو سعيد..»؛ وهذه الكتابة ليست كتابة إجبار وقهر، ولكنَّها كتابة علم بما سيكون عليه هذا المخلوق في المستقبل، فالإنسان مخيَّر في أقواله وأفعاله ومعتقداته وليس مسيَّراً ولا مجبراً. فهذا الإنسان ذو الخصائص المتميزة، والَّذي يشبه جنينه جنين الحيوان في أطواره الجسدية، ومع ذلك فإنه ينشأ خلقاً آخر، ويتحوَّل إلى مخلوق مستعدٍّ للارتقاء (المعرفي والرُّوحي)، بينما يبقى جنين الحيوان في المراتب الدُّنيا، مجرَّداً من خصائص الارتقاء والكمال الَّتي يمتاز بها الإنسان.

    والآيات الَّتي تحدَّثت عن الخلق توحي بعظمة الخالق وقدرته وكأنه تعالى يقول فيها: لقد خلقناكم على هذا النمط البديع، لنبيِّن لكم جميل نظامنا، وعظيم حكمتنا، ونبين لكم بهذا التدرُّج قدرتنا، وأن من قدر على خلق البشر من تراب أوَّلاً، ثمَّ من نطفة ثانياً ـ ولا تناسـب بين التراب والماء ـ قادر على أن يجعل النطفة علقة ـ وبينهما تباين ظـاهر ـ ثمَّ يجعل العلقة مضغة، والمضغة عظاماً، وقادر أيضاً على إعادة ما بدأه، بل هذا أَدْخَلُ في القدرة، وأهون في القياس. وهو الَّذي يُثَبِّت الحمل في أرحام الأمَّهات، ويقرُّ ما يشاء من هذا الحمل حتَّى يتكامل خلقه إلى زمن معين هو وقت الوضع، ثمَّ يخرج هذا الجنين طفلاً ضعيفاً في بدنه وسمعه وبصره وحواسِّه، ثمَّ يكتسب القوَّة بإذن الله شيئاً فشيئاً حتَّى يبلغ كمال قوته وعقله. فكم بين الطفل الوليد والإنسان الشديد من مسافات في المميزات أبعد من مسافات الزمان، تتم بيد القدرة المبدعة الَّتي أودعت الطفلَ الوليد كلَّ خصائص الإنسان، وكلَّ الاستعدادات الكامنة الَّتي تتبدَّى فيه وتتكشَّف في أوانها، كما أودعتِ النقطةَ العالقة بالرَّحم كلَّ خصائص الطفل، وهي من ماء مهين.

    ثمَّ يخبرنا تعالى عن عظيم حكمته، فقد جعل أعمار الناس متباينة كتباين صفاتهم وسماتهم؛ فمن الناس من يُتوفَّى شابّاً، ومنهم من يطول به العمر؛ فيصبح صفحة مفتوحة للتدبُّر، فبعد العلم والرُّشْد وبعد الوعي والاكتمال، إذا به يرتدُّ عند شيخوخته طفلاً في عواطفه وانفعالاته، وكذلك في ذاكرته الَّتي قد تعينه حيناً وتخونه أحياناً، وقد يرهق ذهنه ويثقل فينفلت من عقال، بعد أن كان يختال بهذا العلم في شبابه ويتطاول، ويظن أن الشباب والقوَّة دائمان، قال تعالى: {الله الَّذي خَلَقَكُم من ضَعْفٍ ثمَّ جعلَ من بعدِ ضَعْفٍ قوَّةً ثمَّ جعلَ من بعد قوَّةٍ ضَعْفاً وشَيْبَةً..} (30 الروم آية 54) لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجُبْن، وأعوذ بك أن أُردَّ إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر» (رواه النسائي عن سعد رضي الله عنه ).

    كلمات مفتاحية  :
    مولد نشأة الإنسان

    تعليقات الزوار ()