في مضمار الحياة الدنيا وفي حديقتها المفعمة بروائح الأزهار الجميلة مضيت ابحث عن تلك الوردة التي تكون عونا لي في ديني و دنياي…مضيت و أنا ككل شاب في مقتبل العمر يبحث عن خليلة تروح عنه ماسي الحياة و ترفع من كونه شابا عازبا لا يتحمل المسؤولية آخذا و ليس معطيا إلى رجل و رب بيت و زوج امرأة وأبا لأطفال…تلك المسؤولية التي وجب على كل فرد من المجتمع أن يتحملها و يؤديها حقها ويتخذ أسبابها…بكل هذا يكون قد دفع عجلة التطور للأمام وحافظ على الفضيلة و انتج بفضل الله أسرة بل أمة خير من ألف مصنع و تكنولوجيا…كان هذا مشروع حياتي و لا يزال و لكن تغير الأمر عندما أصبحت حبيبتي أسيرة…
كانت أمي الكريمة دائما تعاتبني على الشروط التي اشترطتها في المرأة المنشودة و كانت دائما تردد : "يا بني أنى لي أن أجد هذه التي تتمنى…إن الأزمان قد تغيرت و ندرت تلك المرأة المسلمة الكريمة المحافظة عل شرفها و عزها و دينها…" وافقتها على ذلك إلا أنني اعترضت وقلت :" يا أمي الحنون إن الله يعلم أن قلبي معلق بتلك التي باعت نفسها لله…"كنت أقول هذا و الناس لا يفهمون قصدي.كانوا يلومونني ويقولون أني لست واقعيا بل أعيش في خيال مجنح لن يتحقق…ولكني أصررت و أظهرت ما كنت اسر وقلت إن التي أريد فلسطينية…اندهش الأهل و الأصحاب و الأحباب وظنوا أنى قد جننت و قالوا : "ما الذي دهاك يا قيس عصرنا …ما بالك و ما بال أهل فلسطين…انهم هناك يعانون الويلات و أنى لك أن تطير إلى هناك ودول الطوق تقطع راس كل مبادر وترقب النملة التي تريد العبور إلى الأرض المقدسة… "
وفي يوم من الأيام جمعت الأهل و الأصحاب و الأحباب و كانوا ما بين طفل و شيخ و عجوز و شباب …قمت يومها فوق منصة عالية أعلن ما في قلبي من شوق للحبيبة الأسيرة…وبدأت مخاطبا إياهم وكانت أعينهم ترمقني بين الحين و اللحظة و الكل ينتظر كلماتي علها تنبؤ بشيء جديد… علها تفصح عن حقيقة المرأة التي أشدو و انشد بها…كنت اسمع همسات أصواتهم الحائرة وارى أيديهم تشير إلي كأني متهم بدون جريمة…ويمر الوقت و يجتمع الكل فصعدت إلى منصة عالية بعض الشيء …انظر إليهم فلا أرى إلا رؤوسا لو طرقتها لسمعت دويها ربما لأنها كانت خاوية…وانطلقت كلماتي كالرصاص يدوي ولم تكن موجهة لهؤلاء فقط بل لكل العالم…تمنيت لو أن صرختي غاصت في بحار النفوس ودقت أبواب القلوب لتوقظها من نومها العميق و تصرخ فتقول:
"يا من تظنون بي الجنون و يا من تعتقدون أن تلك التي جعلتني قيسا هي امرأة من دم ولحم… إنكم مخطئون…نعم تلك التي أريد فلسطينية و لكن اسمها هو الحرية…نعم أريد أن أحرر هذه الروح المسجونة بين أضلعي و شهواتي الدنية…أريد بيعها لخير مشتر في هذه الأكوان الجلية…أريد أن أعانق الحرية…وان اطلب يدها يوما من أم فلسطينية…أريد أن أفك اسري من ظلم و جور و عبودية …أريد أن اجتمع معها في ساحة الأقصى ذو القبة الصفراء الأبية…أنا ادري أن يوم زفافي يوم ألقى الأحباب في الأرض الفلسطينية…يوم اجتمع مع الطفل صاحب الحجر المدوي…يوم امسح دمع الام الباكية الزكية…يوم اثخن في بني صهيون وافجر كل دبابة إسرائيلية…ويوم اقتل شهيدا و أودع هذه الحياة إلى الجنة المرضية"