لاشك أن الخطوات الأولى للمرء في طريقه إلى الاستقامة تمثل الأساس الأهم لما سينبني عليه فيما بعد كل التكوين الفهمي والتربوي والسلوكي لذلك المبتدئ في الطريق فإن من صحت بدايته ووفقه الله فقد صحت نهايته بمعونة الله , وصوابية الابتداء تعتمد بشكل أساسي على المنهجية الصحيحة التي يطبقها المربون مع هؤلاء الأشخاص المبتدئين في الطريق ..
وكثيرا ما يتردد المربي ويتحير حول كيفية الابتداء وحول المحاور الأساسية التي يركز عليها في بداياته مع المدعو ..ومن أين يبدأ وحول ماذا يدندن ؟
ونحن هنا نقدم تصورا مختصرا لتلك المحاور التي ينبغي ألا يهملها المربي في تلك الفترة الابتدائية المؤثرة فيقوم المربي بالاهتمام بكل محور على حده في عدة أيام ويقوم بالشرح والبيان حول كل محور وبتطبيق المناسب منه بصورة عملية وأن يتابع في ذلك ويكرره طوال فترة الابتداء :
أولا : كشف حقيقة المتاع ..
فيهتم المربي بالحديث حول قيمة الدنيا وقيمة متاعها وسرعة انقضائها وزوالها وقلة زادها وبعد سفرها وإغوائها للإنسان والرغبة في الآخرة والمسارعة نحو الجنة والتذكير بمتاعها ومستقرها والحياة الكريمة فيها .
ثانيا : عقد لا ينفك ..
ونقصد به ما يعقد المرء عليه قلبه من عهد مع الله سبحانه , فيؤكد المربي في تلك الفترة الأولى على صدق العهد مع الله والوفاء بذلك العهد , والاستجابة لله ورسوله لما يحييه حياة السعداء , كما يبين له قيمة الوفاء بالعهد مع الله وجزاؤه وأنه شيمة الصادقين .
ثالثا : ضرب المثل وتكوين المرجعية ..
فيهتم المربي بضرب الأمثال بأبطال الإسلام وقادته وعظمائه وحثه على اقتفاء سبيلهم في الصدق والعبودية واعتبارهم قدوة في البذل والعطاء .
رابعا : الصلاة ..الصلاة
يؤكد المربي في الفترة الأولى للمدعو على قيمة الصلاة وقيمة التبكير إليها وأهمية ختم الصلاة والآثار المتعلقة بذلك والأذكار المقروءة مع تبيين معناها وشرح مقصودها سعيا وراء الخشوع في الصلاة .
خامسا : الاستغفار ..
يبين المربي هنا المقصود من الاستغفار ويحثه عليه ويكون المربي نفسه قائم عليه , ويعلمه أن يتبع الاستغفار بعد كل تقصير وعند كل غفلة .
سادسا : الأذكار ..
التدريب والمتابعة والتعليم والحفظ للأذكار سواء ما يتعلق منها بالصباح والمساء أو الأذكار المرتبطة بالأوقات المختلفة والوظائف المختلفة , بحيث يعتادها وينتظم عليها , ويستشعر لذتها وحلاوتها ويشعر بالارتباط بها وبأنها نوع من الصلة بالله .
سابعا : أحاديث الدعوات النبوية ..
وأعني بها هنا الأحاديث النبوية التي تبين كيف كان يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم , وشرح معناها له وتبيين شمولها ورفعة قدرها وكونها من جوامع الكلم وأفاضل الدعاء , ثم محاولة التدريب عليها تطبيقا والتزاما .
ثامنا : المحاسبة الذاتية ..
وهي عادة حسنة يحث المربون تلاميذهم عليها حثا ويتابعونهم فيها بصورة دورية , وتتعلق بمحاسبة النفس كل مساء وقبل الخلود إلى النوم , والوقوف على الأخطاء اليومية وتدوينها والاستغفار منها والعزم على عدم العودة إليها غدا ..
تاسعا : تنظيف القلب من الدرن ..
وأقصد به التأكيد الدائم على المدعو بنبذ الشركيات بجميع علاماتها كبيرها وصغيرها ظاهرها وخفيها وتصفية علامات التوحيد الشفافة البيضاء دوما وفي كل حين .
عاشرا : الأوراد والارتباط بها ..
فيعلمه الانتظام على ورد يومي من قراءة القرآن الكريم وبعض أحاديث الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم بصورة مستديمة ومستمرة بحيث يرتبط قلبه بالقرآن والسنة ويختلف الورد باختلاف الأشخاص وأحوالهم وللمربي تقييم ذلك بنفسه .
حادي عشر : المتابعة الشخصية ..
فعلى المربين متابعة شئون المدعو الشخصية, وتوجيهه إلى الاهتمام بدراسته والتفوق فيها وتحسين النية في ذلك, وجعلها لخدمة الإسلام, وكذلك تشجيع كل صاحب مهنة أو وظيفة أو تجارة أن يتميز فيها وينجح, ومساعدته في ذلك, وتوجيهه للاهتمام بعمله وبالالتزام بالأحكام والأخلاق الإسلامية في عمله والمتابعة والتوجيه في ذلك .
ثاني عشر : الإنجاز والإيجابية ..
فيقوم المربي بتوجيهه ومتابعته نحو الإنجاز والإيجابية والجدية في كل عمل يتولى عمله مقتديًا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه , كما يوجهه دوما نحو الإصلاح لمجتمعه وأمته وأسرته ويدفعه دوما نحو النجاح والتميز في عمله وتخصصه ليرقى مجتمعه وتتميز أمته .
ثالث عشر : الرجولة والمروءة ..
فيحثه المربي على صفات الرجولة ومعاني المروءة ويبين له كيفية تطبيقها , ويعلمه أخلاق الفروسية الإسلامية من العفو عمن ظلمه وإعطاء من حرمه ونجدة الملهوف وإصلاح ذات البين
رابع عشر : الصحبة المؤمنة ..
يهتم المربي كثيرا في تلك المرحلة بأصدقاء وصحبة تلاميذه ويحرص على انتقاء الصحبة المؤمنة لهم ويعلمهم معنى الصحبة الإيمانية وكيف أنهم لا يتعاونون مع أحد إلا بالبر والتقوى وأنهم لا يجتمعون إلا على الخير الحديث النافع المصلح .
خامس عشر : الحياة الإسلامية ..
وأقصد بها هنا أن يشجع المربي المدعو أن يحيا حياته الطبيعية ولا يغترب عن الناس ولا ينطوي عنهم ولا يحتجب ولا يتقوقع عن أصحابه والمجتمع الذي يعيش فيه, وأن يقبل على الحياة الإسلامية السعيدة, وأن يجعل يومه كله يومًا إسلاميًا سعيدًا, وأن يستمتع بالمتاع المباح وبالطيبات من المأكل والمشرب والأفعال والأقوال, وليحذر من التشدد والتعسير على نفسه وعلى الناس, وليلزم التبسط والتيسير على نفسه وعلى الناس, ما دام في حدود المباح في شريعة الله.
سادس عشر : الورع ..
يعلمه كذلك الورع وترك الشبهات في المال والمأكل وحقوق الناس , ويعلمه أن يتقي الله في تعامله مع الخلق وتكسب الرزق وأن يعود نفسه تحري الحلال الطيب .
سابع عشر : المرجعية العلمية ..
فيهتم المربي بتعويده أن يجعل مرجعيته هم العلماء المصلحون الأتقياء وأن ينطلق من رؤيتهم وأن يتعلم بعلمهم ويتأدب بآدابهم.