يحتل الجمال كمفهوم فلسفى مكانة خاصة فى الفلسفة العامة ، فكيف تعامل الفكر الإسلامى المعاصر معه ؟
والجواب :
لقد تَبَنَّي المسلمون الجمال والرحمة عبر العصور، الجمال بمعناه الواسع الذي يتعدى الجمال الفلسفي، الذي يقتصر على ما يتعلق بالبصر والمشاهدة بالعين، في حين أن المسلمين قد ارتفعوا به إلى البصيرة وإلى اعتقادهم أن الجمال من صفات الله تعالى، ففي الحديث الشريف: «إن الله جميل يحب الجمال»(1).
وجمال مدرسة السلطان حسن ومسجده في ظاهرها وحقيقتها ومضمون الرسالة التي أرادها السلطان حسن، نموذج للجمال عند المسلمين ، وعلينا أن نعرف كيف نحيي هذه الأغراض الجليلة في عصرنا، فالحضارة الإسلامية مستمرة لم تمت، وإن كانت قد تخلَّت عن القيادة والريادة، وتخلَّت عن المساهمة والإفادة، وتخلَّت عن اليقظة والإيقاظ، ولكن بقاء لغتها وبقاء كتابها وبقاء تراثها، واستمرار ميراث الدين الذي بنيت عليه من جيل إلى جيل - يؤكد عدم موتها وبقاءها، فهي في حالة نوم قابلة للإيقاظ ولا تحتاج إلى إحياء من موت وبعث بعد وفاة.
1- لقد فطر الله النفس البشرية على حب كل جميل، والنفور من كل قبيح، جعل الله الميل للجمال أمرًا طبعيًّا في الفطرة السليمة، فطبع الإنسان ينفر من كل منظر وخلق وصوت قبيح، وجعل الله الجمال كذلك أمرًا محثوثًا عليه في شرعه الشريف، ففي الجمال اجتماع للأمر الكوني والأمر الشرعي في انسجام باهر.
ولذلك حث الإسلام على جمال المنظر، وجمال الأخلاق، والأصوات، والرائحة، والمسلم بخلقه الجميل، وبعبادته لرب جميل، وبالتزامه بشرع جميل، يكون جميلا يشيع الجمال والراحة والطمأنينة في المكان الذي يحل فيه، فالمسلم كالغيث أينما حل نفع، ولنطالع نصوص الشرع الشريف التي ترغب فيه:
ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة تتكلم عن الجمال وتحث عليه منها قوله تعالى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (2). ففي هذه الآيات يمتن الله تعالى على خلقه بالجمال والزينة التي جعلها في الدواب. وقوله تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} (3)، وهذا مشهد جمالي آخر يدعونا ربنا للتأمل فيه وهو جمال السماء وتزينها بالبروج. كما امتن سبحانه على خلقه بجمال حدائق الأرض فقال سبحانه: {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} (4) وقد حث الإسلام على التجمل والتزين عموما - لاسيما عند الذهاب إلى المساجد - فقال تعالى: {يَا بَنِى آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ} (5).
كما ورد الحث على الجمال والاعتناء به في السنة النبوية الشريفة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر». قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنة. قال: «إن الله جميل يحب الجمال؛ الكِبر بطر الحق وغمط الناس»(6).
وعن معاذ بن جبل قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله، إني أحب الجمال، وإني أحب أن أُحمد - كأنه يخاف على نفسه - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يمنعك أن تحب أن تعيش حميدًا وتموت سعيدًا؟ وإنما بعثت على تمام محاسن الأخلاق»(7).
كل هذه النصوص الشرعية تؤكد على قيمة الجمال وأثره في النفس البشرية.
الهوامش:
------------------
(1 ) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «تحريم الكبر وبيانه» حديث (91) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
( 2) الآيات 5: 8 من سورة النحل.
( 3) الآية 16 من سورة الحجر.
( 4) من الآية 60 من سورة النمل.
( 5) من الآية 31 من سورة الأعراف.
( 6) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «تحريم الكبر وبيانه» حديث (91) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
( 7) أخرجه البزار في «مسنده» (7/ 92)، والحارث بن أبي أسامة في «مسنده» (2/ 841) حديث (890)، والطبراني في «الكبير» (20/ 65)، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/ 23).
المصدر : كتاب سمات العصر ، لفضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور على جمعة .